دراسات إسلامية
بقلم : الأستاذ محمد خير رمضان يوسف
مقدمة :
إن الثبات في مقومات التصور الإسلامي وقيمه – فضلاً عن أنه امتداد للنظام الكوني – هو الذي يضمن للحياة الإسلامية خاصية «الحركة داخل إطار ثابت حول محور ثابت»، فيضمن للفكر الإسلامي وللحياة الإسلامية مزية التناسق مع النظام الكوني العام، ويقيه شر الفساد الذي يصيب الكون كله لو اتبع أهواء البشر بلا ضابط من قاعدة ثابتة لا تتأرجح مع الأهواء .
ثم هو – في النهاية – الذي يضمن للمسلم في المجتمع الإسلامي مبادئ ثابتة يتحاكم إليها هو وحكامه على السواء. فلا يطلق هؤلاء أيديهم في مقوماته وحرياته وحقوقه، في مقابل أن يطلقو هم حرية الشهوات والنزوات الحيوانية للجماهير المكبوتة في قماقم الاستبداد(1).
فإذا ثبت هذا الإطار استطاعت الحياة – فكرة وتصورًا ونظامًا – أن تتحرك في داخله بحرية ومرونة، واستجابة لكل تطور فطري صحيح، مستمد من التصور الكلي الثابت القويم. والقيمة الكبرى لهذه الخاصية هي تثبيت الأصل الذي يقوم عليه شعور المسلم وتصوره، فتقوم عليه الحياة الإسلامية والمجتمع الإسلامي في استقرار وثبات، مع إطلاق الحرية للنمو الطبيعي في الأفكار والمشاعر، وفي الأنظمة والأوضاع، فلا تتجمد في قالب حديدي ميت – كالذي أرادته الكنيسة في العصور الوسطى – ولاتنفلت كذلك من كل ضابط انفلات النجم من مداره وفلكه ! وانفلات القطيع الشارد في المهلكة المقطوعة ! كما صنعت أوروبا في تاريخها الحديث ، حتى انتهت إلى ذلك التفكير الماركسي الشائه(2).
إذاً فلابد من تصور ثابت للمقومات والقيم، يجيء من مصدرٍ ثابت العلم والإرادة! مصدر يرى المجال كله، والخط كله، فلا تخفى عليه منحنيات الدرب، ولايقدر اليوم تقديرًا يظهر في غد خطؤه ونقصه، ولاتتلبس به شهوة أو هوى يؤثر في موازينه وتقديراته .. ولاضير بعد هذا من الحركة، والتغير، والتطور، والنمو، والترقي. بل تصبح كلها مطلوبة، وتصبح كلها مأمونة، وتصبح كلها تلبية للفطرة: القائمة على الحركة داخل إطار ثابت حول محور ثابت؛ ولكنها حركة راشدة واعية، ومدركة للغاية الثابتة التي تتجه إليها، في خط متزن، مستقيم راسخ.. وهذا هو ضمان الحياة الطويلة المدى، المتناسقة التصميم .
ولانحتاج إلى الحيطة ضد التجمد في قالب حديدي ونحن نستمسك بهذه الخاصية في التصور الإسلامي – خاصية الحركة داخل إطار ثابت حول محور ثابت – فخاطر التجمد لايرد على مثل هذا التصور، ولا على الحياة التي تتحرك في إطاره. فالحركة كما قلنا هي القاعدة فيه، كما أنها هي القاعدة في التصميم الكوني. والكون لايتجمد ولا يأسن ولايفسد ولايركد. فهو في حركة دائمة، وفي تغير دائم، وفي تطور دائم، وفي تشكل مستمر في كل لحظة؛ ولكنه يتحرك مع استبقاء حقيقته الأصيلة(3).
ولنا أن نتصور بعــد هذا كيف تسبح العلوم في فلك الإسلام، وكيف تفرع الأحكام في نظام الإسلام، وكيف يقيس العلماء الأمور على بعضها البعض مادام الأصل ثابتًا، ومادامت المبادئ موجودة.
ويعتبر الإعلام – في نظري – الحارس الأمين لهذه المبادئ والأحكام .. فهو مسخر لأن يحمل هذه الدعوة ويقدمها نقية – دون تغيير أو تشويه – عبر الوسائل الإعلامية المختلفة ، ويحافظ على مكانتها وهيبتها بين المستقبلين ، بأسلوب علمي توثيقي ، لتلقى القبول والمكانة اللائقة بها .
