مجمع الفقه الإسلامي يعقد بمدينة ’’ديوبند‘‘ ندوةً حول مناهج تدريس الفقه الإسلامي بالمدارس والجامعات الإسلاميّة في شبه القارة الهنديّة

محليات

إعداد :  الأخ تنوير خالد القاسمي السيتامرهوي

طالب في قسم الإفتاء

بالجامعة الإسلامية دارالعلوم/ ديوبند

استضاف مجمعُ الفقه الإسلامي (الهند) ندوةً فقهيةً استمرّت يوم السبت ويوم الأحد 8-9/ محرم الحرام 1431هـ = 26-27/ ديسمبر 2009م في قاعة دارالحديث لجامعة “دارالعلوم وقف/ ديوبند” وكان ذلك لبحث أسلوب تدريس الفقه الإسلامي. وقد حضرها الممثِّلون والأساتذة والمسؤولون عن الجامعات الدينيّة والعصريّة الشهيرة المنتشرة في أرجاء الهند. بما فيها “درالعلوم/ ديوبند” و”مظاهر العلوم/ سهارن فور” و”دارالعلوم ندوة العلماء/ لكناؤ” و”الجامعة الإسلاميّة/ علي جراه”.

       وبحث الندوة حول المقرَّرات الدراسيّة والمنهج التعليميّ لعلم الفقه وما إليها من الموضوعات الهامَّة، في ضوء أهداف المدارس وما ترمي إليه من الأغراض الأساسيّة، وفي ضوء ظروف العصر، واتخذت الندوة قرارات بما فيها:

       (1) الفقه جزء لايتجزأ للمقررات الدراسيّة لدى المدارس الدينيّة؛ لأنّ المدارس ظلّت تُعنىٰ بعلم الفقه منذ أوّل يوم. وبالتالي أنحبت العلماء الذين توصّلوا إلى معالجة المشكلات المتجدّدة عهدًا بعد عهد. ممّا يؤكد أنّ المدارس الدينيّة لا تغفل عن أحوال العصر وما يقتضيه من المتطلّبات. والمنهج الدراسي لدى المدارس الإسلاميّة يفند بدوره الدعايات التي تُشَنُّ ضدّها بأنها تجهل مقتضيات الزمان، فهذه الندوة تستحسن هذه الخدمات الجليلة وتقدرّها تقديرًا بالغًا .

       (2) التغيرات الصناعيّة المتسارعة تطرح قضايا فقهيّةً كثيرةً؛ فالحاجة تدعوا إلى أن يتمّ تعريف طلاّب المدارس بهذه القضايا المعاصرة؛ فلذلك ينبغي اتخاذ خطوات تالية :

       (ألف) أن يطبق الأساتذةُ بالفعل أقوال الفقهاء الأسلاف على مستجدّات العصر الراهن لدى تدريسهم للمواضيع التي تمتّ بصلةٍ إلى هذه المستجدّات؛ حتى يتمكن الطلاب لا من معرفة أحكام القضايا الحديثة فحسب؛ بل تنبعث فيهم روحُ المعالجة للقضايا الناجمة في عصورهم.

       (ب) وأن يدرسوا كتابًا جامعًا في الاقتصاد، يكشف أمام طلاب الدراسات العليا أشكال الصفقات والعقود، ويشرح لديهم المصطلحات الاقتصاديّة؛ حتى يتأهلوا أن يدلّوا الأمّة المسلمة في مجال الاقتصاد على أحكام القضايا .

       (ج) وأن يكلَّف المدرَّبون في الإفتاء بأن يطالعوا المقرَّرات التي تتّخذها المجامعُ الفقهيّةُ حينًا بعد حين في أنحاء العالم، حول الشؤون الاقتصاديّة الحديثة الشائعة بصفة خاصة .

       (3) وتطالب الندوة المسؤولين عن المدارس بأن يهتمّوا بتدريس كتاب في إطار المقرّرات الدراسيّة لطلاب التخصّص في الفقه، يلقي الضوء على المذاهب الفقهيّة لأئمّة أهل السنة والجماعة من الأحناف والشوافع والمالكية والحنابلة. ويُعنى خاصةً بأبواب العقود والصفقات. وقد اعتبر عامةُ المندوبين كتابَ العلامة ابن رشد القرطبي “بداية المجتهد” كتابًا جديرًا بالاهتمام في هذا الشأن .

