المعجزات في مجلة المنار وتفسير القرطبي: دراسة تفسيرية مقارنة «معجزة الفيل، وشق الصدر، وانشقاق القمر، والإسراء والمعراج» (1/2)

دراسات إسلامية

بقلم:  د/ محمّد الأمين محمّد سيلا (*)

مستخلص الورقة

       هذه دارسة قرآنيّة تفسيريّة مقارنة بين مجلة المنار، والجامع لأحكام القرآن- تفسير القرطبي-لإبراز بعض معجزات النّبي-صلى الله عليه وسلم- على سبيل المثال: «معجزة الفيل، وشق الصدر، وانشقاق القمر، والإسراء والمعراج». ولما كان أهل مجلة المنار يعتبرون من نواة المدرسة العقلية الحديثة الذين ينكرون معجزات الأنبياء إما بطريق مباشر أو بتأويلات توحي إلى إنكارها، فلذا تم اختيارها لبيان موقفها في هذه الجوانب؛ مقارنة بتفسير القرطبي ثم المناقشة، والخروج بنتيجة الراجح من المرجوح بإذن الله تعالى.

أهداف الورقـة:

       1. إبراز أهمية المعجزة في القرآن الكريم، ممّا يزيد المرء إيمانًا ويقينًا بالله تعالى وبالنبوة المحمّديّة.

       2.  إثبات المعجزات للنبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

       3.  توضيح تفسير تلك المعجزات في مجلة المنار ممثلة عن المدرسة العقلية الحديثة، وفي تفسير القرطبي ممثلًا عن تفسير القدامى.

       4. المقارنة بين الرأيين: رأي أهل مجلة المنار في إثبات المعجزات للنبي -عليه الصلاة والسلام-، ورأي تفسير القرطبي في ذلك، ثم الخروج بالرأي المختار.

مقـدمة

       الحمد لله رب العالمين الذي علّم بالقلم علّم الإنسان ما لم يعلم، وهو خالق كل شيء وفاعل لما يريد، وبيده كل شيء يتصرف في مخلوقاته كما شاء ومتى شاء وكيف ما شاء، ولا معقب لحكمه. وهو الذي أهلك أبرهة وجماعته بسوء نيتهم لهدم الكعبة المشرّفة، وأنزل عليهم طيورًا تحمل بمنقارها أحجارًا مصنعة من النّار، ترميهم بها، فلم يبق أحدٌ منهم أصابته تلك الحجارة إلا جعلته كعصف مأكول، ولقدرته -سبحانه وتعالى- ولحكمته البالغة شَق صدر حبيبه وخليله –صلى الله عليه وسلم- لمهمة خاصة، ولمصداق دعوة نبيّه محمّد –صلى الله عليه وسلم- انشق القمر فور طلب المشركين من محمّد –صلى الله عليه وسلم- بإتيان آية دالة على صدق دعوته أنه نبي مرسل من الله تعالى الأحد الصمد، وأخذ سيّدنا محمّد –صلى الله عليه وسلم- يعطي حق وظيفته الدعوية لمدة عشر سنوات، ولم يستجب لدعوته من قريش مكة إلا شرذمة قليلون، ثم أُسري به من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، ومن ثَمّ عُرج به إلى السماء حتى انتهى به جبريل -عليه السلام- إلى سدرة المنتهى، ثم فرضت عليه الصلوات الخمس. صلوات ربي وسلامه على هذا النبي الأميّ.

نبذة تعريفية موجزة عن مجلة المنار:

       مؤسّس المجلة ورئيس التحرير هو: محمّد رشيد رضا الحسيني لبناني الأصل ومصري الموطن. لما التقى السيد محمّد رشيد رضا بالأستاذ محمّد عبده، وفاتحه حول ضرورة «مجلة شهريّة» تبحث في فلسفة الدّين وشؤون الاجتماع والعمران، ويكون اسمها المنار، ووافق الأستاذ الإمام عبده على المقترح وأجاز الاسم، وقد اقتبس السيد رشيد رضا هذا الاسم من الحديث الشريف: «إن للإسلام صُوًى ومنارًا كمنار الطريق»(1)، والصوى هي الحجر الذي يكون علامةً في الطريق يهتدي به المارَّة، والمنار هو العَلم الذي يوضع بين الشيئين من الحدود. والعَلم ما نصب من الحجارة ليستدل به على الطريق(2). وفي الحديث «لعن الله من غيّر منار الأرض»، أي أعلامها ويقصد بذلك أن للإسلام منارًا أي أن له علامات وشرائع يعرف بها(3).

