الأدب الإسلامي

بقلم : الأخ الأستاذ ياسر نديم القاسمي

كلّية معارف الوحي والعلوم الإنسانية

الجامعة الإسلامية العالمية ، ماليزيا

التقديم

       لقد انضمت إلى النقد العربي الحديث مجموعة من المناهج النقدية التي لم يكن يطّلع عليها الإنسان القديم، نتيجة عن الانفتاح على الثقافة الغربية والعلوم التي وفدت إلينا من أوربا (ترجمة واطلاعاً وتعلماً). وهذه العلوم والفنون الوافدة كما لها من سلبيات حاولت قطع صلتنا من تراثنا الأدبي، كذلك لها إيجابيات مهّدت لنا الطريق إلى إعادة النظر إلى علومنا، وفهمها في إطار ناحية جديدة كالمنهج النفسي الذي يحلل النص الأدبي من الوجهة الشعورية واللاشعورية، وكالمنهج الاجتماعي الذي ينظر إلى الأدب على أنه مرآة تعكس الواقع بطريقة مباشرة قائمة على المحاكاة الحرفية أو الجدلية، وكالمنهج البنيوي التكويني الذي يعتبر الأدب بنية جمالية مستقلة تعكس الواقع بمختلف مستوياته التاريخية والثقافية والسياسية والاقتصادية بطريقة غير مباشرة أو عبر التماثل.

       وكالمنهج البنيوي اللساني الذي ينظر إلى النص الأدبي على أنه بنية مغلقة أو نسق من العناصر اللغوية القائمة على علاقات اختلافية أو ائتلافية، وكالمنهج السيميائي الذي يقوم على التفكيك والبناء من خلال دراسة النص باعتباره نظامًا من العلامات اللغــوية وغير اللغوية.

       وهنالك منهج آخر أثار اهتمام النقاد والباحثين. وبلغت هذه العناية أوجهاً في عصرنا هذا، الذي ازدهر فيه النقد ازدهارًا لم يسبق له نظير بفضل ظهور المصنّفات النقدية، وتأثّر النقد بالحقول المعرفية المجاورة مثل اللغة، والكلام، والفلسفة، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، وغيرها. و قد اشتهر هذا المنهج الجديد باسم «منهج التلقي»، أو «منهج تلقي النص».

       نظرية التلقي اليوم من أشهر نظريات الأدب وأكثرها ورودًا في كتابات النقاد، وأشدها صلة بمقياس الجودة الأدبية، إذ هي التي تحدد أبعاد تلك الجودة من خلال مشاركة المتلقي أو القاري أو المستقبل (على اختلاف المصطلحات) في تكوين النص نموذجًا أدبيًا. ولكن هذا لا يعني أن هذه النظرية تخلو عن أفكار العلماء المسلمين، وأنها نسيج عقول العلماء الغربيين، إنما نجد جذورها في الكتب التراثية، بل في القران الكريم و ديوان العرب. النصوص التراثية تعتبر متلقيها وقارئها عنصرًا مهمّاً في التوصل إلى المعانى المقصودة لها.

       من المؤكد أن مصطلح المتلقي لا يختص بالقارئ، إنما يرتبط بالسامع أكثر من ارتباطه به ولاسيما في النصوص التراثية التي كانت تثتأثر بها الصدور، تحفظها وتنقلها إلى السامعين، ثم أخذت الكتابة مكان الحفظ، ونتيجة عن ذلك أخذ القارئ مكان السامع. فالقارئ والسامع أصبحا عنصرين أساسيين في عملية التلقي؛ لكن لكل منهما دلالاته الخاصة، و«مصطلح المتلقي أشدّ دلالة على الحال السماعية للشعر من مصطلحات أخرى كمصطلح القارئ، والسامع بوصفه مصطلحاً شاملاً تنضوي تحته أنماط التلقي الشفاهية أو السماعية فضلاً عن القرائية» (1)

المتلقي سامعًا في التراث:

       يحظى المتلقي السامع بأهمية كبيرة في الأدب العربي لارتباط الشعر بالإنشاد حيث كان يسمع مباشرة في بعض المواقف الاجتماعية وفي سوق عكاظ، وأكد هذا مجموعة من الدارسين كقول د. رشيد يحياوي «وقد لا نكون في حاجة لكي نؤكد أن الأداء الصوتي كان أسبق من الكتابي، بحكم تأخر الكتابة عن مرحلة نشوء اللغة، وهو أمر يستنتج كذلك من وضعية إرسال الشعر في العصر الجاهلي، حيث يثبت أغلب المؤرخين تخلف استعمال الكتابة في ذلك العصر وميل جمهور المتلقين إلى تقبل الشعر عن طريق الإلقاء المباشر وحمله عن طريق الرواية، وهي ظاهرة كانت لها مبرِّرات اجتماعية تمثلت في المواقف الاجتماعية التي كان يُوظَّف فيها الشعر كالمفاخرات والمنافرات والدعوة للصلح أو الحرب مما كان يتطلب الإلقاء المباشر للشعر، ومما كان يتطلب أيضاً الإجادة في الإلقاء، أي التحكم في مخارج الحروف وحسن توظيف الأصوات مع الخلو من العيوب الصوتية» (2) ولم يكن المتلقي السامع مرتبطاً بالشعر فقط، بل ارتبط كذلك بالقرآن الكريم بعد مجيء الإسلام، لأنّ القرآن الكريم يُسمَعَ ويُقرأ، وسماع القرآن واجب على كل مسلم ومسلمة.
       وهذه ميزة للعرب عن باقي الأمم الأُخَر لهذا قال د.محمد مبارك «وللعرب ميزة في نظرية التلقي قد تجعل الآداب العربية افتراقاً عن بعض الآداب الأُخَر، وهذه الميزة مستمدة من عاملين أساسيين: الأول القرآن الكريم إذ أوجد نوعين من التلقي أحدهما مرتبط بالآخر، هما التلقي الشفاهي والقراءة، فالإنصات لتلاوة القرآن وهو تلقٍ شفاهي سيظل ما بقيت للزمان بقية، إذ لا يكتفى بقراءة القرآن فلا بد من السماع إذاً، والسماع تلقٍ شفاهي دون شك والآخر هو الشعر، والشعر العربي يُنْشَد ويُغَنَّى أي بحاجة إلى متلقٍ شفاهي» (3)

       ونظراً لارتباط المتلقي السامع بالشعر وبالقرآن الكريم حظي بأهمية كبرى في التراث العربي القديم، فالشعر العربي في حاجة إلى السماع أكثر من القراءة، لهذا يسعى الشاعر إلى أن يوفر في قصيدته ما يربطه بجمهوره، فاهتم بالأوزان الصوتية وبأنواع القوافي حتى يضمن أكبر قدر من الغنى الصوتي لارتباط الشعر بالغناء ولتأثير هذا الأخير على المتلقي «وهو تأثير نفسي فسيولوجي يسري فيه الصوت الحسن، وقيل الغناء غذاء الأرواح كما أن الطعام غذاء الأشباح، وهو يصغي الفهم ويرفق الذهن ويلين العريكة، ويثني الأعطاف ويشجع الجبان ويسخي البخيل» (4)
       يزيد الإنشاد والغناء من قيمة الشعر الجمالية، بل أكثر من ذلك أن الشاعر نفسه كان يطرب إذا يُغنّى شعره، لهذا كانت الحاجة قوية إلى سماع الشعر والقرآن الكريم معاً.
       عبّر عن هذا ابن قتيبة بقوله: «وكل علم محتاج إلى السماع، وأحوجه إلى ذلك علم الدين، ثم الشعر، لما فيه من الألفاظ الغريبة واللغات المختلفة، والكلام الوحشي، وأسماء الشجر والنبات والمواضع والمياه. فإنك لا تفصل في شعر الهذليين إذا أنت لم تسمعه بين «شابة» و«ساية» وهما موضعان، ولا تثق بمعرفتك في حزم نبايع، وعروان والكراث، وشسي عبقر وأسد حلية، وأسد ترج، ودفاق، وتضارع، وأشباه هذا لأنه لا يلحق بالذكاء والفطنة كما يلحق مشتق الغريب».(5)
       فابن قتيبة يوضح للمتلقي الفرق بين سماع الشعر وقراءته، ويعطى مجموعة من الأمثلة تدل على ذلك موضحاً بواسطتها، أين تكمن أهمية سماع الشعر.  وإذا كان قد عبّر في هذا النص صراحة عن أهمية سماع الشعر ففي نصوص أُخَر نستشف ذلك خلال حديثه عن بعض القضايا مثل قوله: «أراك في صدر البيت عجزه»، فهذا دليل على سماع البيت وليس قراءته وذهب إلى هذا د.محمد مبارك بقوله: «ونبه ابن قتيبة إلى صفات أُخَر في النص منها وضوحه وعدم انغلاقه. واعتمد موحيات مكانية قريبة من أحاسيس المتلقي ليدركهابيسر، مثل الصدروالعجزالفاتحة والقافية ورونق الطبع ووشي الغريزة. وتلك علامات تدلنا على التلقي الشفاهي الذي يقوم على اللمحة السريعة الدالة، والقدرة على إثارة الانتباه والإعجاب، والتفاعل السريع مع مجرى النص».(6)

معنى التلقي:

       لغةً لقي فلان فلاناً، ولاقاه، وتلقاه، لقياناً وملاقاة وتلقيا: صادفه وقابله واستقبله، فالمتلقي المستقبل. لجأ علماء اللغة العرب إلى الاشتقاق لتوليد معان جديدة أضافوها للمعنى الأصلي الذي كانت تحمله كلمة لقي، كما أنهم جعلوا الفعل المجرد مزيدًا. ومعلوم أن الفعل في اللغة العربية إذا تحول من المجرد إلى المزيد أصبح له معنى إضافي، إن لم نقل معان عديدة حسب معنى الفعل نفسه وليس وفق وزنه فحسب. فإذا كان الأصل في مادة (لقي) هو اللام والقاف والحرف المعتل، ففروع هذا الأصل عديدة، مثل ألقى بزيادة الهمزة، ولَقى بزيادة التضعيف. هذا عن الزيادة بحرف واحد أما الزيادة بحرفين فقولنا تلقى يتلقى التلقي، وهنا زدنا التاء، والتضعيف.

       وإذا كان من المسلم به لدى أهل النظر من علماء اللغة والنحو أن كل زيادة في المبنى يترتب عليها زيادة في المعنى، فهذا يعني أن المادة (لقي) قد زادتها الصيغ المشتقة من أصلها الثلاثي معاني جديدة أكسبتها غنى دلاليًا. وإذا أخذنا تلقى الخماسي المزيد بحرفين عن أصله الثلاثي، ألفينا لهذا الفعل معان عديدة اكتسبتها من حروف الزيادة. وتلقى على وزن تفعل و «تفعل- بزيادة التاء في أوله وتضعيف عينه – فتجيء صيغته لستة معان وهي أولا مطاوعة فعل، ثانياً التكلف، ثالثًا الاتخاذ، رابعًا التجنب، خامسًا الدلالة على الفعل قد حدث مرة بعد مرة، سادسًا الطلب» (7)

       أما تلقى فإن وزنه لا يدل إلا على مطاوعة فعل، أي تلقى مطاوع لقى، ونقول لقيته فتلقى والمصدر منه التلقي. فما المقصود بالتلقي لدى علماء اللغة وأصحاب المعاجم؟ ذكر الجوهري في الصحاح أن «تلقاه، أي استقبله» (8) وإلى المعنى نفسه ذهب الزمخشري في أساس البلاغة.(9) ورأي ابن منظورجاء في اللسان: “وتلقي الركبان: هو أن يستقبل الحضري البدوي قبل وصوله إلى البلد ويخبره بكساد ما معه كذبًا ليشتري منه سلعته بالوكس وأقل من ثمن المثل.”(10)

       والتلقي في المصطلح النقدي الحديث أن يستقبل القارئ النص الأدبي بعين الفاحص الذواقة بغية فهمه وإفهامه، وتحليله وتعليله على ضوء ثقافته الموروثة والحديثة، وآرائه المكتسبة والخاصة في معزل عن صاحب النص.(11) ترى نظرية التلقي أن أهم شيء في عملية الأدب هي تلك المشاركة الفعالة بين النص الذي ألفه المبدع والقارئ المتلقي. أي إن الفهم الحقيقي للأدب ينطلق من موقعة القارئ في مكانه الحقيقي وإعادة الاعتبار له باعتباره هو المرسل إليه والمستقبل للنص ومستهلكه وهو كذلك القارئ الحقيقي له: تلذذًا ونقدًا وتفاعلاً وحوارًا. ويعني هذا أن العمل الأدبي لا تكتمل حياته وحركته الإبداعية إلا عن طريق القراءة وإعادة الإنتاج من جديد؛ لأن المؤلف ماهو إلا قارئ للأعمال السابقة وهذا ما يجعل التناص يلغي أبوة النصوص ومالكيها الأصليين. وللعمل الأدبي قطبان: قطب فني وقطب جمالي. فالقطب الفني يكمن في النص الذي يخلقه المؤلف من خلال البناء اللغوي وتسييجه بالدلالات والتيمات المضمونية قصد تبليغ القارئ بحمولات النص المعرفية والإيديولوجية، أي إن القطب الفني يحمل معنى ودلالة وبناء شكليًا. أما القطب الجمالي، فيكمن في عملية القراءة التي تخرج النص من حالته المجردة إلى حالته الملموسة، أي يتحقق بصريًا وذهنياً عبر استيعاب النص وفهمه وتأويله.(12)

ظهور النظرية:

       ظهرت نظرية التلقي والتأثير والتقبل في ألمانيا في أواسط الستينيات (1966م) في إطار مدرسة كونسطانس وبرلين الشرقية قبل ظهور التفكيكية، ومدارس مابعد الحداثة، على يدي كل من فولفغانغ إيزر (Wolfgang Iser) وهانز روبير ياوس(Hans Robert Gauss).(13) كما كان لعلماء اللسانيات من الولايات المتحدة دور مهم في تطوير هذه الفكرة. ولكن ذهب بعض النقاد إلى أن نظرية التلقي الألمانية تختلف عما طوّرها الأمريكان. حسب هذاالرأي ينبغي التفريق بين المصطلحات الآتية:

       – نظرية الاستقبـال .