تقسيم الأحكام الشرعية :
وقبل أن نبدأ في بيان أدلة ثبات الإعلام الإسلامي، ينبغي أن نعرف أولاً المسائل التشريعية الثابتة ، والقابلة منها للتجديد، والقابلة للتبديل؛ لأن مدار الإعلام الإسلامي على مدارها، وثباته بثباتها، وتطوره بتطورها(4).
1- المسائل التشريعية القابلة للتجديد :
المبادئ والقواعد التي لها الارتباط الوثيق بالمعاملات المالية والشؤون الاقتصادية والنُظُم القضايئة والقضايا الإدارية والدستورية.. نص الإسلام على هذه المسائل بقواعد عامة، ومبادئ كلية من غير تعرض إلى تفصيلات أو جزئيات أو مراحل، وترك أمر التطبيق والهيئة والشكل للأصلح من تجارب البشرية، كقاعدة العدل، وقاعدة الشورى، وقاعدة كتابة العقود .
فالشريعة في هذه المسائل إذن اكتفت بتثبيت القاعدة، وتحديد الإطار العام، وتركت وسائل التطبيق، وتفصيلات التنفيذ لأهل الحل والعقد، وهيئة الخبرة والاختصاص، كل على حسب زمانه ومكانه، شريطة أن لا تتعارض هذه الوسائل والتفصيلات مع نص صريح، أو تخرج عن القاعدة العامة أو تتجاوز هذا الإطار المحُدّد لها .
2 – المسائل التشريعية القابلة للتبديل :
وهي المسائل التي لم يرد فيها نص أصلاً لافي كتاب، ولا في سنة، ولا في إجماع، ولاقياس هذه المسائل خاضعة للاجتهاد الزمني، والتطور المصلحي.. حيث يجتهد بهذه المسائل المستحدثة المستجدة علماء راسخون مختصون، متَّسمون بالورع والتقوى، ومتصفون بملكة الفهم والاجتهاد فيصدرون أحكامهم بما يحقق وجه المصلحة، وبما يتلاءم مع التطور الحضاري، والتقدم العلمي، كبيان حكم الإسلام في الضمانات التقاعدية للموظف والعامل، وفي تعويض التسريح، وفي التعويض العائلي، وفي التأمين الصحي.. فهذه المسائل وماكان على شاكلتها مما لم يرد فيها نص، وتتفق مع روح الشريعة مقصدها العام، تحتاج إلى نخبة من أهل العلم والاختصاص ليقرروا حكم الإسلام فيها على ضوء المصلحة والتطور، وروع الشريعة، ومقاصدها العامة .
وبناء على هذا يقول علماء الأصول: (لايُنْكَر تغير الأحكام بتغير الأزمان) .
3 – المسائل التشريعية الثابتة غير القابلة لتجديد ولاتبديل:
وهي المسائل التي وردت فيها نصوص قطعية ثابتة لامجال لتجديدها وتبديلها والاجتهاد فيها، كمسائل العقيدة، وأركان الإيمان، وأحكام العبادات، وأمور المعاملات.. وكحرمة الزنى، والربا، والخمر، والميسر، وقتل النفس، وتحديد أنصبة المواريث، وتحديد عدة الطلاق والوفاة.. وكالنهي عن السفور، والاختلاط بين الجنسين، وخروج المرأة متبرجة.. ونحوها.
فهذه النصوص التي بينت هذه الأمور كلها هي نصوص قطعيــة ، وأحكام ثابتة . بل هي منطقة محــرمــة لايتطــرق إليهــا الاجتـهاد ، ولاتخضع لأي تبديل أو تعديل لحكمة يعلمها الله. وكثيرًا مايدرك الإنسان بعقله وتجربته ومشاهداته السر من الأمر أو النهي ، والحكمة من الحل أو التحريم. وقلنا إنها منطقة محرمة لايتطرق إليها الاجتهاد، لأن كل من يريد أن يبدل منها أو يجتهد في تطويرها يكون هادمًا للشريعة، ومحاربًا لله والرسول، وخالعًا عن عنقه ربقة الإسلام. وبناء على هذا يقول علماء الأصول: (لامجال للاجتهاد في مورد النص)1هـ.
