الأدب الإسلامي
بقلم : الأديب الإسلامي معالي الدكتور عبد العزيز عبد الله الخويطر
الرياض ، المملكة العربية السعودية
الجهل سبّة تلحق بالمرء فتسوِّد صفحته، والجهل ظلمة تنتشر في نفسه فتعميها؛ والجهل نقص يلحق بالإِنسان فيفقد معه ميزات، ويجني أضرارًا، لا يتمنى عاقل أن ينزل بساحته، أو يحل قريبًا من داره، أو يرى له وجهًا، أو يلبس له ثوبًا؛ يبتعد العارف منه ابتعاد السليم من الأجرب، والصحيح من السقيم، يُحارَب بلا هوادة، ويستعان عليه بكل سلاح، يأتي دون عناء، ولا يُقْضى عليه إلا بالتعب؛ وإذ هو ظلمة فدواؤه النور، والنور يكمن في العلم، يكمِّل به الإنسان نفسه، فيبعد الجهل، وكل خطوة يخطوها يضيء شمعة تساهم في تبديد دُجُنَّة الجهل، وكل لبنة في التعليم والتعلم تقوض بناء فيه، وتهدم لبنة في صرحه .
والأمية جهل ، ومحوها بالتعليم، وقليلون هم الذين لم يعطهم الله موهبة التعلم، والقدرة على الكسب الذهني، والاستيعاب الفكري ؛ لأن عقولهم كدّة بالفطرة؛ أما أغلب الناس فعندهم الأرض الخصبة، المتعطشة للماء القراح، لتنبت البذرة المباركة فيها، فيسوق نبتها، وتخضر، ثم لا تلبث أن تؤتي أكلها بإذن ربها، ثمرة مباركة، بها يسير الإِنسان في الحياة على هدي، فتشرق المنافع في حياته، وتكسف شمس المضار.
ونجد في النصوص ما يشير إلى اهتمام الكتّاب بالجهل، ومحاذرته، ومحاربته، والتنبيه إليه، والتبصير به، فأحيانًا يأتون بالكلمة دالة على قصدهم، وينطقونها صريحة في النصوص التي ورثت عنهم، فتأتي حكمة يطلقونها، يهتدي بها المسترشد، ويستفيد منها ناشد العلم، وطالب المعرفة؛ ومما لحظوه في الجاهل، وهم العارفون، حيلة يقوم بها الجاهلون، يبنون عليها انتصارهم، وهو انتصار لايشرفهم :
>ومنها (أي خصال الجاهل) أن يناقل (يحادث) عادلاً وديعًا منصفًا له في القول، فيشتد صوت ذلك الجاهل عليه، ثم يُفلجه نظراؤه من الجهال حوله بشدة الصوت<.(1)
هذا فلج ضال عن جادة الصواب، ومجانب لصورة الحقيقة، وإذا كان اللجوء إليه من قبل الجاهل عن علم بفائدته له، ولجأ إليه عمدًا، واستعمله سلاحًا، فالأمر عجيب ؛ لأن مجرد التفكير كان مفروضًا أن يصرف للبناء لا للهدم ؛ ولكن الجهل لا يرحم صاحبه؛ وإذا لم لم يكن الأمر كذلك، وجاء الأمر طبيعة، وعادة تعود عليها المُلاَحي، فليس مع الجهل ملامة، فإنسان بهذه الصفة لا يدري ما يفعل؛ ولاشك أن الضحية في موقف يُرثى له؛ لأن حقه قد ضاع في غبار الجهل .
والجهل لا يقف أذاه عند صاحبه ؛ ولكنه يضر بمن يكون له صلة قرابة أو جوار به ؛ لأن مفعوله يسري ، وأذاه ليس له حدود يُضمن ألا يتعداها، وقد فطن الأولون لذلك ، ولعلهم اكتووا بنار قرابة الجاهل أو جواره، فأعطاهم هذا درسًا استفادوا منه، وسجلوه ليستفيد منه غيرهم، وتجربتهم جاءت عصارتها في القول الآتي:
>لا يؤمننّك شرَّ الجاهل قرابةٌ ولا جوار ولا إلف، فإن أخوف ما يكون الإِنسان لحريق النار أقرب ما يكون منها؛ ولذلك الجاهل إن جاورك أنصبك، وإن ناسبك جنى عليك، وإن ألِفك حمل عليك ما لا تطيق، وإن عاشرك آذاك وأخافك، مع أنه عند الجوع سبعٌ ضارٍ، وعند الشبع ملك فظ، وعند الموافقة في الدين قائد إلى جهنم؛ فأنت بالهرب منه، أحق منك بالهرب من سم الأساود، والحرق المخوف، والدَّين الفادح، والداء العياء<.(2)
ما يقول مثل هذا القول الحاد إلا رجل قد لُدِغ من جاهل لدغةً مميتة، وعانى معاناة شديدة، جعلته ينفث من صدره هذه النفثة، ويزفر هذه الزفرة .
