دراسات إسلامية
بقلم : فضيلة الشيخ معوض عوض إبراهيم / جمهورية مصر العربية
رمضان خير كله نهاره وليله وأوله وأوسطه وآخره، فالمسلم في نهاره صائم وليله قائم، صيامًا يهيمن منا على سريرتنا وعلانيتنا، وقيامنا لله ومع الله في صلاة وذكر لله ودعاء لله الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، وأن يغفر الذنوب ويتوب على من يتوب، وتلاوة لكتابه تبارك وتعالى، نعمل فيها عقولَنا وقلوبَنا جميعًا عسانا نبلغ بها ما أراد الحق سبحانه بقوله لمصطفاه: ﴿كتـٰـبٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَرُوا آيَاتِه وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الأَلْبَابِ﴾ ص: آية29.
ورمضان مجمع فضائل الإسلام، منذ جعله الله ميقاتًا لاصطفاء النبي ﷺ وإرساله للبشريّة بأسرها رحمةً للعالمين ﴿شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيْرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإذْنِه وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾ (الأحزاب/45-46) في ليلة مباركة الغدوات والروحات من شهر رمضان سماها الله ليلة القدر، كان محمد ﷺ فيها قد ضاق ذرعًا بالجاهلية الجهلاء التي سيطرت على الحياة في شتى منازل أهلها عربًا وعجمًا. فكان يهجر مكةَ مرّة بعد مرّة ويدع زوجاته وبناته مرّة بعد مرّة؛ لينفرد عن دنيا قومه في غار حراء يتعبد لربه – عز وجل – الليالي ذوات العدد، ثم يعود إلى أهله فيأنس بزوجه وتأنس به، حتى تزوده خديجة أبر زوج وأوفى عشير بما يحتاجه في غار حراء حتى فاجأه الملك «جبريل» وهو عليه الصلاة والسلام يقلب الطرف من قريب وبعيد، في الليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس وفي النجوم التي جعلها الله تبارك وتعالى مصابيح السماء الدنيا تبيد الظلام وترد الدياجي، وإذا بالنبي ﷺ يلقى الملك يضمّه إلى صدره ضمًّا شديدًا ويقول له: إقرأ ومحمد صلوات الله عليه يقول: ما أنا بقارئ، فهو أميٌّ لم يقرأ من قبل، ولم يعلم شيئًا عن ذلك الذي صنع به ما صنع وقال له ما قال. وعاود الملك ضمَّ النبي ﷺ وأمره بالقراءة. وعاد النبي: ما أنا بقارئ، وعاد ذلك المشهد ثالثًا، حتى قال الملك في الرابعة: ﴿اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اِقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِيْ عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَالَمْ يَعْلَمْ﴾ (العلق/1-5) إنه كلا لم تعرف الحياة قولاً يماثله أو يدانيه محتوى وديباجةً وعبارةً تأخذ بمجامع القلوب وتحرك كل منافذ الحس والإدراك، وكان أثرها على النبي ﷺ في الجو الذي قيلت فيه أشد ما تكون وقعًا عليه حتى عاد بها إلى بيته وهو يرجف فؤاده، ويصيب خديجة من ظاهر حال محمد ﷺ ما جعلها في دهشة لا تعرف ما تقول أو تفعل حتى بادرها بقوله: «زَمِّلُوني، زَمّلُوني» فكان أسرع من رجع الصدى في إعداد المكان ورد كل الشواغل عنه. ونام النبي ﷺ ماشاء الله أن ينام واستيقظ يقص عليها خبرَ ما جرى، ثم يقول لها: «لقد خشيت على نفسي» فإذا هي بكل الحنو والإشفاق والانطلاق مما عرفته عن محمد وحديث الناس عنه، أصدق وأبر وأنقى لله – عز وجل – من كل من سواه تقول له : «كلا والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقرى الضيف وتعين على نوائب الحق» وهي كلمات أُلْهِمَتْها البرة التقيّة خديجة، وكل جملة منها تؤلف أسفارًا كبارًا من العظمة البشرية والجلال الإنساني الذي يتمثل في إنسان امتن الله – عز وجل – عليه بقوله ﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتَهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ (النساء/113) .
