كلمــــة العــــــدد
القراء الكرام الذين يتابعون قراءةَ ما أكتبه حول ما يُسَمَّى بـ«الشرق الأوسط» – ولا سيما ما ظلتُ أكتبه باللغة العربية – يعلمون جيّدًا أنّى ظلتُ أُحدِّدُ ملامح القادة والساسة المحسوبين على الإسلام الذين ظلّوا عملاءَ أمريكا والغرب في وضع المخططات الصليبية الصهيونية موضعَ التنفيذ في هذه المنطقة الإسلامية الأصيلة .
إن أمريكا – التي صارت منذ وقت ليس بقصير خادمةً وفيّة طيّعة للموساد والصهيونية العالمية بشكل لا يُوْجَدُ له نظير في الماضي – بدهائها ومكرها اللذين تتقنهما إتقانًا لا تتقنه أيُّ دولة معادية للإسلام على ظهر البسيطة تُلاَحِظُ بدقة في عملائها من القادة المسلمين – إلى جانب «الصفات المحمودة» الكثيرة – أن يكونوا بحيث لاتقدر شعوبهم المسلمة أبدًا أن تدرك أنهم عرب مسلمون بالصورة والشارة وأمريكيون غربيون بحقيقة التفكير وواقع العمل والسلوك ؛ بل على العكس من ذلك يكونون بحيث إن الشيء الكثير من تعاملاتهم تؤكد لشعوبهم أنهم «أُسْدُ الله» وأنهم «مجاهدون من الطراز الأول» وأنهم سفينة نجاة وحيدة للأمة ، يتمتعون بقدر كبير من القدرة على قذف إسرائيل وأمريكا في البحر أو محوهما من الوجود محوَ أطفال الابتدائية للأخطاء الإملائية والكتابية من أوراق دفاترهم .
ما نُفِّذَ في العالم العربي وفي خارجه في الماضي من المؤامرات والدسائس ضد الإسلام والمسلمين وما يُنَفَّذُ منها الآن وما يُخَطَّط منها للتنفيذ في المستقبل ، نُفِّذَ – و يُنَفَّذُ – مُعْظَمُه عن طريق هؤلاء القادة والحكام المسلمين «المجاهدين» «الأبطال» . إنّ هؤلاء أنفسهم قد لا يَفْطَنُون أنهم مُوَجَّهُون ومُوَظَّفُون من قبل فرد أوجهة أو دولة وأنهم يُؤَدُّون بدون شعور منهم دورًا سلبيًّا خطيرًا للغاية ضدّ كل من وطنهم وشعوبهم ودينهم . وقد يدركون ذلك بعد مضيّ وقت ، ولكن فرصة تلافي ما اقترفوه من أخطاء رهيبة تكون قد فاتتهم ، وفرصة العودة إلى الوراء – ولو خطوةً واحدةً – لم تعد بإمكانهم ؛ حيث إنهم يكونون قد وقعوا في فخّ الاصطياد الذي حبيسُه لايكون إلاّ مُرْغَمًا مُسْتَضْعَفًا لايعود بإمكانه أن يقول أو يفعل شيئًا بإرادته .
وقد يحدث – في القليل النادر – أن القادة العملاء المُسْتَخْدَمِين يعلمون منذ بداية المشوار أنهم قد «أُكْرِمُوا» بمنحهم «منصب» العمالة ، فهم يَتَبَاهَون باعتلائهم المنصبَ ، ويظلّون يتمتّعون بالنعم المُتَاحَة ويتقلّبون فيها مالم تنتهِ أيام «شهر العسل» (Honey moon) ولم تشأ السنّة الإلهيّة أن يذوقوا الثمار المُرَّة التي تؤتيها العمالة بالتأكيد في نهاية الأمر، والتي لايذوقونها هم وحدهم كنتيجة حتميّة سلبيّة مقابل عمالتهم التي قاموا بها ، وإنما تضطرّ كذلك أن تذوقها شعوبهم وأبناءُ وطنهم وديانتهم . وعندما تأتي هذه المرحلة يكون الوادي قد طَمَّ على القُرَىٰ ويكون السيل قد بَلَغَ الزُّبَىٰ ، وتكون أيدي الأيام الغلاّبة البطّاشه أمسكت بأعناقهم . وعندها لايُطْحَن القمحُ فقط وإما يُطْحَن معه السوس كذلك ؛ لأن المؤامرين قد تَوَخَّوْا ذلك أيضًا منذ أن بدؤوا في نسج المؤامرة .
* * *
والجزء الثاني من هذه المقدمة اللازمة أن الإبقاء على إسرائيل وتحصينها ، والسيطرة على منابع الثروة الطبيعية – التي على رأسها النفط لحدّ الاكتشافات التي تمت لحد اليوم ، وهو كحبل الوريد في التجارة والصناعة في العالم – ظلاّ في مقدمة الأهداف التي ظلّتْ تودّ أمريكا والغرب تحقيقها في دول الشرق الأوسط .
