دراسات إسلامية
بقلم: أبو عايض القاسمي المباركفوري
إن الإنسان جبل على حب الملذات فيما يأتيه من الأعمال. ولقد مَنَّ الله تعالى على عباده بمنحة التلذذ بالعبادة، ولذة العبادة هي ما يجده المسلم من راحة النفس وسعادة القلب، وانشراح الصدرحين يقوم بعبادة من العبادات، ولا شك أن هذه اللذة تتفاوت درجات كثيرة تفاوت الناس في قوة الإيمان وضعفه. ولقد شرح النبي –صلى الله عليه وسلم- أن للطاعة حلاوة يجدها المؤمن. فروى الشيخان من حديث أنس – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله و رسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يلقى في النار»(1).
والناظر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسير السلف الصالح يجد ما يتعجب منه من كثرة الصلاة و طول القيام فيها، وصبرالنفس على المكاره؛ كل ذلك يدل على أن هناك شيئًا يحملهم على الإقبال على عبادتهم من غيرملل، والوقوف فيها من غير أن يُلقوا بالاً لما يَلقونه من النصب والتعب. وأن ثمة شيئا ينسيهم هموم النفس وهواها ويورث قلوبهم تعلقاً يشغله عن الشعور بالإرهاق والتعب أوحتى الالتفات إلى الأقدام تتورم ثم تتفطر ثم تتشقق من عناء طول القيام.
أجل، إنها لذة الطاعة، وحلاوة المناجاة، والاستيناس بالخلوة بالله، وسعادة العيش في رضوان الله تعالى؛ فيجد المؤمن في نفسه سكينة، وفي قلبه راحة، وفي روحه خفة وسعادة وكل ذلك يجلب عليه لذة لا يضاهيها شيء من ملذات الدنيا ونعيمها ومتعها وهوى النفس وشهواتها.
و كان رسول الله يقول لبلال رضي الله عنه: «أرحنا بالصلاة يا بلال»(2)؛ لما يجده فيها من اللذة و السعادة القلبية، والأنس والسرور بمناجاة ربه، روى الإمام البخاري وغيره عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حتى ترم – أوتنتفخ – قدماه، فقيل له: يا رسول الله أتصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: أفلا أكون عبدًا شكورًا؟(3).
وروى البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة، فلم يزل قائمًا حتى هممت بأمر سوء. قلنا: وما هممت؟ قال: هممت أن أقعد وأذر النبي صلى الله عليه وسلم(4).
و هذا النوع من لذائذ القلوب والنفوس لايذوقه إلا السالكون على درب نبيهم والمهتدون بهديه و المستنون بسنته، والذين جاهدوا أنفسهم وصبرو وثابروا حتى ذاقوا حلاوة الطاعة، فلما ذاقوها طلبوا منها المزيد بزيادة الطاعة، فلم يزدادوا عبادةً إلا ازدادوا لذةً فوق لذتهم، فهذاأبو الدرداء يقول: لولا ثلاث ما أحببت البقاء: ساعة ظمأ الهواجر، والسجود في الليل، ومجالسة أقوام ينتقون جيد الكلام كما ينتقى أطايب الثمر(5). وعن سعيد ابن جبير، قال: لما احتضر ابن عمر، قال: ما آسى على شيء من الدنيا إلا على ثلاث، ظمأ الهواجر، ومكابدة الليل، وأني لم أقاتل الفئة الباغية التي نزلت بنا، يعني الحجاج(6).
وعن بلال بن سعد عن معضد قال: لولا ثلاث: ظمأ الهواجر وطول ليل الشتاء ولذاذة التهجد بكتاب الله عز و جل ما بالبيت أن أكون يعسوبا(7).
وعن قتادة أن عامر بن عبد قيس لما احتضرجعل يبكي، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: ما أبكي جزعاً من الموت، ولا حرصاً على الدنيا؛ ولكني أبكي على ظمإ الهواجر، وعلى قيام ليل الشتاء(8).