       (4) والندوة تدعو إلى تدريس كتاب يحتوي على مقاصد الشريعة إلى جانب الأصول الفقهيّة، في قسم التخصّص في الفقه، والتدريب في الإفتاء؛ لأنّ المقاصد تحتلّ أهميةً فائقةً بشأن التوصل إلى معالجة القضايا المستجدّة؛ ذلك أنّ التشريع الإسلامي يعتمد أساسيًّا على المصالح والمقاصد .

       (5) وتدعو الندوة إلى تدريس كتاب يتعرّف منه الطلاّبُ القواعدَ الفقهيّةَ قبل الالتحاق بقسم التدريب للإفتاء؛ كي يتخرّج كل طالب ولديه معرفةٌ بالقواعد الفقهية .

       (6) إن أبواب القياس والاستحسان من أهمّ الموضوعات التي تتعلّق بالأوضاع الراهنة؛ فهي تطلب العناية اللائقة بها منّا في هذا الصدد .

       (7) وتلمس الندوة الحاجةَ إلى أن يدرس الطلابُ في قسم تدريب الإفتاء متنًا كاملاً من المتون الفقهيّة ليستوعبوا جميع الأبواب الفقهيّة .

       (8) وتستدعي من المسؤولين أن يتخذوا مقررًا دراسيًّا للمطالعة؛ من شأنه أن يحلّي الطلابَ بالعلوم العصرية ويوجد لديهم الوعي الفقهيّ .

       (9) وترى لزوم إدخال التعديل في المقرّرات الدراسيّة بأن تُدرَّس الكتبُ السهلة النافعة صياغةً وتعبيرًا – سواء ألّفها المتقدّمون أو المعاصرون – بدل الكتب الصعبة القديمة .

       (1) والحاجة تمسّ إلى أن يُبذَل الاهتمامُ بتحويل تدريس الفقه أكثر نفعًا وإفادةً من ذي قبل في الآونة الحاضرة؛ فيجب:

       (ألف) أن يُوَفَّر للطلاّب فُرَصُ المساهمة في حلّ الكتب الفقهيّة، ويُكلَّفوا بحلّ العبارات وبالتمرّن؛ ممّا يورثهم الثقةَ بالنفس ويكسبهم كفاءةً تجعلهم يفهمون الكتبَ بدورهم .

       (ب) وأن يُلقى عليهم تطبيقُ القضايا والأصول والقواعد الفقهيّة على الأمثال المتنوّعة الحديثة؛ خاصةً على القضايا المعاصرة مع بيان الارتباط والعلاقة .

       (ج) وأن يُستخدم السبّورات في الصفوف البدائيّة بالفعل، وفي الصفوف الثانويّة والعالية إذا مسّت الحاجةُ إلى ذلك. ولن يُكتفى بالتفهيم الشفويّ؛ لأنّ الوسائل البصريّة أبلغ من الوسائل السمعيّة تأثيرًا .

       (11) إلى جانب تدريس كتاب يستوعب الأصولَ الفقهيّةَ لأئمّة أهل السنة والجماعة، ويكون أسهل تناولاً وفهمًا. ويفي بالحاجة في هذا الصدد مؤلفاتُ العلماء العرب في العصر الحاضر، بمن فيهم: الشيخ أبو زهرة، والشيخ زرقاء، والشيخ عبد الوهاب خلاف .

       (12) وأن تُدخل في الصفوف البدائيّة اللغةُ الإنجليزيّة والتمرينات الرياضيّة الضروريّة؛ لأنّ الإنجليزيّة تساعد الطلابَ على فهم المصطلحات الجديدة، كما أنّ التمرينات تعينهم على إدراك قضايا الاقتصاد.

       (13) نظرًا إلى الانحطاط التعليميّ في العصر الراهن توجِّه الندوةُ إلى المسؤولين عن المدارس نداءً، وهو أن يقوموا بنظام لائق لإجراء امتحان الالتحاق بالصفوف العربيّة، وأن يعتبروا المؤهلات مقياسَ الالتحاق دون الإكثار من عدد الطلاّب. وقسمُ الإفتاء يتطلّب المواهب العالية القوية بصفة خاصة؛ فلايتمّ منحُ شهادة قسم الإفتاء حتّى يُدَرَّب الطلابُ تدريبًا لائقًا في أمور تعني الإفتاءَ .

