كلمة العدد
قد يستغرب من لا يعرف الحقيقة الكامنة وراء الانقلاب الذي كان قد قام به المدعو بـ«عبد الفتاح السيسي» القائد العسكري المصري الذي استقال من منصبه مؤخرًا – يوم 26/مارس 2014م = الاثنين: 24/جمادى الأولى 1435هـ – ليخوض الانتخابات الرئاسيّة ليحتل منصب «الرئيس المصري» ليُكْمِل ما فاته من ممارسة الأفاعيل مع الإسلاميين في مصر العربية الإسلاميّة: مصر سيدنا عمرو بن العاص – رضي الله عنه – وأرض الكنانة ومصر الإسلام.
قد يستغرب ما حَدَثَ ويَحْدُثُ فيها – مصر – من ممارسة التعذيبات الوحشيّة مع الإسلاميين، التي فاقت التصوّر، وبذّت بكثير من الاعتبارات ما تفعله الصهاينة مع الشعب الفلسطيني المسلم في غزة وفي جميع الأراضي الفلسطينية وما يفعله الصليبيون متكاتفين معهم – الصهاينة – في كل مكان في العالم حتى في داخل البلاد العربية والإسلامية.
يستغرب ويقول كيف حدث ويحدث مثلُ هذه الممارسات الوحشيّة مع المسلمين في بلادهم وبأيدي المسلمين أنفسهم؛ فرجالُ الإدارة والحكم كلّهم – باستثناء عدد ضئيل من المسيحيين – مسلمون؛ فالشرطة مسلمون، والجيش مسلم، ورجال القضاء مسلمون، والوزارات بأيدي المسلمين، والمناصب كلها يتولاّها مسلمون، والمؤسسات التي تقوم بتنفيذ القوانين يقودها ويعمل بها مسلمون؟!.
ولكن الذي يتبيّن الحقيقةَ لا يستغرب ذلك، ولا يَسْتَبِدُّ به هذا التساؤلُ الحائر. والحقيقةُ تتمثل في أمرين:
1- صحيحٌ أنّ الـمُؤَسَّسَات الحكومية يتولاّها مسلمون؛ ولكنهم – إلاّ من رحم ربّك – مسلمون بالاسم فقط؛ حيث إنهم فاسدون من قمة الرأس إلى أخمص القدمين، أفسدتهم الحكومات المتعاقبة التي أدارها رجالٌ خبثاءُ كانت أسماؤهم عربية؛ ولكن كانت قلوبهم تنبض بمصالح سادتهم الغرب وأمريكا والصهاينة والصليبيين، وظلّوا يعملون في بلادهم التي حكموها عملاءَ أوفياءَ لهم مقابلَ زخارف الدنيا ونعيمها التي أفاضوها عليهم غَدَقًا؛ فكانت جلودهم وبِشَرهم عربيّة اللون؛ ولكن قلوبهم وعقولهم قد جرى غسيلُهم لصالح سادتهم.
2- وزاد الطينَ بلّةً احتلالُ مصر العربية الإسلاميّة من قِبَل الصهاينة المُمَدِّين بالصليبيين عن طريق المدعو بـ«عبد الفتاح السيسي» المشار إليه. وذلك يوم 3/يوليو 2013م = الأربعاء: 23/شعبان 1434هـ؛ حيث إن الانقلاب الذي قام به الرجل على حكومة الرئيس المصري الشرعي المنتخب بالطريقة الديموقراطية لأول مرة في تاريخ مصر: الدكتور «محمد مرسي» إنما كان قد دَبَّرَه وخَطَّطَه ومَوَّلَه ومَهَّدَ الطريق له الصهاينةُ والصليبيون، الذين نَفَّذُوه عن طريق هذا الرجل الذي تجري في عروقه الدماء اليهودية؛ حيث قد أكّدت كل الوثائق أن أمّه «مليكة تيتاني» هي يهودية مغربيّة الجنسية وتزوجت والده عام 1953م، وقد استوطنت مصر عام 1958م، ليدخل ولدها عبد الفتاح السيسي الكلية المصريّة الحربيّة. وظلّ خاله «عوري سيباغ» يعمل في الدولة الصهيونية وزيرًا للتعليم. وكانت وسائل الإعلام نشرت من ذي قبل أن الرئيس المصري «عدلي منصور» الذي كان قد نصبه «السيسي» هذا، ينتمي إلى طائفة مسيحية لا يعترف بها المسيحيون وإنما يصارحون أنها طائفة يهودية أصلاً.
