دراسات إسلامية

بقلم:  الأستاذ محمد ساجد القاسمي (*)

4- الشيعة

       لم يزل ملوك وولاة معظم الحكومات الإسلامية في الهند بما فيها الحكومة المغولية يتمذهبون بمذهب أهل السنة والجماعة، وقد قامت إمارات ودويلات للشيعة في بعض أجزاء من البلاد، أجدرها بالذكر الحكومة البهمنية (1347-1527م) وحكومة أودهـ (1722-1858م)، وإمارة رامفور (1774-1949م).

       تاريخ علاقات ملوك الهند بإيران يرجع إلى عهد همايون، حيث هزمه شيرشاه السوري ، فلجأ إلى إيران، وساعدته الحكومة الصفوية في استعادة الحكم من يدي شيرشاه، فمنذ ذلك الحين قامت العلاقات بين الملوك المغول وبين حكومة إيران، ثم تتابع الشيعة إلى الهند على عهد أكبر، وعهد جهانكير. وفي عهد جهانكير تولَّوا مناصب هامة في الحكومة المغولية، ونالوا إقطاعات، وأصبحوا أصحاب نفوذ وسلطة، وذلك بفضل الملكة نورجهان زوج جهانكير.

       وقد ازدادَ نفوذُهم وتدخُّلهم في الحكومة المغولية لاسيما بعد وفاة الملك أورنك زيب عالمكير، حتى أصبح «سادات بارها» (إحدى طوائف الشيعة) يَعزِلون ملكا وينصبون آخر؛ فلُقِّبوا بـ«صُنَّاع الملوك».

       لقد كان الشيعة في الهند يقومون بدور الطابور الخامس، فقد مالؤوا الإنجليز وظاهروهم في إسقاط الحكومات الإسلامية، مثل: حكومة سلطان تيبو، وحكومة سراج الدولة، أو إضعافها مثل: دعوتهم المرهة لغزو الحكومة المغولية في دهلي للسيطرة عليها، وإخراج بعض مناطقها منها وإتاحة الإنجليز فرصة الاستيلاء عليها، وما إلى ذلك.

       وقد بلغ من نفوذهم وقُوَّتهم أنه لم يكن أحد يستطيع أن يعارضهم أو ينبس ببنت شفة ضدهم، فإذا تجرَّأ أحد على ذلك ذاق مرارة عذابهم، وقد حدث ذلك مع الإمام ولي الله الدهلوي المتوفى سنة 1176هـ، حيث خلعوا يديه، لئلا يؤلَّف أيَّ كتاب ضدَّهم، فقد كان ألَّف «إزالة الخفاء في خلافة الخلفاء»، و«قرة العينين في تفضيل الشيخين»، ونَفَوا من دهلي ابنَيه: الشاه عبدالعزيز الدهلوي المتوفى سنة 1239هـ، والشاه رفيع الدين الدهلوي المتوفى سنة 1233هـ، وآذوهما إيذاءً شديدًا، كما قتلوا الشيخ مرزا مظهر جان جانان المتوفى سنة 1195هـ، وذلك عقابًا على ما قالوا فيهم أو ألَّفوا ضِدَّهم.

       ومما يُقضى منه العجبُ أنّ الشيعة مازال عددهم أقل بكثير من عدد أهل السنة والجماعة في البلاد، إلا أنهم استطاعوا بمكرودهاء أن يغرسوا في قلوب أهل السنة ذوي الكثرة الكاثرة معتقداتهم الباطلة وينشروا في مجتمعهم طقوسهم الدينية.

       ومن عقائد الشيعة وأعمالهم وطقوسهم التي يمارسونها في الهند صُنع الضرائح القرطاسية(1) وتعظميها و وضعها في البيوت وفي أماكن خاصة لها، وتقديم  النذورلها. ومن طقوسهم أنهم يخرجون بها في موكب من الناس حاملين على رؤسهم أو على أكتافهم ويطوفون بها في قريتهم أو مدينتهم، فإذا انتهى المطاف يدفنونها في مكان خاص يسمونه «كربلاء».

