كلمة المحرر
يوم الجمعة 25/ محرم 1430هـ الموافق 24/ يناير 2009م أعلنت وسائلُ الإعلام العالميّة خبرًا سارًّا للغاية، يقول: إن سمو الأمير تركي الفيصل / مدير مصلحة الاستخبارات السعوديّة سابقًا والسفير السعودي لدى كل من بريطانيا وأمريكا سابقًا ، صَرَّح بأسلوب لاغموضَ فيه ولا إبهام في كلمته التي نشرته صحيفةُ “الفائنانشيل تائمز” البريطانية بأنّ إسرائيل أوشكت أن تُعَثِّر إمكانيّةَ الوصول إلى اتفاقيّة السلام من خلال هجومها الوحشيّ على “غزة”. مُحَذِّرًا الرئيسَ الأمريكيّ الجديد “باراك أوباما” بأنّ المساعيَ المبذولةَ لتحقيق السلام في آسيا الغربيّة والعلاقات القائمة بين أمريكا والمملكة العربيّة السعوديّة ستتعرضان للخطر إذا لم يغيّر هو موقفَه تجاه الصراع الإسرائيليّ الفلسطينيّ. ومشيرًا إلى الحرب الأمريكيّة على العراق قال سموّه: إنّ الرئيس الأمريكيّ السابق “جورج دبليو بوش” خَلَّفَ وراءَه إرثـًا كريهًا للغاية في منطقة الشرق الأوسط، مضيفًا: أن أمريكا قد ساندت إسرائيل حتى في قتلها العشوائي للأبرياء في “غزّة”؛ وأنّ أمريكا إذا كانت تنوي الاحتفاظَ بعلاقاتها الخاصّة مع المملكة، فعليها أن تتَّخذ تغييرات أساسيَّة شاملةً في سياستها نحو الصراع الإسرائيليّ العربيّ، مُؤَكِّدًا أنّ الرئيس الإيرانيّ “محمود أحمدي نزاد” قد كتب إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ملك المملكة العربيّة السعوديّة يطلب منه أن يقود الجهادَ الإسلاميّ ضدّ “إسرائيل”؛ فإن عُمِلَ بهذا الجهاد فإنّه سيؤدّي إلى مجزرة لم تشهدها المنطقة كلّها قطّ. وقد صَرَّح سموه بأنّه سبق أن طُرِحَتْ خطّةُ القيام بإجراءات مُوَحَّدة ضدّ إسرائيل؛ ولكن المملكة ظلّت تتورّع عنها نظرًا لعواقبها؛ ولكنها لن يسعها التورُّع عنها في كلّ مرة.
وقال سموّه: إن السيّد “أوباما” يتعيّن عليه أن يُنَدِّد بإنشاء إسرائيل مُسْتَوْطَنَات في الضفّة الغربيّة وبإغلاقها لمعابر “غزّة” وأن يضغط عليها للانسحاب فورًا من المنطقة اللبنانيّة المُتَنَازَع عليها. وفي الوقت نفسه طالب سموُّه “أوباما” بأن يتبنّى مبادرة السلام التي طرحتها المملكة عام 2002م التي تقضي بالاعتراف بإسرائيل شريطةَ أن تنسحب كُلِّيًا من الأراضي الفلسطينية العربيّة التي احتلّتها في 1967م وأن توافق على حلّ مرضيّ لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين. (صحيفة “راشتريا سهارا” الأرديّة اليوميّة ، دهلي الجديدة، العدد: 3485، السنة: 10، يوم السبت: 26/1/1430هـ = 24/1/2009م).
هذا التصريح الذي أدلى به سموُّ الأمير تركي الفيصل/ حفظه الله أثلج صدورَ المسلمين في العالم؛ لأنّه يتفق ومستوى مكانــة المملكة العـــربيّـــة السعوديّــة في قلوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ومستوى منزلتها المرموقة التي تحتلّها، لكونها مُحْتَضِنةً للمشاعر المُقَدَّسَة، ومهبط الوحي، ومبعث الرسالــة الإلهيــة الأخيـــرة الخاتمـــة، ومولــد النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولكونها خادمةً حقًّا للحرمين الشريفين عن جــدارة واستحقـاق؛ ولكونها قائدة – ومستحقةً للقيادة – للعالمين العربيّ والإسلاميّ؛ ولكونها محطّ أنظار المسلمين في العالم كلّه؛ فهم ينظرون إليها لدى كلّ مشكلة نظرَ الغريق إلى عود نجاة يتشبّث به تخلّصًا من الغرق.
