دراسات إسلامية

بقلم:  آصف إقبال القاسمي الجهان آبادي (*)

       خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان في أحسن تقويم، وصوّره أجمل تصوير وكرّمه أكمل تكريم، فشرّفه بالعلم والعمل ولقبه بأشرف الخلائق في الأرض، وأمر الملائكة بالسجود له عند خلقه من صلصال من حمأ مسنون، وقد جعله الله تعالى خليفةً له على الأرض، ومنحه العديد من المواهب والمزايا التي تميزه عن سائر المخلوقات والمكونات، فوهبه العقل الذي يميز به الصحيح والخطأ والمفيد والضار، والخير والشر، ووهبه القدرة على التفكر والشعور حتى يخوض فيما يُحيط به هذا الكون من الأفلاك والسيارات والفضاء والبحار والمعادن. وسخّر له هذا الكون وجعل كل ما فيه وحتى الملائكة لخدمتهم، واختار من هذه البرية المكرّمة صفوة من الأنبياء والمرسلين واجتباهم لهداية العلمين، وقد أعطى الإنسان حرية الاختيار في الكثير من الأشياء، فالإنسان قادر على اختيار ما يريد اتباعه أو ما يريد القيام به، ولهذا صار مسؤولًا ومحاسبًا وبه أصبح مكرمًا ومحترمًا، وكل ذلك هو من مظاهر تكريم الله للإنسان، واحترامه له وتفضيله على كل المخلوقات التي تشاركه العيش على سطح هذه الأرض. وإنما الكرامة الإنسانية كما ينص عليه الإسلام هي حقٌّ مشاعٌ، يتمتع به الجميعُ من دون استثناء وتقييد، فلايجوز لأحدٍ أن ينتهك كرامته ويخرق شرفه ومكانته المرموقة، ولا يمتلك أحدٌ أن يجـرده مـن كرامتـه التي أودعها إياه وجعلها من فطرته وصلبه، ويستوي في ذلك المسلمُ الذي يؤمن بالقرآن وبالسنة وغير المسلم من أهل الأديان الأخرى، أو من لا دين له، ولكي تصان هذه الكرامة وتحفظ هذه المنزلة، فقد شرع الله سبحانه للإنسان العديدَ من التشريعات والتوجيهات.

       وتعتبر «الكرامة الإنسانية» من أهم القضايا الإنسانية الحديثة لدى المنتديات الإنمائية والمنظمات الإنسانية الدولية، وتنال اهتمامًا واسعا من قِبل مؤسسات وهيئات المجتمع المدني والسياسي، وتتصور هذا المصطلح أساسا للقوانين العالمية العادلة لحقوق الإنسان وقضاياه، وتستند إليه الدساتير والتشريعات الحكومية الدولية في أيامنا هذا، وعيًا بأن الكرامة الإنسانية لابد من تفعيلها في المجتمع الإنساني النامي. فأول من أدخل مفهوم الكرامة الإنسانية في دستوره كما أفادت الموسوعة الحرة «ويكيبيديا»، هم الإيرلنديون (Irish People) سنة 1937م، وبالتالي جرتْ البلادُ الأوربية الآخرى وما سواها من الدول العالمية مجراها، وأثبتت قانون الكرامة الإنسانية في دستورها، لتمر القوانين من تحت سقفها، فتبقى أسمى من أن يعلو عليها قانون أو حكم، فهي منبع القوانين والدساتير للدول والمؤسسات في العصر الراهن أي عصر «الأيديولوجية».