إن العراق ومصر والشام وباكستان وأفغانستان تمتاز فيما بين العالمين العربي والإسلامي بأنه إذا تمكنت من تنمية قدراتها العسكرية للحد المطلوب ، وحالف قادتَها وحكامَها التوفيقُ الإلهي أن يسيروا في اتجاه «الحرم» لا في اتجاه «الدير» فانها تستطيع أن تواجه القوى المعادية للإسلام مواجهةَ الند للند بل مواجهةَ القويّ للضعيف ؛ لأن مسلمي بعض هذه الدول يمتازون بالغيرة الدينية والحمية الإسلامية ، بينما يتّسم مواطنو بعضها بالشجاعة والبراعة في فن الحرب ومواجهة الخصم ، وشعوب بعضها يفوقون شعوب غيرها في العدد. ومن هنا ظلّ المسلمون في هذه الدول شوكة في عيون أمريكا والغرب والصهيونية العالمية بصفة خاصّة ، وظلّت القوى المعادية للإسلام تستشعر منهم مخاوف مجهولة ، فمازالت تحول دونهم ودون تأهلهم عسكريًّا . وإذا شعرت بأنهم يريدون أن يخطوا خطوة نحو جهة تنمية القدرات العسكريّة ، فإنها تضع عراقيل لا تُزَال في طريقهم إلى ذلك ، وإذا عزموا على تخطّي العراقيل تهجم عليهم عسكريًّا أو تفرض عليهم الحظر الاقتصادي والتجاريّ متسترة بما يسمى بالأمم المتحدة ومجلس الأمن ، فتدمرهم وبلادهم عن آخرها . كما حدث مرارًا مع جمهورية مصر العربية ، والعراق ، وكما صنعت محتمية بأحداث 11/9 مع كل من أفغانستان وباكستان – التي صارت الآن بين المطرقة والسندان – والعراق الذي سيظلّ يَلْهَس جراحه لوقت لايعلمه إلاّ الله، وباقي الدول المسلمة تنتظر دورها للتدمير والتأديب! .
* * *
حكام الدول الإسلامية والعربية ذوو الأسماء العربية البراقة والألقاب الإسلامية الفضفاضة ، جلُّهم أو كلُّهم عبيد موالون صادقو الولاء لأمريكا – التي قَرَّرَتْ مواجهة الإسلام والمسلمين لوقت أطول وبشكل يجمع بين الأسلوبين التقليدي وغير التقليديّ – وبعضهم مضطرون على كره منهم أن يقبّلوا عقب أمريكا ويكونوا رهنَ إشارتها لكي يُتَاح لهم أن يحتفظوا بالبقية الباقية من «عزّهم» المزعوم ؛ لأنهم «مُكرمُون» لكونهم «جلساء الملك» وإلاّ فإنهم لن يجدوا من يُعَزِّيهم في المجتمع الإسلامي العربي إذا نبذوا طوقَ العبودية لأمريكا من أعناقهم .
لقد كان صدام حسين – غفر الله هناته التي كانت غير هيّنات – حلقةً قوية في هذه السلسلة الكريهة للعبودية للغرب وأمريكا . إنه ظلّ يمهّد السبيل – عن شعور في بعض المواقف وعن غير شعور في بعض الفترات – لتنفيذ المخططات الأمريكية الإسرائيلية الصليبية الصهيونية ؛ فقد أتاح لأمريكا بتصرفاته الخرقاء ومواقفه المجنونة أن تتجمع عسكريًّا وتتخذ قواعد عسكريّة في منطقة الشرق الأوسط عبر البرّ والبحر بسرعة لم تكن بحسبانها هي ، حتى تمكنت من صنع ما تصنعه اليوم مع العراق فعلاً، وتودّ أن تصنعه مستقبلاً مع غيره من دول هذه المنطقة العربية الإسلامية التي هي الإرث الإسلامي الأصيل لاغير .
إن الحرب العراقية الإيرانية الطاحنة التي استمرت 8 سنوات وحصدت أرواح أكثر من مليون ونصف مليون من أبناء العراق وإيران فيما بين عسكريين ومدنيين ، وكلَّفت الطرفين بلايين الدولارات ، كانت خطوة أساسيّة عملاقة في اتجاه إزالة العوائق عن طريق نفاذ المخططات الأمريكية الإسرائيلية . إنّ أمريكا استغلت هذه الفرصة التي أوجدتها هي الاستغلالَ الشامل ، فلم تمد العراق وحده بدفعات متتابعة من الأسلحة والعتاد وإنما زوّدت بذلك كذلك – بشكل سرّيّ للغاية – إيران أيضًا كما شحنت الأسلحة إلى عدد من الدول العربية المجاورة مخيفة إيّاها من مغبة الهجوم الإيراني عليها فيما إذا انهار العراق في مواجهتها ؛ فامتصت الشيءَ الكثيرَ من الثروة العربيّة إلى جانب الثروة العراقية والإيرانية ؛ حيث حرّضتهما على إطالة الحرب ؛ حتى يتم استنفاد قدراتهما العسكرية واستنزاف قوتهما البشرية ، لكي يتحقق ضمان بقاء إسرائيل وحدها قوية لاتُغَالَب .