ولم تمض لحظات حتى أتى النبي ﷺ مع خديجة ابنَ عمها ورقة بن نوفل، وكان رجلاً قد عرف العبرية وقرأ الكتب الأولى، وعلم منها أنه قد آن أوانُ النبي الخاتم، فما كاد يسمع قولَ خديجة له: «يا ابن عم اسمع من ابن أخيك» وسمع ورقة ما جعله يسرع قائلا: «سبوح قدوس هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى» والتفت إلى النبي يقول له إنك لنبي هذه الأمة، وليتني أكون حيًّا إذ يخرجك قومك، فقال له النبي: أو مخرجيّ هم؟ قال نعم، ما جاء رجل قط قومَه بمثل ما جئتَ به إلا أُذي وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا .
كانت ﴿اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ..﴾ الآيات مبدأ اصطفاء محمد وإرساله رحمةً للناس، لأمة قال لها في مرحلة من مراحل الدعوة ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُوْنَ بِالْمَعْرُوْفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُوْنَ بِاللهِ﴾ (آل عمران/110). وفتر الوحيُ عن النبي صلوات الله عليه حقبة ضاعفت من شوقه عليه الصلاة والسلام إلى ذلك الملك الذي جاء بما جاء من قبل. وكانت فترة أيقظت كل مشاعر النبي إلى وحي مولاه الذي تتابع وتتابع، وقومه ينكرون منه وقد عرفوه الصادق الأمين، ما يدعوهم إليه، منذ خطبهم من أعلى الصفا فقال: أرأيتم لو أخبرتُكم أن وراء ذلك الوادي خيلاً تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا وقد شهدوا جميعًا ذلك الخطاب الجامع: أجل نصدقك ولا يكذبك منا أحد فقال: «إن الرائد لايكذب أهله والله لو كذبت الناس جميعًا ما كذبتكم. ووالله إني لرسول الله إليكم جميعًا» وهو كلام كله حق .
كان رمضان ربيع الزمان، وإذا كان الربيع فصلاً من أعدل فصول العام، فإنه يجئ ويمضى، ويوجه الناس من عنف الصيف وبرد الشتاء واضطراب الجو بعد ذلك بين بين في الخريف، فإن رمضان تتجدد بركاته وتمضي في الزمان نفحاته، وينعم بهداه أفئدةُ المؤمنين بالقدر اليسير الذي ذكرته، وهو على أضعاف مضعفة مما عرفت وعرف الناس، إنه شهر الإسلام رسول ورسالة، شهر القرآن حتى كان جبريل ينزل على النبي في ليالي الشهر الكريم فيدارسه القرآن. فلما كان رمضان الأخير من حياة النبي دارسه جبريل القرآن مرتين، كأن هذا التكرار إشارة إلى منتهى حياة النبي صلوات الله عليه وسلامه .