       ولا مرية في أنّ الأديان والشرائع المختلفة قد أدت ولاتزال تؤدي دورًا هامًا في تهذيب النفوس الإنسانية وتحليتها بالكرامة والشرافة بدءًا من الأمر، ومن خلال هذه الأديان والشرائع هناك دين سماوي أبرز الكرامة الإنسانية بشكل لايضارعه ما سواه من الأديان، ألا وهو دين الإسلام، الذي نزل ليُلبس الإنسان لباسَ الكرامة والشرف الحقّ، ويرشدهم إلى المعالم الإنسانية البارزة الرامية إلى ذروة الكمال والنجاح، وللإنسان في هذا الدين مكرمة أسمى ومجد أمثل استنادًا إلى غرض تخليقه ومقصد حياته وتتطلعاته. وكان الإنسان -كما سجّل التاريخ- حيوانا حائرًا يتيه في الأرض بلا هدف نبيل، ونسي ما يقصد بحياته وغفل عما يُرام بوجوده من الأهداف والواجبات، فيلجئه الإسلامُ إلى البحث عن مكانه في الوجود كله، وعن مرتبته بين الخلائق الحية على هذه الأرض، ولقد ذُكِرَ الإنسان في القرآن بغاية المدح وغاية الذم في الآيات المتعددة، وفي الآية الواحدة، فلا يعني ذلك أنه يمدح ويُذم في آنٍ واحدٍ، وإنما معناه أنه أهل للكمال والنقص بما فُطر عليه من استعداد لكل منهما؛ فهو أهل للخير والشر؛ لأنه أهل للتكاليف(1)، فالإنسان أكرم الخلائق بهذا الاستعداد المتفرد بين خلائق السماء والأرض من ذي حياة أو غير ذي حياة، وإنما المعنى الموافق لسائر معاني الآيات، أن الجمع بين النقيضين في الإنسان ينصرف إلى وصف واحد، وهو وصف الاستعداد الذي يجعله أهلًا للرقى إلى أحسن تقويم، وأهلًا للتدهور إلى أسفل سافلين(2).

       وأما عن مفهوم الكرامة الإنسانية في الإسلام، فكما نعلم أن الإنسان في شريعة الإسلام الغراء هو محور الاهتمام ومنوال العناية؛ فلأجله جاء هذا الدين، وهو المخاطب به، ولحياته المكرمة جاءت أحكامه ملبِّيَةً لحاجاته، فهو فمكرَّمٌ من جهة خالقه لمجرَّد إنسانيته، وهذه قاعدة عامة في الإسلام، حيث كل تشريعات الإسلام المتعلقة بالإنسان تتوافق مع هذه القاعدة ولا تتناقض معها؛ بل إن كل ما يناقض هذه القاعدة من تشريعات تنشأ عن اجتهاد المجتهدين، تكون غير مشروعة(3). وهذا التكريم الإلهي الذي يعمّ الناس كافةً بصرف النظر عن أصله وفصله، ودينه وعقيدته، ومركزه وقيمته في الهيئة الاجتماعية مستمدٌ من قول الله عز وجل﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنٰهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنٰهُم مِّنَ الطَّيِّبٰتِ وَفَضَّلْنٰهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾(4). فالإنسان خُلق مخلوقًا مكرمًا، وهذه الكرامة هبة من الله عز وجل لا يجوز لأحد كائنًا من كان أن يسلبها منه، فالإنسان بنيان الله، وملعون من هدم بنيان الله بتنقيص كرامته وتجريد شرفه، فأكّد عليها بحيث لم يترك في نطاق إنسان بنفسه أن ينتهك كرامة أخيه ويخرق شرفه ومكانته المرموقة، تنبيهًا على أن الإنسان بجميع ما فيه من الأرواح والعقول والأجساد والأعضاء هو أمانة عظيمة لا يملكها الإنسان؛ و إنما يملكها خالقها، وهذه الأمانة وهبها الله للإنسان للاستفادة منها في الحياة الدنيا، فيمنع عن إهانة الجسد الإنساني وتذليله بشكل أوجب التعذيب على ارتكابه. ومما ينبغي أن نعلم أنه حينما يتطرق البيان إلى إبراز الكرامة الإنسانية ضمن الإرشادات الإسلامية، لا بد في سياقه من إيقاع الفصل بين الكرامة الإنسانية والمفاهيم التكريمية الآخرى كالشرف و العزة و الكبرياء و الشهرة و ما شابه من صيغ الافتخار والاعتزاز؛ لأن كل درجات المفاهيم المذكورة تُمنح للإنسان بعمل خارجي، وأما الكرامة فهي قيمة تولد مع تشكل الإنسان وتبقى معه حتى موته، ولافرق بين إنسان وإنسان في هذا الباب إلا بالتقوى، فكرامة السجين المجرم تعادل كرامة أي إنسان آخر في جوهره ولُبّه، وكرامة رئيس جمهورية أو ملك مملكة أو عالم تعادل نفسها لإنسان بسيط أمام قانون الكرامة في الإسلام(5).