وبهذا نرى المبادئ العظيمة التي يتميز بها الإسلام، والقواعد الراسخة التي تتميز بها أحكامها.. وهي سر صلاحيته إلى يوم الدين .. فأين تبقى دعوات المتشككين والمتقاعسين من أن الإسلام قد اعتراه الهرم والجمود لأن أحكامه قديمة؟ أما علموا أنه دين رباني، أكمله ورضيه لنا رب العالمين؟
إن العجـــز والمـرض يكمنان في المسلمين وليس في الإسلام .. والمطلوب أن نعالج مساوئنا ونصلح موقفنــا من الدين .. ونعود لنؤكد ماقلنا من أن الإعلام الإسلامي نفسه يستمد أسسه وأساليبـــه من أحكام الشريعة، ولايجوز أن يخرج عن المجال الثابت المحدد له .. فالإسلام دين ثابت فيه من عناصر البقاء والحيوية مالا يحتاج معه المرء إلى أكثر منه ..
وعلى هذا يستمد الإعلام الإسلامي ثباته ومجال نشاطه من الجذور الثابتة الخالدة التي وضعها الله في خاتم الرسلات، على مايبدو في الأدلة والأمثلة التالية :
أولاً :
كون الإسلام دينًا خاتمًا للرسالات، يعني أنه ثابت لايتغير، فهو يتصف بالأصالة الباقية سواء في مصدره أو نصوصه.
وقد حفظ الله تعالى القرآن من التبديل والتحريف – وهو المصدر الأول من مصادر الشريعة – لئلا تبقى حجة للناس يوم القيامة .. فالقرآن الذي بين أيدي المسلمين اليوم، هو نفسه الذي كان يتلوه الرسول ﷺ وأصحابه والتابعون .. وسيكون كذلك إلى يوم الدين .
وإن من أبرز وظائف كتاب الله الإعلام ، أي: الإبلاغ .. والإنذار .. والتذكير .
وهذا الإعلام ثابت بثبات القرآن الكريم، وخالد بخلوده .
وكذلك السنة الشريفة التي هي المصدر الثاني من مصادر التشريع ، هيأ الله تعالى لها رجالاً هم في قمة الحفظ والعدالة والضبط والذكاء.. فوضعوا قواعد يميزون بها الصحيح من السقيم، واشترطوا شروطاً لقبول ماورد عن رسول الله ﷺ حتى لايتطرق إليه تحرف أو تبديل .
وبحفظ القرآن والسنة حفظ الدين الإسلامي، وحفظت شرائعه وقواعده.. فلا مجال لحاكم أو قاض أو مجتهد أن يزيد على الإسلام مبدأ واحدًا، ولا أن ينقص منه، وقد قال الله عز وجل: ﴿اَلْيَومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتـْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيْتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾(5).
والأجــدر بالإعلاميين أن يرضوا بهذه المبادئ، ويعملوا فكرهم لاستنتاج قواعد للإعلام من خلال الآيات الكريمة والسنة الشريفة.. فهما مصدر كل خير ورشاد.. ولايغرينهم بريق المدنية الخادع حتى يتطفلوا على موائدها ويستلهموا أفكارها.. فمن المقرر أن الذين وضعوا قواعد الإعلام في العصر الحديث ليسوا مسلمين، ولم يرجعوا إلى كتاب أو سنة، ولم يقتدوا بسيرة الرسول ﷺ .. بل هم إما يهــود أو نصارى أو بوذيون .. أو ملحدون!.
وعندما يلقي المرء نظرة على كتابات بعض المسلمين في الاقتصاد وعلم الاجتماع والإعلام.. يرى خلطاً كثيرًا.. وأحيانًا ترقيعًا وتشويهاً.. بل ليًا لأعناق النصوص حتى توافق بعض النظريات الحديثة! .
وهذا مما يؤسف له حقًا.. وهو نتيجة ضعف الشخصية الإسلامية في هذا العصر، وعدم اعتزازها واستقلاليتها في منهج تفكيرها .. بل يغلب عليها الاضطراب .. والتقليد .. ولاحول ولاقوة إلا بالله.
ثانيًا:
كون الدين الإسلامي وسطاً جامعًا لحقوق الروح والجسد ومصالح الدنيا والآخرة. وعلى هذا الأساس يتم التوازن الإعلامي الذي هو الآخر ميزة أخرى من مزايا الإعلام الإسلامي. وتكفي الإشارة هنا إلى أن هذا الجمع دليل على تمشي الإسلام مع الفطرة البشرية السليمة، وكونه مسايرًا للطبيعة المستقيمة ، ومن ثم يكون أحد عناصر الثبات والخلود فيه .
ثالثاً :
والعوامل المساعدة على تثبيت الإعلام الإسلامي كثيرة منها :
(أ) أن الله سبحانه وتعالى أمر عباده أن يخلصوا نياتهم ويتوجهوا بها إليه وحده حتى تكون مقبولة ومرضية ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّه فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَّلاَيُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّه أَحَدًا﴾(6). ويقول عليه الصلاة والسلام : قال الله تبارك وتعالى: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، ومن عمل عملاً أُشْرِك فيه معي غيري تركته وشركه» (7).
