الفكرالإسلامي
بقلم: نور عالم خليل الأميني رئيس تحرير المجلة (*)
الصورة الخيالية المهينة للصحابة:
غير أن الإمامية الإثني عشرية، ومن يماثلها في التفكير من المنتمين إلى أهل السنة والمتنورين منا من المتبنين للأفكار الدخيلة المُسْتَوْرَدَة من الكُتَّاب الغربيين الحاقدين على الإسلام والمستشرقين المُغْرِضِين المعادين له، يصورون الصحابةَ بغير هذه الصورة الحقيقية، ويقدمونهم في صورة أبطال التزوير والدهاء والمؤامرة للتوصل إلى كرسي الحكم والإمارة.
فالإمامية ترى أن جميع الصحابة ارتدّوا على أعقابهم إثرَ وفاة الرسول – صلى الله عليه وسلم – لأنهم وَلَّوا الخلافةَ أبا بكر وبعده عمرَ، وبعده عثمانَ، وكان ذلك حقُّ عليّ وحدَه دونما مشاركة، وأن أبابكر وعمر لم يُؤْمِنَا قطُّ حتى على عهد الرسول – صلى الله عليه وسلم – وإنما ظلاَّ ملتصقين به، ليحصلا على السلطة بعده، وجميعُ الصحابة اشتركوا في مؤامرة توليتهما الحكمَ، فهم كَفَرَةٌ إلا ثلاثة أو أربعة(1).
تصريحات الخميني في الصحابة:
وقد صَرَّحَ الإمام والقائد الديني المعاصر للشيعة ونائب إمامهم الغائب آية الله روح الله الخميني بأن الصحابة كانوا كافرين، ومتهافتين على الحكم، قائمين بتحريف القرآن لتحقيق أغراضهم، ولم يكن يهمّهم إلا الدنيا، والوصولُ إلى الحكم والسلطة دون الإسلام والقرآن؛ لأنهم جعلوا القرآن وسيلةً لتحقيق أغراضهم الفاسدة، وسَهُلَ عليهم حذفُ الآيات من القرآن، تلك التي كانت تنص على خلافة عليّ بلا فصل وإمامة الأئمة بعده، وسَهُلَ عليهم إقصاءُ القرآن عن أنظار الناس والمسلمين ليوم الدين.. ولو افترضنا أن القرآن كان قد عين اسم الإمام فإن الذين كانوا قد ألصقوا أنفسَهم بدين الرسول – عليه السلام – إلى سنوات طويلة رغبة في الحكومة، وكانوا يتآمرون لهذا الغرض ويتحزّبون، لم يكونوا ليتنازلوا عن نواياهم من أجل امتثال أوامر القرآن، وكان بإمكان الذين كانوا يترقّبون الفرصَ لتأسيس حكومة لهم، وتحقيق غرضهم، أن يتحزّبوا ضدَّ الإسلام، ويكاشفوه العداءَ، إذا لاح لهم أنّ غرضَهم هذا لايكاد يتحقق باسم الإسلام(2).
وقال في الشيخين: وإذا لم يحذفا تلك الآيات من القرآن (أي التي فيها نصٌّ على خلافة عليّ) فقد كان في استطاعتهما أيضاً – وقد فَعَلاَ ذلك – وضعُ حديث يتماشى مع تحقيق هدفهما ينسبانه إلى الرسول، ويُسْمِعَانه الناسَ، ويُخْبِرَانِهم بأن الرسول أَمَرَ بالشورى في قضية انتخاب الإمام والخليفة.
وقال: عثمان ومعاوية ويزيد جميعهم في درجة واحدة، فهم ظالمون مجرمون أما بقيةُ الصحابة فكانوا إما مع حزب الشيخين انضمّوا إليه واشتركوا معه في تحقيق هدف الوصول إلى الحكم، وإما كانوا ممن يخالفون الشيخين ومن معهما، فلم يجرأ أحدهم على التفوّه بكلمة ضد الشيخين.
ويقول عن أهل السنة قديماً وحديثاً: إنهم قبلوا ما قام به أبوبكر وعمر من صريح المخالفة لأحكام القرآن وتبعوهم، وقبلوا ما قام به عمر من إدخال تغييرات على الإسلام(3).