صور من لذة العبادة:
الأصل أن يجد المؤمن لذة وحلاوة لكل عمل يتقرب به إلى الله تعالى، ونتناول فيما بعض صورلذة العبادة فمن ذلك:
أولاً: لذة الإيمان:
فالإيمان له لذة لا تعدلها لذة من لذائذ الدنيا الفانية؛ فعن أنس – رضي الله عنه – قال: قال النبي: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان…»(9).
ثانياً: لذة الصلاة:
لا شك أن جنس الصلاة لذيذة عند عباد الله تعالى، وأن المصلي يلتذ بها، ويجد فيها راحته، وطمانينته. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد هذه اللذة؛ فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حُبِّب إليَّ من دنياكم النساء والطيب وجُعلَت قرة عيني في الصلاة»(10). كان يقول لبلال: «قم يا بلال فأرحنا بالصلاة»(11)، ولم يقل: «أرحنا منها»، كما هو شأن بعضنا.
هذا عروة بن الزبير أصابته في رجله الأكلة فأرادوا قطعها، فعرضوا عليه أن يشرب شيئا يغيب عقله حتى لا يحس بالألم ويتمكنوا من قطعها، فقال: ما ظننت أن أحدا يؤمن بالله يشرب شيئا يغيب عقله حتى لا يعرف ربه عزوجل، ولكن هلموا فاقطعوها فقطعوها من ركبته وهو صامت لا يتكلم، وروي أنهم قطعوها وهو في الصلاة فلم يشعر لشغله بالصلاة فالله أعلم(12)؛ فقد أنْسَتْه لذة الصلاة وحلاوتُها مرارة الألم.
ثالثاً: لذة قيام الليل:
يروى في الأثر عن نافع بن عمر قال: قالت أم عمر بن المنكدر لعمر: إني أشتهي أن أراك نائماً؟ فقال: يا أماه! والله! إن الليل ليَرِد عليَّ فيهولني، فينقضي عني وما قضيت منه أربي»(13). وقال الفضيل بن عياض: إذا غربت الشمس فرحت بدخول الظلام لخلوتي فيه بربي، فإذا طلع الفجر حزنت لدخول الناس علي(14).
قال أبو سليمان الدارني رحمه الله: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم و لولا الليل ما أحببت الدنيا(15) وقال ثابت البناني رحمه الله: ما شيء أجده في قلبي ألذ عندي من قيام الليل(16).
و قال عمر بن ذر رحمه الله: لما رأى العابدون الليل قد هجم عليهم ونظروا إلى أهل السآمة والغفلة قد سكنوا إلى فرشهم ورجعوا إلى ملاذهم من الضجعة والنوم قاموا إلى الله فرحين مستبشرين بما قد وهب لهم من حسن عبادة السهر وطول التهجد فاستقبلوا الليل بأبدانهم وباشروا ظلمته بصفاح وجوههم فانقضى عنهم الليل وما انقضت لذتهم من التلاوة ولا ملت أبدانهم من طول العبادة فأصبح الفريقان وقد ولى عنهم الليل بربح وغبن أصبح هؤلاء قد ملوا النوم والراحة وأصبح هؤلاء متطلعين إلى مجيء الليل للعبادة. وشتان ما بين الفريقين(17).
رابعاً: لذة قراءة القرآن وتلاوته:
وقد حفظ لنا التاريخ عن عثمان – رضي الله عنه – في لذة قراءة القرآن الكريم حيث قال: لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله عز وجل(18) قال ابن القيم: «وكيف يشبع المحب من كلام من هو غاية مطلوبه» إلى أن قال: «فلمحبي القرآن من الوجد والذوق واللذة والحلاوة والسرور أضعاف ما لمحبي السماع الشيطاني»(19).
خامساً: لذة الإنفاق في سبيل الله:
ووجد هذه اللذة أبو الدحداح – رضي الله عنه – فجعل مزرعته كلها لله؛ فعن أنس – رضي الله عنه – أن رجلاً قال: يا رسول الله! إن لفلان نخلة وأنا أقيم حائطي بها فَأْمُره أن يعطيني حتى أقيم حائطي بها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أعطها إياه بنخلة في الجنة» فأبى، فأتاه أبوالدحداح، فقال: بعني نخلتك بحائطي. ففعل، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني قد ابتعت النخلة بحائطي. قال: فاجعلها له فقد أعطيتكها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كم من عذق راح لأبي الدحداح في الجنة» قالها مراراً. قال: فأتى امرأته، فقال: يا أم الدحداح! أخرجي من الحائط، فإني قد بعته بنخلة في الجنة، فقالت: ربح البيع أوكلمة تشبهها(20).
