بقلم : أ. د. عبد المعبود عمارة
المرض مع الصبر والاحتساب يزيد من الأجر والثواب ويرفع الدرجات قال تعالى: ﴿إنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيرِ حِسَابٍ﴾ الزمر: آية10.
فمع الصبر والرضا بقضاء الله تعالى وقدره وقراءة القرآن والدعاء، والصدقة والأخذ بأساليب العلاج الحديث يشفي المريض بإذن الله تعالى، ومع قوة الإيمان، تزداد كفاءة الجهاز المناعي لدى الإنسان ويتغلب على المرض. وزيادة الضغط النفسي، والصراع على الدنيا والتقاتل عليها، قد وضع على كاهل الإنسان الحديث أعباء وقلقًا وتوترًا، يؤدي إلى كثير من الأمراض النفسية والعضوية، وهنا يأتي دور اليقين وعدم الحزن على ما يفوتنا من الدنيا وعدم الفرح بما تجود به الدنيا لأنها لا أمان لها، ويقول الحق تبارك وتعالى: ﴿لِكَيْ لاَ تَأْسَوْا عَلَى مَافَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾ الحديد: آية23.
الحزن والفرح وعلاقتهما بالمرض:
إن الحزن الشديد المفرط يجعل كثيرًا من الغدد الصماء تفرز هورمونات قد تضر بصحة الإنسان وتعرِّضه للأمراض، كهورمون الأدرينالين الذي يفرز عند الغضب والانفعال والقلق النفسي.
وهذه الهورمونات تُسبِّب ارتفاعًا في ضغط الدم وأمراض الجهاز العصبي، وأمراض القلب والجلطات الدموية في القلب والمخ، وقد يُصاب المريض بقرحة المعدة والمياه البيضاء والزرقاء في العين، وأمراض القولون العصبي والسكر واضطراب الهضم والنوم، وكثيرًا ما يصاب المريضُ بالأمراض النفسية. والفرح المفرط الذي يخرج الإنسان عن شكر النعمة قد يؤدي إلى ما يؤذي الإنسان في صحته ودينه، والواجب على المؤمن أن يرضى بالقضاء والقدر ويشكر مع النعم ويصبر على النقم ويحتسب ويقول: إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، ويفوض أمرَه لله في الأمور كلها، القائل عز من قائل: ﴿وَأَنَّه هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكـٰـى وَأَنَّه هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا﴾ النجم: آية 43.
وقال تعالى في قصة قارون: ﴿إِذْ قَالَ لَه قَومُه لاَتَفْرَحْ إِنّ اللهَ لاَيُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ القصص: آية 76، وقال سبحانه: ﴿حَتّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَّهُمْ لاَيَشْعُرُونَ﴾ الأنعام: آية44.
والواجب أن ننظر إلى ما ينبغي صنعه كما جاء في قصة سيدنا سليمان حينما سمع حديث النملة ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ النمل: آية19، فكان رد الفعل من سيدنا سليمان على هذه النعم أن دعاربه أن يعينه على شكره وحمده وأن يعينه على العمل الصالح وأن يدخله برحمته في عباده الصالحين. فيالها من قدوة صالحة من نبي صالح.
ومما يؤدّي إلى السعادة وانشراح الصدر وسكينة النفس قضاء مصالح الناس وتقديم العون للمحتاج والابتسامة في وجه أخيك، ولنعلم جميعًا أن حوائج الناس إلينا من نعم الله علينا، فلا نملها فيحرمنا الله من نعمه.
وبسكينة النفس التي يمنحها الله للمؤمنين الصادقين يذهب الله عنا الحزن والقلق والتوتر الذي يصيب الإنسان – والعياذ بالله – بكثير من الأمراض التي منها مرض ضغط الدم المرتفع .
ولنقدم للقارئ الكريم فكرة مبَسَّطة عن هذا المرض.
مرض ضغط الدم المرتفع :
هو زيادة الضغط في البطين الأيسر عن معدله الطبيعي، والضغط الطبيعي هو حوالي 120/80 ملليمتر زئبقي، أي 120 في حالة انقباض العضلة القلبية (Sqstoie)، 80 في حال ارتخاء العضلة أي فترة الراحة (Siadtole) .
ومرض ضغط الدم يؤثـِّر في عضلة القلب ويصيبها بالهبوط على المدى الطويل، وهذا يؤثر بدوره على الدورة الرئوية. كما يؤثر هذا المرض على الكلى والجهاز العصبي وخاصة المخ والعين ويؤدي إلى النزيف الدموي في كثير من الأجهزة الجسمية.
من أجل ذلك كان من اللازم إعطاء فكرة مبَسَّطة عن عضلة القلب أولاً.
عضلة القلب:
هي إحدى العضلات التي خلقها الله تعالى لأداء وظيفة مهمة جدًا، وهي دفع الدم الشرياني إلى جميع أجزاء الجسم لتغذيته وأداء وظائفه الحيوية، كما تستقبل الدم الوريدي من جميع أجزاء الجسم لتقوم بدفعه إلى الرئتين حتى يتم التخلص من ثاني أكسيد الكربون الموجود في الدم الوريدي “دم غير مؤكسد”، واستبداله بالأوكسجين وتحويل الدم إلى دم مؤكسد نقي يعود إلى القلب مهيئًا لدفعه إلى الدورة الدموية العامة عن طريق البطين الأيسر فالأورطي لتوزيعه على الجسم مرة أخرى. وعضلة القلب، عضلة ذاتية الانقباض، أي أنها تنقبض بتأثير الجهاز العصبي اللاإرادي.. وتتأثر بحركة الحياة فهي تزداد انقباضًا في المجهود والرياضة. والحركة والانفعال وتهدأ أثناء الراحة والنوم، وذلك حتى تتكيف مع حركة الحياة، والقلب ينبض منذ تكوينه في الحياة الرحمية للجنين في الأسابيع الأولى ولا تتوقف إلا مع آخر لحظات العمر.
