دراسات إسلامية
بقلم: الأستاذ/ سيد محبوب الرضوي الديوبندي رحمه الله
(المتوفى 1399هـ / 1979م)
ترجمة وتعليق: الأستاذ محمد عارف جميل القاسمي المباركفوري(*)
عام 1319هـ وتوفير المصادر والمراجع في المكتبة العامة:
شهدت عام1283هـ -كما أسلفنا – افتتاح المكتبة العامة، وتم توفير الكتب والمصادر العملية حيناً بعد حين. وكان أول شيء بدأوا به توفير المقررات الدراسية وشروحها. ثم زادوا عليها المصادر من غير المقررات الدارسية في مراحل عدة. وتفيد التقارير الدورية لعام1319هـ أن المكتبة تجمَّع فيها عدد لابأس به من مصادر العلوم والفنون المختلفة لنهاية هذا العام. فتقول التقارير: «نحمد الله تعالى على أن وفقنا لتوفير مقدار من الكتب الدراسية وغيرها بما يغطي حاجات الطلاب ويفي بها. فلاتأتي على طالب في صف من الصفوف فاتحةُ أيام الدراسة إلا كان بإمكانه أن يحصل على المقررات الدراسية من المكتبة العامة؛ فقد حوت المكتبة ما لابد منه من الكتب وحواشيها وشروحها في كل علم وفن. كما تحتوي المكتبة على بعض الكتب النوادر. فهي في جملتها مكتبة عامرة عظيمة، إلا أن احتواء التراث الإسلامي من الكتب الإسلامية التي لايحصرها عاد، لا زالت في حاجة إلى مراحل أخرى كثيرة. وستمثل هذه المكتبة مَعلَمًا بارزًا على الهمم البعيدة والسخاء وبسط اليد – مما يتصف به المسلمون – حتى يرث الله تعالى الأرض ومن عليها. ويستحق المولوي عابد حسين – الحاكم الفخري لـ«جون فور»- الشكر والتقديرَ من المسلمين على أنه منح دارَالعلوم مكتبتَه القيمة العامرة ببعض النوادر.
وفي العام ذاته خصصت النواب «السلطانة جهان بيغم» بولاية «بهوبال» تبرعاً سنوياً متمثلاً في ثلاث مئة روبية هندية انطلاقاً من حبها للعلم وحرصها عليه. وليس ذلك غريباً على ولاية بهوبال فقد اشتهرت اشتهاراً عظيما برعايتها للعلم منذ قديم الزمان. وارتفعت كمية التبرعات هذه في الأعوام اللاحقة إلى ألفين وخمس مئة روبية هندية، واستمرت حتى سقطت هذه الولاية المعطاء.
عضوية الشيخ أشرف علي التهانوي والشيخ عبد الرحيم الرائ فوري لمجلس الشورى:
تم اختيار كل من الشيخ أشرف علي التهانوي –المعروف بـ حكيم الأمة (1280-1362هـ)– والشيخ عبد الرحيم الرائ فوري عضوين لمجلس الشورى في عام 1320هـ.
تدشين قسم التجويد عام 1321هـ:
ودرست دارالعلوم اقتراحات عدة في الأعوام الماضية بتدريس علوم التجويد والقراءات، وبذلوا لها مساعي أحياناً كثيرة ًإلا أنها لم توفق لتدشين هذا القسم لعدم توفر الإمكانية المادية الخاصة به. فما إن وافق المجلس الاستشاري هذا العام على قرار يقضي بتدشين هذا القسم توكلاً على الله تعالى وثقةً به حتى هيأ الله تعالى إمكانياته وأسبابه المادية من الغيب؛ فقد وقف القاضي عليم الدين – من أثرياء مدينة شاملي- عقاره الذي كان يدر خمسين روبية سنويةً على دار العلوم. وكان من شروط الواقف أن تنفق هذه الغلات على تعليم القراءات والتجويد. فَعَيَّنت دارالعلومُ المقرئ عبد الوحيد خان – من أجلة تلامذة المقرئ عبد الرحمن المكي – لتعليم التجويد والقراءات في الجامعة.
ومن المصادفات الغريبة أنه تم تدشين قسم التجويد والقراءات بطالب واحدٍ ومدرسٍ واحدٍ كما تم افتتاح دارالعلوم كذلك بطالبٍ واحدٍ ومدرسٍ واحدٍ. وكان هذا الطالب الوحيد الذي بدأ دراسة تجويد القرآن الكريم في جو الجامعة تحول فيما بعد إلى مقرئ نالَ شهرةً واسعةً في عصره في علم التجويد وغيره من العلوم الدينية وعرفه العالم بـ المقرئ حكيم الإسلام محمد طيب – رئيس الجامعة الإسلامية دار العلوم/ديوبند.
وامتد نطاق خدمات المقرئ عبد الوحيد خان التدرسية امتداداً عظيماً. وكلفت دارالعلوم كل طالبٍ دراسةَ علم التجويد منذ قديم الزمان، فلا تجد أحداً من خريجيها ليس على حظٍ من علم التجويد، أو لم يتلق العلم من الشيخ المقرئ عبد الوحيد خان أو تلامذته.