سابعاً: لذة طلب العلم:
قال الشاطبي: «فإن في العلم بالأشياء لذة لا توازيها لذة؛ إذ هو نوع من الاستيلاء على المعلوم والحوز له، ومحبة الاستيلاء قد جُبلت عليها النفوس ومُيلت إليها القلوب، وهو مطلبٌ خاص، برهانه التجربة التامة والاستقراء العام؛ فقد يُطلب العلم للتفكه به، والتلذذ بمحادثته، ولا سيما العلوم التي للعقول فيها مجال، وللنظر في أطرافها مُتسع، ولاستنباط المجهول من المعلوم فيها طريق متبع»(21).
قال ابن الجوزي حاكياً عن نفسه: «ولقد كنت في حلاوة طلب العلم ألقى من الشدائد ما هو أحلـى عندي من العسـل في سـبيل ما أطلب وأرجو، وكنت في زمن الصبا آخذ معي أرغفة يابسة ثم أذهب به في طلب الحديث وأقعد عند نهر عيسى ثم آكل هذا الرغيف وأشرب الماء، فكلما أكلت لقمة شربت عليها وعَيْن هِمَّتي لا ترى إلا لذة تحصيل العلم»(22).
ومن اللذة في طلب العلم في التأليف والتصنيف ما قاله أبو عبيد: «كنت في تصنيف هذا الكتاب كتاب «غريب الحديث» أربعين سنة، وربما كنت أستفيد الفائدة من أفواه الرجال، فأضعها في موضعها من هذا الكتاب، فأبيت ساهراً فرحاً مني بتلك الفائدة»(23).
السبيل إلى تحصيل هذه اللذة:
هل نجده في نفوسناهذه اللذة؟ الحق أنه سؤال محيّر في قلوبنا، والجواب: ليس بعدُ، لم يجدها كلُّنا إلا من رحم الله ووفقه لطاعته، فما السبيل إلى حصول اللذة بعبادة الله والأنس بها والشوق إليها؟ لتحصيل لذة العبادة أسبابًا منها:
أولًا: مجاهدة النفس على طاعة الله تعالى حتى تألفها وتعتادها، وقد تنفر النفس في بداية طريق المجاهدة؛ ولكن إذا شمَّرصاحبها عن ساعد الجد، وكانت عنده تلك الإرادة والعزيمة القوية الصادقة، فسينالها بإذن الله، فالأمر يتطلب مصابرة وقوة تحمل، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 200].
وقال تعالى:﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلوٰةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ [طه: 132].
روى الترمذي في سننه من حديث فضالة بن عبيدالله – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم -قال: «المجاهد من جاهد نفسه»(24) وقال ابن رجب: «واعلم أن نفسك بمنزلة دابتك، إن عرفت منك الجد جدت، وإن عرفت منك الكسل طمعت فيك وطلبت منك حظوظها وشهواتها»(25).
ثانيًا: البعد عن الذنوب صغيرها وكبيرها، فإن المعاصي حجاب تمنع من الشعور بلذة العبادة لما تورثه من قسوة وغلظة وجفاء، وعن جعفر قال: سمعت مالكا، يقول: «ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب»(26).
قال ابن القيم – رحمه الله -: «وكلما كثرت الذنوب اشتدت الوحشة وأمرُّ العيش عيشُ المستوحشين الخائفين وأطيب العيش عيشُ المستأنسين فلو نظر العاقل وَوَازَنَ بين لذة المعصية وما تولد فيه من الخوف والوحشة لعلم سوء حاله وعظيم غبنه إذ باع أنس الطاعة وأمنها وحلاوتها بوحشة المعصية وما توجبه من الخوف والضرر الداعي له(27). اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: «إذا لم تجد للعمل حلاوة في قلبك وانشراحًا في صدرك فاتهمه؛ فإن الرب تعالى شكور، يعني أنه لابد أن يثيب العامل على عمله في الدنيا من حلاوة يجدها في قلبه، وقوة انشراح صدر وقرة عين، فحيث لم يجد ذلك فعمله مدخول»(28).