       ويحتفلون بشهرمحرم، ويعتبرونه شهر الحزن- لمقتل حسين بن علي رضي الله عنه فيه- فلايتزوجون فيه، ويذكرن مقتل الحسين، ويقيمون المناحة، ويعقدون مجلس المراثي، وينحون باللعنة على الصحابة ويطعنون عليهم، ويدعون عليًا بالإمام وعليه السلام، وكذلك الحسين ابنه، ويعتقدون بأن عليا وصي الرسول –صلى الله عليه وسلم-، ويُفضِّلونه على الخلفاء الثلاثة، ويطعنون عليهم، وإذا مرض أحد يستشفون بذكر الخمسة قائلين:

لي خمسة أطفئ بها حرَّ الوباء الحاطمه

المصطفى والمرتضى وابنا هما والفاطمة

       معظم هذه العقائد والأعمال قد تسربت إلى المجتمع الهندي المسلم، وتجذرت فيه، فكان أهل السنة يمارسون هذه الأعمال مثلما يمارسها الشيعة، بل ربما يفوقونهم في ممارستها بنشاط ورغبة.

       وقد استخدم الشيعة أساليب من الرغب والرهب لنشرمعتقداتهم و طقوسهم في المجتمع المسلم، فكانوا يُرغِّبون أهل السنة في ذلك بوقف الأراضي للحسينيات والمصطبات التي توضع فيها الضرائح. كما كان السراة والإقطاعيون من أهل السنة يمارسون طقوس الشيعة هذه، أو يتظاهرون بكونهم من الشيعة حفاظًا على إقطاعاتهم وأراضيهم.

       ومن العجب أن أهل السنة من المسلمين كانوا يمارسون طقوس الشيعة وأعمالهم ولا يشعرون بأنها طقوس وثنية، بل يحسبونها جزءًا من الشعائر الإسلامية، ويعتزُّون بها ويعضُّون عليها بالنواجذ.

       قد انصبغ المجتمع  الهندي المسلم كله بصبغة الشيعة، وجرى منه الطقوس الشيعية مجرى الدم. فكان يجري على ألسنة عامة أهل السنة من غير شعور منهم «ياعلي» إذا حَزَبَ الأمرُ وجَدّ الجدُّ، ويُسمى الأولاد: بـ بنده حسن( عبد الحسن) ومولى على( عبد العلي)، ويُذكرعلي رضي الله عنه بالإمام وعليه السلام، كما يُذكرالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وما إلى ذلك.

بدء حملة الإصلاح:

       لقد رأى الإمام ولي الله الدهلوي انتشار المعتقدات الشيعية في المجتمع الهندي المسلم ، وخطرها على عقائد أهل السنة من المسلمين، فبدأ حملة الإصلاح، حيث ألَّف «إزالة الخفاء في خلافة الخلفاء» و«قرة العينين في تفضيل الشيخين» وأشبع فيهما قضية الخلافة وأحقِّيَّتها، وتفضيل الشيخين على غير هما من الصحابة بحثًا وتحقيقًا.

       كما ألَّف نجلُه  الشاه عبد العزيز الدهلوي «التحفة الاثناعشرية»، فهو كتاب قيم في موضوعه، لم يُؤلِّف مثله في الرد على الشيعة.

       وقد قوَّض هذا الكتاب بُنيان المذهب الشيعي وأسقط دعائمه.

       ألف المؤلفون من الشيعة كتبًا شتى للردّ على هذا الكتاب العظيم، ولكنها لم ترتق إلى المستوى العلمي المطلوب. وأدرك المؤلفون أنفسهم بأنهم لم يتمكنوا من الردَّ عليه ردًّا كافيًا وافيًا.

       وقد لقيت أسرة الإمام ولي الله ولا سيما نجله الشاه عبد العزيز أذى كثيرًا من الشيعة لقاءَ مؤلفاتهم عنهم.

الإمام محمد قاسم النانوتوي

وجهوده في الرد على الشيعة:

       ثم قام الإمام محمد قاسم النانوتوي بتأليف الكتب في الرد على معتقدات الشيعة، مثل: «هدية الشيعة»، و«الأسولة الخاملة»، و«أجوبة الأربعين» وأرسل الرسائل العلمية إلى من سأله عن الشيعة وعقائدههم وطقوسهم يرد فيها على معتقداتهم الباطلة وتقاليد هم الوثنية.

       وقد ساهم الإمام بنفسه في حملة الإصلاح هذه، فقد كان تقليد وضع الضريح القرطاسي في بيوت أهل السنة من المسلمين ومساجدهم متَّبَعًا على عهده، وقد منع أحد تلاميذه من وضعه في مسجد في حي «محل» في ديوبند، فغضب عليه الناس من أهل السنة، وأصبحوا ضّده، فوقف بجانبه الإمام وأيّده قائلا: لن أسمح بممارسة هذا التقليد الشيعي أو أقتل. فلما رأى الناس جدّ الإمام وافقوه في رأيه وتركوا تقليد وضع الضريح  في البيوت والمساجد للأبد.

