العالم الإسلامي
منذ اندلاع الثورات العربية وعلماء الأزهر يرفعون رأية استقلال الأزهر الشريف عن الدولة، ورفض تغول السلطة على مؤسسة الأزهر، التي فقدت دورها وبريقها رغم أنها الأكبر في العالم الإسلامي، وحان الوقت لتستعيد مكانتها التي أضرت بها عقود من الرضوخ لزعماء أقوياء، من خلال جعل منصب شيخ الأزهر والمفتي بالانتخاب للأصلح والأنقى وليس بالتعيين، وإعادة أوقاف الأزهر وإعادة صياغة قانون الأزهر بما يتفق مع استقلاله، والتي طالب بهاعلماء الأزهر في مسيرات متتالية إلى جانب مطالب (هيئة حقوق الإصلاح) لتطبيق الشريعة ووضع دستور إسلامي، ووضع (وثيقة الأزهر) حول مستقبل مصر موضع التنفيذ، وإصدار (وثيقة عربية) على غرار وثيقة الأزهر لإصلاح الشأن العربي، واتخاذ مواقف حاسمة في القضايا العربية والإسلامية.
الأزهر بين الماضي والحاضر
كان الأزهر قد فقد بعضاً من بريقه حين اخضعه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لسلطة الدولة عام 1961م، وبعد مرور 40 عاماً كان شيوخ الأزهر يحملون على دعم النظام الأمني الصارم الذي عزز حكم مبارك الذي دام نحو ثلاثة عقود. ونتيجة لارتباط سمعته بسمعة زعيم لا يحظى بشعبية خفت بريق الأزهر، في حين بدأ خطباء متشددون وعلى درجة أقل من التعليم الديني ينشرون تفسيراتهم للإسلام، عن طريق الإنترنت والقنوات الفضائية التليفزيونية.
وبلغ الأمر في عام 2007، أن أفتى شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي، الذي تولى المنصب لأكثر من عشر سنوات انتهت بوفاته العام الماضي، بأن الصحفيين الذين ينشرون شائعات عن صحة مبارك يجب أن يجلدوا 80 جلدة. وفي محاولة لاستعادة سمعة هذه المؤسسة العريقة يسعى أزهريون بارزون لتجديدها بوصفها مدافعة عن الديمقراطية وإصلاح الدولة، وربما أيضاً عن الدولة المدنية.
وقال حسن نافعة رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة: إن كثيرين يشعرون بالحاجة الملحة إلى هذه المؤسسة في المستقبل، للحفاظ على الإسلام المعتدل في مواجهة الموجات الأخرى التي تقودهاهيئات أكثر تشدداً واقل جدارة بالثقة. وبدأت رياح التغيير تهب على أروقة الأزهر الحجرية قبل أشهر من الثورة التي أطاحت بمبارك في فبراير.
وفي عام 2010 أشرف رئيس وزرائه أحمد نظيف على تعيين الدكتور أحمد الطيب خلفاً للشيخ سيد طنطاوي. ويوصف الطيب بأنه أكثر ميلا للاستقلالية.
وفور أن تولى الشيخ أحمد الطيب مشيخة الأزهر، تسابق الجميع في تفاؤله بإعادة الاعتبار لهذه المؤسسة الدينية العريقة، وذلك على خلفية أن الرجل يمتلك القدرة على ذلك، وأنه إلى جانب كونه عالماً أزهرياً مرموقاً، لديه الرغبة في الاستقلال بقراره عن نظام مبارك الذي تغول في هذه المؤسسة، بهدف إخضاعها إلى سياساته، وتجلى ذلك أكثر في عهد الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الراحل، ودفع هذا التغول البعض إلى التحفظ على إمكانية أنِ ينجح الطيب في رسالته، بالرغم من أنّه شخصيا مؤهل لها، ولما جاءت ثورة 25 يناير توجهت الأنظار من جديد إلى هذه المؤسسة العريقة، بغرض الإمساك بفرصة التجديد الشامل فيها.