       (14) ويجدر للأساتذة بأن لايغيبنّ عن بالهم احترامُ المذاهب الفقهيّة وإجلالُ أئمّتها لدى بحث الخلافات فيما بينهم اهتداءً بالتقليد القديم المتوارث في المدارس الإسلاميّة؛ وذلك أن الخلافات تعود إلى الصواب والخطأ دون الحق والباطل .

       (15) إنّ هناك نداءً إلى مجمع الفقه الإسلامي الهندي أن يهتمّ بعقد مخيّمات تربوية حول القضايا المعاصرة بصفة عامّة، وحول القضايا الاقتصاديّة بصفة خاصة؛ مما يطلع العلماءَ وأساتذة الفقه على هذه القضايا الضروريّة .

       (16) وجدير بأن يُدرَّس كتابٌ موجزٌ يعرِّف القوانين البلاديّة، أم يتمّ إلقاءُ المحاضرات في هذا الشأن حتّى يتحقّق الاهتداءُ بالفقه الإسلاميّ في هذا الصدد؛ لأنّ القوانين البلاديّة تشكّل معاهدةً حكوميّةً لابُدّ لكل من المواطنين العثورُ عليها لحدٍّ ضروريّ .

       (17) نداء إلى القائمين بإصدار الكتب الدراسيّة أن يطبعوا الكتبَ على طراز جديد يُراعىٰ فيه القواعدُ الترقيميّة ورموزُ الكتابة، حتى يسهل التناول تعليمًا وتعلّمًا .

       (18) والحقّ أن المدارس الدينيّة في الهند لاتنشر التعاليمَ الإسلاميّة، وتحافظ على النظام الإسلاميّ فحسب؛ وإنّما هي تبذل الجهود المكثّفة في نشر العلوم وبثِّها في كلِّ طبقة من الطبقات التي فَوَّتَ عليها أقتصادُهم المتخلّفُ المتردي فرصةَ التعلّم في المدارس الرسميّة الأخرى غير المدارس الدينيّة، كما أنّها تقوم بدور عظيم في سبيل خلق الدعاة للأمن، والمحبّين للوطن، والملتزمين بالقوانين الهنديّة ودساتيرها، والمواطنين المتمتّعين بالمُثُل العالية والقيم السامية؛ رغم فساد الأوضاع الراهنة بالإغراءات الماديّة. وما ذلك إلاّ من معطيات النظام التعليميّ للمدارس الدينيّة .

       فتشكيل الحكومة الهنديّة الهيئةَ المركزيّةَ للمدارس الدينيّة، وبالتالي الدعوةُ إلى الالتحاق بالهيئة سيلحق الضررَ بالمدارس وما تمتاز به من الأدوار الروحانيّة. والضرر لايقتصر على المجتمع الإسلامي؛ بل سيتعدى إلى المجتمع الهنديّ؛ فنظرًا إلى ذلك يرفض هذا الاجتماعُ – الذي يتحدّث بلسان الأساتذة والمسؤولين عن المدارس – اقتراحَ الهيئة المركزيّة رفضًا تامًا بإجماع الأراء، اعتبارًا إيّاه التدخّلَ في نظام المدارس من قبل الحكومة عن طريق الهيئة. ويقف الاجتماعُ بجانب “هيئة قانون الأحوال الشخصيّة الإسلاميّة” و”دارالعلوم ديوبند” و”جمعيّة علماء الهند” وما إليها من المؤسسات والمنظّمات الإسلامية حول إصدار القرار الذي يطالب الحكومةَ بسحب اقتراحها.

       هذا إلى أنّه يوجّه إلى المسؤولين عن المدارس الدينيّة طلبًا بأن لايتغافلوا عن نتائج التجارب السلبيّة الملموسة التي تبلورت من أجل الانضمام إلى الهيئة الحكوميّة للمدارس في عدد من الولايات الهنديّة؛ فعليهم أن يحافظوا على أدوار المدارس اهتداءً بهدي أسلافهم الكبار، وأن يحتفظوا بنظامها الحرّ، وأن لايندفعوا بالتوجيهات والإغراءات الحكوميّة التي من شأنها أنّها تبعدنا عن أهدافنا الأساسيّة وأغراضنا الرئيسة .

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، ربيع الثاني – جمادى الأولى 1431 هـ = مارس – مايو 2010م ، العدد :4-5 ، السنة : 34

Related Posts