وعضلة القلب في حجم قبضة اليد. وتقع خلف عظمة القص بالقفص الصدري، وتحاط بغشاء التامور الذي يسهل حركة القلب أثناء الانقباض والانبساط، وتميل هذه العضلة إلى اليسار قليلاً، وتتكون من أربع غرف أذين وبطين أيمنين لاستقبال الدم الوريدي من الجسم وأذين وبطين أيسرين لدفع الدم الشرياني إلى جميع أجزاء الجسم.
ويتغذى القلب بشريانين هما الشريانان التاجيان ويخرجان من شريان الأورطي الصاعد عند خروجه مباشرة من البطين الأيسر، ولكل منهما تفرعات داخل عضلة القلب، والدم يتوارد لهذين الشريانين أثناء فترة انبساط واسترخاء القلب أي أثناء فترة ما بعد الانقباض Diastolic Period ، وعدد ضربات القلبَ في الإنسان في متوسط العمر هي حوالي سبعون نبضة. تزداد مع المجهود أو ارتفاع درجة الحرارة.
الدفق الفؤادي:
كمية الدم المدفوع من البطين الأيسر في المرة الواحدة هي حوالي 70 سم3، أي حوالي 5 لترات في الدقيقة الواحدة تزداد إلى 8 لترات أثناء المشي وتصل إلى أكثر من ذلك أثناء الرياضة البدنية،ويزداد الدفق الفؤادي أثناء الانفعالات وأثناء الحمل في السيدات.
الذبحة الصدرية:
هي إصابة أحد شرايين القلب التاجية بجلطة سواء الشريان الرئيس أو أحد فروعه، وأهم أسبابها هي تصلب الشرايين وارتفاع دهون الدم، والمريض بها يحس بألم شديد جدًا خلف عظم القص في الصدر وقد يحس المريض بألم في الكتف الأيسر والعضد، وعلى المريض التزام الراحة التامة والعرض على الطبيب الأخصائي فورًا، لمعرفة السبب وإعطاء العلاج وعمل القسطرة والدعامات إن لزم، ومتابعة الحالة، وهناك علاقة قوية بين ارتفاع نسبة الدهون في بلازما الدم وتصلب الشرايين، لذلك يجب العمل على خفض نسبة الكوليسترول في الدم وتقليل نسبة ما يتناوله الإنسان من مواد دهنية وكربوهيدراتية.
وارتفاع الدهون يصيب شرايين المخ والكلى أيضًا وله تأثيرات سلبية على وظائف الجهاز العصبي والكلى والقلب. ويقال دائمًا “إن عمر الإنسان هو عمر شرايينه”.
الأسباب الأولية لمرض ضغط الدم:
في كثير من حالات هذا المرض يكون السبب غير معروف؛ ولكن هناك بعض العوامل الخطرة التي تكون مصاحبة لهذا النوع، منها التوتر العصبي والقلق والسمنة والتدخين، والسن المتقدم وزيادة تناول الأملاح. كما أن للوراثة دورًا في هذا النوع من أنواع الضغط.
الأسباب الثانوية لمرض ضغط الدم المرتفع :
هناك أمراض تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم مباشرة منها بعض أمراض الكلى والغدة فوق الكلوية وبعض أمراض الغدد الصماء، وتسمم الحمل. كما قد يكون ارتفاع ضغط الدم نتيجة لتناول بعض الأدوية مثل عقار الكورتيزون.
أعراض مرض ضغط الدم المرتفع :
قد لا يشعر المريض بأي أعراض عند بداية هذا المرض، ويكتشف بالصدفة عند زيارة الطبيب، وقد يشعر المريض بالصداع والدوخة. وقد يكتشف المرض عند حدوث بعض المضاعفات مثل تضخم عضلة القلب أو حدوث نزيف من الأنف أو ظهور علامات الضغط في شبكية العين أو اضطراب في وظائف الكلى أو نزيف بالمخ لا قدر الله. أو غير ذلك من الأعراض.
الوقاية من مرض ضغط الدم:
1- تجنب الانفعال والتوتر واللجوء إلى الله في الشدائد.
2- علاج الأمراض التي تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم مثل الكلى وارتفاع دهون الدم.
3- انقاص الوزن عند وجود السمنة، والإكثار من الخضروات والفواكه والحبوب واللبن منزوع الدسم واللحوم البيضاء بدلاً من المواد الدهنية والإقلال من المواد النشوية والسكرية. والامتناع عن التدخين بجميع أنواعه.
4- ممارسة الرياضة قدر الإمكان كالمشي بانتظام والإقلال من ملح الطعام.
5- عدم تعاطي حبوب منع الحمل إلا بعد استشارة الطبيب.
6- زيارة الطبيب كل فترةٍ للتأكد من مستوى الضغط واكتشاف المرض مبكرًا لمنع أي مضاعفات قد تحدث وأخذ العلاج المناسب والمتابعة. ولتكن نظرتنا إلى الطب أنه علاج. أما الشفاء فمن الله تعالى مُسبِّب الأسباب وأن الله إذا أراد الشفاء جعله ولو في جرعات الماء، وإذا لم يرد الشفاء، حال بين الداء وبيّن الدواء، نسأله تعالى شفاء للروح وللجسد من أمراض القلوب والأبدان..
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . رجب 1429هـ = يوليو 2008م ، العـدد : 7 ، السنـة : 32