كلمة المحرر

       منذ تفجيرات 11/ سبتمبر 2001م أَقْدَمَ بوش الابنُ على وصفِ الإسلام والمسلمين بأشنع الصفات التي ارتآها تـُشْبِع حقدَه الصليبيَّ ضدَّ الإسلام ؛ فالإسلامُ إرهابٌ والمسلمون إرهابيّون ، والتعليمُ الدينيُّ يُخَرِّجُ الإرهابيين ، والكتابُ والسنّةُ مَادَّتَان دَسِمَتَان لتعليم الإرهاب ، والمدارسُ والجامعاتُ الإسلاميّةُ مَفَارِخُ للإرهابيين ، والمسلمون غيرُ مُتَحَضِّرين ؛ فهم يحقدون على المُتَحَضِّرين الأمريكيين الغربيين نعمةَ التَّحَضُّرِ؛ فلابدَّ من «تحضيرهم» حتى يَبْرَؤُوا من داءِ الحقدِ ؛ فالعملياتُ العسكريةُ وغيرُ العسكرية التي طَالَتِ المسافةَ الشاسعةَ من العالمين الإسلاميّ والعربيّ والتي يخوضها بوش – فيما صَرَّحَ به بدوره – بشكل غير تقليدي وعلى جَبَهَات مَرْئِيَّة وغيرِ مَرْئِيَّة والتي لا تنتهي عاجلاً وإنما ستجري إلى أجل لايمكن تحديدُه !.. إنما تهدف من ورائها إلى «تحضيرهم» و «تنويرهم» !.

       ويوم الخميس 10/ أغسطس 2006م (15/رجب 1427هـ) أَعْلَنَتْ شرطةُ الأمن البريطانيّ – كما أفادت وكالات الأنباء – أَنَّها أفشلت مُخَطَّطَاتِ تفجيرِ الطائراتِ البريطانية المُتَّجِهَة لأمريكا خلال طيرانها في الجوّ، وأنها أَوْقَفَتِ العناصرَ الضالعةَ فيها . وبذلك أنقذت العددَ غيرَ المُحْصَىٰ من النفوس البريئة التي كانت لتذهب ضحيّةً للتفجيرات فيما لو تَمَّ تنفيذُها !.

       ورغمَ أنَّ عددًا من المُعَلِّقِين صَرَّحُوا أن مسرحيّةَ هذه المُخَطَّطَات هي الأخرى كانت كالمسرحيّات الأخرى الكثيرة التي تَنْسُجُها أمريكا والغربُ بتعاون من الصهيونية العالمية لصرف انتباه العالم عن قضيّة من القضايا الساخنة، ولاسيّما التي تُهِمُّ الأمةَ المسلمةَ . فهذه المسرحيةُ كذلك اُعِدَّت ونُفِّذَت لشغل العالم عن لبنان التي عَمَّها الحريقُ الذي أَشْعَلَتْه إسرائيلُ منذ الليلة المتخللةِ بين الأربعاء والخميس : 12-13/ يوليو 2006م (15-16/ جمادى الأخرى 1427هـ) ودَمَّرَتْ لبنانَ عن آخرها ، وقتلت أكثرَ من 1000 من اللبنانيين الأبرياء ، وألحقت بها خسارةً لا تُعَوَّض بالبلايين ، إلى جانب آلاف من الجرحى والمُشَرَّدين . وذلك بهدفِ سحقِ مقاتلي «حزب الله» اللبنانيّ ، الذي أخفقت فيه بنحو فَضَحَها أمام العالم وأَذهَبَ ريحَها. ولدى كتابة هذه السطور يوم الثلاثاء : 15/ أغسطس 2006م (20/رجب 1427هـ) أَكَّدَتِ الأَنْبَاءُ أنه تَمَّ وقفُ إطلاق النار من الجانبين ابتداءً من الساعة 10,30 بالتوقيت الهنديّ من يوم الاثنين 14/ أغسطس 2006م (19/ رجب 1427هـ) . وذلك طبقًا لقرار مجلس الأمن رقم 1701 الصادر مؤخرًا بهذا الشأن ، الذي تَعَرَّى انحيازُه لصالح إسرائيل أمام العالم ، والذي لم يَرْضَه العالم العربيّ إلاّ على كره منه اكتفاءً بالعمل بمبدء الخضوع لأهون البليتين .