إن هذه الصورة التي يُبْرِزُها الشيعة، ومن يرى رأيَها، معناها رأساً وأساساً أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قد أخفق – ونعوذ بالله من ذلك – كلَّ الإخفاق في تحقيق مهمته، وتبليغ دعوته وأداء رسالته، ولم يستطع عبر هذه السنوات الطويلة أن يُخَرِّجَ جيلاً صادقاً تتمثل فيه دعوتُه، ويتجلى فيه تعليمُه وتربيتُه، وبالتالي معناها أن الدعوة التي أخفقت هذا الإخفاقَ فكيف يُرْجَىٰ أن تؤتى أكلَها فيما بعد.
تحليل أحد أفاضل الكتاب لأمثال هذه الأفكار:
وقد صدق الأمير محسن الملك السيد محمد مهدي علي (1253-1325هـ) – أحد أفاضل الهند المرموقين – وكان قد ولد في بيت شيعي، ثم دخل في أهل السنة صادرًا عن دراسته العميقة الواسعة عندما قال:
«الحقيقة أن ما يعتقده الشيعةُ في الصحابة الكرام – رضي الله عنهم – يُسَبِّبُ توجيهَ التهمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويثير الشبهات حول الإسلام، في نفوس المطلعين على هذه المُعْتَقَدَات؛ ذلك لأن من يعتقد في الذين آمنوا بالنبي – صلى الله عليه وسلم – أنهم لم يكونوا صادقين في إيمانهم إلا في ظاهر الأمر، أما في باطنهم فكانوا كافرين – والعياذ بالله – حتى إنهم ارتدّوا عن الإسلام إثرَ وفاة النبي – صلى الله عليه وسلم – لا يستطيع أن يصدق نبوة النبي – صلى الله عليه وسلم – بل يقول: لو أن النبي كان صادقاً في نبوته لكانت تعليماته ذات تأثير، ووجد هناك من يكون قد آمن به من صميم القلب، ووجد من بين العدد الهائل ممن آمنوا، بعض المئات الذين ثبتوا على الإيمان فإذا كان الصحابة الكرام – رضي الله عنهم – ناقصين في إيمانهم وإسلامهم – كما يزعمون – فمن هم أولئك الذين تأثروا بهداية النبي صلى الله عليه وسلم وإلى كم يبلغ عدد الذين استفادوا من نبوته؟ فإن كان أصحابه – سوى بضعة رجال منهم – منافقين ومرتدين فيما زعموا – والعياذ بالله – فمن دان بالإسلام؟ ومن انتفع بتعليم الرسول – عليه الصلاة والسلام – وتربيته؟(4).
وبعد:
فإن قبول هذه الصورة المُشَوَّهَة للصحابة يعني رفعَ الاعتماد على الكتاب والسنة وجميع الشرائع والأحكام الإسلامية؛ لأنهم هم الذين نقلوها إلينا، فإذا كانوا خَوَنَةً غادرين، عبيدي الأهواء، فكيف يرجى أنَّهم نقلوها سالمةً غيرَ مخدوشة وكاملةً غير منقوصة، ثم إنها إساءةُ الظن بتربية النبي – صلى الله عليه وسلم – كما أسلفنا، وبتعليم الإسلام، وهداية القرآن، وتكذيبٌ للقرآن، وردٌّ للإسلام، وتغليط للتاريخ، وسوءُ الظن للغاية بصلاحية الإنسان للتغير، والتكيف مع الخير، والتفاعل مع الصلاح، والاستجابة لعوامل الإعداد والبناء، والانسجام مع تربية الميول والرغبات والاتجاهات، الأمر الذي تشهد به الكتب السماوية – والقرآن الذي يهيمن عليها – ووثائق التاريخ البشري، والتاريخ الإسلامي بالذات.