       وقد وُجِّه إليه أسئلة كثيرة فيما يتعلق بمعتقدات الشيعة وتقاليدهم السائدة في المجتمع الهندي، فأجاب على كلّ ذلك في صراحة ووضوح.

       سُئل عن إيمان الشيعة وكفرهم، فأجابَ بالفارسية:

       «شيعه وخوارج وغيرهم وأهل بدعت وأهواء نه مؤمن أند نه كافر، وهم مؤمن أند، وهم كافر، الغرض قسم ديگر أند».

       أي: الشيعة والخوارج ومن إليهم، وأهل البدعة والأهواء ليسوا مؤمنين، ولا كافرين. وهم مؤمنون وكافرون كذلك. وجملة القول أنهم من النوع الآخر.

       ثم بيَّن هذا الإجمال بأنهم ليسوا من جماعة المسلمين؛ لأنَّهم لا يتبعون الكتاب والسنة [كما هو المطلوب منهم]، وليسوا من جماعة الكفار؛ لأنهم يقولون بالتوحيد والنبوة، ولا يكذَّبون الكتاب والسنة، وينطقون بالشهادة، ويؤدُّون الصلاة والزكاة والصوم والحج. وبجانب ذلك يعتقدون عقائد باطلة، ويتَّبعون أهواءهم، ممَّا يحول دون اتِّباعهم سواء السبيل.

الشيخ  رشيد أحمد الكنكوهي

وجهوده في الرد على الشيعة:

       كما قام العلامة المحدث رشيد أحمد الكنكوهي بالردّ على الشيعة ، حيث ألف كتابه «هداية الشيعة»، وأفتى عن مئات الأسئلة التي وُجِّهت إليه عن الشيعة وأعمالهم لاسيما الضريح القرطاسي والاحتفال بالمحرم، أفتى عن كل ذلك في ضوء الكتاب والسنة دونما لينٍ وهوادةٍ.

       فمثلا: سُئل: هل يجوز حضورُ الضرائح القرطاسية للتفرُّج؟، بينما يقول بعض الناس: لا بأس بمشاهدة الضرائح لأنها كمشاهدة صورة الكعبة المشرفة التي يأتي بها الحجاج والمعتمرون، فما هو الحكم الشرعي في هذه المسألة؟.

       فأجاب: إنّ الضريح القرطاسي وثن، وأما صورة الكعبة فمثل صورة البيت لا يعبدها أحد من الناس، فإن عبدها كُفِّرَ.

       وكذلك سُئِلَ: ما هو الحكم الشرعي في اعتقاد يوم عاشوراء يوم مقتل حسين بن علي رضي الله عنه، وإقامة المناحة فيه، وعقد مجالس ذكر مقتله، وحكاية قصة مقتله، وإهداء الثواب والتصدق بالمال، والتبرك بما يُطبخُ  فيه ويُوَزَّع من الطعام؟.

       فأجاب: لا يجوز ذِكر مقتل الحسين في العشرمن المحرم تَشَبُّهًا بالروافض، وأما إقامة المناحة فحرام، وأما حكاية ما لا يطابق الواقع فحرام على الإطلاق، و تحديد أيام للتصدق معتقدًا زيادة الأجر فيها بدعة وضلالة، وكذا تحديد الطعام بيوم باطل(2).

       وسئل: أ كَفَرَةٌ الروافض أي الشيعة أم فَسَقة؟

       أجاب: في المسألة اختلاف العلماء، والأرجح عندي كفر الروافض الهنود(3).

جهود الشيخ  خليل أحمد السهارنفوري

في الرد على الشيعة:

       وقد تَبِعَهما في ملاحقة الشيعـة والرد عليهم الشيخ خليل أحمـد السهارنفوري المتوفى سنة 1346هـ  صاحب «بذل المجهود في حلِّ أبي داود»، فأيام كان الشيخُ يَعملُ مدرسًا في مدينة «بهاولفور» ظهرَ كتابٌ لرافضـي وهـو «فـرزنـد حسين» في مسألة الخلافة، وقد طعــن فيه على الخلفاء الثلاثة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم، فطلب الناس من الشيخ أن يردّ عليه.

