دراسات إسلامية
بقلم : سماحة الشيخ القاضي مجاهد الإسلام القاسمي رحمه الله (*)
تعريب : الأستاذ نور الحق الرحماني (*)
السوال :
تختلف أوضاعُ المسلمين في الهند عن أوضاع المسلمين في أفريقيا الجنوبية في أن المسلمين في الهند من سكان الهند من قديم ، حكموها قرونًا طويلة ، وبالرغم من أن الحكومة الآن ليست في أيديهم ؛ ولكنهم شركاء في الحكومة باعتبار الواقع والقانون ودستور الهند ، ولهم من الحقوق المدنية ما لغيرهم من المواطنين وأهل الديانات الأخرى ، ولهم هناك أوقاف ومدارس دينية ، ومساجد ومعابد وما إلى ذلك .
ولكن الوضع لايختلف في كلتي الدولتين في أن المسلمين لايملكون سلطة تسمح لهم بتشريع قانون بناء على آرائهم ومعتقداتهم الدينية وتنفيذه على المجتمع الإسلامي .
ومن ناحية الاقتصاد يعيشون تحت نظام لايبتني على الربا بطريق مباشر ، ولكن اتساعه وازدهاره يتوقّف على الربا . ففي تلك الأوضاع يمكن أن ينجح المسلمون في الاجتناب عن أخذ الربا ، ولكن لايمكنهم التجنّب والاحتراز عن إعطاء الربا ، لأن عديدًا من الضرائب ، التي يُضْطَرون إلى دفعها ؛ إنما فرضت لأداء فوائد تلك القروض ، التي تؤخذ بصدد المشاريع الإنمائية . والمسلمون الذين لاتُضرَبُ عليهم الضريبةُ ولاتلزمهم أدائها ؛ هم أيضًا يُضْطَرون إلى المساهمة في أداء الفوائد والربا ؛ لأنهم يتحمّلون لامحالة الغلاء ، الذي يأتي بسبب تضاعف الضرائب .. فمن الناحية الفقهية إنهم يُضْطَرون إلى اختيار ضرر لامحالة .
والمعاملات التجارية الفردية وإن كانت غير ممنوعة ؛ ولكن إمكانيات الرقي والتقدّم فيها لا تزال تنتهي شيئًا فشيئًا في الأوضاع الراهنة . والحكومة تسعى لتنفيذ الشماريع الإنمائية على جميع المعاملات التجارية حتى على الزراعة . ومن مقتضيات هذه المشاريع الحكومية أن تكون جميع المعاملات التجارية اجتماعية . أعني أن تُقام مؤسساتٌ وشركات ومراكز تجارية على غرار بلاد أفريقيا وأوربا ، للإشراف على مثل تلك المعاملات المادية ؛ حتى تتمّ جميع تلك المعاملات عن طريق تلك المؤسسات .
والحكومة تقوم بتشجيع هذا المنهج التجاري ، وتمنح تلك المؤسسات والشركات القروض الإنمائية وتأخذ منها الفوائد .
وكذلك أحدثت مسئلة ازدياد العمران وكثافة السكان مشكلات بصدد السكن ، ولاتزال المنازل الشخصية تتضايق . وفي جانب آخر ظلت ترتفع أجور السكن ، بل أحدثت مسئلة بدل الخلو مشاكل جسيمة ، وبذلك تعقدت مسئلة السكن .
وقامت الحكومة بمكافحة هذه الأزمة والمشكلة السكنية ، بطريق أنها تمنح مؤظفيها القروض لبناء المنازل والمساكن ، ولكنهم مضطرون إلى أداء الفوائد كذلك . ونرجو الإجابة عن الأسئلة التالية نظرًا إلى جميع تلك الأوضاع : بيّنوا وتوجروا إن شاء الله ، فإن الله لا يضيع أجرا المحسنين .