       فقد جاء الإسلام ليؤكد على أصالة الكرامة الإنسانية، وليرسّخ في الإنسان إحساسه بكرامته، وليقوي تمسكه بها، وصونه لها، وذوده عنها؛ لإنها جوهر إنسانيته، ولُبّ بشريته، وأساس حياته. فقد راعت المبادئ الإسلامية تجاه الحياة الإنسانية أنه أكرم الخلق أجمعين في العالم وأنه يحمل الأمانة العظمى، وأنه مستخلف عن الله تعالى في الأرض، ليعمّرها وليقيم الموازين بالقسط، وليعبد الله وحده لايُشرك به أحدًا، فكان الإسلام باعثًا للكرامة الإنسانية، وحافظًا لها، بما جاء به من مبادىء سامية تصون للإنسان حرمتَه، وترعى كرامته.

       وقبل أن نتعرف على مظاهر الكرامة الإنسانية في الإسلام، نجدر أن نعلم الدلالة اللغوية للكرامة أولًا، ثم نأتي بشرح النصوص الدالة عليها، حتى تتوضّح أمامنا المعاني، ويتبين المفهوم السامي لهذه الكرامة. فالكرامة كما في المعاجم اللغوية هي الشرف، وكرامة النفس تَرَفُّعُها وتَصَوُّنُها، والكرامة كون الشيء عزيزًا، وتكرَّم فلان عما يُشينه(6). فقد ورد من هذه المادة في سورتَيْ الإسراء والفجر، فعلان «كرَّم» و «أكرم»، حيث قال ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنٰهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنٰهُم مِّنَ الطَّيِّبٰتِ وَفَضَّلْنٰهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾(7) وقوله ﴿فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلٰهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ﴾(8)، ويقول ابن كثير في تفسير هذه الآية «يخبر تعالى عن تشريفه لبني آدم وتكريمه إياهم في خلقه لهم على أحسن الهيئات وأكملها، فالآية دالة على أن اللهَ شرَّف ذرية آدم على جميع المخلوقات بالعقل، والعلم، والنطق، وتسخير جميع ما في الكون له ولخدمته»(9).

       وهذه الآية أساس لبيان الكرامة الإنسانية في الإسلام وبها تتفرع الأمور والرموز المتعلقة بها، ويمكن أن نجمل هذه التجليات والمظاهر في نقاط تالية من خلال استقراء الأدلة الشرعية الدالة على ذلك فيما يأتي:

مظاهر الكرامة الإنسانية في الإسلام:

       * القاعدة العامة في تكريم الإنسان في الإسلام هو تكريم للذات وتشريف النفوس الإنسانية، فقضت تشريعات الإسلام بأن الإنسان مخلوق مكرّم، وهذا التكريم يعمّ كما يدل عليه النص المذكور أعلاه البشرية قاطبةً  بدون تمييز بجنس أو لون أو عرق أو دين، أو أي داعٍ من دواعي التمييز التي يعرفها البشر، حيث قال: إن كل ابن آدم هو إنسان وكل إنسان مكرم في بنيته وخِلقته.

       * ومن تجليات كرامته في الإسلام أنه خلق الله تعالى إياه بيده ونفخه فيه من روحه، وهذالم يحصل لكائن آخر: ﴿إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سٰجِدِيْنَ﴾(10).