ويزيد رمضان جلالاً في الجو الإسلامي أن نعرف ماذا كان العالم يعيش فيه من فوضى واضطراب في عقيدته، وصلته بالله، ومعاملة الأقوياء للضعفاء، والأغنياء للفقراء، والمتقدمين في القبائل والشعوب والجماعات على شعوبهم وجماعاتهم، وسقوط أقوام على أدنى درجات العقل وهم يعبدون ما ينحتون ويقول بعضهم ﴿مَاهِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ﴾ (الجاثية/24) وهم كما قال جعفر بن أبي طالب للنجاشي في الهجرة الأولى إلى الحبشة: إنهم يأكلون الميتة ويشربون الخمر ويستبيحون المحارم، في عبارات ننبه إليها وندعو العقلاء أن يعرفوا من خلالها الجاهليةَ في شتى جوانب الكوكب في النص الذي يطالعنا في صحيح الحديث النبوي وفي كل كتب السيرة، وماذا بعد ذلك والله تعالى يقول ممتنًّا برسوله عليه الصلاة والسلام ﴿لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِيْنَ إِذْ بَعَثَ فِيْهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوْا عَلَيْهِمْ آيَاتِه وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِيْنٍ﴾(آل عمران/164) وقال: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِه وَيُزَكِّيْهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوْا مِنْ قَبْلُ لَفِيْ ضَلاَلٍ مُبِيْنٍ﴾ (الجمعة/2) ومن أصدق من الله حديثًا في بيان سمات جاهلية وإسلام وكفر وإيمان، وإحسان جاوز المدى بالرسالة والرسول الذي يقول الله تعالى فيه وفي أمته ﴿الَّذِيْنَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَه مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيْلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوْفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِيْنَ آمَنُوا بِه وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوْهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِيْ أُنْزِلَ مَعَه أُوْلـٰـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُوْنَ﴾ (الأعراف/157) وأكرم بقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيْعًا الَّذِي لَه مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ إِلـٰـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِيْ وَيُمِيْتُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِه النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِه وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُوْنَ﴾ (الأعراف/158) وتوالت رحمات الله برمضان، فكان شهر الصيام، تلك الفريضة التي جعلها الرسول ﷺ ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوىٰ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوْحَىٰ﴾ (النجم/3-4) أحد أركان الإسلام الخمسة في حديثه الصحيح وكانت فريضة الصيام في القرآن الكريم تتمثل في آيات تتابعت في سورة البقرة من قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ حتى قوله ﴿كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾(183-187) وهي آيات خمس استوعبت الصيام حكمًا وحكمةً وأيامًا معدودات أجملها الله – عز وجل – في شهر ذكره دون غيره من شهور العام في كتابه فقال: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيْهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ﴾(البقرة/185) كما بين تعالى ايجابيّة المقيم الصحيح واستثنى من ذلك أولى الأعذار من ﴿الَّذِينَ يُطِيْقُوْنَه﴾ وقد جبر خواطرهم بما أوجب لهم من فدية حتى لا يفوتهم شرف الانضواء تحت راية الشهر الكريم . كما بين الله – عز وجل – أن الصيام ليس ايامًا كاملة، ولكنه في ساعات حددها الله عز وجل في قوله ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾(البقرة/187) وسن لنا النبي ﷺ قيام ليالي الشهر الذي فرض الله صيامه إلى ما سن – صلوات الله عليه وسلامه – من اعتكاف العشر الأواخر منه وأبقى قيد الأنظار ما وسعته الآيات من آداب وما قامت به حجة الله على الذين ظلموا الصيام فجعلوه تركاً للطعام والشراب بعيدًا عن آداب صوم الجوارح التي يجب أن تصان عن اللغو والرفث والنظرة الآثمة والكلمة النابية ورحم الله الذي قال:
إذا لم يكن في الصـــــوم منـي تصامم
وفي نظري غض وفي منطقي صمت
فحظيَّ من صومي هو جوع والظما
وإن قلت إني صمت يومًا فما صمت
ولقد ذكر لرسول الله امرأة تتناول أعراض الناس وهي صائمة فقال: لقد صامت عمّا أحل الله وأفطرت على ما حرم الله .
ويا ويحَ الذين يتعلّلون في تركهم لما نيط بهم من واجبات وأداء عمل يستحلون به مرتباتهم وأجورهم من الدولة أو من الأعمال الخاصة بأنهم صائمون ، وحاشا لله أن يكلف عبادَه بما يشق عليهم من تكاليف وطاعات وهو يقول ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ (البقرة/286). ويقول ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّيْنِ مِنْ حَرَجٍ﴾ (الحج/78). ويقول في آيات الصيام ﴿يُرِيْدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيْدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكَمِّلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوْا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (البقرة/185).