وحين خرج الملايين إلى الشوارع لمطالبة مبارك بالتنحي في يناير لم تصدر الفتوى المتوقعة من الأزهر لمطالبة المصريين بالاتحاد وراء رئيسهم، وإنما اكتفى الأزهر بإصدار بيان يحث على ضبط النفس.
وانضم كثير من علماء الأزهر إلى المحتجين خلال الثورة ولم يتعرضوا لانتقادات من رؤسائهم. وبعد رحيل مبارك جمع الأزهر المثقفين للتعاون بشأن رؤية لمستقبل مصر السياسي. وأصدر الأزهر وثيقة من 11 نقطة في يونيو تقترح احترام حرية الرأي والعقيدة وحقوق الإنسان في دولة مدنية يحميها الدستور والقانون.
وقال محمد رفاعة الطهطاوي المتحدث السابق باسم الأزهر والذي شارك في صياغة المسودة الأولى للوثيقة السياسية: إن الأزهر يريد أن يتطور بما يعكس التغييرات التي يراها قادمة. وأضاف الطهطاوي: إنه استقال من منصبه في فبراير لينضم إلى الثورة، لكن زملاءه السابقين رحبوا بعودته إلى الأزهر وكأنه لم يغب عنهم أبداً.
وتابع: إنه لم يكن هناك رفض من شيخ الأزهر أو أي مسؤول آخر، بل العكس شجعه الجميع. وعبر عن اعتقاده بأن الجميع كانوا يدركون أنه لا مفر من التغيير، وأنه لا أحد يستطيع منعه. ولايزال لما يصدر عن الأزهر قوة معنوية حتى بين المسيحيين، الذين يمثلون نحو عشرة في المئة من سكان مصر البالغ عددهم 81 مليون نسمة.
لايزال الوقار حاضراً
وفي دولة تعاني من أزمة في التعليم الحكومي تقدم جامعة الأزهر بعضاً من أفضل البرامج الدراسية في العلوم الحديثة واللغات والدراسات التجارية والهندسة والزراعة. ويدير الأزهر معاهد في أنحاء مصر ويرسل خبراء للتدريس في أنحاء الشرق الأوسط وخارجه. ومن بين خريجي الجامعة بعض من أبرز العلماء والساسة في العالم الإسلامي.
ولا يزال الوقار حاضراً، لكن استعادة الأزهر لسلطته على الشؤون الدينية باتت أكثر أهمية من أي وقت مضى، بعد أن ضعف الجهاز الأمني وظهرت تيارات، مثل: السلفيين تعارض إخضاع القيادات الدينية لسلطة علمانية. وبدأت قيادات الأزهر في التواصل مع ساسة يتنافسون لتشكيل حكومة جديدة منتخبة، ومن بينهم أعضاء بجماعات إسلامية، مثل الاخوان المسلمين التي كانت محظورة رسميا في عهد مبارك، ويرجح أن تلعب دورا حاسما على الساحة السياسية.
ووضع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي يدير البلاد جدولاً زمنياً لإجراء انتخابات برلمانية في نوفمبر تعقبها انتخابات رئاسية ربما في أوائل العالم القادم. والتقى شيخ الأزهر أحمد الطيب بمرشد جماعة الإخوان محمد بديع في مايو. وقال الطيب: إن الجماعة كانت دائما قريبة من الأزهر، لكن الظروف السابقة لم تسمح بعقد هذه الاجتماعات.
وقال الطيب: إن الاجتماع بحث أهمية الوصول إلى خطاب إسلامي معتدل وموحد. وفي أغسطس الماضي توسط الأزهر بين ساسة ليبراليين وإسلاميين عارضوا محاولتهم وضع مبادئ لدستور جديد، وهي خطوة يعتبرها الإسلاميون خدعة للحيلولة دون إقامة دولة إسلامية. لكن علمانيين يتشككون في سعي الأزهر للعب دور على الساحة السياسية.
