الفكر الإسلامي

بقلم : الأستاذ أشرف شعبان أبو أحمد / جمهورية مصر العربية (*)

أولاً: بلادُنا لن تُبْنَى إلا بسواعد أبنائها من الشباب، أصحاب الهمم العالية، والعزيمة القوية، والنية الصادقة الخالصة لله وحده، لا أولئك المسنين من أصحاب المناصب الذين عفا عليهم الدهرُ، ولم يكن في إمكانهم تقديم أكثر ما قدموه طيلة عمرهم المديد، وآتى ثماره ما نحن فيه، من واقع يغني عن أي كلام أو أي حديث، ولا أولئك الشباب الذي لا هويةَ لهم، ولا فكر محدد ينتمون إليه، ولا هدف واضح يدافعون عنه، يتأرجحون شرقًا وغربًا، وأحيانًا شمالاً وجنوبًا، وينهشون من كل مذهب أو ملة كل ما له بريق وإن لم يكن أصيلاً، وكل ما يلمع لم يكن ذهبًا، وإن تنافى مع قيمنا وعاداتنا، لا جهد لهم، ولا طاقة لديهم، على مجابهة ومقارعة من يخالفهم، يفضلون الاستسلام على الاستبسال، والاستكانة والخنوع على الصمود. ولن نتقدم إلا إذا وَجَّهنا طاقاتنا إلى جميع المجالات للنهوض بها جميعًا في آن واحد، خاصةً مجالات الإنتاج الزراعي والصناعي، ولا بد أن يكون هناك ثمة من التخطيط بين جميع أجهزة الدولة، والاستعانة بالأيدي العاملة الشابة، التي نفتقر إليها في كثير من مشاريعنا، من تلك الأجهزة والمؤسسات التي تمتلك ذخيرةً منها، فلو فرض مثلاً على الطلبة والمجندين، العمل في المصانع والاشتغال بالزراعة وجميع الحرف التي يحترفها كثيرٌ منهم، كفترة تدريب إجباري للطلبة بعد تخرجهم أو في فترة الإجازة الصيفية، وبدلا من فترة التجنيد للمجندين، لحل كثير من مشاكلنا.

       ثانيًا: لا أعرف ما الفائدة، التي تعود على قارئ المجلات والجرائد، وعلى مشاهد قنوات التلفزيون، عندما يمضي وقته في قراءة أو مشاهدة أجزاء من السيرة الذاتية لفنان أو فنانة، تتحدث عن مغامراتها مع الرجال، تزوجت هذا عرفي وذاك شرعي، وطلقت من هذا بعد ساعات من الزواج، ومن ذاك بعد أيام قليلة، وعاشرت هذا بدون زواج، وخانت ذاك، وتسرد بعض ما تفتخر به من سلوكياتها المشينة التي يعاقب عليها القانون، أو تحكي عن مزاجها الشخصي، وما تحبّ وتكره من الأطعمة والأشربة، ومن المنتزهات والمنتجعات، ومن الملابس وأدوات الزينة، وغيرهم من سائر الأمور الشخصية. ورغم أن كثيرًا منا يعرف حقيقة نشأة كثير من الفنانين والفنانات، أين وُلِدوا وأين عاشوا، وكيف كانوا يجدون قوت يومهم، وما هو حظهم أو نصيبهم من التعليم، وما المهن التي امتهنوها قبل اشتغالهم بالتمثيل، إلا أن كثيرًا منهم ينسون ذلك أو يتناسوه، ويتجاهلون ماضيهم بكل ما به من مآس ومعاناة، وينسبون أنفسهم لحال وحياة ومستوى معيشي عكس الذي عاشوه. لذا لا داعيَ من استضافة فنان أو فنانة وفتح حوار معهما، فالتنازل الأول دائمًا يجرّ إلى التنازل الأخير، ومع كل تنازل تفقد الجريدة أو المجلة أو قناة التلفزيون هويّتها الحقيقية، لتبتعد في النهاية عنها، نرجو أن يتغير ذلك نهائيًا وكليًّا، فمن حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه.

       ثالثاً: رغم كل العراقيل التي تعوق تيارَ الصحوة الإسلامية، وبرغم كل المصاعب والتحديات التي تواجه أبناءها، نجدها تمضي عامًا بعد عام، في ثبات وقوة ولم يبق بيت إلا وفيه ممثلٌ لها أو ابنٌ لها، ولكن هناك فرقًا بين من يمثل دورًا، يتقاضى عليه أجرًا، أو تعود عليه منفعة ما من ورائه، ثم يعود لحياته العادية بعد انتهائه من تمثيل الدور، وبين من يحمل بين جنباته جينات وصفات الصحوة يتوارثها ويورثها.