وما أبعد كثيرين عن الله وهم يقومون ليالي رمضان لشهوات وشبهات وفوازير وبرامج إذاعية وتلفزيونية جعلت حرمة الشهر الكريم خلف الظهور، وإنه لمن الممكن والميسور إذا عجزت هذه الأجهزة عن أن تقول خيرًا أو تفعل خيرًا أن تسكت عن الشر وتريح الأبصار والبصائر عن أمور لا تتفق وحرمةَ الشهر في قليل أو كثير. وقديمًا قيل «إذ لم تستطع أن تزيل الشر فزل عنه» لقد أراد الله – عز وجل – أن يكون الصيام مدرسة لتربية ملكة المراقبة له وخشيته والارتفاع إلى مستوى التقوى في قوله تبارك وتعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُوْنَ﴾ (البقرة/183) و«لعل» ليست بالنسبة لله – عز وجل – بمعنى «الترجى»؛ ولكنها وحيث هي مثل قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوْا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة/21). وقوله تعالى ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ﴾ (البقرة/197).
ولما قرأ بعض الأئمة في صدر سورة البقرة ﴿ذٰلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيْهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِيْنَ﴾ (البقرة2) وانتهى من قراءتها إلى ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ﴾ (البقرة/185) فنادى الناس فقال: أيها الناس! من لم يهتد بالقرآن فليس من الناس، أيكون من الناس الذين يأنسون بغيرهم ويؤنسون سواهم ومن الناس الذين خلق الله لهم ما في الأرض جميعًا وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة ثم هم ينسون ما في رمضان من نفحات وتجليات وبركات وهدايات ترتفع بهم عن كدر الطين في ذواتهم إلى مستوى ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾(الحجر/29) . ويا ويحَ من أظله رمضان ثم مضى عنه دون أن يغفر الله تعالى له. قال رسول الله ﷺ : «أُعطيت أمّتي خمسَ خصال في رمضان لم تُعْطَها أمة قبلهم: خلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك، وتستغفر الملائكة لهم حتى يفطروا، ويزين الله كل يوم كل جنة، ثم يقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤنة والأذى ويصيروا إليك، ويُصفد فيه مردة الشياطين فلا يخلصون فيه إلى ما كانوا يخلصون في غيره، ويغفر لهم في آخر ليلة، قيل يا رسول الله أهي ليلة القدر؟ قال: لا، ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله».
ولقد كان الرسول ﷺ أجود بالخير من الريح المرسلة وكان أجود ما يكون في رمضان . ها هو صلوات الله عليه وسلامه يقول في ما رفع سلمان الفارسي عنه قال: خطبنا رسول الله ﷺ آخر يوم من شعبان فقال: «يا أيها الناس إنه قد أظلّكم شهرُ رمضان مبارك فيه ليلة خير من ألف شهر، فرض الله صيامه، وجعل قيام ليله تطوعًا، فمن تطوع فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدّى فيه فريضة، كان كمن أدّى سبعين فريضة، فهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وهو شهر المواساة، وهو شهر يزاد فيه رزق المؤمن، من فطر فيه صائمًا، كان له عتق رقبة، ومغفرة لذنوبه» قيل يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم؟ قال: «يعطي الله هذا الثواب من فطر صائمًا على مذقة لبن أو تمرة أو شربة ماء، ومن أشبع صائمًا كان له مغفرة لذنوبه، وسقاه الله من حوضه شربة لايظمأ حتى يدخل الجنة، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء، وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، ومن خفف فيه عن مملوكه أعتقه الله من النار».
وطوبى لمن أرهف سمعه لرمضان والملك ينادي في لياليه: «يا باغيَ الخير أبشر ويا باغي الشر أقصر» رواه أحمد والنسائي بإسناد جيد وعن رسول الله ﷺ : الخير كله في رمضان لمن أراد أن يذّكّر أو أراد شكورًا .
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . رمضان – شوال 1428هـ = سبتمبر – نوفمبر 2007م ، العـدد : 9–10 ، السنـة : 31.