وما إن وضعت الحرب العراقية الإيرانية أوزارهــا ، وما إن تنفس الشعب العـراقي الصعداء ، وما إن ضمد هذا الشعب الجراح الغائرة التي أصابته من جراء الحرب ، حتى عملت الفتاة الفاتنة الجمال السفيرة الأمريكية اليهودية في العراق «APRIL GALASPIE» – التي إنما عُيِّنَت في العراق لمصلحة أمريكية إسرائيلية هامّة ، والتي سجّلت وسائل الإعلام في شأنها أن صدام حسين كان يُكْثِر من زيارتها في السفارة الأمريكية في ساعات المساء ، ويتشبّع بالاجتماع بها والتحادث معها – على تشجيع صدام حسين على ارتكاب الغلطة الكبرى في حياته ؛ حيث همست في أذنيه أن الكويت تسرق النفط العراقي من منطقة كذا التي تلاصق الحدود العراقية الكويتية ، فإن لم تتراجع الكويت من غلوائها وأصرّت على المضي في استخراج النفط العراقي ، وارتأى العراق أن يصفّى الحساب معها عسكريًّا إن لم تتم التصفية دبلوماسيًّا ؛ فإنّ أمريكا لن تعترض طريقَه ولا تحول دون إرادته ؛ لأن الصدام العراقي الكويتي في حالة حدوثه إنما يكون شأنًا عربيًّا داخليًّا .
وتَشَجَّعَ صدام حسين ، فهجم على الكويت – الدولة العربية الشقيقة المجاورة التي طالما ساعدته في الساعات الحرجة ولاسيّما لدى خوضه الحرب مع إيران – واحتلّها وقَرَّرَ أنه لن يبرحها . وهنا تدخلت الدّول العربية والإسلامية والقادة المسلمون والعرب وكبار الدعاة والمفكرين الإسلاميين كما تدخلت الأمم المتحدة المزعومة : وكلٌّ منها ضغط على صدام أن يسحب قواته من الكويت ، ويُنْهِي الاحتلال ، ويعود أدراجَه إلى حدوده المرسومة ؛ ولكنّه لم يستمع لقول ناصح و مشورة مخلص ، ولم يرتدع بتهديد . وفي جهة أخرى أوهمت أمريكا بصور مُزَيَّفَة ومناظر مُخْتَلَقَة الدولَ العربيةَ المجاورةَ. ولاسيّما المملكة العربيّة السعوديّة أن العراق يكاد يهجم على المملكة وعلى غيرها من الدول العربية الخليجيّة – لكي يحتلّها جميعًا ويضمّها إلى العراق كمحافظات منه – بجيشه الكثيف وقوته الحربيّة «الهائلة» . وها هي ذه صور حيّة تنطق بذلك . فارتضت جميعًا أن تُنْزِل أمريكا جيوشَها على ساحتها ، وتتخذ قواعد في برّها وبحرها. وبذلك تحققت لأمريكا أمنيتها التي كانت تتوخى تحقيقَها. وأعملت أمريكا – إلى جانب ذلك – دعايات مكثقة ضد العراق وسخّرت وسائلها الإعلامية التي تديرها الصهيونية العالمية لتوهم للعالم كلّه أن العراق يكاد يبتلع الدول العربيّة المجاورة . وأن خطوته هذه حرب على الحريّة والسيادة التي تدافع عنهما الأمم والدول الحرة المتحضّرة . وتمكنت أمريكا من أن تُكَوِّن ائتلافًا عالميًّا من ثلاثين دولة طلبت منها كل مساعدة مادّية وعسكرية ولو بشكل رمزيّ يشي بأن العملية ضد العراق عالميّة وليست أمريكية إسرائيلية وحدها ؛ فملأت جنبات دول الخليج ولاسيّما المملكة العربية السعودية بجيوشها وآلاتها الحربية الجهنمية وببوارجها وحاملات طائراتها العملاقة . وبذلك تنجّست هذه الأراضي العربية الإسلامية بالتواجد العسكري الصليبيّ الصهيوني، وكانت لتظل مُطَهَّرة منه دائمًا .
وكانت هذه أول فرصة في العصر الحديث هجمت فيه دولة عربية مسلمة على دولة عربية مسلمة مجاورة واحتلته ، فأوجدت خليجًا عميقًا بين الصفوف العربية ، شقّ على العقلاء ردمه بأيّ شكل من الأشكال . وقد رأت عيناي من عجائب الزمان ما أدهش العالم ، حيث إن الائتلاف الصليبي الصهيوني نشط ليحرِّر دولة عربية مسلمة من دولة عربية مسلمة ؛ فقام تجمع عسكري صليبيّ صهيونيّ هائل لم يُعْهَد مثله في الماضي قط ، استغلّ فرصة تحرير الكويت ليستعبد العرب كلهم لأمد طويل لايعلم نهايته إلاّ الله . وعندما أوقفت أمريكا عمليتها العسكريّة المدمرة ضد العراق يوم 28/ فبراير 1991م علم العالم أنها لم تسفر فقط عن مقتل 25 ألف عراقي ما بين عسكريين ومدنيين وعن إصابة 75 ألف من أبناء العراق ، بل تحطمت كليًّا القوة العسكرية لدى العراق واستنزفت اقتصادها بشكل جعل شعبه مفلسًا .