       * ومن مظاهرها أن الإنسان كرمه الله تعالى بتعديل القامة وامتدادها بحسن الصورة من بين سائر المخلوقات بقوله تعالى ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾(11)، وذكّره بإِحسانَ هذا الخلق، فقال تعالى: ﴿يٰأَىُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِى خَلَقَكَ فَسَوَّﯨٰﻚَ فَعَدَلَكَ فِى أَىِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾(12)، وإنما تشمل كلمة التقويم البنية الخارجية والداخلية معًا، ويعلم علماء تشريح الجثة بأن صورة الإنسان وما يرتديه من البنية الخارجية هي من أحسن الصور وأكملها بشرةً وقامةً كما قال تعالى ﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾(13) وكذا يُعتبر ما يُواريه الجسدُ من الأعضاء الداخلية من أقوى الأعضاء وأكثرها فعلًا ونشاطًا.

       * ومن كرامة الإنسان أنْ خلَقَه الله على الفطرة؛ قال سبحانه: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ الله الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾(14) ومعناه: أنَّه تعالى ساوى بين خلْقِه كلِّهم في الفطرة على الجبِلَّة المستقيمة، لا يُولَد أحدٌ إلاَّ على ذلك، ولا تَفاوُتَ بين الناس في ذلك.

       * ومن مظاهر الكرامة الإنسانية والحرية البشرية جعل الإيمان بالله أمرًا خياريًا لا أمرًا مفروضًا، فقال ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾(15) وأيضًا قوله: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾(16).

       * ومن مظاهر التكريم الإلهي تسليم وظيفة الخلافة إلى الإنسان على الأرض، وتعكس خلافة الإنسان فيها أسْمَى مراتب التَّكريم الإِلَهي، ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلـٰـئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾(17). والخلافة الإلهية هي أكبر كرامة وأعظم شرافة يتحلى بها الإنسان على الأرض، ولما كان الله تعالى متصفًا بصفات الكمال، إذًا لا بد أن يكون خليفته صاحب شرف وكرامة. وحينما أراد الله تعالى خَلقَ آدم، فقال تعالى خطابًا للملائكة ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾(18)، فأخبرهم بذلك على سبيل التنويه، كما يُخبر بالأمر العظيم قبل كونه، فقالت الملائكة سائلين على وجه الاستكشاف والاستعلام عن وجه الحكمة، لا على وجه الاعتراض والتنقُّص لبني آدم والحسد لهم، كما يتوهّمه بعض المفسرين(19)، فقالو: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء﴾(20)، فأجاب بقوله: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾(21)، أي: أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هذا المخلوق المسؤول المكرّم، وإنه سيوجد منهم الأنبياء والمرسلون والصديقون والشهداء والصالحون المكرّمون. ثم بيّن لهم شرف آدم عليهم بالعلم والمعرفة بقوله تعالى ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾(22).

       * إسجاد الملائكة له تكريمًا له وتشريفًا لذاته: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلٰئِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ﴾(23). فهذه أربع تشريفات: خلْقُه له بيده الكريمة، ونفخه فيه من روحه، وأمره ملائكته بالسجود له، وتعليمه أسماء الأشياء. وناهيك أن ندرك أهمية الكرامة الإنسانية بأن إبليس قد أصبح من الملعونين المطرودين بحيث أبى وامتنع عن السجود لآدم، وتجرأ على إنقاص بني آدم وازدرائه بهم، وترفعه عليهم خلافا للأمر الإلهي. والسجود لآدم هنا ليس عبادة له، وإنما هو تكريم وتبجيل لمخلوق، له خصائص فكرية وبيولوجية ونفسية لا توجد في مخلوقات أخرى.

       * ومما يدل على الكرامة الإنسانية هو تسخير ما في الكون لِخِدمة الإنسان، ولِتأدية واجبة الخلافة سخَّر الله تعالى للإنسان السَّماوات والأرض وما بينهما: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمٰوٰتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ﴾(24). وهذا الكون مسخر لهم لكي يعرفوا الله ويدركوا قدراته من خلاله، حتى يصل الإنسان إلى أعماق الأرض، وأن يستخرج المعادن ، وأن يرتفع إلى الفضاء، وأن ينتفع بكل ما في الأرض.