       وأبرز صاحب مجلة المنار أهدافه في التأسيس وتنشئة مناره، حيث ركّز على الشيئين المهمين وهما كالتالي:

       أحدهما: اعتناؤه بالتربية والتعليم ونشر المبادئ السلفيّة العامة، وذلك استئناسًا بمنهج الأستاذ محمّد عبده الذي عوّل على الإصلاح الاجتماعي دون الانزلاق في هاوية العمل السياسي الذي كان محفوفًا بالمخاطر، ومفوقًا لأي نشاطي إصلاحي هادف. ومن ثم كان اهتمام المنار منصبًا نحو تسخير العقيدة والدين لمعالجة الواقع المادي وإشكالياته الاقتصاديّة والماليّة والاجتماعيّة التي سادت ذلك العصر.

       ثانيهما: سعى السيّد رشيد رضا إلى توفير الحلول الشرعيّة العمليّة لإشكالات الأمّة الإسلاميّة التي تأثرت بمعطيات الحداثة الأوروبيّة وبعض أدبيات تيار التقليد ومحاكاة الموروث، الذي تدثر بتراث قرون التراجع والجمود، ووجد ضالته في مناهج المؤسسات التعليميّة التقليديّة، وتعاليم الطرق الصوفيّة التي استبدلت الشعوذة والخرافة بحقيقة التّصوف الذي يقضي بتهذيب النّفس وتشذيبها التي عزلت النّصوص عن مقاصدها الشّرعيّة والتّشريع المبتغاة منها(4).

نبذة موجزة عن تفسير القرطبي «الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان»(5):

       مؤلف هذا الكنز الضخم المسمى بجامع أحكام القرآن، هو محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي المالكي أبو عبد الله القرطبي، وهذا الكتاب من الكتب التفسيريّة التي عُنيت بالأحكام القرآنية(6). وقد جمع فيه مؤلفه من السنة وأحكام الفرقان، وركّز على آيات الأحكام أكثر، ووُصف أنه من أجلّ التفاسير وأعظمها نفعًا؛ لأن مصنفه أخرج منه التواريخ، والقصص، وعوضها بأحكام القرآن الكريم، واستنباط الأدلة، وذكر القراءات، والناسخ والمنسوخ، وهلمّ جرًّا(7).

سبب التأليف:

       نصّ مؤلفه نفسه -رحمه الله تعالى- على سبب التأليف في مقدّمة الكتاب حيث قال: «فلما كان كتاب الله هو الكفيل بجميع علوم الشرع الذي استقل بالسنة، والفرض، ونزل به أمين السماء إلى أمين الأرض رأيت أن أشتغل به مدى عمري، وأستفرغ فيه منيتي»(8).

شرط القرطبي -رحمه الله تعالى- في هذا الكتاب:

       بيّن القرطبي -رحمه الله- شروطه الأربعة في هذا التأليف، ووفّى بها:

       1. بأنه ينسب الأقوال إلى قائليها، والأحاديث إلى من رواها؛ لأن: «من بركة العلم أن يضاف القول إلى قائله»؛ ولأن كثيرًا من الفقهاء والمفسرين يسردون الأحاديث والأقوال بدون العزو إلى أهلها، فيتحير القارئ المبتدئ الذي لا خبرة له بمعرفة التمييز بين الصحيح والسقيم.

       2. والإضراب عن كثير من قصص المفسرين، وأخبار المؤرخين إلا مالابد منه، ولا غنى عنه للتبيين.

       3.  والاعتياط من ذلك تبيين آي الأحكام بمسائل تسفر عن معناها، وترشد للطالب إلى مقتضاها، فضمن كل آية تتضمن على حكم واحد أو حكمين.

       4.  فإذا زاد حكم الآية عن حكمين فيبيّن سبب النزول، والتفسير الغريب، والحكم، وإن لم تكن الآية تحتوي على أي حكمٍ فيبيّن ما فيها من التفسير، والتأويل(9).

طريقته في التأليف:

       نصّ مؤلفه نفسه -رحمه الله- على طريقته في مقدمة الكتاب قائلًا: «بأن أكتب فيه تعليقًا وجيزًا يتضمن نكتًا من التفسير، واللغات، والإعراب، والقراءات، والرد على أهل الزيغ والضلالات، وأحاديث كثيرة شاهدة لما نذكره من الأحكام ونزول الآيات جامعًا بين معانيهما ومبينًا ما أشكل منهما بأقاويل السلف ومن تبعهم من الخلف»(10).