إن الكلمةَ النبيلةَ الساميةَ التي أَطْلَقَها سموُّ الأمير شَجَّعَت المسلمين في كلّ مكان ورَفَعَت معنويّاتهم؛ لأنّهم يشعرون أنّها صَدَرَت عن الغيرة العربيّة الإسلاميّة الأصيلة، التي لم تُؤَثِّر عليها سلبًا الظروفُ العصيبةُ التي مُنِيَتْ بها منطقة الدول العربيّة منذ وقت طويل. إنّها وَضَعَت الضمادَ الناجِعَ على الشيء الكثير من الجروح التي أصابتِ القلوبَ، وخَفَّفَت الشيءَ الكثيرَ من ألم الصدمة المُوْجِعَة التي ظلّت تمسَّ الضميرَ العربيَّ الإسلاميَّ منذ وقت غير قصير. إنّها جَبَرَت الشيءَ الكثيرَ من الانكسار الذي حَدَثَ في عظام الشباب العربيّ الغضّ الإهاب الطريء الطرير الذي ظلّ يُقِضّ مضاجعَ الصهاينة الذين استمرُّوا يستهدفون اصطيادَه، لأنّه ظلّ يُمَثِّل صَخرةً صمَّاءَ دون نواياهم التوسعيّة الخبيثة.
إنَّها كلماتٌ صادرةٌ عن علياءَ عربيَّة، وشموخ وكبرياءَ إسلاميَّة، فَرِحَ بها الشعوبُ المسلمةُ في الشرق والغرب وفي ديار العرب والعجم؛ لأنّها تعلم أنّ القيادةَ السعوديّةَ رشيدةٌ حازمةٌ، لاتُطْلِق الكلمات، التي تحمل صدىً بعيدَ المدى في المحافل الدوليّة ولدى القوى العظمى – ولاسيَّما التي تتحكّم في مصير العالم وفي رقاب المسلمين والعرب بصفة خاصّة وهي أمريكا – صادرةً عن العاطفيّة والانفعاليّة، ومدفوعة بالتفاعل العاجل؛ وإنما تَتَلَمَّسها قبل أن تلفظ بها، وتَتَحَسَّس تداعياتها القريبة والبعيدة؛ ولأنّها – الشعوب المسلمة – تعلم أن القيادة السعوديّة تتكلم قليلاً وتعمل كثيرًا، والأغلب أنّها لاتتكلّم وإنما تعمل، وتدع أعمالَها هي التي تتكلم، فتُسْمِع الزمانَ والمكانَ وتجعل التأريخَ يُسَجِّلها؛ وأنّها لاتنطق إلاّ بما تنوي أن تعمل به وتجعله حقيقةً قائمة على أرض الواقع.
ومن ثمّ إنّ المسلمين يتأكّدون من أنّ هذه الكلمات المؤمنة سيكون لها وقع كبير لدى القيادة الأمريكية الجديدة التي قامت منذ أيّام برئاسة “باراك أوباما” الذي يُعَلِّق عليه الأمريكان ودول العالم كلّها آمالاً كبيرة. وعلى الأقلّ ستجعلها – القيادةَ الأمريكيّةَ – تتبنّى الجدِّيَّة والإيجابيّة والحياد اللاّئق فيما يتعلّق بقضايا “الشرق الأوسط” عمومًا وقضيّة فلسطين خصوصًا.
حقًّا ، هذه الكلمات المُوَفَّقَة جاءت في أوانها ، ويجب أن يسمعها “أوباما” ورجالُ إدارتــه القياديّة عن جديّة إن كان يتمتّع برشد ينبغي أن يتمتّع به رجالُ قيادة مثل هذه الدولة العظمى الوحيدة التي تحلم باستعمار العالم كلّه والتلاعب بمصير المجتمع الدوليّ . وينبغي أن لايجعله – أوباما – الشعورُ الزائد بالقــوة والعلوّ أن يكون أعمى وأصمَّ لايبالى بما يحدث حولَه ولايتسامع حتى بصفير العواصف الهوجاء.
[التحرير]
(تحريرًا في الساعة 12 من ضحى يوم الإثنين : 28/محرم 1430هـ = 26/يناير2009م)
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . صفر – ربيع الأول 1430هـ = فبراير – مارس 2009م ، العـدد : 2-3 ، السنـة : 33