دراسات إسلامية
من أقلام الشباب
فضيلة الشيخ مرغوب الرحمن رحمه الله تعالى
حياته وخِدَماته الإدارية
بقلم: محمد أمجد الديوبندي
الطالب: بقسم اللغة العربية وآدابها بالجامعة
قد شهد تاريخ الجامعة أن فضيلة الشيخ مرغوب الرحمان قام بإدارتها بشكل يفوق الوصف ويرجع ذلك إلى ما كان يتصف به – رحمه الله تعالى – من قدرة على الإدارة والعمل الجَماعي الذي يتطلّبُ مرونةً وحزمًا في بصيرةٍ. وفوق ذلك علمًا في فهم وتعمّق وأهلية في ذكاء ودين. يؤهله لرئاسة أكبر جامعة إسلامية في شبه القارة الهندية.
وُلِد – رحمه الله – عام 1333هـ = 1914م في مدينة «بجنور» من ولاية أترابراديش الهند في أسرة صالحة متديِّنَة ثريّة شهيرة بالمروءة والسخاء ورحابة الصدر.
تعلّم الفقيد العلوم البدائية في «المدرسة الرحيميّة مدينة العلوم» بجامع مدينة «بجنور» التي كان يشرف عليها والده الكريم، ثم التحق بأمر والده لتلقي العلوم المتوسطة والعالية بالجامعة الإسلامية: دارالعلوم/ ديوبند عام 1348هـ = 1929م، وتخرّج فيها عام 1351هـ = 1932م، فقرأ الصيحيح للإمام البخاري والسنن للإمام الترمذي على شيخ الإسلام/ السيد حسين أحمد المدني – رحمه الله تعالى – وبقيّة كتب الأحاديث المتداولة وكتب الفنون على مشايخ آخرين بمن فيهم فضيلة الشيخ محمد إعزاز علي الأمروهوي، وفضيلة الشيخ العلامة محمد إبراهيم البلياوي وغيرهم – رحِمَهم الله تعالى –.
كما نال الفقيد – رحمه الله تعالى – من الجامعة «شهادة المفتي» بعد ما قرأ الكتب المقرّرة على فضيلة الشيخ المفتي محمد شفيع الديوبندي؛ إلا أن الاشتغال بالمهامّ الزراعية والخِدَمَات الاجتماعية والدينيّة لم يمكّنه من الاستمرار في الأعمال العلمية والتدريسيّة؛ ولكنه ظل دائم العلاقة مع الجامعة الإسلامية: دارالعلوم/ ديوبند، حيث ورث هذه العلاقة من سلفه المخلصين الذين ظلّوا عاكفين على خِدَماتها بشتى الأشكال المادية والمعنوية، ثم عُيِّن عضوًا في مجلس الشورى للجامعة عام 1382هـ = 1962م ثم عُيّن رئيسًا مساعدًا لها عام 1401هـ = 1981م، ثم اختير رئيسًا مستقلاً لها في شهر شوال عام 1402هـ الموافق أغسطس عام 1982م ومنذ ذلك الوقت واصَلَ إدارةَ شؤونها بحكمةٍ ورويّةٍ كما أن له يدًا في تطوير الجامعة على جميع المستويات التعليمية والبنائية.
فعلى مستوى الإنجازات البنائية يرجع إليه الفضل في إنشاء الجامع الكبير داخل الحرم الجامعي باسم «جامع رشيد» الذي يُعد دُرّة يتيمة في الهندسة والبناء، ومن أوسع الجوامع في شبه القارة الهندية، كما تم على عهده إنشاء مبانٍ كثيرة شامخة متينة تجمع بين الجمال الهندسي المعماري الإسلامي التقليدي وبين الطراز الحديث للهندسة والبناء، بما فيها مباني السكن الطلابي العديدة ومباني الفصول الدراسية، وخزانة ماء ذات قوة استيعابيـة كبـيرة، ومبنى المكتبـة المركـزية قيد الإنشاء ومبنى «حكيم الأمة» لتحفيظ وتجويد القرآن الكريم، ومبنى «شيخ الإسلام» ومبنى «شيخ الهند» للسكن الطلابي ومبانٍ عديدة للسكن العائلي للأساتذة والموظفـين إلى جانب إعــادة بنـاء مبنـى السكن الطلابي الشهير بـ«الدار الجديدة» وإعادة بناء مبنى «دارالضيافة».