فعمليّات القتل والفتك بالإسلاميين والاعتقال العشوائي، والسجن والمحاكمة الظالمة، والإدانة الانتقامية على المدى الواسع، واحتلال المساجد من قبل الحكومة، ونصب أئمة ومؤذنين يدورون في فلكها، واحتلال جامعة الأزهر فكريًّا وشراءُ ذمم كثير من أساتذتها ومسؤوليها، بمن فيهم شيخ الأزهر الحاليّ، والقرارات القضائية العشوائية التي لاتمت إلى العدل بصلة بإعدام الإسلاميين لإشباع عاطفة الثأر والتشفي منهم؛ كل ذلك وغيره من الإجراءات الوحشية الظالمة المماثلة لما تقوم به الصهاينة مع الفلسطينيين مفهومٌ ومُتَصَوَّرٌ ويُسِيغُه عقلُ من يعرف الحقيقةَ ويعي ما يدور في العالم من معاداة الإسلام والمسلمين في كل مكان.
إن العالم الإنساني الذي كان يحتفظ ببعض البقية من الإنسانية كان يرثي ويندب التقتيل العشوائي لثمانية آلاف من أبرياء الإسلاميين وإصابة ألفين و خمسة آلاف منهم بأيدي هذه العصابة الإجرامية إذ طلع قاضيها المجنون بالاستعلاء بقرار قضائي غريب كل الغرابة بإعدام 529 من الإسلاميين الأبرياء في 22/مارس الماضي = الاثنين 22/جمادى الأولى 1435هـ صادرًا عن مداولات متسارعة لم تجرِ إلاّ عشر دقائق، ثم ثَنَّىٰ هذا القرارَ الغريبَ بقرار أكثر غرابةً من الأوّل؛ حيث حكم بإعدام 683 من الإسلاميين الأبرياء يوم الاثنين: 28/أبريل 2014م (27/جمادى الثانية 1435هـ) بمن فيهم القائد الإسلامي محمد بديع. وقد جرت مداولاتُ تقديم الشهادات والاستماع والدراسة دقائق معدودة تتمثل في نحو ستين دقيقة فقط، وتمّ إصدار مثل هذا الحكم القضائي الحَرِح بكلّ معاني الكلمة. مما أثار موجةً عارمةً من الانتقاد العالمي، الذي أجمع على أن هذا القرار القضائي إنما يرجع إلى عاطفة الثأر والانتقام، ولا يمتّ بصلة إلى روح العدل التي لابد أن يتصف بها أي حكم قضائي يصدر قاضيًا بالإعدام. وقد انتقد هذا القرار حتى كل من أمريكا وألمانيا وفرنسا.
وأغربُ الغرابة في هذا القرار القضائي الظالم الذي أصدرته المحكمة المصرية في المرة السابقة قاضيًا بإعدام 529 من أبرياء المصريين الإسلاميين أنّ من بينهم 5 أشخاص يعملون في المملكة العربية السعودية منذ ثلاث سنوات لم يعودوا منها لوطنهم خلالها ولا مرة واحدة؛ ولكنهم اتُّهِمُو وأُدِينُوا من قِبَل المحكمة بالمشاركة في اغتيال ضابط شرطيّ يوم 14/أغسطس 2013م (الأربعاء: 6/شوال 1434هـ)؛ وكذلك من بينهم طفلان لايبلغان من عمرهما 17 سنة؛ فلا يجوز الحكم عليهما بالإعدام بموجب القانون المصري هو الآخر؛ ومن بينهم كذلك ثلاثة أفراد قد استُشْهِدُوا يوم 14/أغسطس المذكور مع من استُشْهِدُوا من الأبرياء بميدان رابعة بالقاهرة؛ فكأنهم عُوقِبُوا بالحكم عليهم بالإعدام بجريمة أنهم قد استُشْهِدُوا !!.
ولكي تعرف نفسيّة السيّد القاضي وشخصيته الغريبةَ اللتين ينطلق منهما في القرارات القضائية التي يقوم بإصدارها فتأتي نابعةً من الغرابة الغريبة، التي تجعلها أضحوكةً لدى الرأي العامّ العالمي وبليّة في حق من يصدرها عليهم – وشرُّ البليّة ما يضحك – لكي تعرف ذلك يكفي أن تعلم ما ذكره محامي المُتَّهَمِين السيد «وائل قنديل» إذ صَرَّح أنّ محاميًا اعترض واحتجّ ضدّ عدم السماح له بالمثول أمام المحكمة عن الـمُتَّهَمِين، فما وَسِعَ السيّد القاضيَ إلاّ أنه أدرج اسمه ضمن قائمة الـمُتَّهَمِين المُدَانِين، وتم اعتقالُه في المكان، فارتفع عددُ المحكوم عليهم بالإعدام من 528 إلى 529. إن هذا القاضي «الصانع التاريخ» هو «سعيد يوسف صبري» ويعمل قاضيًا بمحكمة مدينة «المنيا» التي تبعد عن القاهرة بمسافة 220 ك م.