وعلى هذا تكون غاية الإعلام في الإسلام هي إرضاء الله تعالى وليست إرضاء شخصية معينة، أو انتصارًا لمذهب معين، أو طلبًا لمنصب أو جاه.. وبذلك تسود قواعد عامة بين رجال الإعلام، هي معرفة الغاية ووضوح الهدف، ومن ثم البعد عن المشاحنات وعدم الغلو والتنطع، وجعل حبل المودة ممدودًا بين الداعية والمدعو.. لتبقى المودة وتدوم الألفة.. وهذا هدف عام وثابت لايتغير حكمه من عصر إلى عصر، ومن مكان إلى مكان .
(ب) فالغرض من الدعوة والإعلام هو التعارف والتآلف بين البشر، وبيان أن الإسلام مكمِّل للأديان التي جاء بها سائر رسل الله، وما الإسلام إلا خاتم الرسالات، وما النبي محمد ﷺ إلا خاتم الرسل. وعلى هذا حازت الأمة الإسلامية على منصب الإمامة في الناس ، قال تعالى: ﴿وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَّسَطَاً لِّتَكُونُوا شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾(8).
المطلوب من المسلمين اليوم أن يحاسبوا أنفسهم في هذا العصر الذي أصبح منه تبليغ الإسلام أسهل مما سبق، نتيجة توفر الوسائل الإعلامية المتنوعة .. والسريعة . فهل بلغ المسلمون الدعوة إلى سائر الناس أم قصروا في ذلك وتفرقوا أيدي سبأ ، واهتموا بالملذات والشهوات، وانحرف أكثرهم عن دينهم ولم يلتزموا بالواجب المنوط بهم؟!
(ج) وكما سبــق أن ذكـــرنا يُعْتَبــر الجهادُ أحد أساليب نشـــر الإسلام ، وفي الحديث الشريف: «..والجهــاد ماض منـــذ بعثنـــي الله إلى أن يقاتــل آخـــر أمتي الدجـــال لايبطله جـــور جائر ولاعدل عادل.. » (9). وهذا أحد الوجوه الدائمة للإعلام الإسلامي بثبات هذا العنصر وبقــائه إلى يوم القيامة.
بل نستطيع القول إن جميع الوجوه المساعدة على نشر الإسلام، والباقية حتى الآن، أي التي تُعْتَبر من شعائر الدين، كالأذان والحج وغيرهما. مما ذكرناه في الفصل الأول، تُعْتَبر عوامل مستمرة للإعلام عن الدين. وهذا يعني وجود مناهج ثابتة للإعلام لاتتغير ولاتتبدل . قد أرساها الإسلام منذ عصر الرسول ﷺ وسيبقى معمولاً بها إلى يوم الدين.
رابعًا :
كون الدين يسرًا لا حرج فيه ولاعسر ولا إرهاق ولا إعنات ولامشقة . قال تعالى : ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾(10). ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَيُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾(11) .
﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيرَ بَاغٍ وَّلاَ عَادٍ فَلاَ إِثـْمَ عَلَيهِ﴾(12).
فهذه النصوص وغيرها تؤكد تأكيدًا جازمًا أن الإسلام بمبادئه السمحة، ولايكلف الإنسان فوق طاقته، ولايحمله من المسؤوليات فوق استعداده. بل نجد كل هذه التكاليف والمسؤوليات تدخل في حيز الإمكان البشري والطاقة الإنسانية؛ لكي لايكون لأي إنسان عذر أو حجة في التخلي عن أمر شرعي(13).
وهناك أمثلة عديدة ذكرها المفسرون عند تفسير هذه الآيات، وأوردها الفقهاء والأصوليون في مكانها من الكتب .
ومانود توضيحه هنا أن يسر الأحكام مع كونها عادلة وصالحة للمجتمع الإنساني دليل على حيوية هذا النظام وقابليته للتطبيق في أي ظرف كان . ولا يخفى أن علماء المسلمين في هذا العصر قد بذلوا جهودًا إعلامية كبيرة، سواء بالتأليف، أو بعقد المؤتمرات .. لبيان أن الإسلام نظام قائم بذاته وقابل للتطبيق .. وما حدث مرة يمكن أن يحدث مرات ومرات .
وهناك مؤتمرات دولية مشهورة عقدت في هذا القرن ، وشهدت أن شريعة الإسلام شريعة حية صالحة متجددة خالدة .
