دراسات إسلامية

بقلم:  الأستاذ محمد ساجد القاسمي (*)

5- المبتدعة

صنوف البدع والتقاليد في المجتمع الهندي:

       لقد ظلَّ المجتمع الهندي المسلم عمومًا قبل الجهود الإصلاحية والدعوية طافحًا بصنوف من البدع والخرافات و التقاليد الوثنية والعادات الجاهلية، فأولياء الله لهم التصرف في شؤون الناس، وقضاءُ الحاجاتِ. وتُقدَّم لهم النذور والقرابين، ويُحتَفَل بالأيام ذات الصلة بمواليدهم ووفَياتهم، وتُشَدُّ الرحال إلى قبورهم؛ لإنَّ زيارتها تَعْدِلُ الحج، وتُغطّى بالأردية المُطرَّزة، وتُنثر عليها الأزاهير، ويجتمع الناس- رجالًا ونساءً- مختلطين  حولها ، يطوفون بها، ويسجُدون لها، ويسألون أصحابَها الحوائج.

       ويُعقد مجلسُ ميلادِ الرسول صلى الله عليه وسلم يُنشد فيه مديح الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقوم من حضر- إذا جاء اسمه صلى الله عليه وسلم- إكرامًا له؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يحضر المجلس، وهو صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب والشهادة.

       وتُمارسُ تقاليد جاهلية لا تُحصى بمناسبات الزواج والأفراح والأحزان. وإذا مات أحد فلايجوز لزوجته أن تنكح زوجًا آخر شأنَ النساء الهندوسيات المتوفى عنهن أزواجُهنَّ.

       هذه وما إليها من التقاليد والخرافات كانت شائعة ومتوارثة في معظم قطاعات المجتمع الهندي المسلم.

أسباب البدع والتقاليد:

       يرجِع وجودُ هذه البدع والتقاليد في المجتمع إلى الأسباب الآتية:

       1- أنَّ المسلمين تركوا أثرًا كبيرًا على سكان الهند من الهندوس وأنماط حياتهم وأساليب عيشهم، كما تأثَّروا هم أنفسُهم بهم في حياتهم الدينية والاجتماعية بحكم مساكنتهم وجوارهم وفقًا للتفاعل الاجتماعي.

       2- أنَّ المشايخ وعباد الله الصالحين قاموا بمهِمَّة الدعوة الإسلامية في الهند، فدخل الناس أفواجًا في دين الله على أيديهم، ولم يَتلقّ الحديثو العهد بالإسلام تربية إسلامية، فبقي فيهم كثيرمن تقاليد دينهم السابق وثقافتهم القديمة، وظلوا يمارسون تلك التقاليد حتى بعد اعتناق الإسلام.

       3- أنَّ معظم المسلمين في الهند أسلموا على أيدي المشايخ الربانيين ورجال التزكية والإحسان، فأكرموهم غاية الإكرام، وعظَّموهم أشدَّ التعظيم حتى تخطوا بهم إلى حدود الإلهية، واعتقدوا لهم حق التصرف والتأثير في شؤون الناس ومعاملاتهم، فنشأت فيهم بدع خرافات و تقاليد لا تحصى فيما يتعلق بمواليدهم ووفياتهم وقبورهم.

       ثم إنَّ الملوك المسلمين قاموا ببناء القِباب على قبورهم، ووقفوا لها الأراضي، ممَّا جَعَلها مزَارًا لعامَّة الناسِ في جانبٍ، ومصدر عيشٍ رغيدٍ لكثيرمن الأسر المسلمة التي تتولى الإشراف عليها في جانب آخر.

       4- أنَّ كثيرًا من علماء السُّوء و المشايخ المحترفين استغلُّوا التقاليد والخرافات والجهل والأمِّية في المجتمع، فلم ينكروا عليها، بل أقرّوها و أيَّدوها وحافظوا على بقائها نيلًا للمكاسب المادِّية، وقد بلغ بهم التلاعبُ بالدين أنهم يُعفون الناس من الصلاة، ومن الصوم لقاءَ مبلغ أو طعام.