ثالثًا: ترك فضول الطعام والشراب والكلام والنظر، فيكفي المسلم أن يقتصرفي طعامه وشرابه على ما يعينه على أداء عبادته وعمله، فلا يسرف في الأكل قال تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْـمُسْرِفِينَ﴾ [الأعراف:31].
روى الترمذي في سننه من حديث المقدام بن معدي كرب – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «ما ملأ آدمي وعاء شرًا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه»(29).
قال أحد السلف: راحة القلب في قلة الآثام، وراحة البطن في قلة الطعام، وراحة اللسان في قلة الكلام(30).
وقال ابن القيم – رحمه الله- قال: «ولا تظن أن قوله تعالى ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ﴾ [الانفطار:13،14] مختص بيوم المعاد فقط؛ بل هؤلاء في نعيم في دورهم الثلاثة، وهؤلاء في جحيم في دورهم الثلاثة، وأي لذة ونعيم في الدنيا أطيب من بر القلب وسلامة الصدر، ومعرفة الرب تعالى ومحبته، والعمل على موافقته وهل عيش في الحقيقة إلا عيش القلب السليم، وقد أثنى الله تعالى على خليله إبراهيم – عليه السلام -بسلامة القلب فقال: ﴿وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الصافات:83، 84]، وقال حاكيًا عنه: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء: 88، 89](31).
رابعًا: أن يستحضر العبد أن هذه العبادة التي يقوم بها من صلاة أو صيام أو حج أو صدقة إنما هي طاعة لله و ابتغاء مرضاته، وأن هذه العبادة يحبها الله ويرضى عنه بها، وهي التي تقربه من ربه سبحانه. روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته»(32).
خامسًا: أن يستحضرالعبد أن هذه العبادات لا تضيع ولا تفنى كما تفنى كنوز الدنيا وأموالها ومناصبها ولذاتها بل يجدها العبد أحوج ما يكون إليها، بل إنه ليجد ثمراتها في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة مما هو أجل وأعظم؛ فمن استحضر ذلك لم يبال بما فاته من الدنيا وسُرَّ بهذه العبادات ووجد حلاوتها ولذتها، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾ [طه:112]، روى مسلم في صحيحه من حديث العباس بن عبدالمطلب – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًا و بالإسلام دينًا وبمحمد رسولًا»(33).
موانع لذة العبادة:
لذلك عدة موانع، أهمها:
أولاً: المعاصي والذنوب: يذكرابن الجوزي أن: بعض أحبار بني إسرائيل قال: يا رب كم أعصيك ولا تعاقبني؟ فقيل له: كم أعاقبك وأنت لا تدري؛ أ ليس قد حرمتك حلاوة مناجاتي؟(34).
فمن تأمل هذا الجنس من المعاقبة وجده بالمرصاد، حتى قال وهب بن الورد وقد سئل: أيجد لذة الطاعة من يعصي؟ قال: ولا من همَّ. فرب شخص أطلق بصره فحُرِم اعتبار بصيرته، أو لسانه فحُرِم صفاء قلبه، أو آثر شبهة في مطعم فأظلم سره، وحُرِمَ قيام الليل وحلاوة المناجاة، إلى غيرذلك(35). وقال الثوري: حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته، قيل له: ما هو؟ قال رأيت رجلاً بكى فقلت في نفسي هذا مراء(36). وسئل وهيب بن الورد فقيل له: «متى يفقد العبد لذة العبادة؟ إذا وقع في المعصية، أو إذا فرغ منها؟ قال: يفقد لذة العبادة إذا هم بالمعصية»(37).
ثانياً: كثرة مخالطة الناس: فذلك مما يفقد العبد لذة العبادة، فكثرة المخالطة داء، والتوسط في ذلك هو الحق والعدل.