1- لو قام المسلمون بإنشاء مؤسسة للمشاريع الإنمائية أو اشتركوا في مؤسسة قائمة من قبل ، فهل يجوز لهم شرعًا أن يقترضوا من الحكومة بشرط الفوائد ؟
2- هل يُبَاحُ لهم أن يقترضوا من الحكومة بشرط المنافع لحوائجهم الشخصية ، مثلاً لتنمية مصانعهم أو بساتينهم أو زراعتهم أو لبناء السكن؟
3- هل يُبَاحُ للمسلمين أن يقترضوا من غير المسلمين بشرط الفوائد ، أو يقرضوهم بنفس الشرط؟
4- هل يُبَاحُ للمسلمين في الهند التعامل الربوي فيما بينهم ، بأن يقترضوا من المسلمين أو يقرضوهم بشرط الفوائد ؟
5- مما لايخفى أن نظام البنوك يبتني على الربا، فلاشك أن إيداع النقود في البنوك مساهمة في المعاملات الربوية ، أو هو تعاون معها على أقل تقديرخفى أن نظام البنوك يبتني على الربا، فلاشك أن إيداع النقود في البنوك مساهمة في المعاملات الربوية ، أو هو تعاون معها على؛ ولكن البنوك تكون وسيطة في المعاملات المالية في عامة الأحوال . مثلاً أداء المطالبات يتمّ عن طريق شيك البنوك ، كما تؤدّي رواتب المؤظفين في كثير من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية عن طريق الشيك ، فهل يجوز للمسلمين نظرًا إلى تلك الحاجات أن يكون لهم حساب في البنوك ؟
6- وهناك صورة في البنوك ما عدا الحساب الجاري : وهي حساب إيداع ، أعني : أن الناس يودعون نقودهم وودائعهم في البنوك لأجل معدود، والبنوك تمنحهم الفوائد ، فلو كانت ألف روبية أعطتهم البنوك خمسين روبية كفائدة في كل عام فتكون الوديعة مكان الألف ، ألفًا وخمسين روبية .
فهل يُباح للمسلمين إيداع النقود في البنوك بهذا الطريق ، وأخذ الفوائد عليها ؟ ولو أُبِيحَ ذلك، فهل تحلّ الفوائد للمسلمين في تلك الصورة ؟ ويُبَاحُ لهم استخدامها في حاجاتهم الشخصية ؟
الجواب
تعريف الربا :
1- لايخفى أن أخذ الربا وإعطائه كلاهما محرّمان بنصوص الكتاب والسنة ؛ وقد أجمع على حرمته أئمة الفقه وعلماء السلف في كل زمان ، والدليل على ذلك كثير من الآيات القرآنية والأحاديث ، وتصريحات الفقهاء .
2- عرّف الفقهاء الربا بما يأتي :
(هو) شرعًا (فضل) ولو حكمًا خال عن عوض بمعيار شرعي مشروط لأحد المتعاقدين في المعاوضة (الدر المختار 4/245) (لأحد المتعاقدين) أي بائع أو مشتر (المرجع السابق) (قوله أي بائع أو مشتر) أي مثلاً ، فمثلها القرضان والراهنان «قهستاني» ، قال : ويدخل فيه ما إذا شرط الانتفاع بالرهن كالاستخدام والركوب ، والزراعة واللبس وشرب اللبن وأكل الثمر ، فإن الكل ربوا حرام كما في «الجواهر، والنتف» (حاشية رد المحتار 4/245)
اتّضح مما سبق من العبارات أن لو شُرِطَت زيادةٌ في القرض ، يجب أدائها على أحد الفريقين ، لكان ربًا وحرامًا .
(كلُ قرض جرّ نفعًا حرام) أي إذا كان مشروطاً (المرجع السابق 4/242).
متى يتحقق الربا ؟
3- قد ذكر الفقهاء شروطاً عديدة لتحقق الربا ، منها :
(أ) عصمة البدلين(1) وكونهما متقومين .