وتساءل جمال عبد المحلل المتخصص في حقوق الإنسان ورئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ومقرها القاهرة عما سيحدث إذا دب خلاف مع الأزهر بخصوص شيء ما. وتابع: إنه سيكون من الصعب مجادلة مؤسسة دينية. وقال عيد: إنّه لا يمكن الدعوة إلى إقامة دولة مدنية، والسماح في الوقت نفسه للمنظمات الدينية بالاشتراك في السياسة.
ويسعى الأزهر الآن إلى التخلص من سيطرةِ الحكومة قائلاً: إنّه يجب أن ينتخب شيخه مجدداً وألا يختاره رئيس الدولة. وقال المحلل السياسي د. حسن نافعة: إن الأزهر أدرك استحالة أن يستمر في العمل بنفس الطريقة التي كان يعمل بها في عهد مبارك. وأضاف: إنه يعلم أن عليه تطهير الفساد الداخلي. وقال نافعة: إنه يرى رغبة قوية لدى الأزهر في العودة إلى زعامة العالم الإسلامي السني.
رفض الخلط بين الأزهر والسلطة
وبدا أن القائمين على أمر المؤسسة الدينية الأكبر في العالم الإسلامي قد استوعبوا درس الرفض الشعبي لوجود الأزهر في كنف سلطة مبارك، فأصبح واضحا أن هؤلاء يريدون أن يكونوا بعيدين عن القرارات السياسية للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، بصفته القائم على حكم البلاد، وبدا واضحاً أن الأخير يرفض بدوره أن يلعب دور الوصي على المؤسسة الدينية، وأن يتفادى استمرار الخلط الذي حدث في وقت سابق بين الأزهر والسلطة، بل إن المجلس العسكري بادر إلى العمل على تحقيق المطالب الخاصة باستقلال الأزهر وانتخاب شيخه بدلا من تعيينه، حيث أقر تشكيل لجنة من العلماء والقانونيين على رأسهم المستشار طارق البشري لإعداد قانون جديد للأزهر، تمهيداً لعرضه على مجلس الشعب القادم.
موقف المجلس العسكري يلقى قبولا واسعا بين رجال الأزهر، فيقول الدكتور محمد رضا محرم الأستاذ المتفرغ، وعميد كلية الهندسة بجامعة الأزهر السابق: إن المجلس العسكري نجح في إرجاع الحقوق إلى المستبعدين أمنياً من الأزهر، وذلك بعد إصدار قرار بتغيير قيادات الجامعة، التي كثيراً ما تعاونت مع جهاز أمن الدولة «المنحل»، وتعاملت مع طلابها واساتذتها، وفقا للرضا أو الرفض الأمني لهم.
يضيف محرم: إن الأزهر الآن لا يسعى للتقرب من المجلس العسكري، لمعرفة مسؤوليه أن فترة حكم المجلس فترة انتقالية، ولكن يسعى مسؤولو الأزهر للتقرب من التيارات السياسية الأبرز بعد الثورة، وخاصة التيار الليبرالي، والإسلامي، لافتاً إلى أنه في الوقت الذي أصدر فيه الأزهر وثيقة تدعو إلى دولة مدنية ديمقراطية تحترم المواطنة، فإنهم فتحوا قنوات للحوار مع جماعة الإخوان المسلمين، التي تعبر عن تيار سياسي ديني.
ويرى محرم «أن مسؤولي الأزهر يسعون إلى تفادي تكرار أخطاء الماضي، مشيرًا إلى أنهم عمدوا إلى كسب ود الثوار، وتأييد الثورة، في تبدل واضح لموقف المؤسسة الدينية من الثورة قبل سقوط النظام، موضحاً أن الأزهر يبتعد الآن عن الفتاوى التي من شأنها إثارة الغضب والاستياء لدى الشارع المصري، والعربي، والإسلامي، لافتاً إلى أن آخر تلك الفتاوى تمثلت في إجازة ترك المسلم صلاة الجمعة، إذا تأكد من وجود خطر على نفسه أو ماله أو بيته»، وهي الفتوى التي صدرت قبل ساعات من جمعة الرحيل، والتي خُلع على أثرها الرئيس السابق محمد حسني مبارك، وسقط النظام.
