دراسات إسلامية

بقلم: الأستاذ محمد بن إبراهيم بن أحمد الحمد

       لحسن الخلق فضائل عظيمة، في الدنيا والآخرة، على الأفراد والمجتمعات.

       فمن تلك الفضائل ما يلي:

1- أنه امتثال لأمر الله عزّ وجلّ:

       قال تعالى: ﴿خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجٰهِلِينَ﴾ [الأعراف:199].

       فلقد جمع – سبحانه وتعالى- مكارم الأخلاق في تلك الآية، وأمر بالأخذ بها، والتحلّي بما ورد فيها.

2- أنه طاعة للرسول صلى الله عليه وسلم:

       فلقد قال – عليه الصلاة والسلام – في الحديث الذي رواه أبو ذر ومعاذ -رضي الله عنها-: «وخالق الناس بخلق حسن»(1).

3- حسن الخلق اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم:

       فلقد كان عليه الصلاة والسلام أكرم البشرية أخلاقًا، وأزكاهم نفسًا. والله – عزّ وجلّ- يقول: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب:21] .

4- أنه عبادة عظيمة:

       ذلك أن الله – عزّ وجلّ- أمر به كما مرّ ورتب عليه الجزاء العظيم – كما سيأتي- فإذا اتصف المسلم بحسن الخلق، وكان ديدنًا وعادة له صار مطيعًا لربه، متعبدًا له في كل أحواله؛ فتعظم بذلك أجوره، وتقال عثراته. ثم إن حسن الخلق يتضمن عبادات عظيمة؛ ذلك أن الصبر، والحلم، و الإحسان والكرم، ونحوها- تعدّ من الأسس الأخلاقية. وهذه الأمور مما يدخل في مفهوم العبادة؛ فهي مما يحبه الله ويرضاه.

5- رفعة الدرجات:

       قال صلى الله عليه وسلم: «إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم»(2).

6- أنه أعظم ما يدخل الجنة:

       قال – عليه الصلاة والسلام-: «وأعظم ما يدخل الناس الجنة تقوى الله، وحسن الخلق»(3).

7- كسب القلوب:

       فحسن الخلق من أعظم الأسباب الداعية لكسب القلوب؛ فهو يحبب صاحبه للبعيد والقريب، وبه ينقلب العدو صديقًا، ويصبح البغيض حبيبًا، ويصير البعيد قريبًا.

       وبحسن الخلق يتقرب المرء للناس، ويتمكن من إرضائهم على اختلاف مشاربهم، وطبقاتهم؛ فكل من جالس حسَن الخلق أحبه، ورغب في مجلسه.

8- تيسير الأمور:

       فحسن الخلق سبب لذلك؛ لأنه من تقوى الله، والله -عزّ وجلّ- يقول: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ [الطلاق:4] .

9- حسن الخلق مدعاة للذكر الحسن:

       فالناس تلهج ألسنتها بذكر أهل الخلق الحسن، والتاريخ يسطر مآثرهم، والركبان تسري بحديثهم.

10- السلامة من شر الخلق:

       لأن صاحب الخلق الحسن لا يقابل الإساءة بالإساءة، وإنما يقابلها بالصفح، والعفو، والإعراض، وربما قابلها بالإحسان.

       ولو جارى الناس في سفههم لما كان له فضل عليهم، ولما سلم من أذاهم. فلو لم تأت من حسن الخلق إلا هذه الفائدة لكان حريًّا بالعاقل أن يتحلى به.

11- القرب من مجلس النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة:

       قال عليه الصلاة والسلام: «إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا»(4).

12- محبة الله عزّ وجلّ:

       فالله – عزّ وجلّ – يحب مكارم الأخلاق، ويحب أهلها؛ بل إن أحب العباد إلى الله أحسنهم أخلاقًا.

       فعن أسامة بن شريك – رضي الله عنه- قال: كنا جلوسًا عند النبي –صلى الله عليه وسلم-، فكأنما على رؤوسنا الطير، ما يتكلم منا متكلم، إذ جاءه أناس فقالوا: من أحب عباد الله إلى الله؟ قال: «أحسنهم أخلاقًا»(5).

       وإذا أحب الله يوما عبــده

                           ألقى عليه محبة في الناس(6).

13- حسن الخلق أثقل شيء في الميزان يوم القيامة:

       فعن أبي الدرداء – رضي الله عنه – عـن النبي –صلى الله عليه وسلم-: «ما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من حسن الخلق»(7).