       – نظرية التلقــي .

       فالمصطلحان لا يُحيلان على مفهوم واحد ، بل لا ينتميان إلى بيئة واحدة ، فنظرية الاستقبال وُلدت في النقد الأمريكي الحديث ضمن ما يعرف بـ( النقد الأنجلو – أمريكي ) ، ويتحدد بمجموعة من النقاد من أهمهم : ( جوناثان كيلر، ونورمان هولاند ، وديفيد بليش ، ومايكل ريفاتير ) ، أما نظرية التلقي فقد وُلدت في ألمانيا ، منبثقة بشكل مباشر من معطيات الظاهراتية والتأويلية ، ومِن أهم مَن مثلها : (آيزر، وياوس، وفيش )(14) ولكن الكتابات المعاصرة لم تلاحظ هذاالفرق بين المصطلحين، فشاع استخدام أحدهما للآخر.

       ومن رواد هذه النظرية في العالم العربي نستحضر مجموعة من الأقلام النقدية على سبيل التمثيل لا على سبيل الحصر، منها: عبد الفتاح كليطو في كتابيه: الحكاية والتأويل، والأدب والغرابة، وحميد الحمداني في كتابه: القراءة وتوليد الدلالة، ومحمد مفتاح في كتابه: التلقي والتأويل. وكلهم باحثون ودارسون مغاربة.(15)

       وبالجملة تفيد منهجية القراءة – وبتعبيرآخر– نظرية التلقي في معرفة الآثارالتي تتركها فينا الأعمال الأدبية ولاسيما الخالدة منها. ويعني هذا أن ما يهم هذه النظرية ليس ما يقوله النص، ولا من قاله، ولا مضامينه ومعانيه التي تبقى نسبية، بل ما يتركه العمل من آثار شعورية، ووقع فني وجمالي في النفوس، والبحث عن أسرار خلود أعمال مبدعين كبار، وأسباب ديمومتها، وحيثيات روعتها، وعبقريتها الفنية. كما تحاول هذه النظرية أن تعيد قراءة الموروث الأدبي والإبداعي من خلال التركيز على ردود القراء وتأويلاتهم للنصوص وانفعالاتهم، وكيفية تعاملهم معها أثناء التقبل، ومن خلال طبيعة التأثير التي تتركها نفسيًا وجمالياً لدى القراء عبر اختلاف السياقات التاريخية والاجتماعية.

الجذوروالبذور:

       يكاد يجمع الدارسون على أن النظريات النقدية لا تهبط على أصحابها من السماء، وعلى أن أكثرها ابتكارًا وأوسعها انتشارًا ليست جديدة كل الجدة، ولا بدعة لا سابقة لها، وإنما هي تطوير لآراء طافت بأذهان السابقين طواف الأفكار العابرة قبل أن تتضح قسماتها، وتتخذ أشكال النظريات المتكاملة. أو هي بذور طويلةُ أمدِ الحضانة، وجذور تكمن في التراب كمونا هادئاً، فإذا أتيح لها ما يغذوها خرجت الجذور من البذور لتستقي النسغ، وانبثقت الفسائل من الأرض لترى النور. قال روبرت هولب: “يستطيع الباحث أن يجد إرهاصاتها موغلة في القدم، فيما كتبه أرسطو في كتابه فن الشعر، متعلقاً بالتلقي، وفي التراث البلاغي وبصفة عامة من خلال تركيزه على أثر الاتصال الشفهي والكتابي على المستمع أو القارئ”(16).  ولم يكن المتلقي العربي غائباً عن الأدب القديم، بل كان له حضوره المتأثر بالنص والمؤثر فيه، سواء أكان هذا المتلقي قارئاً ذواقة أم ناقدًا ذا بصر بحرفة النقد.، وأدل ما يدلك على ذلك اشتراك الناس على اختلاف طبقاتهم وملكاتهم وثقافاتهم في التمرس بالنصوص الأدبية رواية وتذوقًا وفهماً ونقدًا واختيارًا ومفاضلة. يروى أن عمر بن الخطاب قال: “أي شعرائكم يقول:

ولست بمستبق أخـــاً لا تلمـــه

على شعث أي الرجال المهذب

       قالوا النابغة. قال: هو أشعرهم”(17) فنرى أن أبا حفص رضي الله عنه لم يكن شاعرًا ولا ناقدًا، ولكنه كان متلقيًا، يحسن التذوق، أي: يتذوق النص، ويحكم على النص أي: يؤثر في تكوين الرأي النقدي الذي ينتقل في النهاية من النقاد إلى الشعراء. ومسألة أشعر الشعراء كانت الشغل الشاغل للمتلقين من النقاد والرواة، والأعلام، حتى إن كبار النقاد تحيروا وترددوا في أحكامهم، وعزوا آراءهم إلى سواهم لئلا يتهموا بالتحيز قال ابن سلام: “علماء البصرة كانوا يقدمون امرأ القيس بن حجر، وأهل الكوفة كانوا يقدّمون الأعشى، وأهل الحجاز والبادية كانوا يقدمون زهيرًا والنابغة”(18) وقال أيضًا: “شهدت خَلَفاً، فقيل له: من أشعر الناس، فقال: ما تنتهي إلى واحد يجتمع عليه كما لا يجتمع على أشجع الناس، وأخطب الناس، وأجمل الناس”.(19) ولا يعنينا من هذا الكلام إلا شيء واحد، وهو أن المتلقي الغابر كان له أثر ظاهر في التمرس بالنص الأدبي، يُصغي إليه أو يقرؤه، ويستجيده أو يستقبحه، ويحكم له أو عليه. غير أن النقاد وعلماء البلاغة لم يساووا بين المتلقين، بل رجحوا أهل الصناعة على المتطفلين، وأصحاب البصر الحديد على ذوي البصر الحسير، وآثروا من جمع الثقافة إلى الذوق على الدخيل الطارئ. قال السكاكي: “ليس من الواجب في صناعة، وإن كان المرجع في أصولها وتفاريعها إلى مجرد العقل أن يكون الدخيل فيها كالناشئ عليها في استفادة الذوق منها، فكيف إذا كانت الصناعة مستندة إلى تحكمات وضعية، واعتبارات إلفية. فلا على الدخيل في صناعة علم المعاني أن يقلد صاحبها في بعض فتاواه، إن فاته الذوق هناك إلى أن يتكامل له على مهل موجبات ذلك الذوق» (20)

تلقّي النصّ:

       النص هو كل متتالية من الجمل شريطة أن تكون بينها علاقات(21)، ومن مسؤوليات المتلقّي أن يبحث عن تلك العلاقات، ويتوصّل إلى المعنى المقصود من النص، أو إلى معنى يمكن من النص إثباته. وبتعبير آخر النص هو مجموع المعاني التي يستطيع متلقي النص – في ضوء ما يسمح به النص – أن يفهمها، أو يعقلها، أو يستنبطها، أو يستنتجها، ثم هذه المعاني إما أن تكون مقصودة للمتكلم أو لمنتج النص، أو تكون لازمة غير مقصودة،(22) نحاول إلقاء الضوء على كلّ من المعنيين في السطور الآتية:

       1- المعنى المقصود للمتكلم: فعل “الكلام” لا يصدر من عاقل إلاّ نتيجة عن حاجة أو غرض لديه، حتى أن الكلام الخالي عن الغرض والقصد لا يسمّى كلاماً عند البعض، فإذاً المعنى المقصود هو المعبّر عن حاجة  المتكلم وغرضه، وهو جوهر الكلام وروحه، ثم هذا المعنى المقصود إما أن يحمل قضية واحدة، أو قضاياً متعدّدة، مثال الأول: “إن زيداً قد مات”. والثاني فيكون المتكلم قد توجّه إلى إحدى القضيات، وتوجّهه إليها أكثر منه إلى الأخرى، فكانت القضية المتوجّه إليها بغالب القصد هي المعنى المقصود بالأصل، والقضايا المتوجه  إليها لا بغالب القصد هي المعنى المقصود بالتبع. مثال ذلك قول القائل لغيره: “إن باب بستانك مفتوح، والغنم المغلقة كثيرة، فأغلقه”. فإخبار المتكلم عن كون الباب مفتوحاً، وعن كثرة الغنم المغلقة ليس إلاّ تمهيداً للمعنى الأخير، وهو النصح والإرشاد إلى إغلاق الباب. وهذا المعنى الأخير هو المقصود بالأصل، والمعنيان الأولان هما المقصودان بالتبع.(23)

       ثم هذان المعنيان- المعنى المقصود بالأصل و المعنى المقصود بالتبع- يصرّحهما المتكلّم حيناً، وفي حين آخر تدلّ عليهما ألفاظ النص والخطاب بدون أي تصريح من قبل المتكلم، وهذا يحدث كثيراً في حياتنا اليوميّة، فنقول لسائق السيّارة إذا كان بابها مفتوحاً وهو لا يراه: “الباب مفتوح” والمقصود بذلك نصحه بإغلاقه. يقول الدكتور أيمن صالح: “يقسم المعنى المقصود من حيث قوّة القصد إليه إلى قسمين: معنى أصلي، ومعنى تابع، ويقسم من حيث وجه دلالة الكلام عليه إلى قسمين أيضاً: مدلول عليه نطقاً، ومدلول عليه لزوماً، فلو جمعنا حاصل القسمتين معاً لنتج لدينا الأنواع الأربعة الآتية من المعنى المقصود: المعنى المقصود بالأصل المدلول عليه نطقاً، المعنى المقصود بالأصل المدلول عليه لزوماً، المعنى المقصودالتابع المدلول عليه نطقاً، المعنى المقصود التابع المدلول عليه لزوماً”.(24)

