كلمة المحرر  

       أكثر من مرة ونقلاً عن مصادر عديدة طلعت وسائل الإعلام – على حين إن معظمها مُوَجَّهة من قبل الصهاينة والمسيحيين أو العلمانيين – بتصريحات وتحليلات ودراسات واستطلاعات للرأي تؤكّد أنّ الأوضاع في العراق فيما قبل حرب أمريكا واحتلالها له لم تكن تستحق خوضَ الحرب ؛ وأن أمريكا أخطأت بإرسال قواتها إلى العراق . وهذه التحليلات والبيانات والاستطلاعات تشمل الأمريكان وغير الأمريكان . ومؤداها أن 54٪ من الناس يعتقدون أن بوش كذب وخدع وضلّل واختلق المبررات لشن الحرب وتدمير العراق ، وأن الأوضاع في العراق أسوأ من كل الاعتبارات مما كان من قبلُ على عهد صدام . وقد أجمعت عشرات من الدراسات والرؤى التحليلية أن بوش أكبر إرهابي في العالم ، ولديه قدرة غريبة على صناعة الإرهاب وتصديره، وعلى تحويل الدنيا أخطر مكان للجنس البشريّ ؛ وأنه مُوْلَعٌ بالدم ويتلذّذ بسفكه ولديه حقد على المسلمين لايمكن علاجه حتى يموت !.

       الغريبُ في الأمر أن هذا العالَم – العاقل المجنون في وقت واحد – لايفهم إلاّ لغةَ المصالح والأغراض . ومن هنا لايحارب الباطل ؛ بل لايعارضه معارضةً سافرةً رغم علمه بأنه باطل . وكذلك فلا يتحرّك لمحو الظلم مع العلم بأنّه ظلمٌ إذا وجد أن تحرّكه لمحوه يُعَرِّض مصالحه للضَّرر أو يضعه على الخطر؛ فهو يتحرّج إلاّ من العمل بأدنى درجة من الإيمان ، وهو الاعتقاد بكون الظلم ظلمًا في قرارة الضمير .

       عددٌ من الدول القويّة ذات الوزن العسكري والثقل السياسي في خريطة العالم ، فضلاً عن الدول الضعيفة المُسْتَضْعَفَة الكثيرة، تكره موقفَ أمريكا من الإسلام والمسلمين والعرب والدول الضعيفة ، وتعتبره مثيرًا للقلاقل وسالبًا العالمَ أمنَه ؛ ولكنّها لاتريد أن تصارحها بأن تنتهي عن اتجاهها الظالم وموقفها اللامعقول من الإسلام ومن الدول الضعيفة ، وإنّما تكتفي بالعمل بالمجاملة معها ، بينما تكون الضرورة واعية أن تقف منها موقف الزجر والملام الصارم ، حتى تُضْطَرَّ أن تراجع نفسها ، وترتدع ولو بعضَ الشيء عن شرها وعن الاستمرار في الاستجابة لدواعي غطرستها النابعة من قوتها العسكرية الكبرى الوحيدة .

       فالدولُ الأربع ذاتُ العضوية الدائمة في الأمم المتحدة المالكةُ لحق النقض في مجلس الأمن : بريطانيا وروسيا والصين واليابان تمارس النفاق دائمًا ، ولاسيما الصين وروسيا اللتان تملكان قدرات عسكرية غير مستهان بها ، وتحسب لهما أمريكا في الشؤون الدوليّة كلَّ حساب ، تتظاهران بمعارضة أمريكا في خصوص قضايا الشرق الأوسط والعالم الإسلامي ّ ولكنهما تنزلان أخيرًا بعد ما تمنيهما الأمانيَ عند رأيها في البطش بالعالم العربي وممارسة الظلم في حق الشعب الإسلامي . الأمر الذي يثير الاستغراب والتساؤل العريض في عقول المطلعين على الأوضاع العالمية وخلفيّاتها ؛ ولكن يزول الاستغراب والتساؤل عندما يعلمون أنّ العالم لايتفاهم إلاّ بلغة المصالح وتبادل أدوار الظلم ؛ فروسيا تودّ ممارسة الظلم في الشيشان مع الشعب المسلم ، والصين لها رغبة وحاجة ملحة إلى ممارسة البطش مع شعبها في كثير من نواحي الدولة ، وهناك أغراض أخرى تهم الدولتين ، وتحتاجان لذلك إلى غطاء شرعيّ من قبل ما يُسَمَّىٰ بـ «الأمم المتحدة» وإلى مساندة أمريكا وسكوتها بشأن ما تصنعانه من الاعتداءات وتخطّى الشرعيّة الدوليّة .