       * ومن أهم تجلياتها إلغاء الوساطة بين العبد وربه، تحريما لعبادة ما سوا الله تعالى من الأوثان والأحجار والأشجار والجبال والبحار والأشياء، وهذه الوساطة قد أفسدت التحنُّث والتعبُّد لله، وبها لم يغفل الإنسان عن عظمة الله وجلاله فحسب؛ بل حُرم إدراك القيم الإنسانية والكرامة البشرية، فمنع الإسلام عن هذه الانتهاكات، وحرّم السجود إلا لله، وحتى حرّم السجدة للتكريم كرامةً للإنسان وصيانةً ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾(25).

       * ومما يدل على أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي أنزل الإنسان منزل الكرامة والشرف الأسمى عبر التاريخ الإنساني هو تنزيل الوحي عليه؛ فالوحي الإلهي تكريم بالغ للإنسان من خالقه، لأنه يهدف إلى ما فيه من الخير والكرامة والعلو له. وكان الناس يعتقدون فيما قبل الإسلام، أن الإنسان ليس في فطرته ووسعه أن يتصف بصفات عالية، فأنكروا لكثير من الأنبياء والرُسل أن يكونوا من جماعة الإنسان، وجعلوهم أبناء لله كما في حالة يعقوب ودواود وعزير وعيسى ومَن عداهم من الأنبياء والمرسلين-عليهم السلام-، وكذا يعتقد الهندوس بالنسبة إلى أوليائهم ومرشديهم أن الألوهية قد حلّت في أجسادهم، فهم ليسوا بشرًا مثلنا، واقتفاءً بأثر آبائهم، عجب مشركو «مكة» من تنزيل الوحي على نبينا الخاتم محمد-صلى الله عليه وسلم- في قالب الإنسان وأنكروا رسالته، فقالوا: ﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ﴾(26) ويعنون أنه لو كان رسولا من عند الله، لَكان ملكا من الملائكة، وقال الله عز وجل ﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَرًا رَسُولًا﴾(27). ويُدرك كلُّ مَن له إلمام بالكرامة الإنسانية أن هذا الاتجاه الديني الباطل والمعتقدات والتقاليد الضالة، تجاه شخصيات بارزة قد وصف الإنسانية بالذُلّ والصَغار، ويجد جليًا أن الإنسانيــة لم تبلغ ذروة الكرامة ونهاية السعادة إلا بعد بروز الإسلام على مطلع الدنيا، فإرسال الرسل من بين جماعة الإنسان تكريم إلهي للإنسان وتشريفه بالرسالة(28).

       * ومنها إعطاؤه مالم يعط غيره من العقل الناقد المميِّز بين الحق والباطل الموصل إلى المعبود وأمره بالتفكر في ملكوت السماوات والأرض، وما خلق الله من شيء: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾(29). وإن الله وهب للإنسان العقل والإحساس والشعور ليدرك الغاية من وجوده، وليتأمل ما في هذا الكون من أسرار وبدائع هي آية في الجمال والاكتمال، وإن كل ما في هذا الكون يهدي إلى الإيمان بالله القوي القادر، والإيمان يهدي إلى الحق وبذلك يستحق التكريم والتفضيل.