(ب) كون البدلين ملكاً لأحد المتعاقدين .
(ج) عدم كون البدلين من المال المشترك الذي يشترك فيه الفريقان بشركة عنان أو مفاوضة .
مثلاً الكافر الحربي ، أو المسلم الذي لم يهاجر من دارالحرب ، ليس ماله معصومًا ومتقوّمًا للمسلم، الذي يعيش في دار الإسلام ودخل دار الحرب كأسير ، أو التاجر المسلم الذي سافر إلى دارالحرب للتجارة بعد الحصول على التاشيرة ، فيجوز لذلك الأسير المسلم والتاجر المسلم – الذي مرّ ذكرهما آنفا – أخذ مال الكافر الحربي أو المسلم الغير المهاجر كربا ، بشرط أن لايكون في المعاملة غرر أو خديعة ، لأنه ربا (تفاضل) صورةً ، ولكنه لم يتحقق في الحقيقة لعدم وجود الشرط الأول .
وكذلك لا يتحقق الربا بين المملوك وسيده ، ولا بين المشتركين في مال بشركة عنان أو مفاوضة. يقول العلامة الشامي عزوًا إلى «الشرنبلالية» :
ومن شرائط الربا عصمة البدلين وكونهما مضمونين بالإتلاف ، فعصمة أحدهما وعدم تقومه لايمنع ، فشراء الأسير أو التاجر مال الحربي أو المسلم الذي لم يهاجر، بجنسه متفاضلاً جائز، ومنها أن لا يكون البـدلان مملوكين لأحد المتبايعين كالسيد مع عبده ولا مشتركين بينهما بشركة عنان أو مفاوضة كما في «البدائع» (حاشية رد المحتار 4/244)
ففي المسئلة المبحوث عنها تمنح الحكومة مواطينها القروض ، وهم يردون إليها أصل القرض مع الفائدة المشروطة المقررة في المائة في الأجل المضروب ، وهذه الفائدة مشروطة في هذه المعاملة ، يرجع نفعها إلى أحد المتعاقدين أعني : الحكومة ، ويمكننا أن نفرض هذا المثال فيما بين الأفراد والمواطنين بدلاً من الحكومة ، ولايخفى أنها زيادة خالية عن العوض من الجانب الآخر وهي مشروطة من قبل أحد الفريقين ، وهي في الأموال الربوية ، فلا شك أن هذه الصورة صورة الربا ولا مجال فيها للاختلاف .
هل الهند دارالحرب ؟
5- هل يصح أن نقول أن الهند دارالحرب وبناءً على ذلك يجوز فيها العقود الربوية ؟ هذا سوال هام . وإذا أجبنا عنه بنَعَمْ ، فذلك يعني أن يصحّ فيها جميع العقود والمعاملات الربوية ، أي أخذ الربا وإعطائه سواء كان بين مسلم وكافر أو بين المسلمين . أما إعطاء الربا فللبحث فيه مجال ؛ ولكن أخذ الربا يكون مباحًا في كل حال ومن غير خلاف ، أرجو في هذا الخصوص قراءة العبارة الآتية من الدر المختار بغاية من الإمعان :
ولا بين حربي ومسلم مستأمن ولو بعقد فاسد أو قمار (ثمه) لأن ماله ثمه مباح فيحل برضاه مطلقًا بلا عذر ، خلافًا للثاني والثلاثة ، وحكم من أسلم في دارالحرب ولم يهاجر كحربي ، فللمسلم الربا معه خلافًا لهما ، لأن ماله غير معصوم ، فلو هاجر إلينا ، ثم عاد إليهم فلا ربا اتفاقًا «جوهرة» ، قلت: ومنه يُعلَم حكمُ من أسلما ثمة ، ولم يهاجرا ، والحاصل أن الربا حرام إلاّ في هذه الستة مسائل. (الدر المختار 4/261) .