       فتناول الشيخ كتابه بالدراسة والانتقاد، وألف في الرد عليه كتابًا ضخمًا أسماه «هدايات الرشيد إلى إفحام العنيد» في نحو 900 صفحة.

       ثم درسَ مذهب الشيعة دراسة واسعة وألَّف كتابًا سمَّاه «مطرقة الكرامة». كما ناظر علماء الشيعة مناظرات عديدة أشهرها مناظرة مدينة «أمروهه». بينما كان الشيخ خليل أحمد في المناظرة فيها إذ تُوُفِّي شيخ الهند محمود حسن الديوبندي في دهلي ونُقِلَ جثمانُه إلى ديوبند، حيثُ صُلِّيَ عليه ودُفِنَ. رغم ذلك لم يُغادر الشيخ إلى ديوبند، و إنما مكث في مدينة أمروهه بعد إسكاتهم وإفحامهم، لئلا يقول الناس: إنه فرَّ من المناظرة يجُرُّ أذيال الهزيمة.

جهود وجهاد الشيخ  عبد الشكور الفاروقي اللكنوي

في مقاومة الشيعة:

       ثم قام العلامة الشيخ عبد الشكور الفاروقي اللكنوي  المتوفى 1381هـ المعروف في شبه القارة الهندية بـ«إمام أهل السنة والجماعة» بشنّ حملة واسعة للردّعلى الشيعة بأساليب متنوعة من المناظرة والتاليف وإصدار الصحيفة الأسبوعية.

       لم تُنجب الهند عالمًا أوسع علمًا بالمذهب الشيعي، وأشمل دراسة له، وأكثر اطلاعًا علي مصادره منه بعد الشاه عبد العزيز الدهلوي.

       لقد درس الموضوع من مصادره، واشتغل به نحو نصف قرن، و وقف له حياته، وترك كتبًا ومؤلفات قيمة في الموضوع ، لا يستغني عنها من يتصدّى للرد عليه بعده.

       بدأ العلامة حركته الواسعة في الردِّ على الشيعة من مدينة «لكناؤ» عاصمة الشيعة الحكومية والدينية في هذه البلاد، حيث ناظر «مقبول أحمد الشيعي» فسكَّته وبكّته بأدلة لم يحرلها جوابًا.

       لقد درس مصادر الشيعة دراسةً واسعةً، فتوصّل إلى أن الشيعة لا يؤمنون بالقرآن، وبالتالي لايؤمنون بنبوة محمد –صلى الله عليه وسلم- وكونه خاتم النبيين، وتوفرت لديه أدلة قاطعة من كتبهم الموثوق بها على هذين الأمرين، فتساءل: إن كانوا لايؤمنون بالقرآن وبنبوة محمد –صلى الله عليه وسلم- فأي متسع لهم في الإسلام؟.

       ظل يُقاوم الشيعة نحو نصف قرن، وناظر علماء الشيعة  في مختلف مدن البلاد، فكلَّما ناظرهم كشف عُوارهم وأبدى سوءتهم وفضحهم على رؤس الأشهاد. وقد ساعده في هذا الأمر كتب الشيعة ومصادرهم التي ظفِر بها و التي يخفونها على ذوي العلم كالمال المسروق.

       ومن أعماله الجليلة  أنه أنشأ صحيفة «النجم» الأسبوعية من مدينة «لكناؤ»، ليستكمل بها حملته التي شنَّها ضِدَّ الشيعة، فكانت الصحيفة تثير القضايا والمسائل التي كانت تكون ذات صلة بالشيعة. لذلك كان قراءها من الشيعة أكثر من أهل السنة والجماعة. وكان للصحيفة صدى وتأثير في الأوساط الشيعية. ويمكن معرفة مدى تأثيرها أن الصحيفة نشرت بحثا في موضوع «العصمة»، فقرأه أحد الموظفين الرسميين من الشيعة، وأعجب به أشدَّ الإعجاب. فقال لعلمائه: أجيبوا عن بحث العصمة الذي نُشِرَ في صحيفة «النجم» إجابة مقنعة، وإلا أعتنق مذهب أهل السنة والجماعة.