       قال الإمام الذهبي -رحمه الله- عن القرطبي -رحمة الله عليه-: إمام متفنن متبحر في العلم، له تصانيف مفيدة تدل على كثرة اطلاعه، ووفور فضله، توفي في أوائل سنة إحدى وسبعين وست مئة (600-671هــ/1204-1273م)، ودفن في صعيد مصر(11).

       وبعد ما عرض الباحث موجزًا من سيرة شخصية السيّد رشيد رضا، ونبذة موجزة عن إنشاء مشروع مجلة المنار، وكذلك تفسير الجامع لأحكام القرآن. ويتم تناول التفاصيل في النقاط التالية:

تعريف المعجزة، ودراسة المعجزات في مجلة المنار وتفسير القرطبي:

أوّلًا-تعريف المعجزة لغة واصطلاحًا:

       أ. المعجزة في اللغة: هي اسم فاعل، مأخوذ من العجز المقابل للقدرة(12)، ومعجزة النبيِّ –صلى الله عليه وسلم-: ما أَعْجَزَ به الخصمَ عند التَّحدِّي، والهاءُ للمبالغة، والجمْع مُعجِزاتٌ(13). والمعجزة في الحقيقة لا ينسب إلى غير الله إلا تجوزًا وتوسعًا في التعبير؛ لأن خالق المعجزة في الحقيقة هو الله تعالى، وإنما يجريها على يد نبي من أنبيائه عليهم الصلاة والسلام(14).

       ب. المعجزة في الاصطلاح: تُعرّف المعجزة في الاصطلاح بأنها «أمر خارق للعادة، خارج عن حدود الأسباب المعروفة، يخلقه الله تعالى على يد مدعي النبوة عند دعواه إياها، شاهدًا على صدقه. فإذا قام إنسان ما ادعى أنه مبعوث الله إلى خلقه، ورسوله إلى عباده، وقال: إن آية صدقي فيما أدعيه أن يغير الله الذي أرسلني عادةً من عاداته على يدي، وأن يُخرج الآن عن سنة من سننه العامة في وجوده»(15). 

       وعرِّفت بأنها «أمر خارق للعادة يظهره الله على يد النبي تأييدًا لنبوته»(16). إذن، «فالمعجزة دليل حسي أو معنوي يعجز جميع البشر الموجودين عند إرسال الرسول –صلى الله عليه وسلم- عن الإتيان بمثله، وعجز البشر دليل على أن المعجزة فعل الله القادر على كل شيء»(17).

ثانيًا-دراسة معجزة الفيل في مجلة المنار وتفسير القرطبي:

       قصة أصحاب الفيل: بنى أبرهة كنيسة بصنعاء لم يشهد العالم بمثلها في الأرض في ذلك الزمان، ثم بعث خطابًا إلى النجاشي قائلًا له: «إني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يُبنَ مثلها لملك كان قبلك»، وكان هدف أبرهة من وراء هذا العمل صرف الحجاج عن بيت الله الحرام إلى حج كنيسته في صنعاء؛ لأنه حلف أنه ليمشين إلى البيت – بيت الله الحرام-ليهدمه، وبعث رجلًا إلى بني كنانة ليدعوهم إلى حج كنيسته فقتلته بنو كنانة، فغضب لذلك أبرهة غضبًا وحنقًا، ومن ثَمَّ استعان أبرهة بجيش الحبشة لحرب بني كنانة، ولهدم الكعبة الشريفة، ثم خرج أبرهة ومعه الفيل بنية تحقيق هدف بناء الكنيسة. وخرج لمقاتلته رجلٌ من أشراف أهل اليمن وملوكهم يُنادي بذي نفر، فدعا هذا الرجل قومه ومن أجابه من سائر العرب لأجل حرب أبرهة، والذب عن بيت الله الحرام؛ لكن بقدر الله تعالى أن هُزم ذو نفر ومن معه من الجيوش وأسره أبرهة، ولما أراد أبرهة قتل ذي نفر استطاع ذو نفر أن يقنع أبرهة فلم يقتلهُ بعد ذلك، ولما اقترب أبرهة من الكعبة المشرفة، أراه الله تعالى عظم قدرته وخبرياته؛ حيث أرسل عليهم طيورًا ترميهم بحجارة خاصة، فأهلك كل ما أصابته تلك الأحجار(18)، وكان عدد أصحاب الفيل ستين ألفًا، ولم يرجع منهم أحدٌ إلا أميرهم، وشرذمة قليلة(19). وولد نبينا محمد بن عبد الله –عليه الصلاة والسلام- في هذا العام- عام الفيل- على أصح الرواية(20).