       * ومما يدل على المجد الإنساني هو إنشاء النفس الإنساني كاللبنة الأولى في تكوين العالم، فعبّر عن أهمية النفس الإنسانية بعبارة تكن في حضنها معاني ضخمة حيث قال ﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾(30) وبشر بعذابه الشديد على إتلافه وإهلاكه، تنبيهًا على أن الإنسان بجميع ما فيه من الأرواح والعقول والأجساد والأعضاء هو أمانة عظيمة لا يملكها الإنسان؛ و إنما يملكها خالقها؛ ولذا حرّم الإسلام الانتحار وإتلاف النفس، فالانتحار خيانة في هذه الأمانة: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا* وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِيرًا﴾(31)، وقال عليه الصلاة والسلام: «لَزَوَالُ الدُنيا جمَيعًا أَهْونُ عَلَى الله مِن دَمٍ سُفَكَ بِغَيرِ حَقٍّ»  وفي رواية: «لَهَدْمُ الكَعْبةِ حَجرًا حَجرًا»(32)، وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح «أَنَّ مَنْ قَتَلَ نَفسَه بِحَديدَةٍ أو سُمٍّ أو إلقَاءِ مِنْ مَكَانٍ عَالٍ؛ فَهُو يُعَذَّبُ في النَّار خَالدًا فيهَا أَبَدًا عَلَى الطَريقَةِ التي قَتَلَ بهَا نَفسَه»(33)، وإبداءً لأهمية النفس البشرية وزجرًا للناس عن فعله كذا، لم يصلِّ النبي صلى الله عليه وسلم على ميت انتحر(34). فتبرز من خلال هذه النصوص الإسلامية أهمية الإنسان ومكانة وجوده في هذا الكون، وإنّ حفظ النفس البشرية وصيانتها من الضياع والهلاك هو من أول المقاصد العليا للشريعة الإسلامية، وإنه من الأربعة المهمة، يُسأل عنها الإنسان يوم القيامة، ورد في الحديث النبوي: لا تزول قدم عبد يوم القيامة، حتى يسأل عن أربع، و ذكر منها عن جسده فيما أبلاه.

       * ومن تكريم النفس البشرية جاء الحكم بتحريم الإجهاض من دون عذر موجب يستدعي ذلك؛ لأن الجنين نفس بريئة، والإسلام قدّس حق الحياة لكل ذوي الأرواح، وحتى الجنين الذي ينشأ من طريق حرام، لا يجوز لأمه ولا لغيرها أن تسقطه؛ لأن في ذلك هدر لكرامته(35)، وكذا أوجب احترامه حتى عند ظهوره ميتًا. 

       * ومن أجلى مظاهر الكرامة البشرية أن الإسلام لم يفرق في حق الحياة بين أبيض وأسود ، ولا بين شريف ووضيع ، ولا بين حر وعبد، ولا بين رجل وامرأة، ولا بين كبير وصغير، لأنّ هذا التكريم تكريم إلهي، وليس بسبب توافر خصائل مادية وتضافر عناصر مكسوبة؛ فقد ورد في الحديث «الخَلقَ كُلُّه عيَالُ الله وَرَعِيَّةُ الله»(36)، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم «كُلُّكُمْ بَنُو آدَمَ ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ »، وقال أيضًا بمناسبة حجة الوداع «لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، ولَا لِأَبيَضَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَبيَضَ إِلَّا بِالتَّقْوَى». (رواه البخاري ومسلم)

       * اعتنت شريعتنا الغراء بالإنسان أعظم عناية، واهتمت بكرامته أبلغ اهتمام، ولم تنته عناية الشريعة بالإنسان بانتهاء حياته؛ بل امتدت إلى ما بعد موته، وجعلت حُرمة الميت كَحُرْمة الحيّ، فحرَّمت أن يُوطأ قبره أو تُقضى عنده الحاجة أو تُوضع القاذورات بِقرب قبره، وتكريمًا للموتى أمر الإسلام بتغسيل الميت، وتكفينه، ودفنه، ونهى عن كسر عظمه أو الاعتداء عليه أو على جثته، فقد جاء في الحديث النبوي عنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ الله ﷺ قَالَ: «كَسْرُ عَظْمِ الْـمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا»(37)، وكذا نهى عن سب الميت والطعن عليه في حديثه عن عكرمة: «إيّاكُم أن تذكروا أباه بِشرٍّ فإنّ سَبّ الميّتِ يُؤذي الحيَّ ولا يَبلُغ الميّتَ»(38). 