* * *
وكانت هذه هي الفرصة الأولى التي أصيب فيها صدام حسين بعزلة كليّة نهائية عن العرب أجمعين ؛ حيث استشاطوا غضبًا ضدّه . وعاد كريهًا لدى العرب والمسلمين كمثل بوش اليوم لديهم . وكثرت حوله الأقاويل والانتقادات اللاذعة ، وكُتِبَت آلاف من الصفحات بكل لغات الدنيا ، تحدثت عن صدام حسين : الطفل الشقي ، والغلام الضائع، والشابّ الضاري بالدماء ، الحريص على اتخاذ أشنع خطوة ضدّ رفاقه وزملائه ومعاصريه ، ممّا جلعه يتسلّق على السلطة والحكم في العراق .
صَدِّق أن صدام لو جَدَّ ، وقام بهجوم عسكريّ على إسرائيل بدلَ أن يهجم على الكويت ويحتلها ، فإنّه مهما لقي الخسائر ، ولم يحقق انتصارًا، لكان محبوبًا لدى العرب والمسلمين ، ولعُدَّ بطلاً غير عاديّ ، و لظنت الأمة المسلمة أن القدرات العسكرية العراقية التي طوَّرها صدّام وُضِعَت في موضعها الصحيح ، ولاسيّما لأن صدام ظلّ يطلق أقاويل عريضة فيما يتعلق بتدمير إسرائيل ومحوها ، سرّت القطاع العريض من الشباب العربي المسلم العاطفيّ ، وأسكرته طويلاً ؛ حيث علّق على صدام آمالاً عريضة في هذا الشأن ؛ لكنه انخدع بمقالة أمريكا المعسولة واحتلّ الكويت ، وأصرّ على البقاء فيها وضمّها إلى العراق كمحافظة منه ، فأكّد شقاءه ، ووضع وطنه وشعبه وأمته العربية في قدمي أمريكا بشكل لا تكاد تتخلص من مخالبها القوية في الوقت البعيد أيضًا . بل إن هناك قيودًا وأغلالاً للعبودية لايعلمها إلاّ الله ، تكاد أمريكا تضعها في عنق كل من الدول الإسلامية إحدى بعد أخرى .
إن أمريكا وَظَّفَت صدام بأسلوب جعلها تصيد عصافير كثيرة بحجر واحد ؛ فمهّدت الطريق إلى استخراج النفط من كل من برّ وبحر العرب وجسومهم ، تمهيدًا لايدعه يَوْعَرُ لأجل طويل . وكانت الفرصة الأولى التي نشأ فيها بين صدّام وبين أمريكا عداء ثابت وكراهية شديدة لم تزايل صدام حتى أُعْدِمَ شنقًا بظلم صريح سجّله التاريخ بحروف من سواد في سواد .
ولم تكتف أمريكا بتحطيم العراق لهذا القدر من خلال عمليتها العسكريّة الرهيبة ، وإنما فرضت عليه الحصار الاقتصادي الشامل محتمية بما يسمى بمجلس الأمن . ودام الحصار عبر 12 عامًا ، عانى من أجله النقص الغذائي الرهيب الذي جعل الأطفال يموتون من عدم وجود الحليب والأدوية اللازمة . وسجّلت وسائل الإعلام أن نحو مليون طفل عراقي لقوا مصرعهم من قلة الغذاء والدواء . ثم نَفَّذَت أمريكا مسرحية تفتيش الأسلحة العراقية ، وظلّ المفتشون المنتمون إلى الأمم المتحدة يغدون ويروحون بين أمريكا والعراق سنوات ، حتى سئم المجتمع العالمي من ذلك . وكان تفتيش الاسلحة حيلة نهائية لمعرفة أن العراق لم تعد لديه أية قوة عسكريّة يستطيع بها إصابة أمريكا بشوكة فضلاً عن أن يجابهها . وعندما تأكدت أنه – العراق – عاد ضعيفًا هزيلاً لايحتمل صَدْمَةً أو دَفْعَةً ، هجمت عليه مرة ثانية منطلقة من خلفيات أحداث 11/9، مُدَّعِيَةً أن لديه أسلحة دمار شامل تُدَمِّر أمريكا والعالم خلال ساعات . وقد خالفتها في ذلك كل من الأمم المتحدة ، ودول العالم جلّها باستثناء عدد قليل منها ، وقامت ضدها مظاهرات واحتجاجات حاشدة لم يشهد العالم نظيرًا لها في الماضي والحاضر ، حتى إن قائد مفتشي الأسلحة أيضًا أكدّ أن العراق ليس لديه سلاح يُذْكَرُ فضلاً عن أسلحة دمار شامل ، فلا مبرر للعملية العسكرية ضدّه .
