الفكرالإسلامي

بقلم: الأستاذ محمد عارف جميل القاسمي المباركفوري(*)

عناصر البحث

الإجماع لغةً واصطلاحاً، الصحابي لغةً واصطلاحاً، أهم عوامل اتفاق الصحابة في الرأي، الأدوار التي مر بها الإجماع، حجية إجماع الصحابة، هل يختص الإجماع بعصر الصحابة؟ إجماع الصحابة مع خلاف معاصريهم من التابعين، أقسام الإجماع ودرجاته، أمثلة على إجماعات الصحابة.

          أقسام الإجماع ودرجاته:

       كما تتبين أهمية ومكانة إجماع الصحابة بأنه أقوى الإجماعات حيث صنَّف أهل العلم الإجماعَ على مراتب و درجات وهي:

       الإجماع على أربعة أقسام هي:

       1- إجماع الصحابة رضي الله عنهم على حكم الحادثة نصاً.

       2- ثم إجماعهم بنص البعض وسكوت الباقين عن الرد.

       3- ثم إجماع من بعدهم فيما لم يوجد فيه قول السلف.

       4- ثم الإجماع على أحد أقوال السلف.

       أما الأول فهو بمنزلة آية من كتاب الله تعالى.

       ثم الإجماع بنص البعض وسكوت الباقين فهو بمنزلة المتواتر.

       ثم إجماع من بعدهم بمنزلة المشهور من الأخبار.

       ثم إجماع المتأخرين على أحد أقوال السلف بمنزلة الصحيح من الآحاد(37).

       هذا وقد نشأت في شبة القارة الهندية في العقود الأخيرة فرقة تأبى قبول إجماعات الصحابة والسلف الصالح إلا ما يرضي هواها. وإن واقع حياتها، و مواقفها من كثير من القضايا والشؤون الإسلامية تؤكد على أنها لاتعبأ بها أصلاً.

       ومن الأمثلة على إجماعات الصحابة التي خالفها هذه الفرقة الناشئة – التي ضرت الأمة أكثر من نفعها – إجماعهم على وقوع الطلقات الثلاث. فقد أجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم، وبه أخذ الأئمة الأربعة وغيرهم. و توصل كل من مجمع الفقــه الإسلامي التابع لرابطـــة العالم الإسلامي، وكذلك مجلس هيئة كبار العلماء المملكة العــربيــة السعودية في دورتها المنعقدة في مابين 29/10/1393هـ و12/11/ 1393هـ – مجلس الهيئة بأكثريته – إلى اختيار القول بوقوع الطلقات الثلاث بلفظ واحد ثلاثاً. ولازالت هذه الطائفة تصر على أنها واحدة ضارباً عرض الحائط ما أجمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وما عليه سلف الأمة وخلفها.

أمثلة على إجماعات الصحابة:

       كان أبو بكر – رضي الله عنه – إذا ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله، فإن وجـد فيه ما يقضي به بينهم قضى بـه، وإن لم يكن في الكتاب وعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الأمر سنة، قضى بها، فإن أعياه خرج فسأل المسلمين، وقـال: أتاني كــذا وكــذا، فهل علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في ذلك بقضــاء، فربما اجتمع إليه النفــر كلهم يـذكـــر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيــه قضاء، فيقول أبوبكر: الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ عن نبيـنا؛ فإن أعياه أن يجد فيه سنةً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع رؤوس الناس وخيارهم فاستشارهم، فإن أجمع أمرهم على رأى قضى به، وكان عمر – رضي الله عنه – يفعل ذلك، فإن أعياه أن يجد في القرآن و السنة نظر هل كان لأبي بكر فيه قضاء، فإن وجد أبابكر قضى فيه بقضاء قضى به وإلا دعارؤوس المسلمين فإذا اجتمعوا على أمر قضى به(38).

       وقد حصل الإجماع في عهد الصحابة على كثير من الأحكام و منها:

1-   إجماعهم علي خلافة أبي بكر رضي الله عنه :

       فإنهم أجمعوا على خلافته بعد أن ارتحل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى.

2-   إجماعهم على جمع القرآن في مصحف واحد.

       روى البخاري عن زيد بن ثابت الأنصاري – رضي الله عنه – وكان ممن يكتب الوحي – قال: أرسل إلي أبوبكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء فى المواطن، فيذهب كثير من القرآن إلا أن تجمعوه وإني لأرى أن تجمع القرآن. قال أبو بكر: قلت لعمر: كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: هو والله خير. فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري، و رأيت الذي رأى عمر. قال زيد بن ثابت، وعمر عنده جالس لا يتكلم: فقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل، ولا نتهمك، كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه. فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبو بكر: هو والله خير، فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال(39).

3-   منع بيع أمهات الأولاد وتبعه الصحابة(40).

4-   إجماعهم على القول بوقوع الثلاث بلفظ واحد. كما سبق.

5-   كما أجمعوا على تقديم دين الميت على وصيته من التركة قبل قسمها. قال ابن كثير في تفسيره: أجمع العلماء سلفًا وخلفًا: أن الدَّيْن مقدم على الوصية، وذلك عند إمعان النظر يفهم من فَحْوَى الآية الكريمة(41).

       وقال أبوبكر الجصاص: وروي عن الحارث عن علي قال: {تقرءون الوصية قبل الدين، وإن محمدا صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية}. قال أبو بكر: وهذا لا خلاف فيه بين المسلمين(42).