(قوله منه يُعلَم) أي يُعلَم مما ذكره (المصنف) مع تعليله أن من أسلما ثمة ولم يهاجرا لايتحقق الربا بينهما أيضًا (حاشية رد المحتار 4/261) .
1- والحاصل أن المسلم الذي دخل دارالحرب بالتاشيرة ، يُبَاحُ له أن يعامل المعاملة الربوية مع الكافر الحربي أو المسلم الذي لم يهاجر ، أي لا يتحقق الربا في هذه الصورة ، لأن مالهما غير معصوم .
2- وكذلك لايتحقق الربا بين المسلمين الذين هم أهل الحرب في الأصل ولم يهاجروا كذلك .
أخذ الربا من أهل الحرب في ضوء الكتاب والسنة
وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة ومحمد ، وخالفهما فيه الإمام أبويوسف والأئمة الثلاثة . واستدلّ أبوحنيفة رحمه الله من الحديث الذي ينفي الربا بين الحربي والمسلم ورواه المكحول مرسلاً . وحيث أن المكحول ثقة فتقبل مراسيله وتكون حجة . أما الأئمة الثلاثة وأبويوسف فهم يقولون : لو سلّمنا أن هذا الحديث ثابت فيمكننا أن نحمل النفي في قوله عليه السلام : «لا ربا بين المسلم والحربي» على النهي والمنع ، كما ورد ذلك كثيرًا في النصوص الشرعية كقوله تعالى : فَلاَ رَفَثَ وَلاَفُسُوْقَ وَلاَجـِدَالَ فِي الحَجِّ (البقرة) أي لا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا . وبناء على ذلك يكون معنى الحديث المذكور : لا تعاملوا معاملة الربا ولو كان في دارالحرب ومع الحربي ، وقد بحث العلامة ابن الهمام حول هذا الحديث وكيفية الاستدلال منه بالتفصيل في شرحه لهداية : «فتح القدير» ص301)
ولكن قلبي لايطمئن بذلك الاستدلال ، وذلك لأن نصوص الكتاب والسنة تدلّ على الإطلاق على حرمة الربا ، ولا فصل في النصوص بين مال وآخر ، والأحكام التي كُلِّفَ بها المسلمون تعمّ الأحوال كلها ولا تختصّ بحال دون حال .
وكذلك لابد من النظر في دارالحرب التي ذُكِر بعضُ أحكامها آنفًا . فما هو التعريف الصحيح الواضح لدارالحرب ؟ وهل يصح حصر الدار في القسمين السابقين : – دارالاسلام ودارالحرب – في الأوضاع المعاصرة ؟ وهل يصح أن نُطلِق كلمةَ دارالحرب على أمثال دولة الهند التي يمنح دستورها جميع مواطنيها الحقوق المدنية المساوية على اختلاف دياناتهم ؟. ويعطي جميع أهل الديانات حرية محارسة الشعائر والطقوس الدينية ، وحق الاستفادة من الموارد المالية للدولة على السواء؟ ففي مثل هذا الوضع هل يصح أن نقول : إن مال الكافر الهندي أو المسلم الهندي ليس معصومًا ومتقوّمًا للمسلم الهندي الآخر ؟ حتى لو أخذه وأضاعه لايأثم بذلك عند الله ، ولايوجب ذلك الضمان عند الناس ؟ وهل يسوغ لنا أن نقول في الأوضاع المعاصرة : إن الكافر الذي أسلم في دارالحرب تجب عليه الهجرة منها إلى دارالإسلام ، وترك الهجرة يوجب فقدان عصمته ؟ مع أنه لم يبق إمكان الهجرة في العصر الحاضر . لأن الدول التي تسمّى دارَ الإسلام ، والتي فيها السلطة بأيدي المسلمين ، لاتسمح للمسلمين الأجانب بالإقامة فيها ، ولا تعطي الحقوق المدنية لغير مواطينها . ففي مثل تلك الأوضاع ، هل تزول عصمة دمائهم وأموالهم بسبب عدم الهجرة التي لاسبيل إليها ؟ وكذلك لو كانت حكومة غير إسلامية بحيث لاتمنع مواطينها المسلمين عن القيام بشعائر الإسلام وأداء الطقوس الدينية ، فهل تجب الهجرة منها بعد اعتناق الإسلام ، حتى لو لم يهاجروا لزالت عصمة أموالهم ؟ هذا وكثير من هذا النوع من التساؤلات، تستلفت أنظار العلماء ورجال الإفتاء أن يدرسوها لغاية من الإمعان ، ثم يجيبوا عنها بما يوافق القواعد الشرعية والأوضاع المعاصرة . فالقول بفقدان العصمة فيما بين المسلمين وغير المسلمين المقيمين في دولة واحدة ، وكذلك فيما بين المسلمين أنفسهم في عامة الأحوال – استثناء منها الأحوال الطارئة وأحوال الحرب المخصوصة – يدفع إلى الإباحية والفوضى التي لا تسمح بها النصوص الشرعية في حال من الأحوال . ويُفْهَم من عبارات بعض الفقهاء أن حكم المعاملة فيما بين المسلمَيْنِ المُقِيْمَيْنِ في دارالحرب بالأمان ، كحكم المعاملة فيما بينهما في دارالإسلام ، كما صرّح بذلك الإمام السرخسي في شرح «السير الكبير» مستدلاًّ في ذلك بما يأتي :
لأن المسلم ملتزم بحكم الإسلام حيث ما يكون ،(4/128) .
ومما لايخفى أن الشعب المسلم الهندي المعاصر، من سكان الهند من قديم ، يعيشون فيها منذ قرون، وقليل منهم ممن قصد آباؤهم هذه البلاد للتجارة أو لتبليغ الدين ، وأقل قليل من الذين دخل آباؤهم هذه الديار غزاةً وفاتحين ، ثم اتخذوها دارًا وقرارًا ، والبقية الباقية من مسلمي الهند – وهم الأغلبية الساحقة – ممن أسلم آباؤهم طوعًا ، ثم عاشت الهند تحت الحكم الإسلامي قرونًا طويلة ، ثم استولى عليها الإنجليز ، ثم تحررتْ من أيديهم ونالتْ استقلالها وانقسمت إلى دولتين ، منهما دولة الهند المعاصرة ، تحت حكم الجماهير .
وإذا أمعنّا النظر تبيّن لنا أن الذين أسلموا من سكانها قبل الحكم الإسلامي ، أو الذين أتوها من دارالإسلام للتجارة أو التبليغ ، قبل قيام الحكم الإسلامي فيها أو بعده ثم استوطنوها ، و كذلك الغزاة والمجاهدون الذين دخلوها وسكنوها ، وكذلك الذين أسلموا في عهد الحكم الإسلامي ، أصبحت أموالهم معصومة . وهناك ينشأ سوال : وهو أن أموال المسلمين في الهند هل بقيت معصومة كذلك بعد استيلاء الإنجليز عليها ، أم خرجت من العصمة باستيلائهم وزوال الحكم الإسلامي ؟ ولو سلّمنا أن عصمة أموال المسلمين زالت بسبب استيلاء الإنجليز ، فهل عادت عصمتها بعد استقلال الهند واستقرار الحكومة الجمهورية ، التي يكون فيها السلطة في الأصل بأيدي الجماهير ؟ ويشترك فيها المسلمون كغيرهم من المواطنين أم لا ؟
وينبغي أن ننظر في هذا الخصوص إلى ما قال الإمام أبويوسف رحمه الله في كتابه الشهير «كتاب الخراج» إجابة على سوال وجّهه إليه أمير المؤمنين ، ونصه كما يلي :
قال أبو يوسف : وسألت يا أمير المؤمنين عن قوم من أهل الحرب أسلموا على أنفسهم وأرضيهم، ما الحكم في ذلك ؟ فإن دمائهم حرام ، وما أسلموا من أموالهم فلهم ، وكذلك ارضوهم لهم ، وهي أرض أرض عشر بمنزلة المدينة حيث أسلم أهلها مع رسول الله ﷺ ، وكان أرضهم أرض عشر ، وكذلك الطائف والنجران (كتاب الخراج /74) .