ولكنّ بوش كان مدفوعًا بالغضبة العارمة ضد صدام كان يتقلّب على الجمر ليثأر منه لأنه اتخذ صورة والده على أرضية المدخل الرئيس في فندق الرشيد ببغداد ، حتى يطأها المارة بأقدامهم، بالإضافة إلى كون بوش سكران بعاطفة تحقيق جميع المهمات التي فاتت أباه بوش الأب لدى خوضة الحرب الخليجية الأولى التي أوهم بشأنها أنها حرب تحرير العراق ، وكانت في الواقع حرب التجمّع العسكري الأمريكي في منطقة الخليج لتحقيق هذه المآرب الصليبية الصهيونية التي يجري تحقيقها حالاً والتي التبست على السذّج من المسلمين والعرب لدى «حرب تحرير» الكويت . وقدم علم القراء آنفًا أن احتلالَ العراق للكويت هو الآخر لم يتأتَّ إلاّ بإيعاز من أمريكا .
* * *
لم يكن لصدام حسين لدى هذه الحرب الخليجية الثانية (التي خَاضَهَا – ولا يزال – بوش ضدّ العراق وشعبه ودينه وعقيدته والتي بدئت يوم 20/ مارس 2003م ، وأعلن بوش بشأنها يوم 1/ مايو 2003م أنها انتهت ، ولكننا نرى ويرى العالم كله أن ذَنَب أمريكا – أو قل إذا شئتَ : ذَنَب بوش – لم يكد يخرج من شق العراق حتى كتابة هذه السطور يوم السبت : 3/فبراير 2007م = 14/ محرم 1428هـ) إلاّ خياران لا ثالث لهما : (الف) أن يكون قد نزل لدى شروط أمريكا التعجيزية المهينة نظرًا لكون العراق مجهودًا مكدودًا بل مشلولاً من جرّاء الحرب المتتابعة والحصار الاقتصادي المتصل . (ب) أن يتنظر قابعًا في قصوره الفاخرة مداهمةَ الجيش الأمريكي المُمَدّ بالأسلحة المتطورة والآلات الحربية الفتاكة زاعمًا أنه سيدحره عاجلاً رغم كونه مفلسًا في القوة الحربية والقدرة العسكرية والأسلحة والعتاد ، وذلك إبقاءً على ماء وجهه . وقد أملى عليه جنونُه الطبيعيُّ (الذي جَرَّ عليه من قبلُ في حياته الواعية الطويلة كثيرًا من الأخطار والأهوال والعدوانات . وجعله يتجرع النتائج المنطقية المحتمه والمصائب المفاجئة التي اضطرّ أن يحتملها وأنفق في سخاء في التعامل معها أحسن جزء من قواه الشخصية والوطنية والشعبية) أن يرضي بالخيار الثاني ، ليناله المصيرُ الذي ناله . فكان كلُّ ما كان يتوقّعه العالم . على أن كثيرًا من شبابنا الغِرّ أحسنوا الظنَّ بصدّام كثيرًا لدعاويه العريضة الفارغة ، فانتظروا وقوعَ «معجزات حربيّة» من قبل الجيش العراقي، وظنّوا أنه سيدحر الجيش الأمريكي خلال أيّام ويدفنه في تراب العراق ؛ لأنهم قد قرأوا في الكتب الدينية أن الله عزّ وجلّ ينصر لامحالةَ المؤمنين بالرسل كما ينصر الرسل ولا يخذل أولياءه إذا واجهوا أعداءه. والحقائق الأرضيّة تمثلت في أن الجيش الأمريكي وذيله الذليل : الجيش البريطاني زرع كل شبر من أشبار مدن العراق وقراها وصحاراها بالقنابل المدمرة ، وغطّى أرضها بالجثث والأشلاء ، واحتلّ العراق عن آخره .
صحيحٌ أن مُعْظَمَ الدول في العالم لم تقف بجانب أمريكا في حربها على العراق ، وإنما أقامت ضدها احتجاجات ومظاهرات كبيرة لم يشهد العالم مثلها من قبل ، ولكن القادة والحكام ذوي الأسماء العربية الإسلامية البراقة لازموا الصمت ، وكانوا عونًا لأمريكا في هجومها على العراق واحتلاله ، وسمحوا لها بأن تقوم بعملياتها الحربية من أرضها ، ووفّروا لها المساعدة اللوجستية التي بدونها لم تكن لتخوض الحرب مع العراق .