ويستطرد محرم: إن سجل الأزهر في تبعيته للسلطة ممتد إلى عقود طويلة مضت، مشيراً إلى إصدار شيخ الأزهر الراحل «عبد الرحمن تاج» فتوى في عام 1954 بإسقاط الجنسية عن الرئيس السابق محمد نجيب، لأنه «يتعاون مع قوى خارجية ضد بلاده»، مضيفاً إنه في عصر السادات أيد شيخ الأزهر جاد الحق على جاد الحق اتفاقية «كامب ديفيد»، فيما كان للشيخ الراحل محمد سيد طنطاوي النصيب الأكبر من تلك الفتاوى المثيرة للجدل، كالفتوى الخاصة بجواز بناء الجدار العازل على الحدود بين مصر وغزة، وفتوى عدم جواز إطلاق صفة شهيد على منفذي العمليات التفجيرية في إسرائيل، والتي أطلقها طنطاوي في أوج اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000.
مقاومة ومطالب إصلاحية
فتاوى الأزهر مواقفه المساندة للسلطات، كانت تلقى إلى جانب الرفض الشعبي، مقاومة من داخل الأزهر ذاته، وكان أبرز مثال لذلك جبهة علماء الأزهر، ومواقفها المناهضة لممارسات قيادات الأزهر. يقول الدكتور محمد مختار المهدي «عضو الجبهة»: إن ضغوط السلطة الحاكمة كانت تدفع علماء الأزهر إلى تبني الروايات الأضعف، وإطلاق الفتاوى بناء عليها، وهو ما كان يهدد بإضعاف دور الأزهر كمؤسسة دينية وسطية.
ويحمل الداعية الشاب عصام خالد ما يصفه بـ«فتاوى الأزهر التفصيل» المسؤولية عن انتشار فوضى الفتاوى على الفضائيات، مفسراً ذلك بأن غياب ثقة المواطن بالمؤسسة الرسمية كان يدفعه إلى اللجوء إلى شيوخ الفضائيات.
وقد وقف النظام السابق بالمرصاد لكل المحاولات التي استهدفت تعديل القانون المنظم لشؤون الأزهر، والمعمول به منذ عام 1961 ويحمل رقم 103، ولعب مجلس الشعب بأغلبيته المصطنعة دورا بارزاً في إجهاض مشروعات القوانين المقدمة في هذا الشأن، وأخرها ما تقدم به النائب الإخواني السابق على لبن عام 2002، والذي تضمن مشروعه اختيار شيخ الأزهر بالانتخاب، وإعداد كادر خاص بمعلمي الأزهر، وإعادة النظر في المواد المقررة على طلبة الأزهر، التي تصل إلى 24 مادة، في مقارنة بطلبة المدارس الحكومية، ويقول لبن: «عطل جهاز أمن الدولة المنحل صدور القانون لصالح أمريكا وإسرائيل، بعدما وافق مندوب شيخ الأزهر»، موضحاً أن مشروع القانون عرض على اللجنة الدينية بمجلس الشعب، ونوقش خلال أكثر من جلسة، ولم يلق أدنى اعتراضات، لتتوقف المناقشات بعدها تماما.
توجهات جديدة بعد الثورة
الجديد بعد ثورة يناير، أن تيارات الإصلاح الجديدة بالأزهر تسعى الآن إلى عرض رؤيتها الإصلاح المؤسسة الدينية عبر ميدان التحرير وعلى صفحات الفيس بوك، رافعة شعار «الشعب يريد إصلاح الأزهر»، كما يعمل ائتلاف «النهوض بالأزهر»على التنسيق بين عدد من الرموز الإسلامية المختلفة، سواء من داخل الأزهر أو من خارجه، من أجل الاتفاق على عدة إصلاحات ضرورية، على رأسها إسقاط القانون 103 لسنة 1961، والذي أدى تطبيقه إلى تعيين شيخ الأزهر من قبل الدولة، بدلاً من اتخابه.