ولأحد الشعراء تجربة مع جاهل وجهله، عاناها، وهي داء، فوجد لها دواء، يشفي منها، ويوقف مدها، ويقي نفسه شرها، يتحمل صدمتها بهذا الدواء، فيضمن الراحة بعد ذلك:
>قال أبو العباس الناشئ:
وإذا بُليتَ بجـــــاهل متحــــامــــل
يجد المحـالَ من الأمــــور صوابـــاً
أوليتُــــه مني السكــوتَ وربمـــــا
كان السكوت على الجواب جوابًا<(3)
ووضع بعضهم معيارًا للجاهل يعرفونه به، ووجدوا أن علامات الجهل تظهر على الجاهل، ويمكن أن يُعرَف بها، ويُستدل منها عليه، وقد تنفرد واحدة منها تكفي أن تَصِم الشخص، وتَسِمه بهذا الميسم، والخصائص الست حواها القول الآتي:
>كان يقال: ست خصال تُعْرَف في الجاهل: الغضب في غير شيء، والكلام في غير نفع، والعطية في غير موضعها، وإفشاء السر، والثقة بكل أحد، ولايعرف صديقه من عدوه<.(4)
كل خصلة من هذه الست الخصال قائمة على هدم قاعدة أو قواعد من الخلق، والأسس الحميدة التي تعارف عليها الناس، وتواصوا بها، وحافظوا عليها، وحاسبوا عليها؛ فالغضب في غير شيء تعدَّى أدنى درجات قبول الغضب، والتماس العذر لصاحبه؛ والحث عادة ينصب على قمع غائلة الغضب، والتغلب عليها، وحصره، والحث على عدم التصرف تحت طائلته، لما هناك من توقع الزلل، وما يتوقع من ندم. أما أن يغضب الإِنسان دون سبب فهذا عين الجهل .
والكلام وسيلة التخاطب، واختصاره وبيانه هدف العاقل إذا تكلم، ومحمدة من السامع إذا أصغى؛ والكلام وسيلة نفع يُكْتسب، أو ضرر يُدفَع ، وفخر المتكلم في أن يأتي قوله بالنتيجة التي قصدها، وحديثه يصل إلى الهدف الذي اتبغاه، أما أن يصبح القول هذرًا لا نفع فيه، فهو وصمة في وجه صاحبه .
والعطية تُعطى لِهدف، أما لتفكّ ضائقة حلت، أو جائحة نزلت، أو لتفرح قريبًا، أو تسر طفلاً؛ أو تبهج في يوم عيد، أو تطرب في يوم زواج، أو لتمهد لصداقة، أو لتمسح صدأً ران على قلب؛ أو لتزيل كابوسًا جثم على صدر، أو لتبدأ صداقة، وتبني أخوَّة، أماأن لاتجد لدى المُعْطَى مكانًا شرعيًا تستقر فيه، أو استقرت في غير موضعهاعنده، فإنها تكون نابية، وتدل على جهل صاحبها، الذي أعطى دواء لصحيح لايحتاج إلى الدواء .
والسِّرّ يقصد به الإِخفاء ليبقى سرًّا محتجبًا، فإذا أُفشي خرج عن موقعه، وفقد طبعه، ولم يعد سرًا، والسبب جهل مفشيه، وعدم تقديره للأمانة التي وُضِعت عنده ، والأمانة ثقيلة، لا ينوء بحملها بكفاءة وجدارة، إلا أناس وهبهم الله القدرة على مقاومة إغراء الإِفشاء، وهذا ليس سهلاً على كثير من الناس؛ وإغراء إفشاء السر ليس شعبة واحدة؛ ولكنه شعب متعددة، تهاجم من لديه السر كأنها رماح موجَّهة، ولا ينجو من الاستسلام لها إلا ذوو العزم .