غير أن الحلم الأمريكي بشأن العراق لم يتحقق كليًّا ؛ حيث لم يكن – ولن يكون بإذن الله – لقمةً سائغةً كما ظنت ، وذلك بفضل المقاومة العراقية الباسلة التي لم تكن بحسبان أمريكا . إن رئيسها بوش الابن كان قد حسب أن الطريق إليه سيكون مفروشًا بالأزهار والرياحين . إن بوش هجم عليه متذرعًا بأنه بملك وينتج أسلحة الدمار الشامل ، ولكنه لم يتمكن من التوصل ولا إلى أي سلاح دمار شامل . فلجأ إلى ممارسة الكذب والخداع والتلفيق ، واختلاق المبررات الجديدة لخوض الحرب ، عندما وجد المبرر الأوّل لم يسعفه . وسئم العالم ضراوتَه بالكذب واختلاق المبررات، حتى إن الأمريكان هم الآخرون عادوا يكرهونه للغاية ، حتى فقد شعبيته التي انهارت من قبل لحد أن ايًّا من الرؤساء الأمريكيين لم تنهر شعبيته لهذا الحدّ .
وسمح بوش لإخوانه الصهاينة ليصنعوا ماشاؤوا في العراق . وكانت مهمتهم الأولى اغتيال العلماء والمهندسين والأطباء حتى يعود العراق مفلسًا في هذه الطبقة المحترمة التي يحتاج إليها كل بلد من بلدان العالم احتياجًا أشدّ، ومهمتهم الثانية إثارة العصبيات العرقية والعداوات القبلية والطائفيّة ، حتى يتم تقطيع هذا البلد القوي المتماسك الذي ظلّ على هذه الصفة عبر قرون طويلة . وذلك لكي لايبقى بعدُ أيّ خطر على إسرائيل التي تودّ أمريكا أن تكون أقوى عسكريًّا من جميع الدول العربية المجاورة والمواجهة . وأفادت الأنباء أن أكثر من 600000 عراقي قتلوا فيما بعد إعلان بوش نهاية الحرب في 1/ مايو 2003م . وأصبح العراق مسرحًا للتقتيل العشوائي ، والإبادة الجماعية ، والتعذيب في السجون العلنية والسرية، وانتهاك الأعراض الإسلامية والحرمات العربيّة . إن إضاعه الأرواح البشرية بهذا السخاء لم تُعْهَد في العراق في تاريخه الطويل الذي كان دمويًّا في كثير من فترات التاريخ .
* * *
وفي جهة أخرى قتل الجيش الأمريكي في مواجهة دامية يوم 22/ يوليو 2003م في المدينة العراقية «الموصل» ابني صدام حسين : عديّ وقصيّ . أما صدام فاختفى بعد سقوط بغداد ، وكثرت حوله الإشاعات ، حتى أعلن الجيش الأمريكي أنه قبض عليه يوم 14/ ديسمبر 2003م . ويوم 19/ أكتوبر 2005م رُفِعَت ضده الدعوى بتهمة قتل 148 شيعيًّا في مدينة «الدجيل» وأدين بقتلهم يوم 5/ نوفمبر 2006م وصدر الحكم عليه بإعدامه شنقًا ، ورجع صدام إلى محكمة الاستئناف لكن المحكمة الجنائية العليا ببغداد رفضت الاستماع لطلبه ، وأيّدت الحكم عليه بالإعدام شنقًا خلال ثلاثين يومًا . وذلك يوم 26/ ديسمبر 2006م الموافق السبت 4/ من ذي الحجة 1427هـ ، فتمّ إعدامه شنقًا في عجلة مفاجئة مستغربة في الهزيع الأخير من الليلة المتخللة بين الجمعة – والسبت : 29-30/ ديسمبر 2006م الموافق 9-10/ من ذي الحجة 1427هـ . وكان اليومُ اليومَ العاشر من ذي الحجة ، وكان ملايين المسلمين يؤدون شعيرة الحج بمنى . وكانت الأمة المسلمة مشغولة بأداء ركعتي العيد وتقديم الأضاحي للنحر والذبح ، إذ تسامعوا بنبأ إعدام صدّام شنقًا ، فصاحوا في العالم كله بصوت واحد : إنه أُعْدِم ظلمًا وعلوًّا واستكبارًا في الأرض ، فلهجت بلايين الألسنة بالدعاء له والدعاء على بوش وزمرته الظالمة وعلى عملائه الشيعة في العراق .
وفي اليوم الثاني صرّحت وسائل الإعلام أن عملية الإعدام تمّ تنفيــذها بحضــور الزعيم الشيعي النشيط مقتدى الصدر الذي كان قد غطّى وجهه ورأسه بنقاب أسود على شاكلة الجلاّدين ، وأنه تم تبادل النقاش الحادّ المؤلم مع صدّام وتعييره بأخطائه الماضية، كما أن جثته بعد الإعدام تُلُوعِبَ بها وأُسِيْء إليها ، كما دلّ على ذلك الصور التي التُقِطَت لدى الإعدام وبعد الإعدام عن طريق كاميرات الجوّالات ، والتي نشرتها الصحف ووسائل الإعلام العالمية .