       رابعًا: أيها الظلم، لماذا أنت هكذا؟. وما سبب جبروتك وجحودك وطغيانك؟!. شكوتك ولم ينصت لي أحد، قاومتك حتى ضعفت قوتي، وقلت حيلتي، ولم يا إلهي أنت أعلم بحالي مني، لقد كثر امتحاني، واشتد بلائي، وعظمت مصيبتي، وليس لي سند ومعين سواك. يا إلهي أين هي الحياة؟ أداخل الزنازين حيث تغطى أرضيتها بدمائنا، والمشانق على أهبة الاستعداد لقصف رقابنا، أم خارجَ السجون حيث نحاصر بالقوانين التي تحرمنا من الحياة كسائر البني آدميين ونعيش فيها كالأنعام. أيها الظلم لا مفر لي من أن أثور وأثور، سيقذف بي هنا، وهناك في الدهاليز والعنابر، ولكن لابد لي من ذلك، فلن أحني هامتي لك، ولن أركع لغير الله، ويا له من عجب عندما ستجن الفضيلة والحق، ويترك العنان للرذيلة والظلم. أيها الظلم إن هزمتني يومًا، فسيأتي يومًا ما من يسحقك سحقًا، ولن تقام لك قائمة، ولن يبق لك باقية، وإلى أن يأتي هذا اليوم ليكن كل منا حجرا نرجمه به.

       خامسًا: ضحى بكل ما يملك، زوجته وأرضه ووظيفته، للخروج إلى ميدان القتال لمواجهة العدو، فهو شاب يؤمن بضرورة أداء واجبه نحو تحرير بلاده، مهما كانت التضحية. وقد كان متلهفًا لليوم الذي يؤذن له فيه بالقتال، وسعادته به أكبر من أن توصف. وهناك اشتدت ضراوة القتال، وحمية المعركة، وتعرّض هو وزملاؤه لأشدّ أنواع الحصار، ولكنهم لم ييأسوا. وبين الجوع والعطش، وبين الجرحى والشهداء، وبين أزيز الطائرات وأصوات المدافع وطلقات النيران ليلاً ونهارًا، في قيظ الحرّ وقرّ البرد، مرت الأيام والسنون حتى جاءت اللحظة التي أُعلِن فيها انتصار بلاده. منذ تلك اللحظة بدأ يعد العدة ليعود من الجبهة، يحدوه الأمل بأن يقبل أرض بلاده، ويحضن أرصفتها، ويرتمي في شوارعها، ويركض في حدائقها، ويرقص في ملاعبها، فهو مشتاق إليها بعد طول غياب، يتخيلها وقد أصبحت جنة الله على الأرض، خاصة بعد إصلاح ما دمرته الحرب وانفتاحها على العالم، أخذ يعدّ الثواني والدقائق التي باتت تمرّ بطيئة، حتى وصل القطار إلى مدينته، وهناك كانت الفاجعة! فبلاده ما زالت كما تركها، ليس فيها أي ملامح للفردوس الذي كان يحلم به، والمؤلم أنه وجد زوجته قد تزوجت بشخص آخر، بعد أن ظنت استشهاده، وأرضه قد امتلكها غيره، ووظيفته قد شغلها آخر، ومصير زملائه كمصيره هو، وهنا أيقن أن هناك يدًا انتهزت فرصة غيابه لتستولي على ممتلكاته! واكتشف أن العدو لم يدحض بعد، فله أذناب، وأن ما فعله على الجبهة لم يكتمل بعد ما لم ينته من تلك الأذناب.

       سادسًا: خلالَ اجتماع أبي عمار بالوفد الإعلامي المصري مساء يوم 30 أبريل عام 1985م قدم أحد مساعديه ببرقية له فتوقف عن الحديث لفترة قرأ بعدها أبو عمار البرقية ونصها: وصلت معلومات من إحدى عواصم الشرق الأوسط تفيد أن الحكومة الحالية في إسرائيل قد تقدم على القيام بضربة عسكرية مزدوجة هدفها من جهة الرد على العمليات الفدائية داخل الأراضي المحتلة، ومن جهة أخرى تحسين مركز تجمع الليكود داخل إسرائيل مع اقتراب الانتخابات النيّابية، وحسب هذه المعلومات فإن إسرائيل قد توجه ضربة خاطفة ضد إحدى القواعد الفلسطينية خارج الإطار الجغرافي المعهود. ويقول أبو عمار: أتوقع أن توجه هذه ضد قواتنا في “تونس” أو ضد قواتنا في “صنعاء”. كثير منا لم يأخذ بكلامه في ذلك الوقت حتى ضربت إسرائيل مقر قيادة منظمة التحرير في “تونس” وتحققت توقعات ياسر عرفات. وبضرب “تونس” أضفيت دولة جديدة إلى مجموع الدول التي اعتدت عليها إسرائيل اعتداءً مباشرًا.