وجملة القول أن في ضوء الوجوه السابقة والدلائل المذكورة أعلاه ، لا يصح عندي القول بصحة العقود الربوية في الهند أو الإفريقيا ، بناءً على اعتبارهما دار الحرب ، و لا ينشرح به الصدر .
مغالطة :
6- أما الذين يقولون : إن الحكومة مؤسسة مشتركة ، يشترك فيها كل مواطن من مواطنيها . وخزينة الدولة وبيت مالها ثروة مشتركة للجميع ، فلو أخذت الحكومة الربا من أحد من مواطنيها لأضافت في خزينته وماله ، ففي هذه الصورة لا يتحقق الربا كما لا يتحقق بين السيد ومملوكه وبين المتفاوضين وشريكي عنان . ولكن هذا التوجيه لا يصح لأن المواطن الهندي الذي يدفع الربا إلى الحكومة، يدفع من ملكه الخاص الذي لا حق فيه لغيره . أعني : أنه ليس من مال مشترك ، وأما الخزينة التي تجمع فيها الحكومة الفوائد ، والتي تقرض منها ، هو مال مشترك في الحقيقة ، فهنا أحد البدلين من مال مشترك وليس كلاهما من مال مشترك . يقول العلامة الشامي:
لا ربا بين متفاوضين وشريكي عنان إذا تبايعا من مالها أي مال الشركة «زيلعى» (الدرالمختار: 4/260) الظاهر أن المراد إذا كان كل من البدلين من مال الشركة ، أما لو اشترى أحدهما درهمين من مال الشركة بدرهم من ماله مثلاً فقد حصل للمشتري زيادة ، وهي حصة شريكه من الدرهم الزائد بلا عوض ، وهو عين الربا ، تأمل (حاشية رد المحتار 4/260)
فالحاصل أن التوجيه السابق والدليل المذكور ، ليس معقولاً لصحة العقود الربوية بين الحكومة ومواطنيها ، بالرغم من أن هذه المسئلة في حاجة إلى البحث والدراسة ، أن عقد المفاوضة وشركة العنان يصدق على هذه المسئلة أم لا؟ وما هي نوعية خزينة الدولة في الحكومات الجمهورية ؟
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . جمادي الأولي 1426هـ = يونيو – يوليو 2005م ، العـدد : 5 ، السنـة : 29.
(*) رئيس هيئة القضاء للإمارة الشرعية سابقًا ، وأمين عام مجمع الفقه الإسلامي بالهند سابقًا .
(*) المدرس بالمعهد العالي للقضاء والإفتاء التابع لمنظمة الإمارة الشرعية لولايات بيهار وأريسه وجهاركهند .
(1) والمال المعصوم من المصطلحات الفقهية الخاصة ، والمراد منه المال الذي يكون مملوكاً لأحد ، ولا يجوز لغيره قبضه والتصرف فيه، ويُعدّ المتصرف فيه آثمًا شرعًا ، وأما المال الذي يجوز قبضه ولايكون قابضه آثمًا ، فليس بمال معصوم ، مثلاً لوهجمت حكومة إسلامية على حكومة أهل الحرب فلا يكون مالهم معصومًا للمسلمين ، بل يكون مباحًا ، وبناءً على ذلك ليس مال دار الحرب وأهلها (سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين) معصومًا ، فلو أخذ منهم الربا فلا يتحقق الربا عند أبي حنيفة رحمه الله لعدم وجود هذا الشرط الأساسي من شروط الربا .