إنّ العالم أجمع على أن إجراءات المحاكمة ضد صدام كانت ظالمة غير عادلة . وقد قُتِل أو أُوذِي خلال الإجراءات عددٌ من محاميه وقضاته، واستُبْدِل قاضٍ كرديٌ بقاضيه دونما مبرر، اللهم إلاّ المبرر الذي يتمثل في أن يأتي الحكم ضد صدام على هوى بوش وعملائه الشيعة . وإعدامُه شنقًا في الصباح الباكر من يوم النحر العظيم كان إساةً إلى شعائر المسلمين ومشاعرهم، وتظاهرًا بأن الأمريكان وأذنابهم لا يحترمون شعائر المسلمين ، وأنهم يقدرون على أهانة أي قائد مسلم في أي مناسبة إسلامية محترمة .
وكانت المناسبة الأولى التي نال فيها صدام حسين القتيل الميت من الحب والاحترام ما لم ينله في حياته قطّ . وقد يجوز – والغيب علمه عند الله وحده – أن يكون الله قد أراد مغفرة سيئات صدام الكثيرة الكبيرة ، لأن الله الغفور الرحيم قد يُوجِدُ بلطفه وكرمه من الحيل ما يغفر به زلاّت العبد . وقد روى سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سمع النبي S يقول : قال الله تعالى : يا ابن آدم ! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أبالى . يا ابنَ آدم! لوبلغت ذنوبك عَنَاكَ السماء ثم استغفرتني، غفرتُ لك . يا ابنَ آدم ! إنّك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لاتشرك بي شيئًا ، لأتيتُك بقرابها مغفرةً» (رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح) .
إن صدّام حسين – والغيب عند الله – أمضى أوقاته الأخيرة من حياته بحيث يبدو أنه تاب إلى الله وآمن بأنه لن يغفر الذنوب إلا الله: عندما أحيط علمًا بأنه الآن وبعد قليل سيُعْدَم شنقًا ، فاغتسل ، وارتدى ملابسه ، وصلّى ، وتلا القرآن ، وأمسك بنسخة من المصحف الشريف ، ثم أُرْكِبَ سيارةَ مسؤولين عراقيين مزعومين ، وجيء به إلى الزنزانة المظلمة التي أعدم فيها ، فصعد إلى خشبة الإعدام واثقًا بنفسه هادئًا ، غيرَ هائب ، وظلّ قويًّا ، وأشار بيده اليمنى أن يسلم المصحف الذي حمله إلى فلان الذي سمّاه ، ثم كبّر ثلاثًا سمعه الحضور الخبثاء الذين شهدوا الموقف . وهذه تصرفات إيجابية جميلة صدرت من صدام في آخر لحظاته من حياته، و قد سجّلتها وسائل الإعلام العالمية .
* * *
إن صدام حسين حكم بالكرباح ، وأدار السلطة بالعنف ، وأضرّ كثيرًا شعبَه بطوائفه وقطاعاته المختلفة ، وارتكب أخطاءً خطيرة ، وسبّب خسائر لا تُعَدُّ للأمة العربية والإسلاميّةِ ، ومعظمُ رعاياه كَرِهَه ، لأنه عمل بمقياس للعدل والظلم اخترعه هو ، بينما اكتفى بالتهديد والتحدّى القولي فقط تجاه إسرائيل وأمريكا ، ولم يحاول أن يصيبهما بشوكة ؛ وأخيرًا قام بالهجوم على دولة عربية مسلمة شقيقة واحتلّها ، فحوّل العرب خصمًا عنيفًا له .
وعندما أُعْدِمَ شنقًا كان طبيعيًّا أن يطير فرحًا الشيعةُ الذين كانوا يبغضونه لكونه سنيًّا – على علاته الكثيرة التي أشرنا إليها – وكذلك فرح كثيرًا السنة الذين تأذّوا مباشرة باحتلاله للكويت أو بأسلوب حكمه . ولكن النصيب الأكبر من الفرحة إنما فاز به بوش وأولياؤه الصليبيون الصهاينة ؛ حيث شعروا أنهم استبدلوا بالإخفاقات في العراق الانتصار الحاسم بقتل صدام حسين ، لكنهم عما قريب أدركو أن المسرة الحقيقية لاتزال بعيدة عنهم كل البعد ؛ حيث إن إعدام صدام لم يغيِّر من وضعية القضية شيئًا ، وأن العنف قد تصاعد جدًّا ، وأن الكراهية ضد بوش وأمريكا اشتدّت .