       رغم ذلك استغلّ بوش الابنُ الفرصةَ لِيَصِف في نفس اليوم الذي أَعْلَنَتْ فيه شرطةُ الأمن البريطانية اكتشافَها لمُخَطَّطَات التفجيرات المُشَارِ إليها ، الإسلامَ بأنّه يتبنّى «الفاشيّةَ» وأن المسلمين «فاشيُّون» ، ولاسيّما الذين يواجهون «العالم المتحضّر» – يعني به بوش أمريكا والغرب – و«الفاشيةُ الإسلاميّةُ» فيما يرى بوش أخوفُ ما مُنِيَ به العالم اليوم ؛ فهي أكبرُ خطرٍ على الإطلاق يُوَاجِهُ العالمَ البشريَّ .

       و«الفاشيّةُ» (Fascism) كما يعرفه كلُّ مُثَقَّف حركةٌ أو فلسفةٌ سياسيّةٌ تُمَجِّد الدولةَ والعرقَ ، وتدعو إلى إقامة حكم أوتوقراطيّ (Autocrtic) مركزيّ على رأسه زعيمٌ دكتاتوريٌّ ، وإلى السيطرة على كلّ شكل من أشكال النشاط القوميّ . وكما يعلمُ الجميع إنّ الفاشيّة أوّل من تَبَنَّاها وبَلْوَرَها كان «مسوليني» (1883-1945م = 1300-1364هـ) الذي حَكَمَ إيطاليا في الفترة ما بين 1922-1943م = 1340-1362هـ وخاض الحربَ العالميةَ الثانيةَ التي استمرت في الفترة ما بين 1939-1945م = 1358-1364هـ وقوفًا بجانب «هِتلر» (Hitler) (1889-1945م = 1306-1364هـ) ذلك الزعيم الألماني النازيّ المعروف الذي كان زعيمَ الحزب الوطنيّ الاشتراكيّ وأَشْعَلَ الحربَ العالميةَ الثانيةَ التي التهمت الأخضرَ واليابسَ في المساحة الكبرى من العالم والتقمتِ النفوسَ البشريةَ التي لاتُعَدُّ ، وانتحر في حصار «برلين»؛ فما بكته سماءٌ ولا أرضٌ . وذلك عام 1940م / 1359هـ .

       فالفاشيةُ التي مُقَوِّماتُها الظلمُ والطبقيةُ الاجتماعيةُ والاقتصاديةُ ، والسياسةُ الوطنيةُ العدوانيةُ التي ترفض كلَّ نوع من الانتقاد والمعارضة والتصحيح ؛ إنما هي من صناعة الغرب ، وهو الذي صَدَّرَها إلى الخارج . ولم يدرج في الشرق أيٌّ من الفاشيين يداني فاشيَّة «مسوليني» في قليل أو كثير لحدّ كتابة هذه السطور، ولاسيّما في العالمين العربي والإسلامي اللذين يَمُجَّان عاجلاً أو آجلاً القادةَ والساسةَ الذين يَتَبَنَّوْنَ أيةَ نظريّة دكتاتوريّة مُتَطَرِّفَة تُمَاثِلُ الفاشيّةَ ، وبخرجان ضدَّهم – إذا وُجـِدوا – من خلال ثوره شعبية عارمة أو انقلاب سياسيّ أو عسكريّ يُطِيحُ بنظامهم مهما كانوا دُهَاةً .