       5- أنّ عددًا من الطقوس الوثنية في المجتمع الهندي كان مصدرُها وجودَ الشيعة ودويلاتهم وأمراءهم وحكامهم الذين كانوا يستخدمون أساليب شتى لنشرالمذهب الشيعي في هذه البلاد، فكان المسلمون السُّذج من أهل السنة والجماعة يُمارسون طقوس الشيعة وتقاليدهم من حيث لا يشعرون.

       6- أنّ فشوّ الأمية، وقلة نسبة التعليم، والبعد عن الدين في المجتمع من أهم أسباب وجود وانتشار البدع والخرافات في المجتمع الهندي. لذلك فقد نرى أنه عند ما انتشر التعليم في المجتمع قلَّت البدع و الخرافات وعاد كثير من الناس إلى الدين الصحيح.

حركة إصلاح المجتمع:

       بدأ الإمام ولي الله الدهلوي حركة إصلاح المجتمع وتطهيره من التقاليد الوثنية والعادات الجاهلية، فانتقدها انتقادًا شديدًا، وأنكر على علماء السوء والمشايخ المحترفين تأييدَها، حتى شبَّههم بعلماء اليهود الذين كانوا يشترون بآيات الله ثمنًا قليلاً.

       ثم تقدَّم الشيخ إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي بهذه الحركة، حيث ألَّفَ كتابيه: «تقوية الإيمان» و «الصراط المستقيم» في انتقاد البدع والتقاليد الجاهلية السائدة في المجتمع، فكان هذا الكتاب حربًا شعواء على البدع ومؤيِّديها من العلماء المحترفين.

       كما ألقى خطبًا حماسية ساحرة في إنكار البدع، وإصلاح المجتمع، وإرشاد الناس، وانتقاد علماء السوء، مما هدى كثيرًا من الناس إلى الصراط المستقيم.

        لقد أثارت جهودُ الشيخِ حفيظةَ علماء السوء وسخطَهم؛ لأنهم خافوا على مطامعهم المادِّية التي كانوا يُحصِّلونها باستغلال البدع والعادات الجاهلية في المجتمع. فرموه بالكفر، واستعانوا بالأمراء على فرض الحظر على إلقائه الخطاب في جامع دهلي، وحاولوا محاولات شتى لاغتياله.

حركة الإمام أحمد بن عرفان الشهيد:

       ثم بدأ السيد أحمد بن عرفان الشهيد(المتوفى سنة 1246هـ) وصاحباه الشيخ عبد الحي بن هبة الله البرهانوي، والشيخ إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي جولته الإصلاحية والدعوية والجهادية، فزار السيد وصاحباه كثيرًا من مدن الهند وقُراها يدعون الناس إلى الله، والتمسك بالسنة، وأداء الفرائض، وهجر البدع والخرافات، واجتناب النواهي والمنكرات. فكان الشيخ إسماعيل، والشيخ عبد الحي يقومان بالوعظ، والإرشاد، والإصلاح، فتاب على يد السيد أحمد خلق لا يُحصي عددَهم إلا الله، وتابوا عن الشرك، وعادات الجاهلية، وشعائر الوثنية، وبايعوا على الجهاد في الله.

       كانت هذه الحركة موفَّقة جدًا، فنفع  الله بها خلقًا يبلغ عددهم إلى الألوف. وانتهت الحركة بشهادة الإمامين: الشيخ السيد أحمد الرائ بريلوي، والشيخ محمد إسماعيل الدهلوي في «بالاكوت» سنة 1246هـ(1).