       لقد كتب في مقاومة الشيعة والرد عليهم أكثر من عشرين ألف صفحة، وترك كتبًا قيمة في الموضوع لا غنى عنها للباحثين في موضوع الشيعة، وناظر علماءهم مناظرات كثيرة تسع مداولاتها مئات من الصفحات. وظلت جهوده هذه مستمرة حوالي نصف قرن.

       هكذا أقام سدًا منيعًا في وجه التيار الشيعي في هذه البلاد، وأنقذ كثيرًا ممن تورطوا في حبائل الشيعة، وأرشد الذين كانوا يمارسون طقوسهم عن جهل إلى الصراط المستقيم.

       ومن أهم مؤلفاته «سيرة الخلفاء الراشدين» و «الموسوية» و«القول المحكم» و«آيات محكمات» و «قاتلان حسين كي خانه تلاشي» (قتلة الحسين في محكمة التفتيش) و «تحريف كي خانه ساز كي حقيقت كا جواب» (الإجابة عن حقيقة التحريف المصطنعة) و «تنبيه الحائرين» و «أبو الأيمة كي تعليم» (موقف علي من الخلفاء الثلاثة)، و «تحقيق آل وأهل بيت» و«نصرت غيبية» و«قاطع اللسان» و«شرح حديث الثقلين» و«مئتا مسألة فيما يتعلق بالمذهب الشيعي» وما إلي تلك.

       كما أسلفت أنَّ مدينة «لكناؤ» ظلَّت عاصمة الحكومة الشيعية منذ قرون، وازدهر فيها المذهب الشيعي، لذلك فقد كانت أجواءها غير مؤاتية، بل مسمومة للمسلمين من أهل السنة الجماعة. كان الشيعة حرقوا فيها  تمثال عمربن الخطاب رضي الله عنه، وحظروا ذكر الخلفاء الراشدين والصحابة علنًا وإنشاد قصيدة في مديحهم في لكناؤ حظرًا قانونيًا، فلما انقرضت فيها حكومتهم، وقامت الحكومة الإنجليزية أقرَّت هذا القانون متعلِّلة بالإخلال بالأمن.

       تحدى الشيخ عبد الشكور هذا القانون، والشيخ حسين أحمد  المدني، والشيخ عطاء الله شاه بخاري، وقال الشيخ المدني: إن مديح الصحابة وذكرهم حق لنا من الحقوق الدينية، لا يجوز الحظر عليه، ولن نتخلى عنه. ثم دعا المسلمين من أهل السنة إلى حركة التمرد على الحظر، وذلك عام1938م، ثم أدخل بعض تعديلات في القانون.

موقف علماء ديوبند من الثورة الإيرانية:

       ولما قامت الثورة الإيرانية عام 1979م على يد المدعو آية الله روح الله الخميني الذي كان يزعم أنه نائب إمام الشيعة الثاني عشر الغائب، والذي نجح لعوامل سياسية واجتماعية في القضاء على إمبراطورية الشاه محمد رضا بهلوي، ودعاها «ثورة إسلامية» وطبّل لها كثيرًا أعجب بها الشباب الإسلامي المتحمس، حتى من غير الشيعة، و أيَّدها بعض الجهات الإسلامية السنية في شبه القارة الهندية عن طريق كتبها وكتاباتها، لأنها أسكرها هتاف «الحكم الإسلامي» و «الحكومة الإسلامية».

       بينما كان الخميني قد صرّح في كتبه الفارسية والعربية بمعتقداته المتعارضة مع الإسلام على طول الخط وعرضه وأفكاره المسمومة فيما يتعلق بالصحابة والقرآن.

       هنالك قام الشيخ محمد منظور النعماني رحمه الله وألف كتابًا بالأرية سماه «إيراني انقلاب خميني اور شيعيت» (الثورة الإيرانية في ميزان الإسلام) كشف فيه  الغبار عن حقيقة الثورة الإيرانية، ورجلها المريض الخميني وأفكاره المتصادمة مع الإسلام وثوابته.

       كما ألف الشيخ نور عالم خليل الأميني(رئيس تحريرمجلة الداعي وأستاذ الأدب العربي بالجامعة) كتابه  المعروف: «الصحابة ومكانتهم في الإسلام» بين فيها مكانة الصحابة في الكتاب والسنة وفي طبقات الأمة الإسلامية وجهودهم وجهادهم في تبليغ الدين الأجيال القادمة.

       بعد أمثال هذه المؤلفات أدركت الجهات الإسلامية – بالإضافة  إلى الشباب المسلم المتحمس- خطأها الفادح في تأئيد الثورة الإيرانية واعتبارها إسلامية.