       فمثلاً إذا حكم – من سوء الحظّ وشقاء الجدّ – قائد إرهابي فاشيّ مثلُ بوش الابن دولةً من دولنا الإسلاميّة فإنّ الشعبَ لن يحتمله ولا لأَيَّام؛ بل يخعله بالثورة عليه ، ولاسيّما إذا رآه يُبِيدُ شعوبًا بريئةً دونما ذنب تَنْأَىٰ ديارُها، ولم ترتكب قطّ ما يضرّه حالاً أو مآلاً ، ويُدَمِّر بِنَىٰ بلادِها التحتيةَ ، ووسائلَ عيشِها ، ويَهْدِمُ عليها مَنَازِلَها ، ويُحَوِّلُ الحياةَ جحيمًا عليها لا تُطَاق ، ولا يَتَوَقَّفُ بعد ذلك كله وإنّما يستهدف دولةً بعد أخرى ومنطقةً تلو منطقة بحجج يَخْتَلِقها وشواهدَ يُلَفِّقها. وبذلك وبغيره يجعل الجزءَ الأكبرَ من العالم عدوًّا له ولبلاده ومصالحه ، ولايُدْرِك خَطَأَه وإنما يَظُنُّه صوابًا ، ويُكَرّره لأنّه يَحْسَبُ أنه يُكَرِّر ممارسةَ عمل الثواب ! . إنّ شعبَ دولةٍ عندنا في الشرق الإسلاميّ لن يحتمل بحال من الأحوال مثل هذا القائد المعكوس الراكبِ رأسَه ، وإنّما يطرده فورًا شَرَّ طردة يكون عبرةً لغيره من القادة أمثاله الذين يَسْتَخِفُّون شعوبَهم في الغرب : المتضارب في أساليب حياته ، ونظام حكمه ، وتعامله مع الغير، وغروره وفجوره ، وشروره وسفوره .

       إنّ بوش الذي تَخَطَّى جميعَ الحدود في ممارسة الإرهاب والفاشيّة ، وإنتاجِ جميع أنواع الفساد في الحكم والأنظمة ، والعدوان ضدّ الشعوب العربيّة والإسلاميّة ، كيف لايَسْتَحِيي من وصف الإسلام والمسلمين بأسوأ الأوصاف وأشنع الألقاب؟ كيف يسوغ له أن يَضَعَ من حين لآخر نعوتًا وألقابًا قبيحةً ويُلْصِقَها بالإسلام والمسلمين وهو أَسْوَأُ قائد عَرَفَتْه أمريكا وأَفْشلُ رئيسٍ لهذه الدولة التي تحلم بالوصاية على العالم كلّه بطريقة غير شرعيّة .. حقّا إنّ بوش شَوَّه بنفسه صورتَه لدى الشعوب والأمم ، والشعوبِ الإسلامية والعربيّة بوجه أخصّ ، بتصرّفاته الخرقاء ، وعدوانه السافر ، وطبيعته الدمويّة ، وتلذّذِه بتقتيل الأبرياء وإهلاكِ الحرثِ والنسلِ .

       بوش الذي دَمَّر منطقةَ الشرق الأوسط واحْتَلَّ الدولَ العربيّةَ والإسلاميةَ ويستهدف الأخرى المتبقّيةَ منها ، والذي يُغْرِي إسرائيل دائمًا ، ويساعدها بكل الأساليب لتقتيل الأبرياء الفلسطينيين ، وتَعَدَّى كلَّ الحدود الوحشيّة عندما أَمَدَّ إسرائيلَ بالأسلحة الفتّاكة والقنابل المُدَمِّرة تدميرًا شاملاً خلال الحرب التي شنتّها ضدّ لبنان بهدف إبادة «حزب الله» وعندما حال دون توصّل مجلس الأمن عاجلاً إلى قرار وقف إطلاق النار؛ حتى تَكْسِب إسرائيل الوقتَ الكافيَ لتدمير كل لبنان وتقتيل العدد الأكبر من اللبنانيين وإفقاد لبنان جميعَ الوسائل الحياتية والبنى التحتية . وعندما تَأَكَّدَ أنّ إسرائيل حَقَّقَتْ كثيرًا من أهدافها في لبنان من وراء الحرب ، رَضِيَ بأن يُصْدِر مجلس الأمن قرارًا مشلولاً منحازًا إلى إسرائيل ومحافظاً على مصالحها بنحو أكبر .. بوش هذا كيف يسوغ له – إذا كان لا يزال من نوع الإنسان الذي يعي ويُفَرِّقُ بين الخير والشرّ والذي رُزِقَ العقلَ وحده من بين جميع الحيوانات – أن يصف الإسلام والمسلمين بالفاشيّة والإرهابيّة وما إلى ذلك من الألقاب السيئة التي يصوغها بإلهام من تفكيره السلبيّ الذي فُطِرَ عليه كما يبدو بسلوكه العام نحو الشعوب والأمم .