جهود مشايخ ديوبند الإصلاحية والدعوية:

       ثم تقدَّم إلى المجالِ مشايخ ديوبند وعلماؤها- ورَثة أسرة الإمام ولي الله الدهلوي في العلم والدعوة والإصلاح والتوجيه- وقاموا – إلى مقاومة  الفرق الضالة- بقيادة الحركة الإصلاحية والدعوية التي فجَّرها السيد إسماعيل الدهلوي لمحاربة البدع والخرافات والتقاليد الجاهلية والعادات الوثنية السائدة في المجتمع الهندي. وذلك بما يلي:

       1- أنَّهم درسوا أنَّ وجود البدع والخرافات في المجتمع الهندي مرجِعُه الجهلُ بالدين، والبعدُ عن التعليم، وفُشُوُّ الأمِّية فيه، فإذا عرف الناس الدين، وانتشر التعليم في المجتمع تزول البدع والخرافات بشكل عفوي.

       فقاموا بإنشاء دار العلوم/ ديوبند، والجامعات والمدارس و الكتاتيب الإسلامية نشرًا للعلم الشرعي و تعميمًا للثقافة الإسلامية في المجتمع. فهي الآن تخرِّج فوجًا من العلماء سنويًا يقومون ببثِّ الوعي الديني ومحو الأمِّية في المجتمع الهندي.

       2- أنَّهم أنشاؤوا الزوايا للتزكية والتربية الإسلامية، منها زاوية الشيخ فضل رحمن الكنج مرادآبادي، وزاوية الشيخ عبد الرحيم الرائفوري، وزاوية الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي، و زاوية الشيخ أشرف علي التهانوي، فلهذه الزوايا دور كبير في إصلاح المجتمع، حيث إن كثيرًا من الناس- بفضل انتشار الوعي الديني- تركوا الحياة الحافلة بالبدع والخرافات، وعمدوا إلى الزوايا لتزكية نفوسهم وتهذيب أخلاقهم، فتلقوا فيها التربية الإسلامية، وعادوا يعيشون الحياة الإسلامية.

       3- أنّهم قاموا عن طريق دور الفقه والإفتاء ببيان الحكم الشرعي في التقاليد والعادات السائدة في المجتمع، والإنكار عليها دونما لين وهوادة. فهذا الفقيه المحدث الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي يُجيب على ما يرِد إليه من الأسئلة عن القبر وزيارته وتقبيله والاستعانة بصاحبه وما إليه في ضوء الكتاب والسنة، ولا يأخذه في الله لومة لائم.

       فقد سُئل ما هو الحكم الشرعي في زيارة القبور وتقبيلها؟.

       فأجاب بأنَّ تقبيل القبور حرام، وهو عبادة أهل الكتاب من اليهود والنصارى.

       وسُئل هل يجوز دعاء أصحاب القبور؟.

       فأجاب بأنَّ دعاء أصحاب القبور بأن يقضُوا له الحاجة فحرام وإشراك بالله، وأما أن يدعوا الله له فهذا أمر مختلف فيه بين القائلين بسماع الموتى وعدمه، وإني لا أقضي بين المسائل المختلف فيها، وإنما أختار الأحوط [أوثر عدم الجواز].

       وكذلك سئل: ما هو الحكم الشرعي في إطعام المساكين في أيام محدَّدة من ربيع الأول، والمحرام الحرام، والشهور الأخرى ذات الصلة بمواليد ووفيات المشايخ والصالحين؟ وهل يجوز أكل هذا الطعام أم لا؟

       فأفتى بأنَّ تحديد الأيّام هذا بدعة وضلالة، وأما الطعام – إن  كان المطعم ينوي إهداء الثواب للمشايخ- فأكله مباح. وإن كان يطعم باسم المشايخ – دون أن ينوي إهداء الثواب لهم- فأكله حرام ويأتي ضمنَ ما أهلَّ به لغيرالله. وأمثال هذه المعتقدات تؤدي إلى الكفر.