       ولعظم هذا الشأن أنزل الله سبحانه وتعالى سورة خاصة تذكّر الأمة المحمّديّة بهذه الحادثة، وإن لم يشهدوا الواقعة إلى يوم أن يرفع الله فيه كتابه إلى السماء، وهي سورة الفيل: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ(2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)﴾.

موقف صاحب تفسير القرطبي من حادث الفيل:

       وقال القرطبي -رحمه الله- في حادثة الفيل ما نصه: «قال علماؤنا: كانت قصة الفيل فيما بعد من معجزات النبي –صلى الله عليه وسلم- وإن كانت قبله وقبل التّحدي؛ لأنها كانت توكيدًا لأمره، وتمهيدًا لشأنه»(21). فهذا نص صريح من الإمام القرطبي -رحمه الله- بأن قصة الفيل تعتبر معجزة من معجزات النبي -عليه الصلاة والسلام-.

موقف أهل مجلة المنار من حادث الفيل:

       أسوق نص القائل – الأستاذ الإمام محمد عبده- ليتضح القول وموقفه أكثر من تفسير السورة: «وقد بيَّنت لنا هذه السورة الكريمة، أن ذلك الجدري أو تلك الحصبة نشأت من حجارة يابسة سقطت على أفراد الجيش، بواسطة فِرَق عظيمة من الطير مما أرسله الله مع الريح، فيجوز لك أن تعتقد أن هذا الطير من جنس البعوض، أو الذباب الذى يحمل جراثيم بعض الأمراض، وأن تكون هذه الحجارة من الطين المسموم اليابس، الذى تحمله الرياح فيعلق بأرجل هذه الحيوانات فإذا اتصل بجسده دخل في مسامه، فأثار تلك القروح التي تنتهى بإفساد الجسم وتساقط لحمه، وإن كثيرًا من هذه الطيور الضعيفة يُعَد من أعظم جنود الله في إهلاك من يريد إهلاكه من البشر، وإن هذا الحيوان الصغير الذى يسمونه الآن بالميكروب لا يخرج عنها، وهو فِرَق وجماعات لا يحصي عددها إلا بارئها، ولا يتوقف ظهور أثر قُدرة الله تعالى في قهر الطاغين على أن يكون الطير في ضخامة رؤوس الجبال، ولا على أن يكون من نوع عنقاء مغرب، ولا على أن يكون له ألوان خاصة به، ولا على معرفة مقادير الحجارة وكيفية تأثيرها فللّٰه جند من كل شيء»(22).

مناقشة رأي مجلة المنار في حادث الفيل:

       فموقف القرطبي -رحمه الله- في المعجزات واضح وجلي فلا يحتاج إلى النقاش كما هو نفسه صرّح بأن حادث الفيل معجزة من معجزات النبي عليه الصلاة والسلام.

       وأما موقف أهل مجلة المنار في إثبات المعجزات فواضح إنكارها للمعجزات، فلذلك كلف السيد محمّد رشيد رضا نفسه بما لم يكلفه الله تعالى به، وأوّل الآية على غير وجه مناسب، ولهذا ردّ سيد قطب على هذا التفسير الغريب قائلًا: «ونحن لا نرى أن هذه الصورة التي افترضها الأستاذ الإمام صورة الجدري أو الحصبة من طين ملوث بالجراثيم… ومن ثم فنحن لا نقف أمام الخارقة مترددين ولا مؤوّلين لها متى صحت الرواية …، إننا ندرك ونقدر دوافع المدرسة العقلية التي كان الأستاذ الإمام -رحمه الله- على رأسها في تلك الحقبة. . . إلى تضييق نطاق الخوارق والغيبيات في تفسير القرآن الكريم وأحداث التاريخ، ومحاولة ردها إلى المألوف المكشوف من السنن الكونية»(23).

       فهذا نص صريح بأن أهل المدرسة العقلية، يأولون الآيات القرآنية بالتي تتناسب مع عقولهم، وأيضًا؛ لكن قد وضح سيد قطب بأن حادثة الفيل معجزة من معجزات النبي عليه الصلاة والسلام، وليس الأمر كما فهمه السيد محمّد رشيد رضا.