إن أكبر وأول درس يفيض به إعدامه – كما أكّد جميع الصحفيين والإعلاميين والكتّاب بلغات الدنيا كلها – هو مُوَجَّهٌ إلى القادة والحكام المسلمين والعرب الذين لايزالون عملاء أوفياء لأمريكا ، ويشكّلون ذريعة قويّة مباشرة لنفاذ المخطط الصليبي الصهيوني في المنطقة ، بل هم منصرفون إلى إزالة جميع المتاريس عن طريق نفاذ المخطط ، وهم سكارى بالعاطفة الجيّاشة لأن يبيعوا أقدس القيم الإسلامية والشعائر الدينية مقابل أغراضهم الدنيوية الرخيصة ، وهم من سرورهم البالغ تضخّموا بحيث لاتسعهم جلودهم. إن الفرصة ذهبيّة ومتاحة لهم لكي يفكّروا في الحقيقة . إنهم ليسوا – بالتأكيد – «أحمق» و «أغبى» وأشدّ جنونا من صدام حسين، وليسوا مُؤَهَّلاً تأهيلاً أكثر من صدام لجلد الذات ولضرب فؤوسهم على أرجلهم. ورغم ذلك عندما أدركت أمريكا أنه أصبح طاغيًا خارقًا لأوامرها ، ولايتعاون معها بنصاب مطلوب على تنفيذ المخطط الصليبي الصهيوني ؛ بل أصبحت تخاف منه أن يكشف اللثام عن كثير من الأسرار التي ظلت مكتومة لحد اليوم ، والتي تفضح بالتأكيد مخططاتها في هذه المنطقة ، فأعدمته بشكل عاجل جدًّا .
بعد ما قُبِضَ على صدام حسين ظلّ حيًّا مدة ليست بقصيرة ؛ فقد يقول قائل: لماذا لم يفضح الأسرار الأمريكية ؟ فالجواب : أنه ظل بعد القبض عليه تحت الحراسة الأمريكية ، وقد يجوز أن يكون قد تم غسيل مخّه ، وساعدها التقدم العلمي على أن يوظّف مخّ صدّام كما شاءت ، فلا يقول إلاّ ما يرضيها ، ولا يفصح إلاّ عما لايضرّها . إن العلم قد ساعد اليوم على التحكم في المخّ والعقل والقلب من بعيد بشكل أصبح يدهش السحرةَ الكبارَ الذين كانوا يومًا ما لا يتحكمون فيه إلاّ هم .
وليس هناك شيطان – حتى الشيطان الأصل – يكون أكثر شيطنةً من أمريكا وإسرائيل ، لأن الأستاذ بقي في حدّه وتقدم التلميذ فأصبح فوق تفكير الأستاذ .
* * *
لقد كان صدام جديرًا بأن يُؤَاخَذ ويُحَاسَب ويُعَاقَب ؛ لأنه كان خطّاءً ، وكان قد ارتكب جرائم كبيرة ، وحكم شعبه وبلاده بالقسوة والعنف والبطش والاستبداد ، وخلق أعداء أكثر من أن يخلق أولياء . ورغم ذلك كانت له حسنات اختفت تحت سيئاته ؛ فكان يستحق المؤاخذة والعقاب ؛ ولكن ذلك لم يكن حق أمريكا ، أو إسرائيل ، أو بريطانيا ، أو الصليبيين والصهاينة المحتلين للعراق الموغلين فيه نازحين من وراء البحار السبعة ، أو لعملائها في العراق من الشيعة ، وإنما كان ذلك حق شعبه وأبناء بلاده الأحرار ذوي السيادة المطلقة، وذلك في ضوء القوانين العادلة التي يرضاها الدين والأخلاق والعرف الدوليّ .
أما بوش فإنه وضع سنة سيئة للغاية ؛ حيث التجأ إلى قوته العسكرية وهجم على بلد مسلم دونما ذنب في حقه ، وقتّل أبناءه ، وشرّد أهله، وفتك بشبابه ، واغتصب فتياته ، وعَذَّب شعبَه، وكسر عظامه ، ودمّر اقتصاده ، ونهب ثرواته، وسيطر على كل مدخراته ، وقبض على رئيسه، وحَاكَمَه بالظلم ، وحَكَمَ عليه بالإعدام شنقًا ، ونَفَّذَ حكمَه في أقدس الأيام لدى الله: الأيام العشرة من ذي الحجة . فهل يسمح بوش أن أحد البلاد الإسلامية لدى تحصيله القدرةَ العسكريةَ اللائقةَ يهجم على بلده أمريكا ويقبض عليه ويعدمه شنقًا . إنّه اعتبر القوة هي المقياس للعدل ، فكيف يجوز له أن يمنع غيره أن يُعْمِلَ المقياسَ نفسه في شأنه هو وشأن بلده ؟!.
إن أمريكا بسياستها العدوانيّة الحاضرة لن تحقق هدفَ قتلِ ماردِ الإرهابِ الذي خرجت من جحرها في واشنطن لتقتله . كما أنه لن يحظى بالأمن الذي خرجت تبحث عنه ، إذا فرضت على غيرها اللاأمن والعدوان والظلم ، لأنّ القانون الديني العامّ يقول : كما تدين تُدَانُ.
(تحريرًا في الساعة 12 من صباح يوم الثلاثاء : 17/ محرم 1428هـ الموافق 6/ فبراير 2007م)
نور عالم خليل الأميني
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . محـرم – صفـر 1428هـ = فبـراير – مارس 2007م ، العـدد : 1-2 ، السنـة : 31.