وعلى صعيد الإنجازات التعليمية، أنشئت – إلى جانب إدخال التعديلات الإيجابية المثمرة على المنهج الدراسيِّ العام وتطوير المسيرة التعليمية العامة – أقسام عديدة، من بينها «قسم التخصص في الحديث الشريف» ومدة الدراسة فيه سنتان، وقسم «تكميل العلوم» وله سنة واحدة، و«قسم صيانة ختم النبوة»، و«رابطة المدارس الإسلامية لعموم الهند»، و«قسم صيانة السنة النبوية»، و«قسم الرد على المسيحية» وما إلى ذلك من الأقسام.
وبالنسبة إلى النظام المالي للجامعة، فقد شهد تطوُّرًا ملموسًا مدهشًا؛ حيث كانت ميزانيتها لا تتجاوز حين استقالة رئيس الجامعة السابق سماحة الشيخ المقرئ محمد طيب – رحمه الله تعالى – ستة ملايين روبية هندية، أما في زمنه – رحمه الله تعالى – فقد قاربت (140) مليون روبية.
وكان الفقيد – رحمه الله رحمةً واسعةً – خبيرًا جدا بالحياة وبالناس، وبصيرا بمؤهلات من يحتكون به من الأساتذة والمنسوبين في الجامعة، ويعامل كلا منهم صادرًا عن معرفته العميقة بهم؛ فكان يُنزل كلاً منهم منزلاً يليق به، وعن هذه المعرفة يصدر في احترام الكلّ، وإعطائه من التقدير والعطف والاهتمام ما يستحقه وإن كان يحب الجميع صدورًا عن خلقه المعجون بالتواضع وحب الناس على اختلاف مؤهلاتهم وتوجهاتهم؛ فلم يَشْكُ أيٌّ من الأساتذة والمنسوبين والموظفين في الجامعة قطُّ أيّ سلوك منه أذاه بشكلٍ؛ بل يحسبون أنه يحبهم جميعا حبا مساويا أو حبا أكثر من حبه للجميع.
وكان – رحمه الله تعالى – بالنسبة إلى شخصه بسيطاً في المأكل والملبس زاهدًا في الوسائل يلبس الأبيض من الثياب وكان سكنه في الجامعة بسيطا لم يُزوّد بالوسائل الغالية رغم كونه ثريّا أبا عن جدّ.
وكان – رحمه الله تعالى – محافظاً على الصلاة بالجماعة إلى محافظته على قيام الليل وصلاة التهجد، وكان دائم الدعاء والتضرع إلى الله تعالى ويواظب على صلاة النوافل من صلوات الضحى والأوّابين وما إلى ذلك، وكان يحب الصالحين كثيرًا وكان يبكي لذكر بعضهم، وكان يحب ذكرهم ويُحب أن يستمع إلى قصصهم على ألسنة من يحضرون إليه.
قد أفل هذا النجم في الساعة العاشرة والنصف من صباح يوم الأربعاء: غرة محرم الحرام 1432هـ = الموافق 8/ديسمبر 2010م كان – رحمه الله تعالى – لدى وفاته في 99 من عمره بالقياس إلى التقويم الهجري وفي 96 من عمره بالنسبة إلى التقويم الميلادي.
رحمه الله تعالى وأدخله فسيح جناته، وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان، ولا حرمنا أجره ولافتننا بعده.
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، شعبان 1436 هـ = مايو – يونيو 2015م ، العدد : 8 ، السنة : 39