       وفي موضع آخر بيّن سيد قطب -رحمه الله- موقف المدرسة العقلية بالنسبة للمعجزات حيث قال: «فقامت هذه المدرسة تحاول أن ترد إلى الدين اعتباره على أساس أن كل ما جاء به موافق للعقل… شاع في هذا التفسير الرغبة الواضحة في رد الكثير من الخوارق، وإلى تأويل بعضها بحيث يلائم ما يسمونه «المعقول» وإلى الحذر والاحتراس الشديد في تقبل الغيبيات»(24).

       وكذلك ردّ الدكتور حسين الذهبي على هذا التفسير الذي لا يتفق مع العقل السليم، بعد ما نقل نص محمد رشيد قائلًا: «ثم جوَّز أن تكون الطير هي ما يُسمى اليوم بالميكروبات، كما جوَّز أن تكون الحجارة هي جراثيم بعض الأمراض، وهذا ما لا نُقرّه عليه؛ لأن هذه الجراثيم التي اكتشفها الطب الحديث لم يكن للعرب علم بها وقت نزول القرآن، والعربي إذا سمع لفظ الحجارة في هذه السورة لا ينصرف ذهنه إلى تلك الجراثيم بحال من الأحوال، وقد جاء القرآن بلغة العرب، وخاطبهم بما يعهدون ويألفون، وإذا كان الأستاذ الإمام قد أعطي لعقله الحرية الكاملة في تفسيره للقرآن الكريم، فإنَّا نجده يُغرِق في هذه الحرية ويتوسع فيها، إلى درجة وصلت به إلى ما يشبه التطرف في أفكاره، والغلو في آرائه(25).

       فهذا أيضًا يدل على فساد تفسير الأستاذ الإمام محمد عبده لتفسير الآية الكريمة، بأنها ليست ميكروبات ولا جراثيم كما عليه الإمام عبده، بل إنما هي آية من آيات الله، ليحمي بها بيته الحرام، ومصداقًا لنبوة نبيه محمد بن عبد الله -عليه الصلاة والسلام-.

مقارنة الرأيين:

       لقد عرض الباحث شيئًا من موقف مجلة المنار وتفسير القرطبي في إثبات المعجزات للنبي عليه الصلاة والسلام، فتبيّن له أن موقفهما مختلف تمامًا بحيث يثبت صاحب الجامع لأحكام القرآن معجزات النبي عليه الصلاة والسلام، وبينما ينفي الأستاذ محمد رشيد رضا معجزات النبي جملة وتفصيلًا، وإلا ما أدّى أن يفسر السيد محمّد قوله تعالى: «طيرًا أبابيل» بالميكروبات، والجراثيم المعروفة في هذا العصر.

ثالثًا- دراسة معجزة شق الصدر في مجلة المنار وتفسير القرطبي:

       شق صدر النبي عليه الصلاة والسلام: فإن جبريل عليه السلام أتى نبينا محمّد بن عبد الله –صلى الله عليه وسلم- فشق صدره واستخرج قلبه، وغسله بماء زمزم، ثم أرجعه في مكانه، فشُق صدره أكثر من مرة- في طفولته، وعند البعثة، وعند إرادة العروج إلى السماء(26).

موقف القرطبي من شق الصدر:

       فإن القرطبي -رحمه الله- يثبت شق الصدر، كما ثبت ذلك في الصحيحين-البخاري ومسلم-، بدون تأويل ولا تكييف، أمرّه كما جاء، وفي هذا ينقل ابن حجر العسقلاني عن القرطبي ما نصه: «لا يلتفت لإنكار الشق ليلة الإسراء لأن رواته ثقات مشاهير»(27).

       وابن حجر -رحمه الله- مؤكّدٌ، ومؤيّدٌ ما صرّح به القرطبي حيث قال ما نصه: «وجميع ما ورد من شق الصدر، واستخراج القلب، وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة مما يجب التسليم له دون التعرض لصرفه عن حقيقته لصلاحية القدرة فلا يستحيل شيء من ذلك»(28). أي اعتبر ابن حجر -رحمه الله- الاستسلام بوقوع شق الصدر من الأمور الواجبة على المسلم. وأكّد هذا الموقف العلامة ابن عاشور -رحمه الله- قائلًا: «قد كان ذلك الشق معجزة خارقة للعادة»(29).