       جملة القول أنه أثمرت جهود هؤلاء العلماء المخلصين والدعاة والمصلحين، وفَعَلت فعلها في المجتمع الهندي المسلم، إلا أن العقائد الباطلة والتقاليد الوثنية التي كانت قد تسربت إليه من الفرق الضالة لاسيما الشيعة لم تَزُل بعدُ تمامًا.

       فلمَّا تخرّج جيشٌ عرمرمٌ من العلماء والدعاة والمصلحين من دارالعلوم/ ديوبند، وغيرها من المدارس الإسلامية المتبعة لها وقاموا بإلقاء المحاضرات الدينية في عامة المسلمين، وتوزيع الكتب الدينية فيهم، وتوفيرالتعليم الديني لأولادهم، عادت الأمور إلى نصابها والمياه إلى مجاريها، حيث عرف جماهير المسلمين الحق من الباطل، والصحيح من الخطأ، فهجروا التقاليد الوثنية والعادات الباطلة، وتابوا إلى الله.

       هذا وما زالت الجامعة -ولا تزال – ترصُد نشاطات الفرق الضالة وتحرُّكاتها ولا تغفُل عنها لحظة، لذلك فتُزَوِّدُ الطلاب في أقسام التخصصات بالمعلومات اللازمة عن الفرق الضالة، وذلك عن طرق إلقاء المحاضرات عليهم عن الفرق. ومن تلك الفرق الشيعةُ التي يتم  إلقاء المحاضرة فيها.

مؤلفات مشايخ الجامعة وعلمائها في الرد على الشيعة:

       وأما مؤلفات علماء الجامعة في مقاومة الشيعة والرد عليهم فأهمُّها: هدية الشيعة للإمام محمد قاسم النانوتوي، والأجوبة الكاملة في الأسولة الخاملة للنانوتوي، وأجوبة أربعين للنانوتوي، وهداية الشيعة للشيخ رشيد أحمد الكنكوهي، وهدايات الرشيد إلى إفحام العنيد للشيخ خليل أحمد السهارنفوري، ومطرقة الكرامة في مرآة الإمامة للسهارنفوري، وإبطال أصول الشيعة للطبيب رحيم الله البجنوري، والكافي للاعتقاد الصافي للبجنوري، والمنار رسائل السنة والشيعة للبجنوري، وسيرة الخلفاء الراشدين للشيخ عبد الشكور الفاروقي اللكنوي، و الموسوية للكنوي، و القول المحكم للكنوي، و آيات محكمات للكنوي، وقاتلان حسين كي خانه تلاشي (قتلة الحسين في محكمة التفتيش) للكنوي، وإرشاد الثقلين للشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، ودفع المجادلة عن آيات المباهلة للأعظمي، و إيراني انقلاب خميني اور شيعيت (الثورة الإيرانية في ميزان الإسلام) للشيخ محمد منظور النعماني، وصورتان متضادتان لنتائج جهود الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم للشيخ أبي الحسن علي  الندوي، وحضرت معاوية أور تاريخي حقائق(سيدنا معاوية والحقائق التاريخية) للشيخ المفتي محمد تقي العثماني، والصحابة ومكانتهم في الإسلام للشيخ نور عالم خليل الأميني.

*  *  *

الهوامش:

(1)        يصنع الشيعة من القرطاس والعود ما يشبه ضريح حسين بن علي- رضي الله عنه- ويعظمونه ويرفعونه على الرؤس، وتسمى «تعزية».

(2)        دار العلوم: إحياء اسلام كي عظيم تحريك لأسير أدروي، ص:296-349، ط: دار المؤلفين، ديوبند، مارس 2008م.

(3)        باقيات فتاوى رشيدية للشيخ رشيد أحمد الكنكوهي، جمع وترتيب: الشيخ نور الحسن راشد الكاندهلوي، ص: 19  الطبعة الأولى (1433هـ= 2012م ) أكاديمية مفتي ألهي بخش كاندهله، بربده نغر، يوبي، الهند.

*  *  *


(*)   أستاذ قسم الأدب العربي بالجامعة الإسلامية: دارالعلوم ديوبند (الهند)

      sajidqasmideoband@gmail.com

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، جمادى الآخرة 1437 هـ = مارس – أبريل 2016م ، العدد : 6 ، السنة : 40

Related Posts