دراسات إسلامية
بقلم : الدكتور الحسيني أبو فرحة (*)
الناس جميعًا في دنياهم يعانون من متاعب هذه الحياة؛ الغني والفقير في ذلك سواء وإن اختلفت متاعب كل منهما. ذلك شأن الحياة الدنيا؛ فهي دار ابتلاء، وامتحان، ومشقة، وأحزان.
قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ وَالأنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّــٰـبِرِينَ﴾ سورة البقرة – آية: 155.
هي دار اختلط خيرها بشرها .
وفي الدار الآخرة . يصفو الخير لأهل الجنة، والشر لأهل النار.
وقد ذكر سبحانه وتعالى في القرآن طرفًا من نعيم أهل الجنة في الجنة، وذكر سبحانه فيما أوحاه إلى حبيبه ومصطفاه من السنة النبوية المطهرة طرفًا آخر، تشويقًا للجنة. وترغيبًا في العمل لها باداء ما افترض الله، وسَنّ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فالشرع الإسلامي يجمع بين الترغيب والترهيب .
ومما ذكر سبحانه من نعيم أهل الجنة في الجنة. ما يأتي:
1 – فيها جنات وعيون .
2 – ينعم أهل الجنة بالأمن والأمان .
3 – ينزع الله ما في صدورهم من غل .
4 – يطاف عليهم بصحاف من ذهب. وأكواب .
5 – فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين .
6 – فيها فاكهة كثيرة منها يأكلون .
7 – يلبسون من سندس وإستبرق .
8 – يتزوجون من الحور العين .
9 – لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى.
10 – تعرف في وجوههم نضرة النعيم .
11 – يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك.
12 – مزاجه من تسنيم. وهي عين يشرب منها المقربون .
13 – لايجدون معها فضلات جسميةً يتخلصون منها .
14 – أول دفعة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر. ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءةً .
15 – أمشاطهم من الذهب. ومجامرهم عود الطيب السامقة .
16 – أدنى أهل الجنة منزلاً. له مثل ملك عريض لا يقاس بملك الدنيا. وله ما اشتهت نفسه . وتلذت عينه .
17 – أعلى أهل الجنة منزلاً. له ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
تفصيلات لبعض النعيم
هذا قليل من كثير مما أعده الله للمؤمنين في الجنة . وذكره القرآن والسنة. نقرأ في ذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ﴾ سورة الحجر: آية 45-48.
فأهل الجنة ينعمون فيها بحدائق فيحان، تجري فيها العيون العذبة، وهم ينعمون فيها بالأمن الآمن. ونعمة الأمان من المخاوف كلها. لا ينالها إنسان في دنياه غير أن الله عز وجل عصم حبيبه ومصطفاه من الناس، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَاللهُ يَعْصمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ سورة المائدة: آية67.
وهل الجيوش الجرارة. والشرطة. وأنواع الأسلحة المختلفة إلا لحفظ الأمن. وقليلاً ما تحققه.
أما أهل الجنة فينعمون فيها بالأمن. من كل مخوف .
وينعم أهم الجنة فيها بسلامة الصدور. بعد إذ ينزع الله ما في صدورهم من غل. عن أبي أمامة قال: “لا يدخل الجنة مؤمن حتى ينزع الله ما في صدره من غل. حتى ينزع منه مثل السبع الضاري”.
وروى ابن جرير بسنده عن مولى لسيدنا طلحة بن عبد الله. قال: دخل عمران بن طلحة على عليّ رضي الله عنه بعدما فرغ من أصحاب الجمل فرحب به وقال: إني لأرجو أن يجعلني الله وإياك من الذين قال الله فيهم: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾ سورة الحجر: آية 47.
وينعم أهل الجنة فيها بعدم المشقة والأذى. قال صلى الله عليه وسلم: “إن الله أمرني أن أبشر خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصبْ”.
وينعم أهل الجنة بالاطمئنان إلى بقائهم فيها. فلا يخرجون منها، فقد جاء في الحديث الشريف: “يقال: يا أهل الجنة إن لكم أن تصحوا فلا تمرضوا أبدًا، وإن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبدًا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدًا، وإن لكم أن تقيموا فلا تظعنوا أبدًا” قال تعالى: ﴿خَـٰـلِدِيْنَ فِيْهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً﴾ سورة الكهف: آية 108.
ونقرأ أيضًا في نعيم أهل الجنة في الجنة. وقوله تعالى: ﴿يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ وَتَلَذُّ الأعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ الزخرف: آية 68-73.
وينعم أهل الجنة في الجنة بنزع الخوف من قلوبهم. والحزن منها. روى المعتمر بن سليمان. عن أبيه: إذا كان يوم القيامة؛ فإن الناس حين يبعثون لا يبقى أحد منهم إلا فزع؛ فينادي مناد: ﴿يَا عِبَادِ لاَخَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلاَ أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ سورة الزخرف : آية 68.
فيرجوها الناس كلهم. قال: فيتبعها: ﴿اَلَّذِيْنَ ءَامَنُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُوْا مُسْلِمِيْنَ﴾ سورة الزخرف: آية 69.