يقول عبد الرحمن الدسوقي عضو الاتحاد العام لعلماء المسلمين، ومنسق الائتلاف: الهدف الرئيسي الآن للائتلاف هو استقلال الأزهر، بعيدا عن السلطة، حتى لايتم تعيين شيخ الأزهر الجديد وفقاً للتيار السياسي الغالب، فلا يجوز أن يوصف شيخ الأزهر بأنه ليبرالي أو إخواني أو علماني، كما لا يجوز أن يتحرك رأس المؤسسة الدينية وفقا لأهواء الساسة، بل يجب أن يعود الأزهر إلى دوره في مراقبة أداء الدولة، وتصحيح مسار الحاكم، ومراجعته، دون خوف.
ويشير الدسوقي إلى أن الائتلاف يضم حتى الآن عدداً من أبرز الرموز كمحمود مزروعة، وعبد الحي الفرماوي، وعبد المنعم البري، إضافة إلى ذلك وضع ائتلاف النهوض بالأزهر خطة طموحة لعودة هيئة كبار علماء الأزهر، التي من المقرر أن تنتخب رئيس الأزهر القادم، في حالة إسقاط القانون 103، لتضم الهيئة 50 من أبرز علماء العالم الإسلامي.
أما حركة دعم استقلال الأزهر فتضع على رأس مطالبها عودة الأوقاف إلى مؤسسة الأزهر، لتحقيق استقلاله المادي، ويرى نشطاؤها أن تحقيق ذلك من شأنه أن يؤدي إلى إضعاف قبضة الحاكم على الأزهر.
يقول المستشار عبد الغني الهندي منسق الحركة: إن حكومة ثورة 23 يوليو كانت تعلم الدور المهم الذي يلعبه الأزهر في توجيه الحياة السياسية المصرية، وكيف أن علماء الأزهر كانوا دائماً ما يقودون الحركات الاحتجاجية، مثلما حدث في ثورة عرابي، وثورة 1919، وما سبقهما من التصدي للحملة الفرنسية، والتي أعدم خلالها عشرات من علماء الأزهر، مؤكداً أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عمد إلى تجفيف منابع الأزهر، لإسكاته وتطويعه، عن طريق استيلاء الإصلاح الزراعي عام 1956 على 137 ألف فدان من الأوقاف التي كانت تابعة للأزهر، وقدر وقتها الفدان بـ20 ألف جنيه، وبعدها بسنوات صدر قانون 103 لسنة 1961، والذي حول الأزهر إلى إحدى المؤسسات التابعة للدولة، لافتاً إلى أن ميزانية الأزهر وصلت خلال حكم مبارك إلى 5 مليارات جنيه، «تدفعها الدولة بيد، وباليد الأخرى توجه فتاوى المؤسسة الدينية، وتعمل على إضعاف المناهج التعليمية التي تدرس لطلابها، بما يتناسب مع الضغوط الخارجية».
مواقف أزهرية في الداخل والخارج
أولاً: مواقف أزهريةفي مصر:
ومن أمثلتها ما يلي:
– طرح (وثيقة الأزهر) حول مستقبل مصر، والتي أجمعت عليها آراه القوى السياسية والدينية، وقد تقرر تدريسها في المناهج الأزهرية.
– تأسيس (الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح)، وتضم عدداً من علماء الأزهر وعدداً آخر من قيادات السلفيين، وتهدف إلى تطبيق الشريعة، ووضع دستور إسلامي وتوجيه الشعب سياسياً.
– تشكيل (بيت العائلة) برئاسة شيخ الأزهر والبابا شنودة ومقره الرئيسي مشيخة الأزهر بالقاهرة، ويتكون من عدد من علماء الإسلام ورجال الكنيسة القبطية وممثلين من مختلف الطوائف المسيحية بمصر وعدد من المفكرين والخبراء لدعم الوحدة الوطنية والمحافظة على النسيج الاجتماعي لأبناء مصر، وقد اعتمدت المبادرة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورئاسة مجلس الوزراء، وفي اجتماعها الأول وضعت آليات العمل خلال الفترة القادمة لتشمل القاهرة والأقاليم والقرى، وقد أوصى بيت العائلة مؤخرا، بضرورة فتح الكنائس المغلقة وإصدار تراخيص للكنائس التي لم يصدر لها ترخيص وتوفيق أوضاعها، والموافقة على قانون تنظيم بناء المساجد الصادر عام 2001، بينما طالب بإصدار قانون لتنظيم الكنائيس على غرار قانون تنظيم بناء المساجد وبموافقة جميع الكنائس ورفض بحضور ممثلي الكنائس المصرية مشروع قانون دور العبادة الموحد.