من ذلك المؤتمر الدولي للقانون المقارن الذي عُقِد في لاهاي سنة 1937م وانتهى إلى اعتبار الشريعة الإسلامية مصدرًا من مصادر التشريع العام، وأنها حية قابلة للتطور، وأنها شرع قائم بذاته ليس مأخوذًا من غيره .
ومؤتمر المحامين الدولي الذي اشتركت فيه (53) دولة وعُقِد في مدينة لاهاي سنة 1948م واتخذ القرار التالي: «نظرًا لما في التشريع الإسلامي من مرونة، وماله من شأن هام، يجب على جمعية المحامين الدولية أن تتبنى الدراسة المقارنة لهذا التشريع، وتشجع عليها» .
وفي سنة 1950م عقدت شعبة الحقوق الشرقية من المجمع الدولي للحقوق من جامعة «باريس». وفي خلال بعض المناقشات وقف أحد الأعضاء، وهو نقيب سابق للمحامين في باريس فقال: «أنالا أعرف كيف أوفق بين ما كان يحكى لنا عن جمود الفقه الإسلامي، وعدم صلوحة أساسًا تشريعيًا يفي بحاجات المجتمع العصري المتطور، وبين مانسمعه الآن في المحاضرات، ومناقشاتها، مما يثبت خلاف ذلك تمامًا ببراهين النصوص والمبادئ.
وفي الختام وضع المؤتمرون بالإجماع التقرير التالي: (بناء على الفائدة المتحققة من المباحثات التي عرضت أثناء أسبوع الفقه الإسلامي وما جرى حولها من المناقشات التي نستنتج منها بوضوح :
1 – أن مبادئ الفقه الإسلامي لها قيمة حقوقية تشريعية لا يمارى فيها .
2 – أن اختلاف المذاهب الفقهية في هذه المجموعة العظمى ينطوي على ثروة من المفاهيم والمعلومات، ومن الأصول الحقوقية – وهي مناط الإعجاب – وبها يتمكن الفقه الإسلامي أن يستجيب لجميع مطالب الحياة الحديثة ، والتوفيق بين حاجاتها.. (14) .
وتوجد شهادات كثيرة لقانونين منصفين، وباحثين ومستشرقين – أقصد من غير المسلمين – تذكر مابيناه سابقًا .
إن كل هذا يبين في أجلى صورة خلود الدين الإسلامي وصلاحيته للتطبيق .
وينبغي على الإعلاميين الإسلاميين أن يوضحوا عبر الوسائل المختلفة أحكام هذا الدين، ومميزات نظامه، وشموله ، وثبات مبادئه وقواعده .
الهوامش :
- خصائص التصور الإسلامي ومقوماته . سيد قطب. – ط8 – . بيروت ، القاهرة : دار الشروق ، 1403هـ ، 1983م، ص84 .
- المصدر نفسه ، ص 86 .
- المصدر السابق ، ص 87 .
- انظر المسائل الثلاث في : هذه الدعوة ماطبيعتها. عبد الله ناصح علوان . – ط 2 . – القاهرة ، حلب ، بيروت : دارالسلام ، 1405هـ ، ص 85 (سلسلة مدرسة الدعاة..) ص 39-42 .
- سورة المائدة ، الآية 3 .
- سورة الكهف ، الآية 110 .
- رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ، كتاب الزهد والرقائق ، باب من أشرك في عمله غير الله .
- سورة البقرة ، الآية 143 .
- رواه أبوداؤد. كتاب الجهاد باب في الغزو مع أئمة الجور. أنظر سنن أبي داود. سليمان بن الأشعث؛ تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد . – ط 2. – القاهرة: المكبة التجارية الكبرى ، 1369هـ، 1950م، ج3 ص26 .
- سورة الحج ، الآية 78 .
- سورة البقرة ، الآية 185 .
- سورة البقرة ، الآية 173 .
- للتفصيل يراجع : الإعلام في القرآن الكريم . عبد القادر حاتم. لندن : مؤسسة فادي بريس ، 1405هـ ، 1985م، ص 139 فما بعد . وهذه الدعوة ماطبيعتها . عبد الله علوان ، ص 48-49 .
- تراجع هذه المعلومات في : هذه الدعوة ماطبيعتها . عبدالله علوان ، ص 67-70 . وتنظر المصادر التي استقاها منها هناك .
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . شعبان 1428هـ = أغسطس – سبتمبر 2007م ، العـدد : 8 ، السنـة : 31.