دراسات إسلامية
بقلم : الأستاذ أشرف شعبان أبو أحمد / جمهورية مصر العربية (*)
لقد أقر الإسلام مبدأ التملك والمكية الفردية؛ لكي يكون حافزًا للإنسان لأن يعمل ويجد وبالتالي يعمر الأرض. فلأفراد أن يملكوا، ولهم أن يحوزوا، وفي هذا نجد أن القرآن الكريم قد نسب الأموال للناس، قال تعالى (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) سورة التغابن آية 15 وقال عز وجل (والذين في أموالهم حق معلوم) سورة المعارج الآيات 24-25 وقال جل وعلا (وأتوهم من مال الله الذي أتاكم) سورة النور آية 33 فجعل هذا المال تمليكاً، اعترافاً بمبدأ الملكية…(1) وبالتالي أصبح التملك من الأمور المباحة. والإسلام بهذا يراعي نوازع وغرائز الإنسان الطبيعية، وحبه للتملك والاقتناء، فأباحه له، ولكن لم يترك غريزة التملك تعبث بصاحبها كما يحلو لها، فقيدها بمشروعية تملكها، ثم بحسن التصرف فيها، ومراعاة مصالح وحقوق الآخرين، وإلا تتحول إلى احتكار وتسلط وظلم…(2) إلى غيرها من القيود التي سيأتي الحديث عنها ويهمنا منها الآن أن الإسلام جعل من حق الدولة المسلمة التي تطبق شريعة الله أن تبحث عن أسباب التملك والثراء الذي يظهر على الأفراد، وترى إن كانت هذه الأموال تحصل عليها صاحبها بطرق مشروعة أم غير مشروعة…(3) خاصة هؤلاء الأفراد الذين يعملون بأجهزة الدولة مهما صغرت أو كبرت وظائفهم، وذلك من خلال مبدأ من أين لك هذا؟. وهذا المبدأ وضعه، الرسول صلى الله عليه وسلم، حينما وظف رجلاً على جباية الزكاة، فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي إلي. فلما رأى الرسول هذه الهدايا قدمت له من غير وجه صعد المنبر فقال (ما بال العامل نبعثه فيأتي فيقول: هذا أهدي إلي فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى له أو لا؟ والذي نفسي بيده لا يأتي أحدكم بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيرًا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاه تبعر) رواه البخاري ومسلم. وعمل على مقتضى هذا المبدأ الخلفاء الراشدين من بعده، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان يحاسب أهله وعماله في الأموال التي تدخل عليهم، فإن رأى أن المال المكتسب حيز من غير وجه شرعي رده إلى بيت مال المسلمين. وهذه بعض الشواهد: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: اشتريت إبلاً في الحمى «أرض الدولة»، فلما سمنت قدمت بها، فدخل عمر السوق، فرأى إبلاً سمناً فقال: لمن هذه؟. فقيل: لعبد الله بن عمر. فأرسل إليه فحضر، فقال له: ما هــذه الإبـل؟. قال: إبل اشتريتها وبعثت بها إلى الحمى، أبتغي ما يبتغي المسلمون، فقال: حين عرف الناس أنها إبل ابن أمير المؤمنين لابد أنهم قالوا: ارعوا إبل أمير المؤمنين، اسقوا إبل أمير المؤمنين! يا عبد الله اغد على رأس مالك، وجعل باقيه في بيت مال المسلمين. قدم بريد ملك الروم، على عمر رضي الله عنه، فاستقرضت امرأة عمر دينارًا، فاشترت به عطرًا، وجعلته في قوارير، وبعثت به مع البريد إلى امرأة ملك الروم، فلما أتاها فرغت القوارير وملأتهن جواهر، وقالت للرسول: اذهب به إلى امرأة عمر، فلما أتاها فرغتهن على