كلمة المحرر
“أسوأُ رئيسٍ في تاريخ أمريكا” وصفٌ أَطْلَقَه كثيرٌ من الصُّحُفِيِّين ، والمُثَقَّفِين والمُفَكِّرين ، والدِبْلُومَاسِيِّين والسِّياسِيِّين ، والمُعَلِّقِين والمُحَلِّلِين ، في داخل أمريكا وخارجها ، على “جورج بوش الابن”: الرئيس الأمريكيّ الحاليّ ، الذي يكاد يُغَادِر البيتَ الأبيضَ للأبد دون مأسوف عليه.
ومنذ أن نُفِّذَتْ تفجيراتُ 11/سبتمبر 2001م بأمريكا من قبل الصهيونيَّة العالميَّة بتعاون من المسيحيَّة المُتَصَهْيـِنَة – التي “جورج بوش الابن” من رجالها الأقوياء المُتَحَمِّسِين النشيطين – صدرت باللغة الإنجليزية وغيرها من اللغات الغربيَّة مئاتٌ من الكتب عدا آلاف من المقالات والدراسات ؛ حول سيناريوهات مسرحيَّة التفجيرات ؛ وحول “الحرب على الإرهاب” التي شَنَّها “بوش” هذا ورجال زمرته الراكبون على رؤوسهم ؛ وحولَ شخصيَّة “بوش” ونفسيَّته الحربيَّة وقَرَمه إلى اللحوم الآدميَّة وضراوته بها ، ولاسيّما اللحوم الإسلاميَّة ؛ وحولَ الشعور بالاستعلاء والفوقيَّة التي تَتَّسِم بها أمريكا في ظلّ التقدّم العلميّ التكنولوجيّ .
وقد نُقِلَ كثيرٌ منها إلى اللغة العربيَّة ، كما أُلِّفَ بها رأسًا الكثيرُ من الكتب التي تتعلق بالموضوع ، والتي فاقت مبيعاتُها مبيعاتِ غيرها من كتب الموضوعات الساخنة ؛ لأنّ هذا الموضوعَ بذَّ في سخونته سخونَةَ جميع الموضوعات ، الاجتماعيَّة والدينيَّة ، والاقتصاديَّة والساسيَّة ، والعسكريَّة والاستراتيجيّة ؛ حيث شَغَلَ العالمَ كلَّه عن جميع القضايا الحيويَّة التي تُهِمِّه .
وبين يديَّ الآنَ عناوينُ بعض هذه الكتب التي وَقَعَتْ إليّ إهداءً من الأحبَّاء والإخوان أو المهتمين بالموضوع المشاطرين إيّايَ الرأيَ والفكرَ والهدفَ أو اقتناءً مني لبعضها . يحلو لي أن أقرأ مع القراء الكرام بعضًا منها على عجل: “الصهيونيّة المسيحيّة” .. “لماذا يكره العالمُ أمريكا؟” .. “أمريكا والإبادات الجماعيَّة” .. “الحرب على العراق ، نظام لم يتغيّر”.. “موقف الغرب من الإسلام”.. “الحرب على الحريّة” .. “الفوقيّة الإمبرياليّة الأمريكيّة” – وقد أجمع المُحَلِّلون العالميّون أنّ هذا الكتاب إدانةٌ صارخةٌ لسياسات الولايات المتحدة الرامية لمكافحة الإرهاب – “لماذا يكرهوننا؟”.. “الدين في القرار الأمريكي”.. “نهاية التاريخ أم صدام الحضارات” .. “أحجار على رقعة الشطرنج”.. “القوة والإرهاب” .. “المؤامرة الكبرى” .. “مفارقة القوة الأمريكيّة”.. “أمريكا التي تُعَلِّمُنا الديموقراطيّة”.. “أمريكا تحت النار”.. “الإمبراطوريّة بعد احتلال العراق”.. أمريكا، الكتاب الأسود”.. “إنّه النفط…” .. “بوش مُحَارِبًا” .
وآخر عنوان وَقَعَ إليّ باللغة الإنجليزيَّة: “فريق التعذيب: مذكرة رامسفيلد وخيانة القيم الأمريكيّة”
(Torture Team: Rumsfeld’s Memo and the Betrayal of America Values of Deception).