– لقاءات شيخ الأزهر مع أقطاب القوى السياسية (والتي تجلت في وضع وثيقة الأزهر) ولقاءاته مع قيادات الإخوان المسلمين والقيادات السلفية في مصر، مؤكداً أن الأزهر هو معقل أهل السنّة على مدار التاريخ، وأن من أصول أهل السنّة ألا يكفروا أحداً من أهل القبلة بذنب جناه، وأن نبتعد عن الفرقة والنزاع والتنافس على النفوذ وحطام الدنيا.
– مناقشة حقوق الإنسان في مصر بصفة خاصة وفي العالم العربي بصفة عامة وتأكيد ألا تكون صادمة لمقدساتنا، وألا تتخذ شكلاً من أشكال التجارة، وأن المفهوم الغربي لحقوق الإنسان يختلف عن نظيره العربي والإسلامي، وأنه لو فتح باب حقوق الإنسان بالمفهوم الغربي الخالص لخربت الديار (فليس كل ما هو حق للإنسان الغربي هو حق للإنسان العربي أو المسلم والعكس صحيح).
ثانيا: مواقف أزهرية في العالم العربي والعالم:
ومن أمثلتها ما يلي:
– إصدار وثيقة (الربيع العربي) لدعم إرادة الشعوب في تحقيق الشورى والعدالة والحرية وحقوق الإنسان، والتي وجهت لمخاطبة الحكام والرؤساء بضرورة الاستجابة لمطالب شعوبهم، وقال شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطبيب في المؤتمر الصحفي الذي عقده يوم 31/10/2011 بمقر مشيخة الأزهر لإعلان «الوثيقة»: إن مواجهة أي احتجاج وطني سلمي بالقوة والعنف المسلح وإراقة دماء المواطنين المسالمين بمثابة نقض لميثاق الحكم بين الأمة وحكامها، ويسقط شرعية السلطة ويهدر حقها في الاستمرار بالتراضي، فإذا تمادت السلطة في «طغيانها» واستهانت بإراقة دماء المواطنين الأبرياء، حفاظاً على بقائها غير المشروع – على الرغم من إرادة الشعوب – أصبحت السلطة مدانة بجرائم تلوث صفحاتها، وأصبح من حق الشعوب المقهورة أن تعمل على عزل الحكام المتسلطين ومحاسبتهم.
وأكد «الطيب»، أن انتهاك حرمة الدم المعصوم، يعد الخط الفاصل بين شرعية الحكم وسقوطه في الإثم والعدوان، داعيًا الجيوش المنظمة في جميع الدول العربية، في هذه الأحوال، إلى الالتزام بواجباتها الدستورية في حماية الأوطان من الخارج، حتى لا تتحول إلى أدوات قمح وإرهاب للمواطنين وسفك دمائهم.
وأكدت الوثيقة مناصرة علماء الأزهر وقادة الفكر والثقافة لإرادة الشعوب العربية في التجديد والإصلاح، التي انتصرت في مصر وتونس وليبيا، ولاتزال محتدمة في سوريا واليمن، داعين المجتمعين العربي والإسلامي إلى اتخاذ مبادرات حماسة وفعالة لتأمين نجاح هذه الثورات بأقل قدر من الخسائر.