وكما سئل: ما هو الحكم الشرعي فيما يجتمع القراء والأقارب والمعارف في اليوم الثالث بعد وفاة الرجل، ويقرؤون سورًا وآيات معينة من القرآن، ثم يدعون رافعي أيديهم يُهدون للميت ثواب ما قرؤوا. وبعد ذلك يعطي ورثة الميت  القرَّاء كميةً من الحبوب؟

       أجاب: بأنَّ الاجتماع للميت في اليوم الثالث تشبُّه بالهندوس، لأنَّه عادة متّبَعة لديهم، فهو حرام لقوله عليه السلام: من تشبَّه بقوم فهو منهم، وأما تحديد اليوم الثالث فبدعة لا أصل له في الشريعة، وأما القرَّاء فهم يقرؤون القرآن طمعًا في المال. و ورثة الميت يعرفون ما يعطونهم من الأجرة، كما يعرفون هم أنفسهم- القراء- ما ينالونه، فما قُرِئ من القرآن كسبًا للأجرة فلا ثواب عليه للقارئ، ولا للميت. فهذا تصرف باطل وتعامل حرام. وهذا ليس تصرفًا يُثَابُ عليه، وإنما هو معصية، ولا ثواب فيه للميت. ويأثم كلٌّ من معطي الأجرة وآخذها.

       ومن التقاليد المتبعة في الهند أنه يُعْقد مجلسُ ميلاد في البيوت مرتين أو أكثر في سنة، وللمجلس آداب وطقوس خاصة تُمارس فيه، فسُئل عن عقد هذا المجلس، فأبان مشايخ ديوبند الحكم الشرعي له في فتوى وقَّع عليها الشيخ الكنكوهي وأضاف:

       إنَّ مجلس الميلاد السائد في هذه الأيام بدعة، ومكروه كراهةَ تحريم؛ لأنه يداخله أمور مكروهة، وأما القيام فيه لما فيه من خصوصية فبدعة، وأما إنشاد الأمارد المدائحَ النبويةَ فمكروه؛ لأنه مثير للفتنة، وقراءة الفاتحة بشكل متَّبع بدعة، إلى كونها تشبُّهًا بالهندوس، لذلك فهومحظور، وأما إهداء الثواب بدون هذا الشكل فجائز، وأما تحديد اليوم الثالث أوالعاشر أوالأربعين فمن تقاليد الهندوس. وإهداء الثواب من غير تحديد يوم وتشبُّهٍ بقوم آخرين جائز.

       كذلك وقّع الشيخ الكنكوهي على فتوى صادرة من عدد من العلماء الهنود يحرم فيها الاستمداد بالقبور.

       وقال في زيارة قبور المشايخ :

       «إن زيارة الناس قبور المشايخ، وضربهم آباط الإبل إليها من أماكن نائية، وتحمُّل مشاق السفر في سبيل الوصول إليها مما يؤدّي بهم إلى ظلمات الشرك، ويقرِّبهم إلى غضب الرحمن. فهم يعتبرون هذا السفر كالحج بل أفضل منه، ويُحرِمون بلباس الإحرام، ويأخذون أنفسَهم بأمور يُراعونها في السفر. وجملة القول أنَّ السفر إلى قبور المشايخ ينفعُ نقيّ السرائر بعضَ النفع، إلا أنه يضرُّعامة الناس ضررًا لايُوصف. فعلى عامة الناس وخاصّتهم أن يجتنبوا هذا السفر كلَّ الاجتناب»(2).

       هذا إلى أنّ مشايخ ديوبند ومتخرجيها في ذلك العهد ألفوا كتبًا شتى في إنكار البدع والخرافات مثل: تحذير الناس للإمام محمد قاسم النانوتوي، وبراهين قاطعة للشيخ خليل أحمد السهارنفوري، وحفظ الإيمان، و إصلاح الرسوم للشيخ أشرف علي التهانوي، وما إليها.