       مثال النوع الأوّل هو معنى الإغلاق المستفاد من قول القائل: “بستانك مفتوح، والغنم المفلتة كثيرة، فأغلقه”.ومثال النوع الثاني قول القائل: “أفعى. أفعى.” وهو يريد تحذير المخاطَب من الأفعى ولا يصرّح به. ومثال النوع الثالث هو معنى الإخبار بفتح الباب، وبكثرة الغنم المفلتة في القول السابق. ومثال النوع الرابع قول المعلم لتلاميذه وقد سألوه عن أفضلهم نتيجة في الامتحان: “إن محمد قد حاز، نتيجة لجهده، على الدرجة الأولى”، فالمعنى المقصود التابع هو تحريض التلاميذ على المثابرة والاجتهاد، وهذا ما يدل عليه قوله: “نتيجة لجهده”.

       2- المعنى اللاّزم غير المقصود: هو المعنى الذي يدلّ عليه الكلام مع كونه غير مقصود للمتكلّم لا أصلاً ولا تبعاً، فلا يكون هذا المعنى إلا لازماً. ومثال ذلك قول المعلم لتلاميذه: “سأعقد للصف امتحاناً جديداً، فلو أخفقت في هذه المرّة فسوف أخبر أباك”. فالمعنى المقصود الأصلي للقائل هو تحذير الطالب من الإخفاق في الامتحان، والمعنى المقصود التابع هو إخبار المعلم التلميذ عن نيته عقد امتحان جديد للصف. والمعاني اللازمة التي علقت بالكلام من غير توجه قصد إلى بيانها كثيرة، منها: كون التلميذ قد أخفق في المرّة السابقة، وكون التلميذ متدنّي الأداء الدراسي، وكون التلميذ ذا أب، وكون المعلم مشفقاً على تلميذه ومهتماًّ بأمره.(25)

       فالمتلقي حين يتلقي النص هو مطالَب بالبحث عن هذه المعاني، ولا سيّما المعنى اللاّزم غيرالمقصود، سواء أكان لزومه قريباً أم بعيداً، قاطعاً أم ظنياًّ. هو معنى يستنبطه متلقي الكلام من النص دون أن يكون للمتكلم – بحسب الظاهر – قصد للإفصاح عنه. إذ هو معنى خارج عن ذهنه، غير خاطر في باله إبّان التكلّم.

استراتيجيات تلقّي النّص:

       كما ذكرنا في السابق بأن القارئ أو المتلقي كان يحتلّ درجة حاسمة في النصوص التراثية، التي شكّلت جذوراً لنظرية التلقي. والنظرية لا تتكوّن نظرية إلاّ أن تكون ورائها أنظمة، وقواعد، وأسس تدعمها وتعزّزها. كان المتلقي يتلقى النص في الماضي دون أي نظام أو استراتيجية، ثم أصبحت هذه العمليّة نظرية لوجود النظام والاستراتيجيّة فيها. ذكر “وولف جانج”، و”ديتر” في كتابهما المترجم إلى اللّغة العربيّة: “مدخل إلى علم لغة النص” استراتيجيات تلقي النص التي تسهّل على المتلقي عملية التلقي، والوصول إلى المعنى الصحيح للنص. نذكرها فيما يلي:

       1- يبني مفسر النص تمثيلاً ذهنياً للأحوال التي جعلها المنتج غير مباشرة في النص، أي أن مفسر النص يدخل لتطبيقه استراتيجيات متباينة للنظام إلى المعلومات المأخوذة من النص، ويملؤها بمعرفة قائمة من قبل.

       2- يفهم مفسر النص الأحوال دائماً على أنها أحوال نمط معين، وبعبارة أخرى:

       يرتبط قيام النظام دائماً بأقسام من الأحوال ومواقف الاتصال والتفاعلات والأنشطة المتفاعلة.

       3- عند بناء التمثيل الذهني لنص ما لاينتظر المفسر إلى نهاية النص، بل إنه يبدأ به مع الكلمة الأولى لبنية المنطوق، ويعدل تدريجياً نتيجة التفسر الناشئة آنذاك.

       4- عند بناء التمثيل الذهني للنص ينطلق مفسر النص من مواقفه وقيمه واقتناعاته وآرائه، إنه يجري بذلك تقويمات، ترد الأهمية إلى النظام.

       5- عند بناء التمثيل الذهني لنص ما يراعي مفسر النص وظيفية النص في السياق الاجتماعي.

       6- يراعي مفسر النص إدخال النص في تفاعلات اجتماعية مع أهدافها وحوافزها ومعاييرها.