والقاضي معروف بإصدار الأحكام القضائية الغريبة الجديرة بالتسجيل التاريخي لغرابتها؛ فقد سبق له أنه أصدر يوم 14/يناير 2013م (الاثنين: غرة ربيع الأول 1434هـ) على مصريّ بالسجن لمدى 30 عامًا بجريمة سرقته لقماش من بعض الأسواق، بالسجن لمدة 15 عامًا مقابل اقترافه السرقةَ وبالسجن لمدة 15 عامًا لأنه قد ضُبِطَ من جيبه سكينٌ. وكان العهدُ عهد الرئيس «محمد مرسي» الذي كان يتمتّع فيه الشعب المصري بكامل الحريّة؛ فبدأ المحامون بالاحتجاج واتخاذ الإجراءات القانونية من غرفة القضاء منذ تلك الساعة التي صدر فيها هذا الحكم الغريب، فتمّ إلغاؤه بفضل جهودهم الـمُتَضَافِرَة.
وفي اليوم التالي كان هذا القاضي قد أصدر حكمًا قضائيًّا آخر – أي في يوم 15/يناير 2013م = 2/ربيع الأول 1434هـ: الثلاثاء – متمثلاً في تبرئة ساحة 11 مسؤولاً شرطيًّا كانوا مُتَّهَمِين باغتيال عشرات من المواطنين المصريين خلال الثورة الشعبية ضد «حسني مبارك». وكانت حكومة «مرسي» عندها قد اتجهت جديًّا إلى اتخاذ خطوات فاعلة ضدّ هذا القاضي العاقل المجنون، إذ قام رجال الدولة العميقة وعلى رأسهم القائد العسكري آنذاك عبد الفتاح السيسي اليهودي الأم والسلوك والمواقف بالانقلاب على «مرسي» واعتقاله وسجنه فمحاكمته الظالمة التي لا تزال تجري.
جميعُ المواقف والإجراءات التي تتخذها الحكومة الحاليّة – التي يُديرها رجال الدولة العميقة القابعين في كل من الإعلام والقضاء والصحافة والوزارات والمؤسسات الحكوميّة العامّة – تؤكّد أن مصر سائرة إلى الاحتلال الكامل لها من قبل الصهاينة وإلى الاستعمار من النوع الأبغض؛ حيث قد تم لحد الآن منذ 3/يوليو 2013م اغتيال 8 آلاف من المواطنين الأبرياء وسجن 21 ألف منهم بمن فيهم الصحفيون المحايدون الذين اعتُبِرُوا من قبل الحكومة السيسيّة الموقتة – المنصوبة من أجل إيصال «السيسي» إلى كرسي الرئاسة واستعمار مصر استعمارًا صهيونيًّا صليبيًّا غربيًّا بشكل أقبح وأشنع وأشدّ من ذي قبل بكل المقاييس – من المجرمين المؤيدين للإسلاميين.
وموضعُ الأمل أن الاعتداءات الصارخة التي تقوم بها الحكومة الموقتة التي يديرها رجال الدولة العميقة لم تفتّ في عضد الشعب المصري الذي ظل صامدًا في وجوه الطغاة والطواغيت في تاريخه الطويل، غيرَ مُبَالٍ بالأفاعيل التي فُعِلَتْ معه والمصائب التي صُبَّت عليه. الظلمُ عندما يبلغ منتهاه يسفر عن العدل الصراح الذي تَطْلُعُ به السنّة الإلهيّة التي لن يجد لها أحد تبديلاً ولا تحويلاً، والليلُ عندما يشتدّ ظلامه ويتكثف لحد نهائيّ يسفر عن الصبح الوضّاء المشرق؛ فلا تجد خفافيش الظلام مهربًا لها.
دائمًا يحدث أنّ الظلم الفاحش الذي يصبّه الجبابرة والفراعنة على المظلومين المقهورين العزّل يكون مُؤَشِّرًا نهائيًّا لانهيارهم أمام قدرة الله وجبروته التي تضع حدًّا لظلمهم واعتدائهم، وتقطع شأفتَهم، وتفلّ حدَّهم وتَفْثَأُ حميَهم، وعندئذ يفرح المؤمنون الذين يؤمنون بنصر الله الذي لا يتخلف عن المظلومين وإن تأخّر قليلاً لحكمة يعلمها الله.
