كلمة المحرر
نظرًا لعدم فعّاليّة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وتجاهلهما لقضايا العالمين العربي والإسلامي بنحو متصل منذ نشأتهما لحد الآن، أحسنت المملكة العربيّة السعوديّة – ولها أياد بيضاء في خدمة الإسلام والمسلمين لامثيل لها على مستوى العالم – عندما رفضت إلقاء الخطاب التقليدي في الدورة السنوية لمجلس الأمم المتحدة، وانتقدت الأمم المتحدة بأنها عجزت عن حلّ قضايا سوريا وفلسطين والمسلمين في «ميانمار» عجزًا فاضحًا، حتى إن سفارة المملكة لدى الأمم المتحدة امتنعت عن توزيع الكلمة المكتوبة لوزير الخارجية السعودي سمو الأمير سعود الفيصل. وقد صَرَّحت مصادر سعودية بأن مجلس الأمن بينما هو يهتمّ بالأسلحة الكيماوية لدى حكومة بشار الأسد إذ هو يتغاضى كليًّا عن جميع ما صنعه الأسد مع الشعب السوري المسلم من الأفاعيل التي تقشعر منها جلود كل إنسان. ورفضُ المملكة لإلقاء الخطاب هذه المرة في دورة مجلس الأمم المتحدة يُعَدُّ مؤشرًا لسخطها على موقف الأمم المتحدة المهزوز من قضية «سوريا» وقد أرادت بذلك ممارسة الضغط على هذه المؤسسة الدوليّة التي تتحكم فيها منذ البداية الصهيونية العالميّة التي للحفاظ على مصالحها وعلى مصالح الغرب الصليبي أنشئت، علمًا بأن إلغاء مفعول الأسلحة الكيماوية لدى حكومة بشار يستغرق عامًا كاملاً، والمجموعةُ العالمية لن تتخذ ضدّها أي إجراء خلال هذه الفترة التي تتيح للأسد أن يفعل مع شعبه مزيدًا من الأفاعيل والاعتداءات الوحشية التي اللهُ وحده يعلم مدى خطرها وضررها على الشعب السوري المسكين الذي لا يزال يذوق ويلات لاتتصور منذ أكثر من عامين.
وخطت المملكة خطوة أخرى، فرفضت عضوية مجلس الأمن غير المستقلة لمدى عامين، التي عرضتها عليها الأمم المتحدة، صادرة عن احتجاجها ضد فشل كل من الأمم المتحدة ومجلس الأمن فشلاً ذريعًا في الإنصاف للقضايا الإسلاميّة التي ظلتا تتعاملان معها بالتفرقة والكيل بمكيالين. ونحن إذ نشيد إشادة بالغة بموقف المملكة الكريمة هذا نثق بأنها ستظل ثابتة في موقفها لا تزعزعها إن شاء الله مؤامرات الأعداء من ثالوث الصهاينة والصليبيين والوثنيين. إنّ عدم التعامل مع هذه المؤسسة العالمية التي ظلت عاجزة عن ممارسة العدل والإنصاف مع الإسلام والمسلمين، هو خير وسيلة لإرغامها على مراجعة موقفها المزدوج فيما يتعلق بالمسلمين وبغير المسلمين.
* * *
بعدما مارست الحكومة العسكرية في مصر كل نوع من العدوان والوحشية مع الشعب المصري المطالب بعودة الشرعية والديموقراطية في مصر ولاسيّما مع المنتمين إلى الإخوان المسلمين، عكفت على سلب الإخوان جميع الاعتبارات الاجتماعية والدينية التي ظلت تتمتع بها حتى على عهد كل من الناصر والسادات ومبارك، فالحكومة المصرية الحالية التي يقودها المدعو بـ«عبد الفتاح السيسي» رئيس أركان الجيش المصري تحاول دفن الإخوان تحت التراب، حتى لاتقوم لها قائمة بعد، فبينما هي زجت بجميع رجال الإخوان في السجون وبدأت تحاكمهم محاكمة قاسية بتهم فظيعة للغاية، إذ هي أصدرت عن طريق المحاكم – التي هي خاضعة تمامًا للحكومة العسكرية والتي معظم قضاتها علمانيون ملحدون متنكرون للإسلام متغربون لآخر الحدود – أوامر بسلب جميع اعتباراتها وفرض الحظر الكلي الشامل عليها وتلمس كل طريق لمحاكمة المعتقلين من رجال الإخوان بتهم إذا تم إدانتهم بها فإنهم في الأغلب سيعدمون شنقًا أو يوضعون في السجون لمدى الحياة مع إلزامهم بالأشغال الشاقة.
وقد كشفت الحوادث الدامية في مصر عن عورات كل من الجيش والشرطة اللذين مارسا كل نوع من الوحشية مع الإسلاميين واغتالاهم وأصاباهم كأنهم أعداء للوطن مثلهما. ولن ينسى التاريخ هذه الاعتداءات التي مارساها مع هؤلاء الإسلاميين الوطنيين بكل معاني الكلمة والتي سجّلها بحروف سوداء كالحة. والإخوانُ منذ أن وُجِدَت ذاقت الويلات واجتازت الامتحانات، وصبت عليه مصائب لوصبت على الأيام لصرن ليالي؛ ولكنها ظلت باقية بقاء الخير وثابتة ثبات الحق، وزال الذين حاولوا إفناءها؛ فهي بعد هذه الامتحانات التي تجتازها اليوم ستبقى حية منتعشة مرفوعة الرأس مشرقة الجبين ضاحكة السن، تؤدي دورها الذي من أجلها أنشئت، وسيتلاشى الذين يذيقونها اليوم الويلات، وسيكون مصيرهم مصيرًا مشؤومًا، وسيكون مكانهم في زبالة التاريخ وقمامته إن شاء الله عز وجل. [التحرير]
(تحريرًا في الساعة 1 من ظهر يوم الثلاثاء: 16/ذوالحجة 1434هـ = 22/أكتوبر 2013م)
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، محرم – صفر 1435 هـ = نوفمبر – ديسمبر 2013م ، العدد : 1-2 ، السنة : 38