– رفض المد الشيعي في الدول الإسلامية سواء من خلال المحاولات المحمومة لنشر المذهب الشيعي في بلاد السنة خاصة مصر من خلال الكتب والقنوات الفضائية، ومحاولاته المستمرة للإساءة إلى أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى رموز أهل السنّة والجماعة، وكلها تصب في صالح الكيان الصهيوني وتفتيت الأمة الإسلامية، وحتى الآن فإن الأزهر يمارس سياسة ضبط النفس حفاظاً على وحدة المسلمين، وإلا فسيكون للأزهر خياراته الفكرية الأخرى للدفاع عن أهل السنّة والجماعة، معتبرا المساس بالصحابة خط أحمر ولا يمكن التساهل فيه، وأن الأزهر – كما صرح شيخ الأزهر – سيقف بالمرصاد للمد الشيعي الغريب.
– انتقد شيخ الأزهر تصريحات البطريك الماروني الكاردينال (بطرس الراعي) بشأن الوجود المسيحي في الشرق، والتي أثارت جدلاً كبيراً، حيث حذر من وصول (الأصوليين السنة) إلى السلطة في سوريا ومن (خطورة المرحلة الانتقالية على المسيحيين)، معتبراً أنه كان يجب إعطاء الرئيس السوري بشار الأسد (المزيد من الفرص لتنفيذ الإصلاحات)، كما أبدى تخوفه – بعد لقائه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في سبتمبر الماضي – على الأقليات المسيحية مما أسماه مشروع الشرق الأوسط الجديد ومن مجيء (أنظمة متطرفة) بدلا من بعض الأنظمة العلمانية الموجودة حاليا، وقد أكد شيخ الأزهر أن المسيحيين في المشرق العربي هم جزء من النسيج الوطني داخل دوله، حيث لا تفرقة بين مسلم ومسيحي، لأن هناك حالة من التسامح والتعايش بين الجانبين.
– مطالبة الدول العربية والإسلامية والشريفة في العالم، للوقوف بجانب فلسطين والتصويت لصالح إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، ودعوة العالم الحر للوقوف ضد أمريكا بعد إعلانها استخدام حق الفيتو، لأن من حق فلسطين أن تعيش في سلام واستقرار مثلها مثل باقي الدول ولماذا تحرم من هذا الحق؟
– في لقاء شيخ الأزهر للسفيرة الأمريكية (آن باترسون) في سبتمبر الماضي جدد المطالبة فإطلاق سراح الدكتور عمر عبد الرحمن معبراً عن ألمه واستيائه عن بعض التصرفات المسيئة للمواطنين الأمريكيين بأمريكا، ووهم الإسلاموفوبيا الكريه، الذي لا يتفق مع التقاليد الديمقراطية في المجتمعات الحرة – كما يزعمون – .
كما أكد أن الثورات هي من إرادات الشعوب، وفعاليتها فعالية داخلية ذاتية، بالرغم من الأموال والأدوات التي رصدت من الغرب بعامة ومن أمريكا بخاصة لإحداث التحول الديمقراطي في المنطقة، إلا أنها لم تكن ذات أثر، فمن المهم أن ندرك أن هذه الشعوب تتحرك وفق منطقها الذاتي ومواريثها الحضارية، وبما يمثل خصوصياتها التي يجب أن تُحترم، ووثيقة الأزهر أنموذجُ لهذه الخصوصية.
كما أكد للسفيرة أن شعوبنا شعوب راشدة تعي مصلحتها وعلاقتها المعقدة مع العالم، ومن هذا المنطلق نرفض رفضاً تاماً وقاطعاً كل الشروط والإملاءات التي تأتينا من الغرب وأمريكا، وعندما أقول نرفض إنما أعبّر عن نبض الشعوب العربية والإسلامية التي يعتبر الأزهر ضميرها الحي، نعم للعلاقات الطبيعية التي تقوم على المصالح المشتركة ولما فيه خير الجميع.
كما أكد لها بأن الربيع العربي وهذه الثورات كانت تعبيراً وتجسيداً لمجموعة من القيم: المواطنة، الحرية، العدالة، الكرامة، عدم الإقصاء.