قال: فييأس الناس منها غير المؤمنين .
كما ينعم أهل الجنة في الجنة بلقاء من يحبون، ومعهم يتنعمون، ويطاف عليهم بصحاف من ذهب يقدم لهم فيها طعامهم، كما يطاف عليهم بشرا بهم في أكواب من الذهب أيضًا، وينعم أهل الجنة بما يحققه الله لهم مما يشتهونه، فيجمع الله لهم بين طيب الطعم والريح وحسن المنظر.
كما ينعم أهل الجنة في الجنة بفاكهة الجنة الكثيرة التي لا تشبه فاكهة الدنيا إلا في الأسماء .
صور في الجنة
ونقرأ أيضًا في نعيم أهل الجنة في الجنة قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ * لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * فَضْلا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ سورة الدخان: آية 51-57.
وينعم أهل الجنة في الجنة بالأمن من الموت، والخروج منها، ومن كل هم وحزن، وجزع وتعب ونصب، ومن الشيطان وكيده. وسائر الآفات والمصائب .
وينعم أهل الجنة بثيابهم من السندس. وهو رقيق الحرير وهو ما يلي الجسد من الثياب، ومن الإستبرق، وهو ما فيه بريق ولمعان، والغليظ من الحرير الذي يلبس فوق السندس .
كما ينعمون بالجلوس على السرر متقابلين.
وينعمون بزوجات من الحور العين، اللائي لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان.
وينعمون بأنهم لا يذوقون فيها الموت أبدًا، كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يؤتى بالموت في صورة كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار ثم يذبح. ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت. ويا أهل النار خلود فلا موت ..
وأهل الجنة لا ينامون.. عن جابر رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله هل ينام أهل الجنة؟ قال صلى الله عليه وسلم: “لا، النوم أخو الموت”.
ونقرأ أيضًا في نعيم أهل الجنة في الجنة قوله تعالى: ﴿إِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ﴾ المطففين: 22 – 28.
وفي هذه الآيات. نرى من نعيم أهل الجنة فيها: نضرة النعيم في وجوههم .
قال ابن كثير: تعرف إذا نظرت إليهم في وجوههم نضرة النعيم، أي صفة الترافة والحشمة، والسرور والدعة والرياسة، مما هم فيه من النعيم العظيم .
وينعم أهل الجنة فيها بالشرب من خمر الجنة، وهي الرحيق المختوم، وهي خمر مخلوطة بمشك، وهو هنا شراب أبيض مثل الفضة . وهذه الخمور مخلوطة مع ذلك بالتسنيم وهو أشرف شراب أهل الجنة وأعلاه، وهو من عين يشرب بها المقربون صرفًا وتمزج لأصحاب اليمين .
ومما يؤهل المؤمن للشرب من الرحيق المختوم أن يسقي مؤمنًا شربة ماء على ظمأ. قال صلى الله عليه وسلم: “أيما مؤمن سقى مؤمنًا شربة ماء على ظمأ سقاه الله تعالى يوم القيامة من الرحيق المختوم، وأيما مؤمن أطعم مؤمنًا على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، وأيما مؤمن كسا مؤمنًا ثوبًا على عرى كساه الله من خضر الجنة” رواه الإمام أحمد في مسنده .
وقد نزه الله أهل الجنة عن كل قذر يلازم الأجسام في الدنيا؛ فيأكلون ويشربون ولا فضلات لهم برفضها أجسامهم. وإنما يتخلصون من فضلات طعامهم وشرابهم بجشاء كرشح المسك؛ فطاب طعامهم وشرابهم وطابت فضلات ذلك الطعام والشراب.
والجشاء: هو تنفس المعدة الممتلئة .
وينعم أهل الجنة في الجنة بجمال الخلقة. فأول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم على أشد كوكب دري قال صلى الله عليه وسلم: “أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءةً.. ” الحديث متفق عليه… وقال صلى الله عليه وسلم : قال الله تعالى: في الحديث القدسي: “أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت. ولا خطر على قلب بشر”.
ولنقرأ إن شئنا:
﴿فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُوْا يَعْمَلُونَ﴾ السجدة : 17.
وفي هذا الحديث القدسي إشارة إلى أن نعيم أهل الجنة لا يتصوره بشر. ولا يعرفه إلا من ذاقه.
أفضل النعمة
وأفضل ما ينعم الله به على أهل الجنة في الجنة: رؤية الله عز وجل. قال تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ سورة القيامة: 22.
وقال صلى الله عليه وسلم : “إنكم سترون ربكم عيانًا كما ترون هذا القمر. لا تضارون في رؤيته” متفق عليه.. أي لا تشكون في رؤيته وهذا أفضل ما يمنحه الله لأهل الجنة. قال صلى الله عليه وسلم: “إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى: “تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ فيكشف الحجاب. فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم” رواه مسلم.
* * *
* *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، جمادى الأولى – جمادى الثانية 1430 هـ = مايو – يونيو 2009 م ، العدد : 5-6 ، السنة : 33
(*) أستاذ ورئيس قسم التفسير بجامعة الأزهر/ مصر