       7- من أجل تفسير نص ما تسخر لبناء معنى النص من قبل المتلقي نظريات وفرضيات وكذلك نظريات ذاتية، جمعها على أساس خبرات فردية في أثناء تعامله اليومي مع المحيط الطبيعي والاجتماعي.(26)

الغاية من تلقي النص:

       إذا استمع مستمع لخطاب ما، فإماّ أن يكون مهتماًّ به متطلّعاً إلى تلقّيه، أولاً، فالأوّل هو المهتمّ، والثاني هو غير المهتمّ. والمهتمّ إماّ أن يبتغي الوصول إلى معنى يؤديه الخطاب، وإماّ لا، والثاني هو “المغرض”. أما الأوّل فإنّه إمّا أن يبتغي الوصول إلى كامل ما يؤدّيه الخطاب من معنى، أو يبتغي الوصول إلى جزء ذلك المعنى، فالأوّل هو المتدبّر. والثاني لا يخلو عن ثلاثة أحوال: هو يبتغي الوصول إلى كل المعنى المقصود فقط، فهو “البيانيّ”، أو يبتغي الوصول إلى جزء من المعنى المقصود فهو “المقتصد”، أو يبتغي الوصول إلى معنى خاص لا علاقة له بباقي المعاني فهو المختص.(27)

       هذه القسمة تعطينا ستة أنماط نهائية لتلقي النص، فالمتلقي حين يتلقي نصاًّ لا يخلوا عن إحدى هذه الأحوال الستّة، فلتقّيه إما أن يكون:

       1-   غير مهتمّ

       2-   مغرضاً

       3-   مقتصداً

       4-   بيانياً

       5-   مختصاً

       6-   متدبّراً

تلقي غير المهتم

       وهو أن يباشر المتلقي فعل التلقي، استماعاً أو نظراً، دون أن يعبأ بالخطاب ذاته أو بمعناه، وهو نوعان:

       1- هو لا يريد الوصول إلى معنى الخطاب أيّاً كان المعنى، لكنه يتحصل له شيء على الرغم من ذلك، كمتصفّح الجريدة – مثلاً – عن خبر معين. فيقع نظره على كثير من النصوص التي لا يبتغيها قبل الوصول إلى مبتغاه.

       2- هو يهتمّ بالخطاب لكن لا لمعناه، وإنما لشيء آخر غير المعنى، كرجل يستمع إلى أغان تقال بلغة هو لا يفهمها، للحصول على الطرب.(28)

تلقّي المغرض

       هو الذي يبغي الوصول إلى معنى لا يؤدّيه الخطاب – وإن كان قد يحتمله لغةً احتمالاً بعيداً– يريده  بسبب أو لآخر. فالمغرض هو الذي يريد أن يوظّف الخطاب لغرضه وهواه، لا لغرض قصده المتكلّم. وفيه قال الله عزوجل: “يحرّفون الكلم عن مواضعه” (النساء: 46). والجدير بالذكر هنا أن المغرض يطّلع على المعنى الصحيح للنص، ولكنه يحاول أن يصرفه إلى غير ما أراده المتكلم لغرضه متعمّداً.(29)

 تلقي المقتصد:

       المتلقي يبغي الوصول إلى المقصود القريب للمتكلم، ولا يكلف نفسه محاولة الوصول إلى المقصود أو المقاصد الأبعد. فهو يقتنع بما يدل عليه النص بعبارته، أو بظاهره. مثال ذلك من قراء قول الله تعالى: “إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال سلامٌ.” فأدرك حصول التحيّة من الملائكة لإبراهيم، وبالعكس. ولكنه لم يلتفت إلى سبب الرفع على كلمة “سلام” في حكاية إبراهيم عليه السلام بدلاً من النصب الذي سبق في تحيّة الملائكة “سلاماً”. وذلك لقصد إفادة الجملة الاسمية الدوامَ والثبوتَ، بخلاف الفعلية فإنها تفيد الحدوث والتجدّد.(30)

تلقي البياني:

       وهو أن يكون المتلقي مبتغياً الوصول إلى المعنى المقصود من النص فحسب، سواء أكان أصلياًّ أم تابعاً، منطوقاً أم مفهوماً، فلا يحتفل بالمعنى اللازم غير المقصود. مثال ذلك قوله تعالى: “وكأين من نبي قاتل معه رِبّيّون كثير” (آل عمران 146) فالمعنى المقصود هو أنه: كم من نبي قاتل معه رجال كثُر، فأصيبوا نتيجة القتال، لكن ذلك لم يفتّ في عزيمتهم، أو يضعف من معنويّاتهم، وهناك معنى لازم وراء هذا النص، وهو تثبيت قلوب من أصيبوا في “أُحد”، وتصبيرهم، والشدّ على أيديهم.(31)

تلقي المختص:

       وهو أن يريد المتلقي الوصول لى معنى خاص يؤديه الخطاب، سواء أكان هذا المعنى مقصوداً للمتكلم أم لازماً غير مقصود، فإذا كان يبحث عن معنى عقدي في نص شرعي فهو كلامي، أو عن معنى تاريخي في نصّ فهو مؤرّخ، أو عن معنى لغويّ فهو لغويّ، أو عن حكم شرعي فهو فقيه…(32)

تلقي المتدبّر:

       وهو أن يريد المتلقي الوصول إلى كامل معنى الخطاب، أي إلى كلّ المعاني المقصودة أصلاً وتبعاً، وكلّ المعني اللاّزمة غير المقصودة. مثل ذلك الشراح والمفسرون الذين غايتهم البحث عن كل معنى ممكن للنص.(33)

       فهذه هي أنماط تلقي النص التي ثبتت بالاستقراء. هذه القسمة تدلّ على أن المتلقي مصطلح عام تحته مصطلحات مختلفة يمكن لنا استخدامها نظراً إلى غاية المتلقي في تلقّيه النص .

خاتمة

       إنّ نظرة  عابرة على نظرية التلقي تكفي لإدراكنا أن أبواب الحقول المعرفية لم تغلق، إنما هي مفتوحة منذ ردح من الزمن، حتى يضيف الإنسان إلى المعارف أفكاراً ورؤى جديدة هذه النظرية، وإن كانت جذورها موجودة في تراثنا تؤكد لنا ضرورة إعادة النظر إلى النصوص ولاسيّما التراثية منها من وجهة نظر المتلقي. من خلال هذا البحث نتوصل إلى النتائج التالية:

       1- لايزال الحقل المعرفي يتسع ويتجرب انفتاحاً على النظريات الجديدة.

       2-  نجد جذوراً لنظرية التلقي في التراث العربي.

       3- ظهرت هذه النظرية في ألمانيا لأوّل مرة.

       4- ينبغي أن نعيد نظرنا إلى التراث من وجهة نظر المتلقي لاستنتاج معان جديدة.

       5- تلقي المعنى اللازم غير المقصود هو الوظيفة الأصيلة للمتلقي.

       6- لابدّ من مراعاة استراتيجيات معينة لتطبيق هذه النظرية.

*  *  *

الهوامش :

(1)        نظرية التلقي أصول وتطبيقات، بشرى موسى. المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى 2001. ص:59

(2) شعرية النوع الأدبي في قراءة النقد العربي. رشيد يحياوي، ص:133.

(3)        استقبال النص عند العرب، محمد مبارك، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الأولى 1999. ص:285.

(4)         شعرية النوع الأدبي في قراءة النقد العربي،ص:134

(5)        الشعر والشعراء، ابن قتيبة، تحقيق وشرح أحمد محمد شاكر، دار الحديث القاهرة الطبعة الثالثة 2001. ج/1:.82-83.

(6)        استقبال النص عند العرب : 112 .

(7)        دروس التصريف. محمد محيي الدين عبد الحميد، 77، 78، المكتبة العصرية- بيروت- 1411هـ/1990م.

(8)        الصحاح للجوهري مادة لقي.

(9)        أساس البلاغة للزمخشري مادة لقي.

(10)       لسان العرب مادة لقي.

(11)       الأدب الجاهلي، د.غازي مختار طليمات، وعرفان الأشقر، دار الإرشاد حمص 1993م

(12) القارئ في النص: نظرية التأثير والاتصال. د. نبيلة إبراهيم:  مجلة فصول المصرية، المجلد5، العدد1، 1984، ص103

(13) المرجع السابق

(14) http://www.odabasham.net/show.php?sid=6623

(15) http://www.ofouq.com

(16) نظرية التلقي، روبرت هولب ص10-11.

(17) طبقات فحول الشعراء، ابن سلام 1/52.

(18) المصدر السابق

(19) المصدر السابق

(20) مفتاح العلوم للسكاكي ص169.

(21) لسانيات النص. محمد خطّابي. ص: 13 ط بيروت 1991

(22) تلقي النص الديني دراسة أصولية. أمين صالح. إسلامية المعرفة السنة العاشرة، ع: 40. ص: 17

(23) المرجع السابق ص: 16-18

(24) المرجع السابق ص: 20

(25) المرجع السابق ص: 33-34

(26) مدخل إلى علم لغة النص. وولف جانج، ديتر. ترجمه: سعيد حسن بحيري، ص: 133 ط: القاهرة

(27) تلقي النص الديني. أيمن صالح، إسلامية المعرفة ص:30

(28) المرجع السابق ص32

(29) المرجع السابق ص: 33

(30) المرجع السابق ص: 35

(31) المرجع السابق ص: 35

(32) المرجع السابق ص36

(33) المرجع السابق ص: 37

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . جمادى الأولى – جمادى الثانية 1428هـ = مايو – يوليو  2007م ، العـدد : 5–6 ، السنـة : 31.

Related Posts