وهذه القيم وإن كانت قيما عاليمة إلاّ أن الأزهر يسهم في إثرائها عبر حراك داخلي يُدرك خصوصيات كل مجتمع قطري داخل المجتمع العربي والإسلامي الكبير، ويسعى الأزهر لتجسيد هذه القيم في إطار مؤسسي، وسيسعى الأزهر بما يملكه من تاريخ ورمزية إلى تحويل هذه القيم لمشروع ثقافي شامل سعيًا إلى إحداث التغيير والنهضة في العالمين العربي والإسلامي، وما وثيقةالأزهر إلا بداية في هذا الطريق.
كما أكد أن الانحياز الكامل الأمريكي في أهم القضايا وهي القضية الفلسطينية للكيان الصهيوني، هذا أمر يزيد من حالة الكره واليأس من عدالة الإدارة الأمريكية، وسيزيد من إصرار الأزهر على مناصرة ومساندة الشعب الفلسطيني لقيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
كما أكد فضيلته أيضاً رفضه التام للدعم السخي من الاتحاد الأوروبي وأمريكا الذي يخصص لبعض الجمعيات التي تهتم بتوافه الأمور، بينما تهمل المساعدات الجادة للتعليم ومحاربة الفقر والأمراض.
كما قال: إنه لا مشكلة للشعوب العربية والإسلامية مع الشعب الأمريكي، وإنما المشكلة مع سياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة مع مختلف القضايا الإسلامية.
ويرى الشيخ الطيب، أن الديمقراطية الأمريكية ليست نموذجا يُحتذَى به، وإنما الديمقراطية هي التي تنبع من الشعب وتعبر عن اختيار الشعب وأصالته، وذكر لها أن التدخل الأمريكي في العالم الإسلامي خلق نوعاً من ردود الفعل العنيفة جداً، وخلق الكراهية التي نراها اليوم، فعلى الإدارة الأمريكية أن تعود إلى رشدها وتزن الأمور بموازين العدل والحق، وفي غياب هذه النظرة المتزنة، فالكل سيخسر، والدماء ستسيل في الشرق والغرب على السواء، وهذا ما لا نرتضيه، كماتطرق فضيلة الإمام إلى خطأ غزو العراق وما جرّه من ويلات على الجميع.
وأكد أن السياسة الأمريكية من أسف سياسة منحازة للكيان الصهيوني، ومنطق التاريخ يحكم بفشل مثل هذه السياسات الظالمة، وهذا يسيء إلى أمريكا وتاريخ أمريكا، وذكر لها أنه على أمريكا أن تتعامل مع الشعوب العربية والإسلامية من خلال الأبواب لا من خلال النوافذ والثقوب، وعليها أن تكفّ عن تأييد الاستبداد والأنظمة الاستبدادية، كما أكد الشيخ استعداده للتعاون المشترك في مجالات البحث العلمي، بشرط عدم التدخل في شؤون الأزهر لا من بعيد ولا من قريب.
– وفي لقائه مع نائب رئيس الوزراء البريطاني نيك كليج يوم 20/10/2011 أكد تحفظه على المساعدات المالية المقترنة بالشروط التي تمس الثوابت المصرية والعربية، وأن الأزهر يرفض كل الإملاءات من أي طرف كان، وفي استقباله لوفد مجلس العموم البريطاني يوم 1/6/2011 أكد أن الجهاد مشروع في الإسلام للدفاع عن الحق والعدل وليس مشروعا لإجبار الآخرين على اعتناق الدين، فلا إكراه في الدين، مؤكدا اعتراف الإسلام بكل الأديان السابقة، وفي لقائه مع وفد البرلمان الأوروبي يوم 10/7/2011، أكد أن مشكلة زرع إسرائيل في العالم العربي لابد من حلها، مشيراً أن الغرب يتعامل معها بمكيالين، وهو ما يترك تأثيراً سلبيًا في نفوس الشعب العربي، مؤكداً أن الغرب يحتاج لحكمة الشرق لقيادة الأمة الإسلامية، فهل يعود دور الأزهر من جديد؟!
(مع الشكر للشقيقة مجلة «البلاغ» الكويتية الأسبوعية)
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، محرم – صفر 1433 هـ = ديسمبر 2011م ، يناير 2012م ، العدد : 1-2 ، السنة : 36