موقف مجلة المنار من حادث شق الصدر:

       لقد ردّ السيد محمّد رشيد رضا شق صدره –صلى الله عليه وسلم-؛ حيث أَوَّلَ المراد بشق الصدر بالتطهير من كل ما لا يليق بمنصبه الأعلى من الشهوات والأهواء التي هي موضوع وسوسة الشيطان، وأن ذلك الشق المذكور هو مجرد رؤية رآها النبي في المنام، كرؤية يوسف عليه السلام، وكرؤية التي أوّلها لصاحبيه عند ما كانوا في السجن(30).

       هكذا بكل سهولة ينكر السيد محمد رشيد رضا معجزة شق صدر مصطفى -عليه الصلاة والسلام-، ويؤوّله بأن ذلك رؤية ليس حقيقة، وهذا الإنكار يؤدي إلى إنكار ما ثبت في الصحيحين-البخاري ومسلم- وهي شيء خطير عواقبه.

       وفي موضع آخر من مجلة المنار يقول السيد رشيد ما نصه: «أما شق الصدر وملؤه إيمانًا، فحقيقته غلبة أنوار الملكية وانطفاء لهب الطبيعة وخضوعها لما يفيض عليها من عالم القدس»(31).

مناقشة رأي مجلة المنار لشق الصدر:

       لقد ردّ علماء الإسلام الجهابذة على فهم ذي عوج للسيد محمّد رشيد رضا لشق صدره –صلى الله عليه وسلم-؛ فإن الله تعالى قادر على أن يخلق كل شيء، وهو خلاَّق عليم، وهو يحي ويميت، فكيف يعجز أن يجري هذه المعجزات لحبيبه وخليله وخير خلقه محمّد بن عبد الله القرشي –صلى الله عليه وسلم-.

       وفي هذا يردّ فخر الدين محمد الرازي على فهم السيد محمد رشيد رضا بصرف شق الصدر عن حقيقته، حيث قال: «فلا يبعد أن يكون حصول ذلك الدم الأسود الذي غسلوه من قلب الرسول -عليه السلام- علامة للقلب الذي يميل إلى المعاصي، ويحجم عن الطاعات فإذا أزالوه عنه كان ذلك علامة لكون صاحبه مواظبًا على الطاعات محترزًا عن السيئات، فكان ذلك كالعلامة للملائكة على كون صاحبه معصومًا. وأيضًا، فلأن الله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد»(32).

       وفي هذا النص تصريح واضح بأن صدره –صلى الله عليه وسلم- شُق ثم غُسل وأُزيل الدم الأسود منه، ليكون مبتعدًا عن جميع المعاصي ومقبلًا على جميع الطاعات، وهو يستحق بذلك؛ لأنه معصوم، والمعصوم ينبغي أن يكون غير متصف بكل ما يُخيل به المروءة، فناسب شق صدر النبي عليه الصلاة والسلام.

       وأقوى الرد على فهم السيد محمد رشيد رضا، بأن أنسًا -رضي الله عنه- الصحابي الجليل، قال ما نصه: «وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره»(33)، وكفى بهذا دليلًا، وردًا على من يشكك في شق صدره –صلى الله عليه وسلم-، ويؤوّله على وجه غير مراد به من الشرع، وعند علماء السلف.

مقارنة الرأيين في حادث شق الصدر:

       لقد عرض الباحث شيئًا من النصوص الواردة بخصوص شق صدر –صلى الله عليه وسلم-، وعليه، فإن الإمام القرطبي -رحمه الله- أثبت شق الصدر، كغيره من علماء السلف، وأما أهل مجلة المنار فعلى رأسهم السيد محمد رشيد رضا -رحمه الله- كلّف نفسه فيما لا كلفة فيه؛ حيث فسّر شق الصدر بما لم يفسر به أحدٌ قبله من علماء الشريعة. وهذا مرور عليه، لمخالفته للحديث الصحيح في الصحيحين، وكذلك لمخالفته لعلماء سلف هذه الأمة المحمديّة، وأيضًا، لم يذكر السيد رضا أيَّ دليل وبرهان على هذا التفسير السقيم.

رابعًا- دراسة معجزة انشقاق القمر في مجلة المنار وتفسير القرطبي:

       حادث انشقاق القمر: كما ثبت في صحيح البخاري وغيره أن مشركي مكة طلب من النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يريهم آية، فسأل محمد بن عبد الله ربه فانشق القمر إلى الشقين(34)، وثم أنزل الله تعالى قوله: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾ إلى قوله: ﴿سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾، مع كل ذلك «فقالت قريش: هذا سحر ابن أبي كَبْشة سحركم». مع أن هذا في حقيقة أمره معجزة من معجزات النبي –صلى الله عليه وسلم-؛ لأن أهل مكة ما كانوا يتصورون ذلك من النبي –صلى الله عليه وسلم- أن يفعل.

