محليات

بقلم : الكاتب الإسلامي الشهير الشيخ أسرار الحق القاسمي

تعريب: أبو عاصم القاسمي المباركفوري

لقد سرى تيار من القلق والاضطراب في شريحة واسعة من المفكرين ذوي الاتجاهات العلمانية في البلاد حين أعلن حزب بي جي بي(B.J.P) في سبتمبر عام 2013م أنه يرشح «ناريندرا مودي» – حاكم ولاية غجرات آنذاك- لمنصب رئاسة الوزراء الهندية فيما إذا أحرز – الحزب- قصب السبق في الانتخابات المزمع عقدها عام 2014م، ولك أن تدرك مدى شدة هذا القلق والاضطراب من خلال ما قاله أديب اللغة الكنترية المدعو «يوآر أننت مورتي» – الحائز على الجائزة العلمية المعروفة بجائزة «كيان بيته»، وذلك في كلمته التي ألقاها في «بنكلور» بمناسبة تدشين بعض الكتب – حيث قال: «لا أود أن أكون على صلة بالهند التي يمثلها «مودي»، ولن أرضى بالبقاء فيها حين يحكمها مودي؛ فإن الإعلام يكشف عن وجه واحد من وجوهه بينما يحاول التستر على وجهه الآخر، وذلك مما يضر مصلحة البلاد». واستطرد قائلا: «إن «مودي» لايسعه أن يمثل الهند القديمة ولا أن يبني هندًا نموذجية جديدة، ولن تبقى الهند على ما كان يحلمه السيد «مهاتما غاندي» أو «السيد نهرو»، ولن يرضى بتولي «مودي» رئاسة الوزراء في البلاد من كان يحمل بين جوانحه ضميرًا اجتماعيًا ويتصف بالشعور بالمسؤولية، ولن يرضى بالبقاء في الهند إذا ما تولى مودي رئاسة الوزراء – من سبق له أن قرأ كتاب (Discovery of India) لصاحبه السيد نهرو.

       ولم يكن «أننت مورتي» هو وحده، الذي عارض ترشيح حزب بي جي بي (B.J.P) مثل «مودي» لتولي رئاسة الوزراء الهندية – تلك الوظيفة العليا- نظرًا إلى الاضطرابات التي شهدتها ولاية «غجرات» عام 2002م على عهد «ناريندرا مودي» والتي ذهب ضحيتها الآلاف من المسلمين، وإنما احتج ضده كذلك غيره من المفكرين؛ فقد قال أديب اللغة البنغالية المدعو/ أميتابه كهوش: إن تولية «مودي» رئاسة الوزراء في الهند تثير زعزعة واضطرابًا شديدين. وقد صرح أيما تصريح بأن المحكمة هي التي تقطع بمدى تحمل «مودي» مسؤولية الاضطرابات إلا أن هذه الكارثة المروعة حدثت برعاية منه فهو ضالع في هذه الجريمة ويستحق التعزير والعقوبة.

       وهذه الأصوات المهيبة – التي هاجت ضدمودي – لم يكن أصحابها مسلمين لا محالة، إلا أنها كانت تترجم حقا مشاعرهم وأحاسيسهم؛ إذ لم يذهب ضحية هذه الاضطرابات الماسأوية في «غجرات» إلا المسلمون، وإنهم – رُغم ما يعانون من التخلف التعليمي والاقتصادي والسياسي وغيرها – يدركون تمامًا أن «بائع الشاي» الذي يستغيثون اليوم لتوليته رئاسة الوزراء في الهند – الوظيفة العليا في البلاد – ليس هو بائع الشاي العادي – ولو أنه كان كذلك لكان مفخرة للبلاد كلها- وإنما هوكبير الوزراء ذي القوة والبطش الذي تشربت دعائم سلطته دماء الآلاف من المسلمين رجالًا ونساءً وضعفاء وأطفالًا ذهبوا ضحية الاضطرابات من غير جريرة، وأنها – سلطته – قد بلغت من القوة والثبات ما يجعل محطته التالية «دهلي» عاصمة البلاد.