ومُؤَلِّفُه “فيليب ساندس” (Phillippe Sands) البريطاني الذي يعمل أستاذًا للقانون الدوليّ بجامعة لندن. وقد ألّف من قبل كتابًا بعنوان “عالمٌ بلا قانون” هاجم فيه الرئيسَ الأمريكيَّ “جورج بوش” الابن ورئيسَ الوزراء البريطاني “توني بلير”، كاشفًا اللثامَ عن التآمر الذي نسجاه لغزو العراق في انتهاك صارخ للقانون الدوليّ.
والكتاب المذكور الذي أصدره حديثًا في مايو 2008م بعنوان “فرق التعذيب…” هاجم فيه “رامسفيلد” وأعوانَه الذين شَرْعَنُوا التعذيبَ وانتهكوا القانونَ الدوليَّ والقيمَ الأمريكيّةَ . وكان المُؤَلِّف أوّل من كشف في كتابه هذا عن مذكرة سِرِّيَّة حاول فيها “بوش” الأب أن يغري صدام حسين بإسقاط طائرة تابعة للأمم المتحدة .
وقد أَلَّفَ الكتابَ لمعالجة قضيّة التعذيب التي قَنَّنَتْها الإدارةُ الأمريكيّةُ بقيادة “جورج بوش” الابن و وزير دفاعه السابق “دونالد رامسفيلد”. وذلك من النواحي القانونيّة والأخلاقيّة . وقام في الكتاب بملاحقة المسؤولين عن السماح بتقنيات التعذيب التي سمحت بإهانة ومعاناة المُعْتَقَلِين داخل “أبوغريب” و “غوانتانامو” التي وَصَفَها بأنّها سياسة مُمَنْهَجَة ولم تكن صدفة .
وتطلع وسائلُ الإعلام شبهَ يوميّ بنبأ يقول: إن زعيمًا من زعماء أمريكا أو الغرب وليس الشرق وحده يصف “جورج بوش” الابن بأنه أكبر إرهابيّ جعل العالم كلّه أخوف مكان للإنسان ، وأنه أَخْيَبُ رئيس أمريكيّ في جميع سياساته وتحركاته ، وأنه أجدر بأن يحاكم عالميًّا بصفته “مجرم حرب” وأن يدان بجريمته الشنعاء التي ارتكبها بحقّ الإنسانيّة ، وأن يُعْدَم شنقًا مئات من المرات لأنّه قتل ملايين من البشر خلال هذه السنــوات الماضية التي فجّر فيها الحربَ في كل من أفغانستان والعراق ، ولأنه خرَّب أمريكا ، ودَمَّر اقتصادها ، وسبَّب موتَ كثير من جنودها وكونَ كثير منها مُقْعَدِين مشلولين ومصابين بعاهات مُتَنَوِّعَة وأمراض نفسيّة ؛ ولأنه جَرَّ ويلات على أمريكا لا أوّل لها ولا آخر وأوجد لها أعداءً لاعدَّ لهم في الداخل والخارج .
ونحن المسلمين الذين أصابنا “بوش الابن” ووالده “بوش الأب” كلاهما بخسائر لاتُحْصَى في الأرواح والممتلكات والمقدرات والحضارة والتاريخ والبنى التحتيّة ، نضمّ صوتنا إلى صوت العقلاء هؤلاء من الزعماء والقادة في الغرب ، ونطالب العالمَ إن كان لديه ذرّة من العدل بأن يُوقف هذا الرجلَ المجنون بالحرب والتعذيب البشريّ وأن يحاكمه ، ويدينه بجرائمه ، وأن يُنْزِلَ عليه من العقاب ما يستحقّه ، سواء أسَكَنَ البيتَ الأبيضَ أو خرج منه بعد شهور، ليسكن البيتَ الأسودَ من قلوب هذه الكثرة الكاثرة من ورثة أولئك القتلى والجرحى والمُعَذِّبِين والمسجونين دونما ذنب ، الذين لايُحْصِيهم إلاّ اللهُ . وإنّ الله العزيز الحكيم يُمْهِلُ ولكن لايُهْمِل ، وإنه لمن الظالمين بالمرصاد . [التحرير]
(تحريرًا في الساعة 9 من صباح يوم السبت : 15/7/1429هـ = 19/7/2008م)
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . شعبان 1429هـ = أغسطس 2008م ، العـدد : 8 ، السنـة : 32