       فذلكة الكلام أنَّ مشايخ ديوبند تتبَّعوا جميع التقاليد الوثنية والعادات الجاهلية الضاربة الجذور في المجتمع الهندي وبيَّنوا حكمها في ضوء الكتاب والسنة، ولم تأخذهم رأفة في دين الله، مهما يجلب لهم ذلك استياء وغضبًا من عامة الناس وخاصتهم.

رميهم بالوهابية:

       هذا وقد غاظت حركتُهم الإصلاحية والتوجيهية هذه طبقةً من العلماء، وهم علماء السوء الذين كانوا يريدون أن يكون المجتمع غارقًا في أوحال الخرافات والتقاليد التي لم ينزل الله بها من سلطان، ليجعلوا عامَّة الناس فريسةً طيَّعةً لتحقيق أطماعهم المادِّية. لم يكن بوسع هؤلاء أن يُدعِّموا هذه البدع والخرافات بالأدلة الشرعية؛ لانَّ بطلانها كان ظاهرًا. إلا أنَّهم استخدموا سلاحًا آخرلمحاربة هولاء الدعاة والمصلحين، وهو سلاح الدعاية الكاذبة والتشهيربهم والافتراء عليهم حتى يعودوا غيرَ موثوقٍ بهم في نظر عامة المسلمين،  فتتبخَّر جهودهم ومحاولاتهم للإصلاح والإرشاد والتوجيه.

       رموهم بالوهابية – لتشابه حركتهم بحركة مُجدِّد الدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في نشر عقيدة التوحيد المتوارثة من السلف وإنكار البدع والخرافات- شأنَ الإنجليز الذين طالما جرَّبوا هذا السلاح ضدَّ أعدائه، وأشاعوا ضدَّهم بأنهم يحاربون الضرائح القرطاسية، ويهدمون المصطبَّات التي تُوضع عليها الضرائحُ، ويُحرَّقون الأعلام التي تُرفع في المحرم، وينهون عن الدعاء لدى مقابر المشايخ وأولياء الله، وإنارتها بالشموع، وعقد مجلس الميلاد، فهؤلاء وهابيون وكفرة مرتدون، يجب على المسلمين تكفيرُهم، ومن لم يُكفَّرهم فهو كافر، وهم أتباع محمد بن عبد الوهاب النجدي الذي كان قد خرج لهدم القبَّة الخضراء على قبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهو وأتباعه كفرة مرتدون.

       وهبَّ منهم عالم وهو الشيخ عبد السميع الرامفوري وألَّف كتابًا باسم «انوار ساطعة» أيّد فيه مسلك أهل البدع والأهواء، وهو أول كتاب ألَّف في مناصرة البدع والخرافات وتأئيدها. وقد قام الشيخ خليل  أحمد السهارنفوري بالرد عليه في كتاب أسماه «البراهين القاطعة»، وأشبع فيه موضوع السنة والبدعة بحثًا وتنقيحًا.

حركة  التكفير يقودها أحمد رضا خان:

       ثم قام أحمد رضا خان البريلوي المتوفى1340هـ رأس أهل البدع والأهواء، واقتبس نصوصًا من كتب كلٍّ من الإمام محمد قاسم النانوتوي، والشيخ رشيد أحمد الكنكوهي، والشيخ خليل أحمد السهارنفوري، والشيخ أشرف علي التهانوي، وفسَّرها تفسيرًا لا يرضى أصحابها واستنبط منها عقائد باطلة من إنكار ختم النبوة، وإمكان كذب الله عزَّوجل، وكون علم أبليس اللعين أكثرمن علم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وما إلى ذلك.

       والطريف أنَّه قرن نصوص كتب الميرزا غلام أحمد القادياني ومعتقداته الباطلة إلى نصوص هؤلاء المشايخ ممَّا قوَّى دعواه. فكفَّرهم جميعا في كتاب سمَّاه «المعتمد المستند» وذلك عام 1320م.

       ثم نقل تلك النصوص إلى العربية، وسافرإلى الحجاز سنة 1324هـ واستفتى علماء الحرمين الشريفين عن أصحاب هذه العقائد.