14- زيادة الأعمار وعمارة الديار:

       قال – عليه الصلاة والسلام-: «حسن الخلق، وحسن الجوار يعمران الديار، ويزيدان في الأعمار»(8).

15- حسن الخلق إحسان قد يزيد على الإحسان المالي:

       لأن المال قد يصحبه منّة وتعالٍ على الخلق، ولأن صاحب المال قد لا يسع الناس بماله. أما حسن الخلق فإحسان لا يصحبه منّة، ولا تعالٍ على الخلق، وصاحب الخلق الحسن يسع الناس بخلقه. وإذا كان المال يدخل السرور على المساكين والفقراء ونحوهم فكذلك حسن الخلق يدخل السرور والبهجة على النفوس مهما اختلفت مشاربها. إضافة إلى ذلك فبذل المال داخل في مكارم الأخلاق.

16- التوصل للحق:

       فبحسن الخلق يتوصل المناظر أو المخاصم من إبداء حجته، وفهم حجة صاحبه، ويسترشد بذلك إلى الصواب قولًا وعملًا. وكما أنه سبب لحصول ذلك في نفس المناظر أو المخاصم فهو كذلك من أقوى الدواعي لحصوله لمن ناظره أو خاصمه.

       وبذلك يتمكن الطرفان من الوصول للحق، ويسلم كل واحد منهما من اللجاج، والجدال، والمراء، والتعصب.

17- زيادة العلم:

       فبالخلق الحسن يصفو القلب، وتطمئن النفس، وذلك مدعاة لأن يتمكن المرء من معرفة العلوم التي يسعى لإدراكها، والمعارف التي يروم تحصيلها.

       ثم إن حسن الخلق يدعو صاحبه للتواضع، والتأدب في مجالس العلم، وهذا مما يزيد العلم، ويقوي الإدراك.

18- حصول الخيرية:

       فعن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما- قال: لم يكن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، فاحشًا ولا متفحشًا، وكان يقول: «خياركم أحاسنكم أخلاقًا»(9).

19- السلامة من مضار الطيش والعجلة:

       فبالخلق الحسن يسلم المرء من مضار العجلة والطيش، برزانته، وصبره، ونظره لكل ما يمكن من الاحتمالات.

20- الوفاء بالحقوق الواجبة والمستحبة:

       فبالخلق الحسن يتمكن المرء من الوفاء بتلك الحقوق للأهل، والأولاد، والأقارب، والأصحاب، والجيران، والمعاملين، وسائر من بينه وبينهم مخالطة أو حق؛ فكم من حقوق أضيعت من جراء سوء الخلق.

21- الإنصاف:

       فبحسن الخلق تنال فضيلة الإنصاف، وأكرم بها من فضيلة، فصاحب الخلق الحسن يأبى عليه خلقه الحسن من التعصب المقيت، والانتصار للنفس؛ لأن ذلك يحمل على الاعتساف وقلة الانصاف.

22- راحة البال وطيب العيش:

       فصاحب الخلق الحسن في راحة حاضرة، ونعيم عاجل؛ فإن قلبه مطمئن، ونفسه ساكنة، وذلك مادة الراحة العاجلة، وطيب العيش.

       كما أن صاحب الخلق السيئ في شقاء حاضر، وعذاب مستمر، ونزاع ظاهري وباطني مع نفسه، وأولاده، ومخالطيه، مما يشوش عليه حياته، ويكدر عليه أوقاته، مع ما يترتب على ذلك فوات الآثار الطيبة، والتعرض لضدها.

       «فمن حسن خلقه طابت معيشته، ودامت سلامته، وتأكدت في الناس محبته. ومن ساء خلقه تكدرت معيشته، ودامت بغضته، ونفر الناس منه»(10).

23- حصول الوئام والاتفاق التام في المجتمع:

       فإذا حسنت الأخلاق في مجتمعٍ ما شاع الوئام والتراحم، وسادت الألفة والمودة في ذلك المجتمع.

       ذلك «أن الامتزاج بمكارم الأخلاق يجبي إلى صاحبه عرفان ما له من الحقوق، وما عليه من الواجبات؛ فلا يخل حينئذ بواجب، ولا يدعي إلا بحق. وذلك يدعو بالضرورة إلى شدة الارتباط، وكمال الالتئام الذي يجعل أفراد الأمة عضوًا واحدًا للتعاون على البر والتقوى، والتعاضد على الأعمال التي تنتج لهم التقلب في عيشه راضية، وتحفظ لأعقابهم مستقبلًا حسنًا»(11).

24- صد هجمات الأعداء:

       فالعدو إنما يتسلل، ويبث سمومه في صفوف الأمة المنهارة في أخلاقها. أما الأمة التي تتمتع بالأخلاق الفاضلة ففي منعة من ذلك.