موقف القرطبي من حادثة انشقاق القمر:

       كما من دأبه أن يثبت ما أثبتته السنة النبويّة، وعلى هذا يقول القرطبي -رحمة الله عليه-: «وقد ثبت بنقل الأحاد العدول أن القمر انشق بمكة، وهو ظاهر التنزيل، ولا يلزم أن يستوي الناس فيها؛ لأنها كانت آية ليلية؛ وأنها كانت باستدعاء النبي –صلى الله عليه وسلم- من الله تعالى عند التحدي»(35).

       وقال الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: «كما ثبت ذلك – انشقاق القمر- في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة. وقد ثبت في الصحيح عن ابن مسعود أنه قال: «خمس قد مضين: الروم، والدخان، واللزام، والبطشة، والقمر». وهذا أمر متفق عليه بين العلماء أي انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي –صلى الله عليه وسلم- وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات»(36).

       عن ابن مسعود قال: «انشق القمر على عهد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فرقتين فرقة فوق الجبل وفرقة دونه، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- اشهدوا»(37).

       عن عبد الله بن عمر في قوله تعالى: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾، قال: وقد كان ذلك على عهد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- انشق فلقتين: فلقة من دون الجبل، وفلقة من خلف الجبل، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «اللّٰهم اشهد»(38).

       وقال الحافظ الحكمي -رحمه الله-: «وانشقاق القمر من معجزات نبينا بمكة من قبل أن يهاجر إلى المدينة»(39). وقال الشيخ أبو بكر الجزائري حفظه الله: «وانفلق القمر فلقتين على جبل أبي قبيس»(40).

*  *  *

الهوامش:

(1)        الجامع الصغير من حديث البشير والنذير، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، (مكة المكرمة: مكتبة نزار مصطفى باز، ط2، 2000م)، ص496، وأما درجة الحديث فهو الصحيح، وينظر صحيح الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير)، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، (بيروت: المكتب الإسلامي، ط3، 1988م)، م1، ص432.

(2)        لسان العرب، لمحمد مكرم ابن منظور، (بيروت: مؤسسة التاريخ العربي، ط2، 1999م)، ج7، ص446-447، وقاموس المحيط، لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، (بيروت: دار الفكر، ط1، 2003م)، ص1173.

(3)        مجلة المنار، لمحمد رشيد رضا، (مصر: مطبعة المنار، ط2، 1327هـ)، م31، ج1، ص1، فاتحة هذا المجلد، وم23، ج1، ص1، وغيرهما من عدد مجلة المنار، ورشيد رضا: الصحفي، المفسّر، الشاعر، اللغوي، لأحمد الشرباصي، (القاهرة: مطبوعات مجمع البحوث الإسلاميّة، 1977م)، ص20-21، والآثار الكاملة لمجلة المنار عن جنوب شرق آسيا، لأحمد إبراهيم أبو شوك، (مركز بحوث بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، ط1، 2006م)، ج1، ص3-4.

(4)        مجلة المنار، لرشيد رضا، مقدمة الطبعة الثانية، فاتحة العدد الأوّل، م1، ج1، 1-14، والآثار الكاملة لمجلة المنار، أبو شوك، ج1، ص5-6.

(5)        هكذا سماه مؤلفه، ينظر: الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: هشام سمير البخاري، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي، (الرياض: دار عالم الكتب، د. ط، 1423هـ/ 2003م)، ج1، ص3. مقدمة الكتاب.

(6)        طبقات المفسرين، تحقيق: سليمان بن صالح الخزي، لأحمد بن محمد الأدنروي، (المدينة المنورة: مكتبة العلوم والحكم، ط1، 1997م)، ص 246.

(7)        ينظر: موقع ويكبيديا، http://ar.wikipedia.org/wiki/%، تاريخ الزيارة: 21/01/2014م.

(8)        الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، ج1، ص3. مقدمة الكتاب.

(9)        ينظر: المرجع نفسه.

(10)      ينظر: المرجع نفسه، موقع ويكبيديا.

(11)      ينظر: الوافي بالوفيات، للصفدي، ص102.

(12)      لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية، لمحمد بن أحمد بن سالم السفاريني، (دمشق: مؤسسة الخافقين ومكتبتها، ط2، 1402هـ/1982م)، ج2، ص290.