والذين يعملون على إزالة ثقة الشباب – وهو أكثر تأثرًا، واستجابة لعوامل التغيير والثورة في التفكير – عن الصحابة – رضي الله عنهم – بأي طريق من طرق اللسان والبنان، ويجرحون عدالتَهم، ويخدشون نزاهتَهم، ويخمشون بمخالبهم النجسة الخبيثة – سواء أكانوا شيعةً أم أهلَ سنةٍ ممن يدورون في فلك المستشرقين، أو ممن تُسَوِّلُ لهم شياطينهُم أن يَتَعَمْلَقُوا بتقصير قامات أبطال الإسلام الأولين – أعراضَهم، ويريدون دونما جدوى أن يطووا الشموسَ في أكمامهم البالية الرثّة المتخرقة، ويبصقون في وجه الشمس(5) – فيعود بصاقهم عليهم – إنهم مجرمون، ناقصو الدين والعقل معاً أو فاقدوهما معاً – وهو الأصحّ – مهما احْتَمَوْا بحائط الدين، وزعموا أنهم عقلاء ومفكرون.
وقد كثر في هذا العصر بصفة خاصة الطعنُ على الصحابة، والطعنُ على الصحابة ظل مستمرًا منذ أقدم الزمان من الشيعة والخوارج وبعض الفرق الباطلة المنتمية إلى الإسلام، غيرَ أن القدح يوجهه إلى الصحابة اليومَ كثيرٌ من المفكرين والعقلاء الإسلاميين والمتجددين المُجَدِّدِين، الذين يصدرون عن مورد الاستشراق والعمالة، أو الانخداع والانبهار بهم، أو الغرور الأحمق، هؤلاء وهؤلاء يشرعون رؤوس أقلامهم وأطراف ألسنتهم إلى الصحابة الذين اشترى الله أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة والذين فدموا كل ما عندهم من الغالي والرخيص في سبيل الدين الذي آمنوا به، ونشروه، وجعلوا رايته تخفق في الشرق والغرب.
أليس من الوقاحة بالمكان الذي لايوصف لهؤلاء الناس وهم يدعون الإسلام.. أن يدعوا الخوض في كثير من مجالات الخدمة والعمل، ويخوضوا في القدح في الصحابة، الذين زهدوا في الدنيا، ورغبوا في الآخرة، وبَتُّوا الدنيا ثلاثاً، وقالوا لها: غري غيرنا وابعدي عنا(6) يصنعون ذلك وهم جالسون في مكتب جميل مُكَيَّف وعلى كرسي وثير مريح يدور أوتوماتيكياً، وإلى طاولة تلمع بهاءً وتشرق سناء، وبيدهم قلم ثمين، وأمامهم ورق مصقول، وحولهم كل ما تمكنوا من توفيره من الأثاث والرياش، والضروريات والكماليات، وتدور عليهم من حين لآخر «رجال الخدمة» بكؤوس فائضة من المُرَطِّبَات والمُنْعِشَات، ومن السندويتشات وما يعطي مفعولَه لساعات، وعندهم ثراء مدرار ورخاء رغيد، ولهم شهرة واسعة من أجل الحيل التي استخدموها في سبيل ذلك، وليعلم هؤلاء وأولئك أن إيمان الأمة الإسلامية بنزاهة الصحابة وعدالتهم، وثقتهم وأمانتهم يزداد، مع ازدياد تجريحهم لهم، وأنها تَشْعُرُ كأنهم بصنيعهم يثيرون فيها حب الصحابة من جديد، ويُؤَكِّدون إيمانَها بعظمتهم وفضيلتهم، وينبهونها على أن تراجع صلتها بهم إذا كانت قد ضعفت مع الأيام أو وَهَنَتْ بعوامل مجهولة لم تشعر بها.
وعنهم وعن أمثالهم تَحَدَّثَ الأديب العربي المصري الكبير مصطفى صادق الرافعي (1297-1356هـ = 1880-1937م) وقد تَمَيَّزَ بغيرته على الإسلام وعلى تاريخه وحضارته وثقافته:
«غير أنهم على التحقيق غلطات إنسانية تُخْرِجُها الأقدار في شكل علميّ أو أدبيّ لتُعَارِضَ بها صواباً كاد يُهْمِلُه الناسُ، فيخشى الناس أن يَتَحَيَّف الخطأُ صوابَهم، أو يذهب به، فيستمسكون بحبله ويشدّون عليه، ويعود ذلك الصوابُ بعد ظهور الخطأ الذي يقابله ووقوفه بإزائه موقف العدو من العدو، كما ظهر دليلُه لانقيضه، فيعرف الناس وجهَ الحاجة إليه، ومكان الغناء فيه، وضرورة المنفعة به، وكان وشيكاً أن يضيع فكأنهم استنقذوه، وكلُّ ذلك مما يكبره ويرفعه ويبين عنه أحسنَ إبانة وأوضحَها، وكلُّ ذلك مما يغرى به الحرصُ على سنة طبيعية قاهرة لاتدافع وما زالت هذه من عجائب حكمة الله فيما يحوط به هذا الدين الإسلامي وكتابه العربي الخالد»(7).