والثقة غالية ثمينة، ويجب أن يشح بها الإِنسان، شحه بالجوهر النفيس النادر، ولهذا فالمرء يختار المكان الذي تستكن فيه الثقة بأمان، يحافظ عليها فيه، ويطمئن إليها ما دامت بحضنه، أما إذا أهمل في هذا الجانب، وتساوى الناس عنده، ولم يجر بينهم اختبار يحكم به على الصالح منهم والطالح؛ فإن الثقة تدخل حيز الإِهانة، وتخرج من طبعها كما خرج السر عندما أُفشي، وتصبح وصمة جهل.
والذي يعتبر الناس كلهم أصدقاءً، من يصلح منهم لذلك ومن لا يصلح، أو يعتبرهم أعداءً، بسبب أو بدون سبب، تصبح حياته شاذة، ولا يجد مكانًا مريحًا في مجتمعه، فإن وثق بصداقة من ليس مخلصًا في صداقته ارتطم يومًا ما بالواقع، وعانى الخذلان، ولا يعلم الضرر الذي قد يأتي به هذا الخذلان، وإن نزع ثقته من الناس أصبح في شك مستديم، وانعزل عن مجتمعه، والإِنسان بلا مجتمع كالسمك خارج الماء، ودخل حيز الجهل من أوسع أبوابه .
هذه الأقوال تتكلم عن مبدأ الجهل، وصفات الجهلاء، وسوف نرى عملاً كيف يضر الجاهل نفسه والآخرين، وكيف يجعل الأمر المستقيم معوَّجًّا، والمريح مُزْعِجًا، وكيف يعكس الأمور، ويقلب الحقائق، ويأتي بالمظلم في مكان المنير، ويتهم البريء، ويبعد عن الحق، ويقترب من الخَطل:
>سأل المأمون ثمامة: ما جهد البلاء؟
فقال: عالم يجري عليه حكم جاهل .
قال: من أين قلت هذا ؟
قال: حبسني الرشيد ، ووكل مسرورًابي<(5)، فضيق على الأنفاس، ثم قرأ يومًا: >والمرسلات<، فقال: ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِيْنَ﴾ (بفتح الذال).(6)
فقلت: إن المكذَّبين هم الرسل، ويحك !
فقال: كان يقال إنك قدري فما صدقت، لا نجوتُ إن نجوتَ .
فعانيت الموت، يا أمير المؤمنين<.(7)
مسرور هذا جاهل أصدر حكمًا على ثمامة بناه على دخوله السجن، ووسمه بميسم ترتب عليه أذى ثمامة، وضلله جهله، فزاد من أذاه منطلقًا من فكرته الأولى، فتأكد له أن نظرته كانت صائبة، وأن ثمامة يجب أن يعاني أكثر مما كان يعاني من قبل، وفي هذه المرة سوف تكون المعاناة لوجه الله، وهكذا الجهل ظلمات بعضها فوق بعض، ولُجج من الأذى تتراكم بسببها على الناس.
والجاهل كما قلنا أذاه يصل أول ما يصل إلى أقربائه وجيرانه؛ لأن نقص عقله لا يأتيهم بخير، ويصبح المجاور له مثل مَنْ بجانب نافخ الكير، يتطاير عليه الشرر، وتزكم أنفه الرائحة الكريهة. والجاهل بنقص عقله يُنقص عقل جليسه ومجاوره؛ لأنه لا يضيف فكرًا سليمًا، وإنما فكرًا سقيمًا، فالمجاورة لناقص العقل تنقص العقل، والجاهل ناقص عقل :
قال العتابي:
مجالسة الجاهل مرض العقل<(8).
فما يرجو رجل يجالس جاهلاً مثل الرجل في القصة الآتية إلا التدهور في المعرفة، والتدني في الفهم، فإذا لم يزد الجليس من معلومات جليسه، فإنه يعديه بصدإ الذهن، وقلة المحتوى، وتدريجًا يأخذ ذهنه في سلوك طريق غير موصلة، ويبتعد عن الملكة الصحيحة التي كان عليها:
>سمع بعضهم أن بردون فلان نفق فقال:
>والهفاه! كنت أرجو أن يكسد فيخسر<.