البساط، فدخل عمر، فقال: ما هذا؟. فأخبرته. فأخذ عمر الجواهر فباعها، ودفع إلى امرأته دينارًا، وجعل ما بقي من ذلك في بيت مال المسلمين. وفعل عمر ذلك؛ لأنها استخدمت بريد الدولة في شؤونها الخاصة، واستفادت من كونها امرأة أمير المؤمنين. وكان رضي الله عنه، إذا استعمل عاملاً على شؤون المسلمين، أحصى ما عنده من مال، فإن وجد زيادة، أخذ نصفه، ورده إلى بيت المال، وكان يأمر إذا قدم الولاة أن يدخلوا نهارًا، ولا يدخلوا ليلاً؛ كيلاَ يحجبوا شيئًا من الأموال. ومر مرة ببناء يبنى بحجارة وجص، فقال: لمن هذا؟. فذكروا عاملاً له على البحرين، فقال: أبت الدراهم إلا أن تخرج أعناقها وشاطره ماله…(4) ولعل هذا العمل، من عمر رضي الله عنه، يعد أول تطبيق عملي لكتابة إقرارات الذمة المالية، التي يقدمها الموظفون العموميون اليوم، عند تولي الوظيفة، وعلى فترات محددة من توليها، ليعلم منها أو بغيرها من الطرق، هل دخلت ذمتهم المالية أموال من وظيفتهم أو بسببها، تربو على رزقهم منها، أم أن الأموال التي لديهم تتناسب مع هذا الرزق. ويهمنا في هذا نقطة أخرى، وهي أن نظام المقاسمة، الذي قام به عمر رضي الله عنه، لم يكن بسبب أن أيهم جمع المال بطريقة مخالفة لشريعة الله، وإلا لكان لعمر مع هذا المخالف شأن أخر؛ ولكنها كانت ترجع إلى مظنة الكسب الحرام بغير قصد، كمجاملة الرعية للوالي أو استفادة الوالي من منصبه في تيسير أموره…(5) وتعتبر هذه نقطة هامة، في توفير الكثير لخزانة الدولة وسعة الرزق لأبنائها. فإن كان من بأيديهم مصالح الدولة ومقادير الأمور بها، فاسدي الذمم والضمائر، سخروا خزانة الدولة لمصالحهم الشخصية، ليأكلوا من أموال الشعب، ما يستطيعون أكله، دون رادع من دين أو زاجر من ضمير، فهؤلاء إن تركوا وشأنهم بدون مراقبة ومحاسبة، لعبوا دورًا كبيرًا في استلاب الأموال، وتكديس الثروات على حساب الفقراء والكادحين والعمال من أبناء الشعب، وأنهم وأن فلتوا من العقاب الدنيوي، فلن ولم يفلتوا من العقاب الأخروي، فالله سبحانه وتعالى، سيحاسبهم حساباً عسيرًا، وسيسألهم عن هذه الأموال، من أين اكتسبوها وفيم أنفقوها؟. قال عليه الصلاة السلام (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيم أفناه وعن شبابه فيم أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن علمه ما عمل به) رواه الترمذي…(6).
* * *
المراجع :
(1) حديث الثلاثاء للإمام حسن البنا ء 408.
(2) إسلام لا شيوعية د. عبد المنعم النمر ص 261، ص 274، ص 259.
(3) السلام العالمي والإسلام سيد قطب ص 155-156.
(4) التكافل الاجتماعي في الإسلام عبد الله ناصح علوان ص 51-52.
(5) الرقابة الإدارية في الإسلام المبداء والتطبيق على محمد حسنين ص 161-167.
(6) التكافل الاجتماعي في الإسلام عبد الله ناصح علوان ص 47.
* * *
(*) 6 شارع محمد مسعود متفرع من شارع أحمد إسماعيل، وابور المياه – باب شرق – الإسكندرية ، جمهورية مصر العربية.
الهاتف : 4204166 ، فاكس : 4291451
الجوّال : 0101284614
Email: ashmon59@yahoo.com
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، شعبان 1433 هـ = يونيو- يوليو 2012م ، العدد : 8 ، السنة : 36