الحقّ أنّ السيناريو العالمي يؤكّد أنّ الحرب على الإسلام والمسلمين قائمة منذ اليوم الأول إلى يومنا هذا من قبل الغرب الذي كتب عليه الله أن يظلّ مُعْظَمُه عدوًّا لدودًا طبيعيًّا للإسلام فيكون مقومًا أساسيًّا للوقود الذي يملأ به الله نار جهنّم التي وقودها الناس والحجارة. وقد أعلنها الرئيس الأمريكي الصليبي من أخمص قدميه إلى قمة رأسه غير تقليدية، أي أنها لا تُخَاضُ فقط بالجيش والعتاد الحربي المعروف وإنما تُخَاضُ على جبهات كثيرة متنوعة وبأساليب مرئيّة وغير مرئية.
وما يحدث في مصر هو الحرب المخوضة مع الإسلام بأساليب غير تقليدية؛ حيث تُخَاض ضد الإسلام والمسلمين عن طريق الـمُتَسَمِّين بأسماء إسلامية عربيّة كثيرًا ما تبدو حلوةً عذبةً خلاَّبةً بجرسها العربي وكلماتها العربيّة الجميلة المبنى؛ ولكن أصحابها في الواقع أصفار القلوب من حقيقة الإيمان؛ حيث أُجْرِيَ غسيلُ مخّهم، فعادوا لا يملكون الحِسّ الإسلامي الذي يُمِدُّ المرأَ بالوعي الإيمانيّ والغيرة الإسلاميّة والحمية الدينية التي هي رأسُ مال حقيقي لدى أي مؤمن بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًّا.
والمؤمن الحقّ الغيور لن يحتمل ما يحدث في مصر العربية الإسلاميّة إلاّ على عَصَص ومَضَض. والمُطَّلِعُون على حقيقة الحال القائمة يدركون جيِّدًا أنه من صنع المؤامرة الصهيونية الصليبية البعيدة المدى؛ لأن الصهاينة الصليبيين لا يفترون لحظة عن التخطيط ضدّ الإسلام والمسلمين؛ لأنهم متفرغون لذلك وحده، ولا إله لهم إلاّ العداء مع الإسلام والمسلمين والسعي الحثيث المتصل الدائب للإضرار بالمسلمين، وهدم الإسلام، واستئصال شأفته، وتشويه سمعته، وتكريهه إلى العالمين؛ حتى ينفروا منه ويزهدوا فيه ولا يقربوا منه مخافة الإصابة به كما يخاف الناس إصابتَهم بأي داء عضال يستقبحه ويستكرهه الناس ويتحاشون عنه بكل حيلة يهتدون إليها.
إن مصر القوية بالإسلام وبأبنائه الأقوياء بدينهم وعقيدتهم وغيرتهم مغزوة اليوم بالصهيونية الـمُطَعَّمَة بالصليبيّة، والغزوُ يُخَاضُ بأيدي العملاء من المواطنين الـمُتَسَمِّين بأسماء عربية إسلاميّة، المتنكّرين حقًّا للإسلام؛ لأن التعذيبات الـمُكَثَّفَة الـمُتَّصِلَة المتسارعة التي صَبُّوها على المواطنين الأبرياء من الإسلاميين لم يكن ليصبّها عليهم المسلمون المعمورة قلوبُهم بالإيمان الذي لا يقرّ الظلمَ مع أي أحد حتى مع الكفرة الفجرة.
والعدوُّ من داخل الصف يكون دائمًا أخطر وأشدّ مَضَاضَةً، وأعصى على الهزيمة، وأطغى على محاولات التغلّب من قبل الخصم، وأقوى على تحطيمها، من العدوّ من خارج الصفّ؛ فقد تطول المعركة؛ وتزيد التضحيات، وتكثر الخسائر؛ ولكن المؤمن المنتصر لربّه لا يبالي بالخسائر في الأرواح والـمُمْتَلَكات.
الحقُّ أنّ هذا الغزور الاستعماري الغربي الصهيوني الصليبي من أخطر الغزوات وأفتكها ضدّ مصر في تاريخها الطويل، لم يكن لها به عهد في الماضي؛ ولن ينجح المصريون المسلمون الـمُحِبُّون لله ولرسوله في هذه المعركة الحاسمة الخطرة إلاّ بالصمود والثبات والتضحية التي عُرِفُوا بها. «وَليَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ». (الحج/40).
(تحريرًا في الساعة 6:30 من مساء يوم الأحد: 4/رجب 1435هـ = 4/مايو 2014م)
نور عالم خليل الأميني
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، رمضان – شوال 1435 هـ = يونيو – أغسطس 2014م ، العدد : 9-10 ، السنة : 38