>ظن أنه من نفاق السلعة<.(9)
والجهل عذاب، كماحدث لثمامة من مسرور، للفارق بين الاثنين، وسوء حظ ثمامة، فلو كان الأمر بخلاف ما كان عليه، وكان مسرور تحت رحمة ثمامة، لم ينله ما أنزله مسرور بسجينه. ولقد أدرك أبو الأسود الدؤلي الفطن هذا فقال:
>إذا أردت أن تعذب عالماً فأقرن به جاهلاً<
وأذى الجسم يسهل عند أذى الروح، فأذى الجسم يُحتَمل؛ لأنه كما قال أحدهم تحتمله أعضاء الجسم مجتمعة، أما أذى الروح فليس معها من يحمل عنها، فيقع العبء على عاتقها، وينهك قوتها .
وأمثال مسرور في خلطه الأمور عندما يكون الأمر متصلاً بالدين، والتهم والصفات التي تأتي من الجاهل في هذا المقام قاتلة، وهذه القصة الآتية تري حالة من الحالات التي تراكبت فيها طبقات الجهل:
>شهد سلمى الموسوس عند جعفر بن سليمان على رجل فقال:
هو – أصلحك الله – ناصبي، رافضي، قدري، مجبر، يشتم الحجاج بن الزبير، الذي هدم الكعبة على علي بن سفيان .
فقال له جعفر :
لا أدري على أي شيء أحسدك ! أعلى علمك بالمقالات ، أم على معرفتك بالأنساب؟
قال: أصلح الله الأمير – ما أُخرجت من الكتاب حتى حذقت هذا كله<(10).
وتأثير الجاهل الأحمق على عقل المجالس يشهد عليه شاهد عدلٍ، لكلمته وزن، ولقوله معنى، ولرأيه صدى، عُرفت عنه الحكمة، والقول السديد، صادق في نظرته، متبصر متدبر فيما يمر به، مقامه يوجب احترامه، ومركزه يوجب إعطاء رأيه حقه من القبول، وهذا قوله:
قال الأحنف :
>إني لأجالس الأحمق ساعة فأتبين ذلك في عقلي<(11).
هذا يؤكد ما يشعر به الإِنسان عندما يجلس مع جاهل، يقوم منه ولم يربح شيئًا إن لم يخسر أشياء، خلاف ما يحصل عليه من جلسته مع عالم ينضح بالعلم، لا مناص لِمُجالسه من الخروج بفائدة أضافها إلى ماعنده، أو ملاحظة أبداها عدّلت أمرًا معوَّجًا لديه، وحسنت مما عنده مما كان شيئًا .
والفطرة إذا كانت سليمة حمت الإِنسان من الجهل وموبقاته، ووضعت سدًا منيعًا بينه وبين الخطأ، أو الوقوع في مصائد الزلل. ونعمةُ العقل هبة يمنّ بها الله – سبحانه وتعالى – على الإِنسان، ويهيء له أسباب نموها وصقلها، فهي لا تخص خلقاً بعينه، أوجنسًا عن جنس، وهذا أعرابي علمه من بيئته، اهتدى بفطرته التي حباه الله بصفائها، عندما خير بين أمرين، اختار الأصلح منهما. ولم يكن جاهلاً يقع في مصيدة الأغراء اللامع؛ وتبين من قوله أنه لم يجازف بالجواب عندما سُئل، وإنما بناه على عقل وبصيرة:
قيل لأعرابي أيسرُّك أنك أحمق، وأن لك مئة ألف درهم؟
قال: لا.
قيل: ولم؟
قال: لأن حمقة واحدة تأتي عليها، وأبقى أحمقًا<(12).
وقيل إن المسؤول أعرابي صغير السن .
والفطرة السليمة تهدي كثيرين إلى مثل هذا، وقد يختلف أحدهم عن الآخر في التعليل كما في القصة التالية :
>قال أبو تمام:
قلت لرجل من أهل الكوفة: أيسرك أنك جاهل ولك مئة ألف درهم؟
قال: لا.