اللهم ارزقنا حبك وحب نبيك وحب من يحبك وتحبه، وحب أصحابه وأهله، ومن تبعهم من أئمة الدين والهدى والتقى.. واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ولا تجعلنا من الذين ينتقصون الصحابــة ويسيئون إليهم بالقلب أو اللسان، وهم يحسبــون أنهم يحسنون صنعاً، أولئك هم كما قلتَ فيهم: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِيْنَ أَعمَالاً الَّذِيْنَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيوٰةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾(8).
اللهم إنا نؤمن بك ربًّا وبالإسلامِ ديناً وبمحمد – صلى الله عليه وسلم – نبياً ورسولاً، وبأنه بَلَّغَ الرسالةَ، وأَدَّى الأمانةَ، ونَصَحَ الأمةَ، وأَحْسَنَ التربيةَ، وقام بتزكية الذين آمنوا به وتَرَبَّوْا في حضنه النبوي، وبتعليمهم الكتاب والحكمة، خيرَ قيام.. وما التحق بك إلا وقد خَلَّفَ جيلاً مثالياً يخلفه في الدعوة وتبليغ الرسالة، واعتمده في ذلك، لأنه كان أميناً وفياً صادقاً نزيهاً لا ترتقي إليه شبهةٌ، والحمدُ لله ربّ العالمين.
* * *
الهوامش:
في فصل «كتاب الروضة» من كتاب الجامع الكافي – وهو بمنزلة صحيح البخاري عند الإثني عشرية – رواية عن الإمام أبي جعفر، قال: كان الناس على ردة بعد النبي إلا ثلاثة، فقلت: من الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود، وأبوذر الغفاري، وسلمان الفارسي، رضي الله عنهم. (فرع الكافي، ج3، ص:115. وفي روايةٍ رابعُهم عمار بن ياسر، انظر للتفصيل الكتاب القيم «الثورة الإيرانية في ميزان الإسلام»لمؤلفه الكاتب والداعية الإسلامي المعروف الشيخ محمد منظور النعماني.
كشف الأسرار بالفارسية، للخميني، ص:113 و 114. وليراجع للتفصيل كتاب فضيلة الشيخ محمد منظور النعماني «الثورة الإيرانية في ميزان الإسلام» باللغات الأردية والعربية والإنجليزية، وقد تحدّث فيه في تفصيل عن أفكار ومعتقدات الشيعة عبرَ العصور، وأفكار إمامها المعاصر آية الله روح الله الخميني – قائد ثورة إيران الشيعية، ومؤسس حكومتها الحالية – عن الصحابة والقرآن، والإمامة.
ليراجع «الثورة الإيرانية في ميزان الإسلام» عنوان «موجز أقوال الخميني في الشيخين وعثمان ذي النورين وعامة الصحابة» واقرأ ذلك في كتاب الخميني «كشف الأسرار» عبر ص: 112-120.
الآيات البينات (بالأردية) ج1، ص:6-7. (نَقْلاً عن «صورتان متضادتان»).
ولولا خوف الإطالة في هذه العجالة، لنقلنا نماذج من الثرثرة التي قام بها أمثال هؤلاء في كتبهم وكتاباتهم، ضد الصحابة، خير الأمة.
من كلمات سيدنا علي – رضي الله عنه -.
تحت راية القرآن، ص:10.
الكهف: 103-104.
* * *
* *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، محرم – صفر 1434 هـ = نوفمبر ، ديسمبر 2012م – يناير 2013م ، العدد : 1-2 ، السنة : 37
(*) nooralamamini@gmail.com