       سابعًا: أختي الشقيقة “تونس”، بالأمس القريب فجعت لما أحاط بك من مصيبة، ولكنها ليست مفاجأة لنا، فأي عمل إجرامي من الممكن أن نتوقعه من هذا العدو الغادر، فمن يبيح لنفسه أن يقوم بهذه الانتهاكات البشعة للفلسطينيين الأبرياء العُزَّل من السلاح، يبيح لنفسه أن يفعل أي شيء، في أي دولة، طالما لا يجد من يقف أمامه ويردعه.

       أختي لا تظني أن ما حدث لك كان نتيجة استضافتك لوفد منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي ليس فقط للفلسطينيين، ولكن لكل العرب، فعندما ضرب المفاعل النووي العراقي، ومنصة صواريخ سوريا، لم يكن من أجل الفتك بالمنظمة، ولكن لكي تكون إسرائيل هي صاحبة القوة الوحيدة في المنطقة، لا يماثلها قوة، لتفعل ما تشاء، وتثبط من عزيمة وقوة أية دولة أو منظمة تفكر في الوقوف ضدها، ولكي تبهرك وترعبك وترهبك بقواتها وهي تمضي بطائراتها آلاف الكيلو مترات وتخترق مجالات جوية مختلفة لتحقيق أغراضها الدنيئة. وإذا كانت إسرائيل قد انتهزت فرصة تواجد المنظمة لتضيف إلى سجلها الإجرامي، جريمة جديدة، ولقتل قادة المنظمة، معتقدة أن قتلهم سيقضي على وحدة الشعب الفلسطيني وتكتله أمامها، فعليها أن تعلم أن فلسطين لم ولن تموت أبدًا، وسوف تتوالد وتتكاثر وتنمو أجيال وأجيال جديدة، أشد قوة وأكثر إيمانًا وإصرارًا وعزيمة على تحرير فلسطين.

       أختي “تونس” لا تجعلي مصيبتنا هذه، فليست مصيبتك لوحدك، فهي وصمة عار في جبين الدول العربية كلها، لا تجعليها تؤثر عليك في اتخاذ أية خطى ضد إخوانك الفلسطينيين، ولكن استغلي هذا الحدث، كفتيل يشعل الحماس ويلهب الهمم، بين أبناء الوطن العربي، ليعيدوا وحدتهم وتكتلهم ووقفتهم يدا واحدة أمام العدو الإسرائيلي، ومواجهة حاسمة له لوقف زحفه السرطاني، فهم يستغلون أية صغيرة ليسيئوا إلينا، ويشوهوا صورتنا ويثيروا العالم كله ويكسبوا عطفه ضدنا، فلنفعل مثلهم، واعلمي أن ما حدث لك اليوم قد يتكرر اليوم أم غدا معك أو مع غيرك بسبب أو بدون سبب، وتخاذلنا نحن العرب هو الذي عجل بهذه الحادثة، كما سيجعل بغيرها، فلا سبيل لأمتنا إلا بالوحدة العربية وتكوين جيش عربي قوي لضرب معاقل الإسرائيليين في أوكارهم ومخابئهم.

       ثامنًا: انتشر في بعض البلدان الأوربية والأميريكية، مرض الإيدز الناشئ عن العلاقات الجنسية الشاذة، وغير الشرعية، وإلى الآن فشلت التجارب الطبية في اكتشاف العلاج، وخطورة هذا الميكروب ليس فقط في أن يؤدي بالمريض إلى الهلاك، ومن ثم الموت، وإنما في سرعة انتشاره عبر استعمال أدوات المريض أو ملامسته والاقتراب منه ونقل دمه، لذا يجب أن نحذر شعوبنا، خصوصًا تلك التي يعتمد بعض أبنائها، على استيراد الأدوات الشخصية المستعملة والقديمة، بسبب ثمنها الزهيد، والأمر نفسه بالنسبة إلى بعض الإخوة المهاجرين، الذين أسرفوا على أنفسهم، جريًا وراء علاقات جنسية، أدت إلى إصابتهم بالمرض، ثم عادوا إلى أوطانهم بعدما أنهكوا تمامًا وتآكلت أجسادهم، ولكل منهم أقول ما ذنب أبناء بلدتك ووطنك ليصابوا منك بهذا المرض؟ إن تكاليف العلاج من هذا الداء لا يقدر عليها أبناء بلدتك، وربما لا يستطيعون مقاومة الميكروب أو الفيروس المسبب لهذا المرض إذا أطلق له العنان على يدك، ويبقى السؤال: هل الإجراءات الوقائية الصحية على مداخل كل بلد تكفي لصد الميكروب، أم أنه سينجح في الإفلات منها كما أفلحت في الماضي بعض السلع الفاسدة؟.


(*)    6 شارع محمد مسعود متفرع من شارع أحمد إسماعيل، وابور المياه – باب شرق – الإسكندرية ، جمهورية مصر العربية.

      الهاتف : 4204166 ، فاكس : 4291451

      الجوّال : 0101284614

      Email: ashmon59@yahoo.com

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، جمادى الثانية 1431 هـ = مايو – يونيو 2010م ، العدد : 6 ، السنة : 34

Related Posts