قلت: ولم؟
قال: لأن يُسْر الجاهل شين، وعسر العاقل زين، وما افتقر رجل صح عقله<.(13)
والجهل مثلما يكون في الفرد يكون منتشرًا في مجموعة، مثلما حدث في قوم موسى، عندما انساقوا مع السامري، وعبدوا العجل، ومثلما حدث لبعض الصحابة، وهم حديثو عهد بالإِسلام، عندما طلبوا من الرسول ﷺ أن يجعل لهم ذات أنواط، كما كان للمشركين ذات أنواط، والرواية تأتي كما يلي:
>قال الإمام أحمد :
حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، عن سنان بن أبي سنان الديلي، عن أبي واحد الليثي، قال:
خرجنا مع رسول الله ﷺ قبل حنين، فمررنا بسدرة، فقلنا: يا رسول الله ، اجعل لنا هذه ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط؛ وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة، ويعكفون حولها .
فقال النبي ﷺ : الله أكبر، هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى :
﴿اجْعَل لَّنَآ إِلَـٰـهًا كَمَا لَهُمْ ءَالِهَةٌ﴾.(14)
إنكم تركبون سنن الذين من قبلكم<(15).
ولعل هؤلاء الذين طلبوا هذا كانوا من بين الصحابة الذين اعتنقوا الدين الإِسلامي حديثًا، ولم يتشربوا روحه، وكنه العقيدة، ويعرفوا شُبَه الشرك، وحقائقه.
والفطرة السليمة منعت أناسًا في الجاهلية عن الخنا، وصرفتهم عن تدني الخلق، صانوا أنفسهم عما يعيب الفكر، وينتقد عقل الإِنسان، فتحصنوا بالعقل السليم، فدلهم على طرق مكارم الأخلاق، فتمسكوا بها، وصارت لهم نهجًا. هذا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وهو من تبين سلامة فطرته، يروي سَيْرَهُ في أيام الجاهلية فيتبيّن منه تجمع علامات الرجولة :
>قيل لعمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أخبرنا عن أيام جاهليتك؟
قال: ما داعبتُ أمة، ولا جالستُ إلا لُمَة (رفقة)، ولا دأبت إلا في حمل جريرة، أو خيل مغيرة؛ وأما أيام الإِسلام فكفى برغائها مناديًا<.(16)
فعمر وأمثاله، ممن وهبهم الله العقل العامل الناضج، لايتصور بحال من الأحوال، وهذا سيرهم في الجاهلية، أن يفكروا بذات أنواط!
والجهل مُرعِب، وظهور علامته مُفزِع، والعاقل يسرع ببناء الحصون أمامه، ما رأى له علامة، أو أحس منه باقتراب، والقصة الآتية تُرِي سرعة التحصن عندما أحس شخص أنه بحاجة إلى التقوّي أمام بادرة جهل عابرة، ولم يركن إلى الضعف، ولم يغلبه الحياء، ولم تركبه عقدة نفس، بل برز للميدان، وشمر ساعده، ونجح في تثبيت كلمة في ذهنه، صححت خطأ، وأزاحت كلمة أخرى، وحلت محلها :
>قال أمير لأعرابي، وقد رأى معه ناقة، فأُعْجِب بها: هل أنزيت عليها:
قال: نعم، أيها الأمير، قد أَضْرَبتُها.
قال: قد أضربتَها ، قد أحسنت حين أضربتَها ، نِعْمَ ما صنعت حين أضربتَها .
قال: فجعل يرددها، فعلمتُ أنه يريد أن ينقف بها لسانه<.(17)
* * *
الهوامش :
- الأدب الكبير: 175.
- الأدب الكبير: 177.
- بهجة المجالس : 2/431 .
- بهجة المجالس : 2/537.
- في تاريخ بغداد: (سلام الأبرش) بدل سرور .
- سورة المرسلات ، الآية : 15.
- ربيع الأبرار: 1/619 .
- ربيع الأبرار: 1/633 .
- ربيع الأبرار: 1/632.
- ربيع الأبرار: 1/633. قارن هذا بما جاء في البيان والتبيين: 2/872 .
- ربيع الأبرار: 1/644.
- ربيع الأبرار: 1/654.
- ربيع الأبرار: 1/655.
- البصائر: 4/161.
- سورة الأعراف، الآية: 138.
- قصص الأنبياء لابن كثير: 318.
- البصائر: 2/30.
- ربيع الأبرار: 1/652.
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ربيع الثاني 1428هـ = مايو 2007م ، العـدد : 4 ، السنـة : 31.