(13)      القاموس المحيط، لمحمد بن يعقوب الفيروز آبادي، (بيروت: مؤسسة الرسالة، د.ت)، ج1، ص663.

(14)      الكليات، تحقيق عدنان درويش، ومحمد المصري، أبو البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفوي، (بيروت: مؤسسة الرسالة، 1419هـ/1998م)، ج1، ص214.

(15)      محمد عبد العظيم، مناهل العرفان في علوم القرآن، للزرقاني، (دار الكتاب العربي)، ج1، ص63.

(16)      القرآن وإعجازه العلمي، لمحمد إسماعيل بن ابراهيم، ج1، ص49.

(17)      تبسيط العقائد الإسلامية، لحسن محمد أيوب، ص144.

(18)      ينظر: الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، ج20، ص187-188.

(19)      ينظر: المرجع نفسه، ج20، ص193.

(20)      ينظر: المرجع نفسه، جامع البيان في تأويل القرآن، تحقيق: أحمد محمد شاكر، لمحمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب أبو جعفر الطبري، (بيروت: مؤسسة الرسالة، ج1، ط1، 1420 هـ/2000م)، ج24، ص610-611. وردت روايات كثيرة في مولد الرسول في عام الفيل، قبله بأربعين سنة، …، يرجع إلى المرجعين لمزيد من المعلومات.

(21)      ينظر تفسير القرطبي، للقرطبي، ج20، ص195.

(22)      الأعمال الكاملة، لمحمد عبده، (بيروت: مؤسسة عربية، د. ط، 1979م)، ج5، 504 – 505. وقد نقل عنه سيد قطب إبراهيم حسين الشاربي نفس النص في ظلال القرآن، ج8، ص101، التفسير والمفسرون، للدكتور محمد حسين الذهبي، (القاهرة: دار الحديث، د. ط، 2005م)، ج5، ص 34.

(23)      ينظر: في ظلال القرآن، لسيد قطب، ج8، ص 102 وما بعدها.

(24)      ينظر: المرجع نفسه، ج8، ص104.

(25)      ينظر: التفسير والمفسرون، للذهبي، ج5، ص 34.

(26)      ينظر: صحيح البخاري، لمحمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري الجعفي، (دار طوق النجاة، ط1، 1422هــ)، ج5، ص52، رقم الحديث: 3887، باب المعراج. صحيح مسلم، أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، (بيروت: دار الجيل، د. ط، د. ت)، ج1، ص101، رقم الحديث:431. فتح الباري شرح صحيح البخاري، لأحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، (بيروت: دار المعرفة، د. ط، 1379هـ) ج7، ص205.

(27)      فتح الباري، لابن حجر، ج7، ص205.

(28)      المرجع نفسه.

(29)      التحرير والتنوير، محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي، (بيروت: مؤسسة التاريخ العربي، ط1، 1420هـ/2000م)، ج30، ص 361.

(30)      ينظر: مجلة المنار، لرشيد رضا، ج33، ص276.

(31)      مجلة المنار، لرضا، ج14، ص731.

(32)      مفاتيح الغيب، فخر الدين محمد بن عمر التميمي الرازي الشافعي، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1421هــ/ 2000م)، ج32، ص4.

(33)      صحيح مسلم، لمسلم، ج1، ص145.

(34)      ينظر: الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، ج17، ص 126. تفسير الطبري، للطبري، ج22، ص 565.

(35)      المرجع نفسه.

(36)      تفسير القرآن، لابن كثير، ج7، ص 472.

(37)      صحيح البخاري، للبخاري، ج15، ص 115. ورقم الحديث: 4486.

(38)      المرجع نفسه.

(39)      معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول، تحقيق: عمر بن محمود أبو عمر، حافظ بن أحمد حكمي، (الدمام: دار ابن القيم، ط1، 1410هـ/1990م)، ج2، ص 689.

(40)      أيسر التفاسير، أبو بكر الجزائري، ج4، ص 170.


(*)       أستاذٌ جامعيٌّ بكليّة الدّراسات الإسلاميّة بجامعة الأمير سونكلا، بجنوب مملكة تايلاند (فرع فطاني).

           للتواصل: sylla_mohamed13@yahoo.com

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، المحرم – صفر  1438 هـ = أكتوبر – نو فمبر 2016م ، العدد : 1-2 ، السنة : 41

Related Posts