       * وإثباتًا لمكانة الإنسان المرموقة في الإسلام منعت شريعتنا عن الحرق والتمثيل بالقتلى وهو تقطيع أعضاء المقتول كأذنيه وعينيه وأنفه، وإن كان المقتول من جماعة المناضلين في المعارك، وكذا حرّمت الانتفاع بأعضاء الإنسان والاستفادة بها لكرامته وشرف جسده، فلايجوز إيراد العقد عليه(39).

       فهل يوجد مثل هذه الإرشادات والتعاليم تجاه الكرامة الإنسانية في الأديان الآخرى من العالم؟ وهل يضارعه ما سواه من الأديان والمؤسسات والمنظمات في هذا الباب؟؟، وليس الجواب إلا بالنفي والإعواز.

أهمية الكرامة الإنسانية ومتطلباتها:

       وتزداد كرامة الإنسان أهميّةً وضرورةً في أيامنا هذا، ولقد أصبح الأمن والاستقرار مرهونين اليـوم أكثر من أي وقت مضى ببذل جـهود جادة لإقرار المسـاواة والتسـامح واحـترام الكرامـة الإنسانية وسيادة القانون في كل ناحية من أنحاء العالم؛ لإنّ من شأن الكرامة الإنسانية أنها تقود الإنسان إلى شعور الاحترام والعزة للنفس، ويحس بها بنو آدم القيم الإنسانية الداخلية الإيجابية، وبها يتحقق السِّلم والأمن والتعايش والازدهار في إطار النسيج الاجتماعي المتكامل. وإن الإحساس بالمهانة البشرية بسبب الاعتداءات والانتهاكات والجرائم الفظيعة وما إلى ذلك من أنماط عنفية من السلوك الإنساني السلبي، ويدفعهم إلى قعر الوعي التمردي والثوري.

       واهتداءً إلى التعاليم الإسلامية تجاه الكرامة الإنسانية، طفقت الأمم والشعوب والحكومات تهتم بإثبات الكرامة الإنسانية في القوانين واللوائح والدساتير والوثائق العالمية، مثل وثيقة اليونسكو وقرار الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وغير ذلك. وتُعد الكرامة الإنسانية اليوم الأساسَ الراسخَ في التشريع الدولي، ولكن الإسلام كرّم حق الحياة قبل أن تسمع الدنيا بحقوق الإنسان، وأوجب الكرامة الإنسانية قبل أن تتعرف عليها الدول والحكومات والمؤسسات العالمية، وتتفوق مظاهر الإسلام في هذا الشأن على جميع القوانين الوضعية والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وكرامته، فقد أكد الإسلام حرمة العرض والكرامة للبشرية قاطبةً مع حرمة الدماء والأموال أشد تأكيدًا، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلن في حجة الوداع أمام الحشود المجتمعة في البلد الحرام، والشهر الحرام، واليوم الحرام، فقَالَ :«فَإِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا»(40)، ومما يجدر الإشارة إليه أن الكرامة الإنسانية تعد من خمسة أصولٍ أرسل الله رسله للحفاظ عليها ووقاية شعوبها، بما لا يتنافى مع الفطرة السليمة والشرع القويم، وينسحب هذا المعنى إلى الماضي والحاضر والمستقبل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. والنقطة الفارقة بين المعيار الإسلامي للكرامة وبين المقياس القانوني أن الشعور بالكرامة الإنسانية في الإسلام قِوامُها الإيمان بالله سبحانه وتعالى ومِلاكُها الوحي الإلهي، وليس القوانين الوضعية.

       ومن لوازم حق الكرامة ومتطلباتها أن يحترم الإنسان كرامة الآخرين وألاّ يُؤذى إنسانٌ بآخر في حضرته، وألاّ يهان في غيبته، سواء كان هذا الإيذاء بالجسم، أم بالقول، فكما حرم الإسلام الإيذاء البدني، حرّم الإساءة اللسانية أيضًا من الهمز، واللمز، والتنابز بالألقاب، والسخرية، والغيبة، والشتم، وسوء الظن بالناس وما إلى ذلك من المعاملات المهينة الشنيعة. والضابط الرئيسي في احترام كرامة الإنسان كما أوضح الإسلام ، هو احترامه كإنسان، وليس لما يملكه من جاه أو مال، وليس لما يتمتّع به من صفات جسمية أو عقلية، وليس لما يتّصف به من مواهب وعطاءات. وكلّ الفروق البيولوجية والتاريخية بين الناس، هي فروق وهمية، لا أثر لها في قضية تمتّع الناس بنفس الدرجة من الكرامة.