ثالثاً: تحوُّل العبادات إلى عادات: فإذا تحولت العبادة إلى عادة فُقدَت لذة العبادة وحلاوتها، كما هو مشاهَد.
رابعاً: النفاق: فإذا كان في القلب نوع من النفاق، فإن ذلك يكون ماحقاً ومانعاً لحصول لذة العبادة(38).
* * *
الهوامش:
(1) صحيح البخاري برقم (6941)،وصحيح مسلم برقم (43)
(2) رواه أبوداؤد في الأدب باب في صلاة العتمة[4985]
(3) رواه البخاري في الجمعة باب بَاب قِيَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّيْلَ برقم[1130]
(4) رواه البخاري في الجمعة بَاب قِيَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّيْلَ برقم[1135]
(5) سير أعلام النبلاء للذهبي2/349.ط: مؤسسة الرسالة.
(6) سير أعلام النبلاء2/332.
(7) صفة الصفوة لابن الجوزي3 /43،ط:دارالحديث القاهرة.
(8) أنساب الأشراف 4/203 http://www.alwarraq.com
(9) رواه البخاري في الإيمان باب حلاوة الإيمانبرقم[16]،ومسلم في بالإيمان باب بيان خصال من اتصف بهن برقم[174]
(10) رواه أبوداؤد في عشرة النساء باب حب النساء[3939]
(11) سبق تخريجه.
(12) البداية والنهاية لابن كثير9/120ط: دار إحياء التراث العربي.
(13) صفة الصفوة 5/45.
(14) قوت القلوب لأبي طالب المكي1/71ط: دارالكتب العلمية، بيروت.
(15) صفة الصفوة 2/383
(16) صفة الصفوة 2/155.
(17) التبصرة لابن الجوزي1/31ط:دار الكتب العلمية بيروت.
(18) سيرة عثمان بن عفان رضي الله عنه لعلي محمد محمد الصلابي،ط:أولى، موقع http://www.slaaby.com
(19) الجواب الكافي لابن القيم 1/236ط:دار المعرفة ، المغرب.
(20) معرفة الصحابة لأبي نعيم 5/2882 الناشر: دار الوطن للنشر- الرياض
(21) الموافقات للشاطبي2/32الناشر:دار ابن عفان الطبعة الأولى 1417هـ/ 1997م
(22) صيد الخاطر لابن الجوزي1/248ط:دارالقلم ،دمشق.
(23) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 14/392ط:دارالغرب الإسلامي، بيروت.
(24) قطعة من حديث في سنن الترمذي برقم (1621)، وقال: حديث فضالة حديث حسن صحيح.
(25) راجع مقال الدكتور د. أمين بن عبدالله الشقاوي بعنوان لذة العبادة على الشبكة .
(26) الزهد لأحمد بن حنبل 1/259ط:دارالكتب العلمية بيروت.
(27) الجواب الكافي لابن القيم1/75ط: دارالمعرفة ،المغرب.
(28) المستدرك على مجموع الفتاوى1/153ط:أولى،الناشر:بدو.
(29) سنن الترمذي برقم (2380) وقال: حديث حسن صحيح.
(30) زاد المعاد لابن القيم4/186ط:مؤسسة الرسالة ،بيروت.
(31) الجواب الكافي لابن القيم1/121ط:دارالمعرفة ،المغرب.
(32) رواه البخاري في الصحيح برقم (6502).
(33) رواه مسلم برقم (34).. راجع تفاصيل هذه الأسباب في مقال الدكتور أمين بن عبدالله الشقاوي بعنوان لذة العبادة على الشبكة.
(34) صيد الخاطر لابن الجوزي1/65.
(35) صيد الخاطر لابن الجوزي1/66.
(36) إحياء علوم الدين للغزالي 1/356ط:دارالمعرفة،بيروت.
(37) قوت القلوب لأبي طالب المكي 1/310ط: دارالكتب العلمية، بيروت.
(38) راجع ٍمقال الأستاذ عبده قايد أحمد الذريبي بعنوان لذة العبادة على موقع www.emanway .com/content .
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، محرم – صفر 1436 هـ = نوفمبر – ديسمبر 2014م ، العدد : 1-2 ، السنة : 39