6-   أجمعوا على حرمة شحم الخنزير كلحمه. قال القرطبي في تفسيره: أجمعت الأمة على تحريم شحم الخنزير(43). و قال ابن رشد: فأما الخنزير فاتفقوا على تحريم شحمه ولحمه وجلده(44).

7-   إجماع الصحابة علي ميراث الجدات:

       عن قبيصة بن ذؤيب أنه قال جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها فقال: ما لَكِ في كتاب الله تعالى شيء، وما علمت لك في سنة نبي الله صلى الله عليه وسلم شيئًا، فارجعي حتى أسأل الناس فسأل الناس. فقال المغيرة بن شعبة : حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس. فقال أبو بكر: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة، فقال مثل ما قال المغيرة بن شعبة. فأنفذه لها أبو بكر ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – تسأله ميراثها. فقال: ما لك في كتاب الله تعالى شيء، وما كان القضاء الذي قضي به إلا لغيرك، وما أنا بزائد في الفرائض؛ ولكن هو ذلك السدس، فإن اجتمعتما فيه فهو بينكما وأيتكما خلت به فهو لها.

8-   إجماع الصحابة على قتال مانعي الزكاة:

       قال الذهبي: لما اشتهرت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بالنواحي ارتدت طوائف كثيرة من العرب عن الإسلام و منعوا الزكاة فنهض أبو بكر الصديق لقتالهم فأشارعليه عمر وغيره أن يفتر عن قتالهم، فقال: والله لو منعوني عقالاً أو عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها، فقال عمر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله وأن محمداًرسول الله، فمن قالها عصم مني ماله ودمه إلا بحقها وحسابه على الله». فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حق المال وقد قال: «إلا بحقها». قال عمر: فو الله ما هو إلا أن رأيت الله شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق» أخرجه الشيخان وغيرهما(45).

9-   إجماع الصحابة علي أن التكبير في صلاة الجنازة أربع: فقد كانوا يكبرون علي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعاً وخمساً و ستاً وسبعاً، فجمع عمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر كل بما رأي فجمعهم عمر علي أربع تكبيرات. وروي ابن عبد البر في الاستذكاربإسناده: قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر على الجنائز أربعا وخمساً وستاً وسبعاً وثمانياً حتى جاء موت النجاشي فخرج إلى المصلى فصف الناس وراءه وكبر عليه أربعاً ثم ثبت النبي- عليه السلام – على أربع حتى توفاه الله عز و جل. قال أبوعمر: اتفق الفقهاء أهل الفتوى بالأمصارعلى أن التكبير على الجنائز أربع لا زيادة على ما جاء في الآثار المسندة من نقل الآحاد الثقات وما سوى ذلك عندهم شذوذ لا يلتفت إليه اليوم ولا يعرج عليه(46).

10- إجماع الصحابة علي تضمين الصناع(47).

11- إجماع الصحابة رضي الله عنهم على حد شارب الخمر بجلده ثمانين جلدة، فقد قاسوا شرب الخمر على القذف، وهو الاتهام بالزنا من غير بينة.

       قال في «تبيين الحقائق»: عن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد شرب الخمر فجلدته بجريدتين نحو أربعين. قال: وفعله أبو بكر، فلما كان عمر استشارالناس فقال عبدالرحمن: أخف الحدود ثمانين، فأمر به عمر(48).

*  *  *

الهوامش:

(37)      أصول الشاشي لأبي علي أحمد الشاشي1/291؛ وانظر: معجم أصول الفقه للأستاذ خالد رمضان حسن ، ص 28، الناشر: الروضة؛ و أصول البزدوي1/247.

(38)      راجع : صحيح البخاري فضائل الصحابة [3467]؛ وتاريخ الخلفاء للسيوطي 1/60 (المكتبة الشاملة)؛ وعلم أصول الفقه عبد الوهاب خلاف 1/50.

(39)      صحيح البخاري كتاب التفسير [4402].

(40)      فتح القدير 1/316؛ وبداية المجتهد 2/320؛ روضة الطالبين 2/19؛ والشرح الكبير12/501. وفي هذه المسألة خلاف وقع فيما بعد.

(41)      تفسير ابن كثير 2/228؛راجع أيضاً: تبيين الحقائق 18/140؛وأحكام القرآن لابن العربي 2/206.

(42)      وأحكام القرآن للجصاص 4/146.

(43)      تفسير القرطبي 2/222 .

(44)      بداية المجتهد 1/376.

(45)      تاريخ الخلفاء للسيوطي 1/15.

(46)      الاستذكار لابن عبد البر3/30.

(47)      السلفية مرحلة زمنية مباركة ص 157. ط: دارالفكر بيروت .

(48)      رواه مسلم في الحدود [1706]، راجع: تبيين الحقائق 9/37؛ وبداية المجتهد2/365.

*  *  *


(1)        بحث مقدم للمؤتمر الدولي حول «الاجماع والوعي الجمعي: فقهًا وروحًا وثقافة وسلوكاً» المنعقد في ما بين 27-28/ أبريل 2013م = 15-16/جمادى الأخرى 1434هـ: السبت والأحد بمدينة إسطنبول بتركيا.

(*)        المدرس بدارالعلوم/ ديوبند، الهند

            Email: almubarakpuri@gmail.com

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم  ديوبند ، ذوالحجة 1434 هـ = أكتوبر – نوفمبر 2013م ، العدد : 12 ، السنة : 37

Related Posts