اقتراح بتعليم اللغة الإنجليزية:
ونشرت التقارير الدورية الصادرة من دار العلوم هذا العام اقتراحاً يقضي بتقديم منحة دراسية قدرها خمس عشرة روبية شهريةً لكل من يرغب في الدارسة في الجامعة بعدأن جاوز المرحلة المتوسطة في المدارس العصرية على أقل تقدير. كما نوهت التقارير بضرورة تقديم منحةٍ دراسيةٍ لمن يرغب في دارسة اللغة الإنجليزية بعد ما تخرج في دارالعلوم. فتقول التقارير: «إن كلاً من هذين الوجهين يعودان بالنفع على المسلمين». ومن المؤسف أنه لم يتحقق ذلك بحكم عدم وفور التبرعات الخاصة بهذا الوجه من الإنفاق.
حاكم المقاطعات المتحدة يزور دار العلوم عام 1322هـ:
زار السير جيمس دغس لاتيتوش(Sir James Digges la Touche) – حاكم المقاطعات المتحدة(1)-دارَالعلوم عام 1322هـ، واطلع على مختلف مباني ومرافق الجامعة وفصولها. وكانت المكتبة العامة أعظم ما أثار إعجابه، واستطلع نسخ القرآن الكريم الخطية واطلع عليها. وتحدث إلى أساتذتها وطلابها، وتعرف على أوطانهم وبلادهم، والذي حملهم على طلب العلم وتحصيله، فقال الطلاب: نضع نصب أعيننا إحياء الدين وخدمة الدين والدولة. وتساءل الطلاب الأجانب الوافدين من الأماكن البعيدة عما حَدَا بهم إلى دار العلوم، فقالوا: إن ما تختص به دار العلوم من التعليم المتميز هوالذي دفعهم إليها. وأن هذه المغناطيسية العلمية استهوت قلوبهم إليها. ثم كلَّف أحد الصبيان في صف من صفوف تعليم القرآن الكريم أن يتلو عليه القرآن الكريم، فتلا عليه جزءًا من سورة الرحمن. وأقيمت حفلةُ ترحيبٍ على شرف الضيف بعد العصر وقدمت كلمة التحية والترحيب، فردَّ الضيف عليها بخطبة ألقاها باللغة الأردية الفصيحة، وقال فيما قال: «ما أعظم إعجابي برؤية المدرسة؛ إذ يفد إليها الطلاب من كل صوب وحدب، وذلك إن دل على شيء فإنه يدل على ما تتمتع به المدرسة من الشعبية والقبول. وبلغني أن المتخرجين فيها لايقلقون على رزقهم ومعيشتهم بعد التخرج. وإن هذه المدرسة تُعَلِّم –بجانب تزيدوها الطالب بالعلوم- الثقافة والمثل العليا، والصدق والحق. وإنكم ساعون لرقي هذه المدرسة وهي علامة طيبة. وهكذا يتحقق الرقي والتقدم؛ وإذا لم يشهد عملٌ من الأعمال حاجاتٍ ومتطلباتٍ جديدة؛ فإن معناه – فيما يبدو- أن الرقي قد توقفت عجلته وتباطأت خطواته. وذكروا لي موضوع مسيل يجري بجوار المدرسة، وسأنظر في الموضوع بجدية»(2).
وفي أعقاب خطبة الحاكم السامي قام كل من السيد أحمد البخاري – إمام الجامع الملكي بـ«دهلي»- والشيخ عبد الأحد – صاحب المطبعة المجتبائية- وأعلنا تقديم منحة شهرية قدرها عشر روبيات لطالبين من الطلاب الناجحين في علم الحديث والأدب العربي.
* * *
الهوامش:
(1) هو السير جيمس دغس لا تيتوش(Sir James Digges laTouche) (16 ديسمبر عام 1844 م- أكتوبر عام 1921م) ينتمي إلى العائلة الإنجلو الفرنسية القديمة، شغل منصب حاكم المقاطعات المتحدة الهندية، ونائب حاكم منطقة «أوده» بالهند (عام 1901-1906)، وكان عضوًا في الخدمة المدنية الهندية لمدة أربعين عاماً قبل تقاعده في عام 1907. وخدم يتميز كبير في بورما مدة من الزمان، لقي احتراماً وشعبية من قبل الأوربيين والسكان الأصليين على حد سواء راجع:
www.findagrave.com/cgi-bin/fg.cgi?page=gr&GRid=
(2) ومسيل القاذورات – الذي لفتت دار العلوم نظره إليه- تم إزالته بناء على أوامر حاكم آخر، وكان المسيل يمر خلف «نودره»- أول مبنى أقيم في دارالعلوم- وكان يشكل عقبة كؤودة في توسعة مباني دار العلوم.
* * *
(*) الأستاذ بالجامعة Email: almubarakpuri@gmail.com
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ذوالحجة 1435 هـ = أكتوبر 2014م ، العدد : 12 ، السنة : 38