       وفعلا تمكن «مودي» من حكم البلاد والاستيلاء على عرش «دهلي» بفضل الهتافات الرنانة والوعود العريضة التي قطعها على نفسه للشعب الهندي من «الرقي معًا» و «إنهاء حالة الغلاء الفاحش» و «القضاء على البطالة بتوفير فرص العمل»، و «وأد الفساد المالي والإداري» و «استعادة الأموال السوداء المودعة البنوك خارج البلاد»، وبالتالي «تزويد كل هندي بمليون ونصف مليون روبية هندية في حسابه في البنك»، بالإضافة إلى قيام المنظمة الهندوسية – التي راودتها أحلام تحويل البلد العلماني إلى بلد ذي طابع هندوسي- بالنشرات الانتخابية الملئية بالتصريحات المسمومة المناوئة للمسلمين في كل قرية من قرى البلاد. وبالتالي أدى «ناريندرا مودي» اليمين الدستورية في 26/مايو عام2014م وأصبح هو المتحكم في شؤون البلاد صغيرها وكبيرها. وكل ما يقوم به حزب رئيس الوزراء «ناريندرا مودي» وقادته في البلاد لا يشف أصلًا عن بارقة أمل في تحقيق هذه الوعود والمزاعم التي أطلقوها خلال الانتخابات، وعلى العكس من ذلك تتحقق كافة المخاوف التي أبداها المسلمون والعلمانيون والأدباء في هذه البلاد وخلال حكم لم يطل عمره سنة ونصف سنة نفخ أصحاب الحل والعقد من حكومة «مودي» وأنصاره في أبواق الطائفية تحقيقًا لمصالحهم السياسية، وقادوا البلاد إلى وضع حرج جدا جعل كل مواطن يحب البلاد ودستورها، ودورها العلماني ونسيجها الاجتماعي الخليط من شتى الأديان والملل يئن تحت وطأته.

       وبلغ السيل الزبى حين أقدمت حشود من الهندوس المتطرفين الغاضبين المجانين على قتل مسلم يدعى محمد أخلاق بالهراوي والعصي وركله حتى الموت بالإضافة إلى ضرب ابنه الأصغروإصابته بجروح غائرة، وذلك في قرية «دادري» بالقرب من «دهلي» عاصمة الهند بمجرد شائعات أثيرت من مكبر أصوات مثبت على معبد هندوسي تفيد أكل لحم البقر، وصاحت الهند كلها لهذا الحادث المروع، وأما رئيس الوزراء «ناريندرا مودي» فقد تبرأ من هذه الفعلة الشنيعة وعقب ضغوط شديدة عليه مشيرًا على الهندوس والمسلمين بمحاربة الفقر دون اقتتال بعضهم مع بعض، من غير أن يعرب عن أسفه على هذا الحادث الشنيع، وكان المفكرون يستشعرون بالمخاوف مسبقًا فيما إذا تولى «ناريندرا مودي» رئاسة الوزراء في البلاد لأجل مواقفه من الاضطرابات الطائفية التي شهدتها ولاية «غجرات»، فاستحال هذا الاستشعار اضطرابًا وقلقًا شديدين، وبالتالي اندفع هؤلاء إلى القيام بالاحتجاجات ضده، زعمًا منهم بأن المثل العلمانية الأساسية في البلاد تتعرض للهدم والتخريب تحت خطة مدروسة بقيادة «ناريندرا مودي»، و عاد النسيج الاجتماعي مهددًا، وفعلت إشاعة النفور والكراهية ضد الأقليات وخاصة المسلمين فعلَها في قلوب الناس، وأصبحت حرية الرأي مخنوقة، والتصريحات السخيفة التي يطلقها قيادات حزب بي جي بي(B.J.P) تشيع عن عمد ثقافةَ الجزع وعدم ضبط النفس، وعادت حقوق الشعب الدستورية مهظومة ومبخوسة، وأما الحكومة فظلت متفرجة على كل ما يحدث ملازمةً السكوتَ تجاهه، بل تبدو مشجعة و واقفة بجانب المنظمات والقوى التي لاتدخرجهدًا في تسميم جو البلاد الطائفي مكبة على تفكيك نسيجها الاجتماعي، بدلًا من أن تقوم- الحكومة- بمسؤولياتها الوظيفية تجاه الحفاظ على الدورالعلماني والجمهوري لهذه البلاد.

       وبلغ عدد الشخصيات الأدبية الهندية البازرة التي قدمت استقالتها أو ردت الجوائز والأوسمة التي نالتها – بضع عشرة نفسًا احتجاجًا على أوضاع البلاد، ومن المرجو رجاءً موكدًا أن هذه الاستقالات و رد الجوائز هذا لن يقف أمرهما عند هذا الحد وسيستمر في مستقبل الأيام، وينضم إليه الشخصيات البارزة في المجالات الأخرى، ورغم ذلك تتلاشى إمكانية أن يحرك ذلك ساكنًا في رئيس الوزراء الهندي، أوأن يحمل ذلك كله على اقتطاع جزء من أوقاته للقيام بواجبه الوظيفي، وحيث إنه تغافل عام 2002م بصفته كبير الوزراء في ولاية «غجرات» عن نصائح «أتال بيهاري واجفائي» – رئيس الوزراء الهندي حينئذ-  بالقيام بمسؤولية السلطة والحكم في البلاد، فهل هذه الاستقالات ورد الجوائز والأوسمة تشكل له أهمية وقدرا؟

* * *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، جمادى الأولى 1437 هـ = فبراير – مارس 2016م ، العدد : 5 ، السنة : 40

Related Posts