       العجيب أن بوش بعد ارتكابه السيئاتِ تجاه الإسلام والمسلمين ، وفَعْلِه الأفاعيلَ معهما ، واستمراره في الإساءة إلى الإسلام واستعباد العالم الإسلامي ، والنيل من مبادئ الدين الإسلاميّ ، واحتلاله للدول الإسلاميّة تلو الأخرى ، يتساءل دائمًا لماذا يَكْرَهُنا المسلمون ؟ . كان الواجب أن يُسَائِلَ بوش نفسَه بدل أن يُسَائِلَ غيره : لماذا يكرهنا نحن الأمريكانَ المسلمون ؟ حتى تقول له – نفسه – إذا بقيت لديها ذرّة من الوعي الإنساني والتعقّل البشري ولم تَفْسُدْ مادّةُ العقل لديها تمامًا : يكرهنا المسلمون لأنّنا لم ندّخر وسعًا في الإساءة إليهم ، والنيل منهم ، وصبّ الأذى عليهم ، وتناولهم من صنوف العذاب بما عشرُ معشاره يكفي لإثارة الكراهية المتناهية لدينا ضدهم إذا نَالَنَا منهم .

       والأعجبُ من ذلك أنّ بوش بدلَ أن يعترف بخطئه ، فينصرف عن تكراره لتصحّ سمعتُه ، وتجمل صورتُه لديهم ، ويزول قبحُ صورة الأمريكان في نظرهم ، لازال سادرًا في غلوائه ، مستهدفًا دينَهم وأصولَه ، ومنهجَ تعليمهم الدينيّ ، وأسلوبَ حياتهم ، وحضارتَهم ، ونظامَ حكمهم ، ودولَهم وثرواتِهم ، وأرواحَهم وممتلكاتِهم ؛ ولكنه في الوقت نفسه لايكتفي بالتساؤل : لماذا يكرهوننا ؟ بل يسير لتصحيح صورته وصورة الأمريكان طريقًا لاينفع أبدًا في الغرض الذي يتوخّاه مع استمراره في ارتكاب الجرائم ضد الإسلام والمسلمين بالقول والفعل معًا ، فهو ينشئ قنوات ويقيم إذاعات ويستخدم وكالات أنباء وصحافاتٍ بشتى اللغات ولاسيّما العربية لتصرخ هذه كلها بالمجموع : إن بوش إنسان سويٌّ وإن أمريكا أكثر تحضّرًا من كل مكان في العالم ، وإن الحضارة الغربية الأمريكية أرقى الحضارات كلها التي شهدها العالم البشري منذ بداية التاريخ حتى الآن ، وأنَّ مُمُثِّلِيها الغرب والأمريكان أناسٌ طَيِّبُون بكل المقاييس ، وإن المسلمين لايجوز لهم أن يَشْكُو الظلمَ الواقعَ عليهم من أمريكا وإسرائيل ؛ لأن ذلك يرجع إلى «ذنبهم» هم لكونهم مسلمين ملتزمين أي مُتَطَرِّفِين إرهابيين عاملين بالعنف غير «معتدلين» ؛ فليتحوّلوا «معتدلين» أي قابلين لإسلامٍ خليطٍ من بعض الإسلام وبعضِ غير الإسلام ، حتى يُسِيغُوا الحلالَ والحرامَ معًا ، ويتنازلوا عن أراضي فلسطين للصهاينة ، ويتنازلوا عن ثرواتهم في منطقة الخليج ، وحتى يتبنّوا الحضارةَ الغربيةَ بشرورها وويلاتها ، وأخيرًا حتى ينسلخوا من الإسلام إلاّ رسمه ومن حقيقته إلاّ اسمه . وهنا يرتفع عنهم كلُّ الظلم ، ويعودون غيرَ إرهابيين ! لعلّ بوش وأبناء دينه و بنو جنسه هكذا يُفَكِّرون ويَوَدُّون . فَلْيَعْلَمُوا أنّ ذلك لن يكون .

[التحرير]

(تحريرًا في الساعة :308 من الليلة المتخللة بين الثلاثاء والأربعاء : 20-21/ رجب1427هـ = 15-16/ أغسطس 2006م)

*  *  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . رمضان – شوال 1427هـ = أكتوبر – نوفمبر 2006م ، العـدد : 9-10 ، السنـة : 30.

Related Posts