       وبما أنَّ العقائد التي عزاها الرجل إليهم كانت باطلة أفتى علماء الحرمين بتكفيرهم، ثم عاد إلى الهند ونشرتلك الفتوى في كتاب سماه «حسام الحرمين».

       وبعد ما عاد إلى الهند اطّلع علماء الحرمين على دجل وخداع الرجل في حمل نصوص المشايخ على غير محاملها واستنباط العقائد الباطلة منها، فاستوضحوا المشايخ  بأسئلة عن تلك العقائد، فكتب الشيخ خليل أحمد السهارنفوري إجابات على تلك الأسئلة، وأوضح أنهم يعتقدون بنفس عقائد أهل السنة والجماعة، وسمّى هذه الإجابات «المهند على المفند».

       كما ألّف شيخ الإسلام حسين أحمد المدني كتابه المعروف بـ«الشهاب الثاقب» أوضح فيه الستار عن خيانة أحمد رضا خان وافترائه. 

       وقد بيَّن كلُّ من هؤلاء المشايخ المستهدفين في كتاباتهم أنهم بَرَاءٌ من تلك العقائد، ويكفِّرون من يعتقد بها، وأنها لم تخطر لهم على بال بَلَهَ الاعتقادَ بها.

       ونتيجةً لمحاولة الرجل الماكرة الخبيثة أصبح أهل الأهواء والمبتدعون فرقة تسمى «البريلوية» أو «الرضاخانية»، وهم يُكفّرون مشايخ ديوبند وعلماءها ومنسوبيها، ويُكفِّرون من لا يُكفِّرهم، ويخلعون الشرعية على جميع البدع والخرافات والعادات السائدة في المجتمع.

       وقد شرح مشايخ ديوبند نصوصهم، وبينوا معانيها غيرمرة وأوضحوا عقائدهم حتى يتبين الحق للناس، كما ناظروهم المناظرة تلو المناظرة على رؤس الأشهاد ليحقوا الحق ويبطلوا الباطل إلا أنهم لم يكفُّوا عن تكفيرهم، ولم يقلعوا عن ممارسة البدع واتباع الأهواء مكابرة وعنادًا(3).

       ومن مشايخ ديوبند وعلمائهم الذين ناظروهم الشيخُ خليل أحمد السهارنفوري، والشيخ مرتضى حسن التشاندفوري، والشيخ أسعد الله الرامفوري، والمفتي محمود حسن الكنكوهي، والشيخ أبو الوفاء الشاهجهانفوري، والشيخ محمد منظور النعماني، والشيخ إسماعيل السنبهلي، والشيخ نور محمد التاندوي، والشيخ إرشاد أحمد الفيض آبادي، ومن إليهم.

       كما ألفوا  في هذا الموضوع كتبًا كثيرة  بلغ عددها حوالي 80 كتابًا، أخص منهم بالذكر الشيخ مرتضى حسن التشاندفوري، والشيخ محمد منظور النعماني، والشيخ نور محمد التاندوي، والشيخ سرفراز خان صفدر ومن إليهم.

*  *  *

الهوامش:

(1)       انظر للاستزادة من  حركة الإمام أحمد بن عرفان الشهيد الرائ بريلوي، كتاب: إذا هبت ريح الإيمان، للشيخ أبو الحسن علي الندوي.

(2)       فتاوى رشيدية كامل ص: 183هامش 2 ص 169.

(3)       انظر للاستزادة في الموضوع: دارالعلوم ديوبند احياء اسلام كي عظيم تحريك، ص:351-435.

* * *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، رجب 1437 هـ = أبريل – مايو 2016م ، العدد : 7 ، السنة : 40


(*)   أستاذ قسم الأدب العربي بالجامعة الإسلامية: دارالعلوم ديوبند (الهند)

      sajidqasmideoband@gmail.com

Related Posts