الفكرالإسلامي

بقلم:     د. عبد الحليم عويس رحمه الله

المتوفى 15/محرم 1433هـ = 10/ديسمبر 2011م

          منذ قرن ونحن نعيش محاولات الحصول على الاستقلال الوطني والقومي.

       ولقد نجح الاستعمار في تفريغ هذا الاستقلال من معانيه بعد أن اضطر مرغما إليه، وقد هبطت الأمة إلى مستوى من التشرذم والتخلف والديون والتبعية والتنكر لثوابتها (في عصر الاستقلال) لم يكن الاستعمار يحلم به!!، والواقع اليوم يفرض على الأمة صلحًا عامًا، في ضوء الثوابت… وهو صلح لابُدّ منه!!

       واجتهادًا منِّي أقدم الآن بعض معالم المستقبل من موقفي، وأرى أن أكبر التحديات التي تواجه أمتنا هو الصراع الحادّ والصامت بين الحكام والمحكومين… وبين طوائف المثقفين وكثير من الغيورين على مستقبل الأمة.

       وأنا بالطبع لا أقبل إزالة هذا الصراع على أساس التنازل عن الإسلام (عقيدة وشريعة وحضارة) كما يريد عدد كبير من المستغربين في العالم الإسلامي، أو على أساس التنازل عن (لغة القرآن) وتحويلنا إلى مسخ لغوي مشوّه من الإنجليزية والفرنسية… إن مثل هذا الصلح صلح مشؤوم تهون الحياة في سيل مقاومته. والموت أشرف منه ألف مرة!!

       إنه الموت والذوبان… الذي ينتهى بنا إلى أن تطوى صفحتنا من التاريخ، ونكون خدمًا وقرودًا ومسخًا بشريًا أو (بروليتاريا) يعيش عيشة العبيد على فتات الحضارة الأوربية!!

       لكني أقبل صلحًا؛ بل أدعو إليه، مع كل الحكام المخلصين المنتمين إلى دين الأمة وحضارتها، قائمًا على ركائز ثلاث مترابطة:

       أولاها: الإيمان بالإسلام الشامل المتوازن الذي يغرس احترام الحياة والمال والعرض والدين والعقل في الوعي الإسلامي من خلال العبادات والعلاقات والمعاملات، كما جاء في القرآن والسنة.

       وثانيتها: التدرج في التطبيق فيما لايمكن تطبيقه فورًا… بسبب أن الأوضاع الاقتصادية والسياسية وتواكل الأمة وعدم استغلالها لمواردها، وقلة إنتاجيتها، واعتمادها على الاستيراد حتى في أساسات حياتها وتربية بعض أبنائها… كل هذه العوامل تحول دون الاستغناء عن القوى المعادية لعقيدة الأمة ومنهج حياتها… في الظروف الحالية، وحتى تنهض الأمة من كبوتها.

       وثالثتها: مع تغيير هذا الواقع المتخلف الذي لا يليق بالفرد المسلم، ولا بالحكومة المسلمة، ولا الأمة المسلمة، وعندما يصبح استقلال الدولة المسلمة استقلالاً حقيقيًا لاشكليًا، فتستقل في السياسة والصناعة والزراعة والثقافة والعلوم والتكنولوجيا المتطورة… فإن تطبيق الإسلام كله سيكون هو النتيجة التي تفرض نفسها على الجميع… ويستطيع الحكام والمحكومون العيش في ظل الحضارة الإسلامية، ومعهم – في سلام كامل – المواطنون من غير المسلمين، فحضارتنا – في تسامحها مع الآخر ومما يناله – أوفى من الحضارة الأوربية الأمريكية… وتاريخنا شاهد على ذلك…!!

*  *  *

       والحق أنه لا بد من الانطلاق من الثوابت والكليات الإسلامية التي تتّصل بالفطرة والقوانين الإلهية الثابتة وعلى رأسها:

  1. العدل (والتراحم)
  2. والشورى
  3. والمساواة
  4. والحرية بضوابطها الشرعية
  5. والجهاد دفاعا عن الدين ومبادئ الحق بضوابطها الشرعية في إطار النظام العام، وبحيث لا تكبل الأمة من جانب، ولا يصح الأمر فرضاً وتلغى الدولة من جانب آخر.
  6. إشاعة الاستقامة على منهج الله ورسوله من خلال الوسائل الإعلامية والتربوية والثقافية.
  7. الاجتهاد بما يوائم متطلبات الحياة المتجددة.
  8. الرحمة من الراعي على ما استودعه الله من رعيته، مع ربطها بالعدل، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول في بيتي هذا: «اللهم من وُلِّيَ من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن وُلِّيَ من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به» (رواه مسلم والنسائي).
  9. الموازنة في الممارسة والتطبيق. وقد توعّد الرسول – صلى الله عليه وسلم – المتنطعين بالهلاك.
  10. اليُسر على عباد الله كسمة عامة، فقد أمر رسول الله بالتيسير (يسِّروا ولا تُعسِّروا وبشِّروا ولا تنفروا) متفق عليه.
  11. النهي عن الاختلاف والفرقة (وبالتالي الحرص على الوحدة السياسية والفكرية للأمة) فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حمل علينا السلاح فليس منا» (أخرجه البخاري)، وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ستكون أثرة وأمور تنكرونها. قالوا: يا رسول الله، فماذا تأمرنا؟ قال: تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم» (أخرجه البخاري).

       ولعل في الانطلاق من هذه الثوابت ما يكفل – بإذن الله – عبور هذا الواقع الذي لا يليق بالأمة التي دستورها القرآن ونبيها محمد خاتم الأنبياء -عليهم السلام-.

*  *  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم  ديوبند ، ربيع الثاني 1436 هـ = يناير-فبراير 2015م ، العدد : 4 ، السنة : 39

Related Posts