       أمّا حال الاتحاد الأوربي فهو أسوأ من الدولتين المذكورتين ؛ فهو مركوزةٌ في طبيعته العداء والازدواجيّة والنفاق وممارسة لعب القط والفأر تجاه كل شيء يتّصل بالإسلام والمسلمين . فهو لايودّ أن يتخطّى «الخطّ الأحمر» في الوقوف بجانب الإنصاف مع قضايا العالمين الإسلامي والعربي ؛ وإنما يرى المصلحة في اللجوء ابتداءً أو انتهاءً إلى التواطؤ مع أمريكا وإسرائيل في جميع الاعتداءات التي تمارسانها . من هنا وجدت أمريكا منه تأييدًا معنويًّا بشأن جميع الأفاعيل التي فعلتها ولاتزال في العراق وأفغانستان ، رغم ما يجزم العالم بكون رئيسها الحالي كذّابًا مخادعًا مُضّلِّلاً مرتكبًا جريمة تحويل العالم مكانًا غير مستقر محفوفًا بالأخطار، ولم يكن كذلك من ذي قبلُ ، أي قبل شنّه الحرب ضد ما سَمَّاه بالإرهاب ؛ فالإرهاب لم يكن في الماضي أقوى وأشرس منه الآن .

       وقد علم العالمُ أن الإرهاب السافر الذي لايقبل تأويلاً، والذي تقوم به أمريكا في الشرق الأوسط عمومًا ، وفي العالم بالأعمّ ، وفي العراق وأفغانستان ، وفي «غوانتانامو» ، وفي سجون العراق وأفغانستان ، وفي سجون سريّة في كل ناحية من نواحي العالم خصوصًا ، هو أشنع من جميع أنواع الإرهاب بالتأكيد ؛ وأن الإرهاب الأمريكي الإسرائيلي هو الذي يُوَلِّد الإرهاب والتطرف والعنف في كل مكان في العالم ؛ وأن الإرهاب الناتج من الإرهاب الأمريكي فرع للإرهاب الأمريكي الأصل ، وأن الفرع لن يُقْضَىٰ عليه مالم يتمّ القضاء على الأصل .

       ولكن من يتولّى القضاء على الأصل ؟ ومن يمسك بيد أمريكا عن ممارسة الإرهاب واللاشرعيّة والوحشيّة واللاعدل؟. إن الأمم المتحدة لازالت ولاتزال محطَّ أنظار الضعفاء دائمًا طمعًا في الإنصاف . ولكنها جارية مغتصبة مختطفة رهينة بيدي أمريكا وإسرائيل ، فهي لاتقدر على أداء دور بحرية واستقلال . وإنما تصنع ما تودّانه وما تمليانه عليها .

       فالمسلمون في حاجة إلى الاعتماد على سواعدهم ، وإعداد القوة التي تَرْهَبها كلٌّ من أمريكا وإسرائيل وغيرهما . الطريق طويلة ؛ ولكنها غير عصيّة على السالك الطموح الصابر المثابر .

[التحرير]

(تحريرًا في الساعة 10 من ضحى يوم الثلاثاء : 21/ جمادى الأخرى1427هـ = 18/ يوليو 2006م)

*  *  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . شعبان 1427هـ = سبتمبر 2006م ، العـدد : 8 ، السنـة : 30.

Related Posts