25- وبه يتمكن المرء من إصلاح ذات البين:

       فحسن الخلق يرضى به جميع الأطراف، وبذلك يستطيع أن يجمع القلوب المتنافرة، والآراء المشتتة.

26- حسن الخلق يستر العيوب:

       فقد يبتلى المرء بكثير من الآفات والعيوب الخلقية من دمامة ونحوها، مما يجعله عرضة للذم، وغرضًا للسخرية من بعض الناس. ولكن ذلك لايقصره عن مجد، ولا يقعد به عن سؤدد، وذلك إذا رزق بخلق حسن، وعقل راجح.

       فحسن الخلق يغطي غيره من القبائح، كما أن سوء الخلق يقبح غيره من المحاسن(12).

       فهذا الأحنف بن قيس الذي سارت بأخباره الركبان كان من أقبح الناس خلقة؛ فما من خصلة ذم إلا وهي موجودة فيه. ومع ذلك بلغ ما بلغ من المجد والسؤدد بحلمه، وشجاعته، وحسن خلقه، وروعة بيانه.

       «روى الهيثم بن عدي عن أبي يعقوب الثقفي عن عبد الملك بن عمير، قال: قدم علينا الأحنف بن قيس الكوفة مع مصعب بن الزبير، فما رأيت خصلة تذم في رجل إلا وقد رأيتها فيه، كان صعل الرأس(13)، أحجن(14) الأنف، أغضف(15) الأذن، متراكب الأسنان، أشدق(16) مائل الذقن، ناتئ الوجنة، باخق(17) العين، خفيف العارضين، أحنف الرجلين، ولكنه كان إذا تكلم جلى عن نفسه»(18).

ليس الجمـال بمئــزر

فاعلم إذا رديت بردا

إن الجمـال معـــادن

ومناقب أورثن مجدا(19).

*  *  *

الهوامش:

(1)        أخرجه أحمد 5/135-158، والترمذي 1987، والدارمي، ص779، رقم 2688، والحاكم1/54، والخرائطي1/59-3 كلّهم من حديث أبي ذر وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.

(2)        أخرجه أبو داود 4798، والحاكم 1/60، عن عائشة وقال الحاكم: إسناده على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في الصحيحة 795.

(3)        أخرجه الترمذي2004 وابن ماجه 4246 وابن حبان 2/224 رقم 476، والحاكم4/324، كلّهم عن أبي هريرة، وقال الترمذي: حديث صحيح غريب، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي2/194 رقم 1630.

(4)        مضى تخريجه، وأخرجه بهذا اللفظ – الخرائطي في مكارم الأخلاق 1/34 رقم20 عن جابر.

(5)        أخرجه الطبراني في الكبير1/181، رقم471، وقال الهيثمي في المجمع 8/24: «رجاله رجال الصحيح».

(6)        بهجة المجالس 2/664.

(7)        أخرجه أحمد 6/446- 448، وأبو داود رقم: 4799، والترمذي 2002-2003، وابن حبان12/230، رقم481، والخرائطي 1/69 رقم 50 كلهم من حديث أبي الدرداء. وقال الترمذي حسن صحيح، وصححه الألباني في الصحيحة 876، وفي صحيح الأدب المفرد 204.

(8)        رواه أحمد 6/159، عن عائشة، وصححه الألباني في الصحيحة 519.

(9)        أخرجه البخاري في صحيحه7/82 ومسلم 2321، من حديث عبد الله بن عمرو.

(10)      أقوال مأثورة، ص215 عن أدب المملي ص 170.

(11)      حياة الأمة لمحمد الخضر حسين ص 51.

(12)      انظر: الأقوال المأثورة، ص 234.

(13)      صعل الرأس: دقيقه.

(14)      أحجن: الحجن: اعوجاج الشيء، وأحجن الأنف مقبل الروثة نحو الفم.

(15)      أغضف: مسترخ.

(16)      الأشدق: الشدق المائلة.

(17)      البخق: أن تخسف العين بعد العور، والبخق أقبح ما يكون من العور، وأكثر غمصًا.

(18)      1 البيان والتبيين للجاحظ1/56، وانظر: زهر الأدب للحصري القيرواني3/199، وسير أعلام النبلاء للذهبي4/94.

(19)      2 البيت لعمرو بن معديكرب الزبيدي، انظر: ديوانه ص 67.

*  *  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، رجب  1438 هـ = أبريل 2017م ، العدد : 7 ، السنة : 41

Related Posts