       وأما الكرامة الإنسانية اليوم، فهيا ننظر إلى ما يسود العالم من ظروف راهنة ، وإلى ما تعيشه الأمة من أوضاع فادحة، نجد أن الكرامة الإنسانية قد مسها الضر في عصرنا هذا،أي-عصر العولمة-؛ فهي كرامة مهضومة، ومجروحة، وتضافرت عوامل كثيرة لتؤدي إلى هذه الحالة الأسوء من الانتهاك والإذلال والتراجع والخذلان. وعلى الرغم من أن الحضارات الحديثة الغربية تسيل بالإنسان إلى مضامير الحياة المتشعبة بموجاتها في التطور والتقدم والازدهار، وأدهش بها العالمُ بفيضان من الإبداعات والابتكارات، والإنجازات، ولكن تحيطها الحروب والشحناء وشاعت الدمار والفساد بها وألقت الناس على مسلك العنف والانتقام بدل مسلك العفو والاحترام، وقوّضت هذه الحضارات الحديثة الكئيبة بنية الكرامة وسلبت الطمانينة والقرار من مقلديها. وإن استرجاع الأمن وإنشاء التعايش السِّلمي يكمن في عودته إلى الشعور بالاحترام المتبادل، والتسامح والتعاون والاعتراف الواضح للكرامة الفردية والجماعية في إطار التضمامن الإنساني وهذا هو ما يدعو الإسلام إليه.

*  *  *

الهوامش:

(1)        الإنسان في القرآن للعقاد: 14

(2)        نفس المصدر: 16                 (3) الموافقات للشاطبي 5/416

(4)        سورة الإسراء، الآية 70

(5)        الإنسان والإسلام لـ على شريعتى: 199

(6)        المعجم الوسيط: 784 (7) سورة الإسراء، الآية 70

(8)        الفجر 15                         (9) تفسير ابن كثير: 3/57

(10)      سورة ص: 71-72               (11) التين : 4

(12)      سورة الإنفطار 6،7،8 (13) التغابن: 3

(14)      الروم: 30                          (15) الكهف: 29

(16)      البقرة: 256                       (17) البقرة: 30

(18)      البقرة:30                          (19) البداية والنهاية: (2/112)   

(20)      البقرة:30                          (21) نفس المصدر

(22)      البقرة:34                          (23) البقرة:34

(24)      لقمان: 20                        (25) البقرة: 186

(26)      الفرقان:7                          (27) الإسراء: 94

(28)      رحمة للعلمين للقاضي محمد سليمان سلمان المنصورفوري:3/369

(29)      سورة الزمر: 9

(30)      سورة المائدة: 32

(31)      النساء:29-30

(32)      سنن الترمذي 2/56

(33)      رواه البخاري : 5442

(34)      رواه مسلم:  978

(35)      حاشية رد المحتار على الدر المختار 3/ 176

(36)      رواه أبو يعلى  65/6

(37)      رواه أبو داود  1728

(38)      المستدرك على الصحيحين : رقم الحديث: 5009

(39)      فتح القدير، كتاب البيوع:6/425

(40)      صحيح البخاري: 6315

*  *  *


(*)         باحث الدكتوراه في قسم اللغة العربية وآدابها، جامعة دلهي، دلهي-110007،  رقم الجوال: 9953021782

           Email: iqubalasif2010@gmail.com

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، رمضان – شوال 1438 هـ = يونيو – يوليو 2017م ، العدد : 9-10 ، السنة : 41

Related Posts