دراسات إسلامية

بقلم: الشيخ / رمضان عبد المطلب عثمان

شاءت إرادة الله سبحانه أن يكون الصيام فريضة الله إلى جميع خلقه عبر الأجيال وفي جميع الشرائع والأديان، ولم يأت في القرآن الكريم عبادة مثل الصيام نَصَّ الله (عز وجل) على فرضيتها على المسلمين كما فرضها على السابقين، قال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُوْنَ﴾ (سورة البقرة:183)، وما فرضية الصيام في جميع الشرائع إلا إشعار بوحدة الأديان في مصدرها: ﴿إنَّ الدِّينَ عِنْدَ الله الإِسْلاَمُ﴾ (سورة آل عمران:19) وأيضا فشرع الله لجميع خلقه واحد، وإن اختلفت بعض العبادات في بعض الشرائع قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ (سورة الشورى:١٣).

       وهذا يؤكد على فرضية الإيمان بالله عز وجل والتصديق بجميع الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وعدم التفريق بينهم كما قال الله عز وجل:

       ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ (سورة البقرة: ١٣٦)

       وما فرضية الصيام في الإسلام إلا لأنه عبادة السِّرِ بين الخالق والمخلوق، فهو أمانة بين العبد وربه، وقد شرعه الله عز وجل لتقوية الجانب الروحي في الإنسان، فهو وسيلة إلى صفاء النفس، وشفافية الروح، والتخفف من أثقال المادة، كما أنه تربية لقوة الإرادة، وخلق الصبر والاحتمال، ووقاية للإنسان من الاندفاع وراء الشهوات والملذات، وجُنَّة من عذاب الله كما جاء في الحديث الشريف: «الصيام جنة»(1).

       إنه تعويد على الفضائل، وتدريب على السيادة والقيادة قيادة النفس وضبط زمامها وكفها عن الأهواء؛ بل إنه التسامي بتلك القيادة إلى أعلى مراتبها كما أخبرالنبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لم يَدَعْ قولَ الزور والعملَ به فليس لله حاجةٌ في أنْ يدعَ طعامَهُ وشرابه»(2).

       والغرض من الصيام الوصول إلى مكارم الأخلاق والتحلي بالفضائل والآداب الإسلامية، فهو حرمانٌ مشروع، وتأديب بالجوع، وخشوعٌ لله وخضوع.

       وعلى الصائم أن يخلص في عمله، ويصدق في قوله، ويتحلى بالأمانة، ويبتعد عن الكذب والخيانة والغيبة والنميمة وكل ما يغضب الله حتى يكون صومه مقبولا، وأجره موصولا، وفي الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم: «رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع. ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر»(3).

       وقال بعض العلماء: كم من صائمٍ مُفطر، وكم من مفطرٍ صائم فالصائم المفطر هو الذي يجوع ويعطش، ويطلق العنان لجوارحه بارتكاب الذنوب والآثام(4).

       والمفطر الصائم هو الذي يأكل ويشرب، ويحفظ جوارحه من الشرور والآثام.

       ومافرض الصيام على العباد إلا لحكم سامية، وأسرار بالغة ومنها صحة الأبدان والأديان، والسمو بالنفس إلى درجات الكمال.

       وفي الأثر: «المَعِدَةُ بيتُ الدَّاء والحِمْيَةُ رأسُ الدواء»(5).

       وقد أثبت العلم الحديث أن الصوم يؤدي إلى تخلص المعدة من فضلات الطعام ممايساعد على تجديد النشاط، وفي الأثر: «صوموا تصحوا»(6).

       ويقول حجة الإسلام الغزالي (رحمه الله): «أعظم المهلكات لابن آدم شهوة البطن؛ فيها أخرج آدم وحواء -عليهما السلام- من دار القرار إلى دار الذُّل والافتقار، إذ نهيا عن الشجرة، فغلبتهما شهواتهما حتى أكلا منها فبدت لهما سوآتهما، والبطنُ على التحقيق ينبوع الشهوات وبيت الأمراض(7)، وفي الحديث الشريف: «ما ملأ ابن آدم وعاء قط شرًا من بطنه. بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه. فإن كان ولابد فاعلاً فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه»(8).

       ومن هنا كان الصوم علاجًا للنفوس من الآفات المهلكة وقد قيل: إنَّ المقوقس عظيم القبط أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم جارية، وطبيبًا، وبغلة(9).

       فتزوج النبي صلى الله عليه وسلم الجارية فولدت له إبراهيم عليه السلام، واتخذ البغلة مطيَّةً له، ومكث الطبيب عنده مدة طويلة لم ير فيها أحدًا يشكو مرضا!!

       فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: «مكثت فيكم مدة ولم يأتني مريض واحد»!.

       فقال له صلى الله عليه وسلم: «نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع».

       ومن أقوال لقمان الحكيم لابنه: يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة، وخرست الحكمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة.

       وفي التوراة: «اتق الله، وإذا شبعت فاذكر الجياع».

       والله ولي التوفيق.

*  *  *

الهوامش:

الحديث رواه البيهقي في شعب الإيمان، وذكره الألباني في ضعيف الجامع الصغير برقم 3577، ص522، طبعة بيروت، المكتب الإسلامي. ط ثالثة 1410هـ/1990م.

الحديث رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه ك. الصوم. ب. من لم يدع قول الزور حديث 1903 فتح الباري: 4/116.

الحديث رواه ابن ماجه في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه ك. الصيام. ب ما جاء في الغيبة حديث 1690، ج1/539.

انظر: عظمة الإسلام. محمد عطية الأبراشي 1/49 بتصرف القاهرة. مكتبة الأسرة 2002م.

ذكره العجلوني في كشف الخفاء 2/279 وقال: ليس بحديث وهو من كلام الحدث بن كلدة طبيب العرب.

الحديث أخرجه ابن السني، وأبو نعيم في الطب عن أبي هريرة رضي الله عنه وذكره الألباني في ضعيف الجامع الصغير برقم 453، ص512.

انظر: إحياء علوم الدين للغزالي 88/1484، القاهرة. دار الشعب. د. ت.

الحديث رواه الترمذي في سننه عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه وذكره العجلوني في كشف الخفا 2/260 برقم 2270.

انظر: في رحاب التفسير لفضيلة الشيخ عبد الحميد كشك 2/335، القاهرة. المكتب المصري الحديث 1987م.

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، رمضان – شوال 1439 هـ = مايو – يوليو 2018م ، العـدد : 9-10 ، السنة : 42

Related Posts