دراسات إسلامية
بقلم: الأستاذ/ عثمان جمعة ضميرية
«السير الكبير» للإمام محمد بن الحسن الشيباني من أهم كتبه؛ بل من أهم الكتب في فقه العلاقات الدولية في الإسلام. وكان الاسم الذي أطلقه المسلمون في بداية حركة التدوين في الفقه الإسلامي على دراستهم – التي تناولت موقف الإسلام من السلم والحرب والحياد، وكل ما يتعلق بأحكام الجهاد ومعاملة غير المسلمين- هو (السير).
و (السير) جمع (سيرة) وتعني السَّيْر والسلوك، ومما يؤيد ذلك عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- مثل قوله – بعد أن دفع اللواء لأحد القواد -:… (فقاتلوا من كفر بالله، ولا تغلّوا ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولاتقتلوا وليداً ولا امرأة،… فهذا عهد الله وسيرة نبيه فيكم). رواه مسلم وغيره. وذكر محمد بن حبيب في كتابه (المحبَّر) وهو يتحدث عن أسواق العرب المشهورة في الجاهلية – أنهم… (كانوا يصنعون فيها الصنيعة (الضيافة)، ويسيرون فيها بسيرة الملوك بدومة الجندل. وذكر ابن سعد في (الطبقات الكبرى) كتاب النبي –صلى الله عليه وسلم- إلى عبد القيس، وفيه: (.. ولهم على جند المسلمين الشركة في الفيء، والعدل في الحكم،والقصد في السيرة، حكم لا تبديل له في الفريقين(1). وفي هذه النصوص القليلة نجد أن سيرة الحاكم ليست فقط وقت الحرب، بل وقت السلم أيضاً، يشار إليها باصطلاح (سير) وذلك منذ عهد النبي –صلى الله عليه وسلم-، ولعل اتخاذ هذا المصطلح للدلالة على نظرية الحرب والسلم، أو ما يسمى اليوم (بالقانون الدولي) كان منذ عهد أبي حنيفة الذي عرف أنه أول من استعمل مصطلح (سيرة) لتمييز مجموعة دروسه التي كان يلقيها عن الإسلام في الحرب والسلم، ووصلت هذه الدروس منقحة على يد تلاميذه في كتابَيْ (السير الصغير) و (السير الكبير) لمحمد بن الحسن الشيبانى، و (الرد على سير الأوزاعي) لأبي يوسف، كما أن الإمام الشافعي – رحمه الله – يشير إلى (سير الواقدي) في كتابه (الأم). ومن ثم فإنه يبدو أن كلمة (السير) قد صارت مصطلحاً فنياً يشيع استعماله بين الفقهاء في مختلف العصور، وقد نص السَّرَخْسِي على هذا الفهم، فقال في (المبسوط) – وهو يشرح كتاب (السير الصغير) للإمام محمد-: (اعلم أن السير جمع سيرة، وبه سمي هذا الكتاب، لأنه بين فيه سيرة المسلمين في المعاملة مع المشركين من أهل الحرب، ومع أهل العهد منهم من المستأمنين، وأهل الذمة، ومع المرتدين الذين هم أخبث الكفار بالإنكار بعد الإقرار، ومع أهل البغي الذين حالهم دون حال المشركين، وإن كانوا جاهلين، وفي التأويل مبطلين(2).
كان الإمام محمد بن الحسن أول من أفرد للعلاقات الدولية في الإسلام مؤلفات خاصة يتناول فيها أحكام الجهاد والحرب، وأحكام الصلح والمعاهدات، وأحكام الأمان، وإرسال السفراء والمبعوثين، وآثار قيام الحرب، وسياسة المسلمين في تنظيم الحرب، وما يجوز وما لا يجوز في ذلك كله… الخ. وله في هذا كتابان: أحدهما (السير الصغير) الذي كتبه أولاً، وقد رواه عن أبي يوسف وقرأه عليه توثقًا من النص وصحة نسبة الرأي، والثاني (السير الكبير) وهو أوسع من الأول، كما أنه من آخر كتب الإمام محمد تأليفاً، وفيه إفاضة وشرح أكثر وأوسع كما يظهر من عنوان الكتابين ومن مادتهما من خلال الشروح التي وصلتنا وفي هذه الكلمة التعريفية بالكتاب، نخص فيها كتاب (السير الكبير) ومعه الشرح الممتع القيم الذي وضعه عليه شمس الأئمة السرخسي المتوفى في القرن الخامس الهجري ما بين (483-490هـ).
وعن سبب تأليف هذا الكتاب يقول السرخسي: (إن السير الصغير وقع في يد عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي – عالم أهل الشام – فقال: لمن هذا الكتاب؟ فقيل: لمحمد العراقي. فقال: وما لأهل العراق والتصنيف في هذا الباب؛ فإنه لا علم لهم بالسير. ومغازي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه كانت من جانب الشام والحجاز دون العراق، فإنها محدثة فتحاً. فبلغ ذلك محمداً، فغاظه ذلك، وفرغ نفسه حتى صنف هذا الكتاب. فحكي أنه لما نظر فيه الأوزاعي قال: لولا ما ضمنه من الأحاديث لقلت إنه يضع العلم من عند نفسه، وإن الله عين جهة إصابة الجواب في رأيه. صدق الله العظيم: [وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيْمٌ](3) ويناقش الشيخ محمد أبو زهرة وغيره من الباحثين هذا السبب لتأليف الكتاب ويرده؛ إذ لا مجال لتصديقه، لأن الإمام الأوزاعي توفي سنة (157هـ) والإمام محمد ولد سنة (132هـ) فيكون الأوزاعي قد توفي ومحمد عمره خمس وعشرون سنة، ومكث محمد نحو اثنتين وثلاثين سنة لا يؤلف، إذ إنه توفي سنة (189) أي بعد الأوزاعي باثنتين وثلاثين سنة، وهذا غير معقول ولا مقبول، ولا يتفق مع تاريخ الكتاب ولا مع حياة محمد – رضى الله عنه -. وعلى ذلك فإن كلام السرخسي عن سبب تأليف الكتاب غير مقبول، وقد يوجه توجيهاً صحيحاً بأن المقصود (السير الصغير)، أو أن نقول إن المراد بكلام الأوزاعي هو (الرد على سير الأوزاعي) لأبي يوسف وليس (السير الكبير). وقد نكون في غنى عن هذا كله، إذا علمنا شغف محمد – رحمه الله – بالعلم والتأليف، وأن ذلك كان تلبية لحاجة العصر الذي عاش فيه، فكان من الواجب الملح بيان أحكام الإسلام في التعامل مع الآخرين، والمسلمون يقومون بواجب الجهاد، فكتب «السير الصغير» أولاً، ثم أوسع هذا الموضوع بحثاً في «السير الكبير».
ولبيان قيمة هذا الكتاب وأهميته نذكر أن محمداً – رحمه الله – لما فرغ من الكتاب أمر أن يكتب هذا الكتاب في ستين دفتراً، وأن يحمل على عجلة إلى باب الخليفة، فقيل للخليفة: قد صنف محمد كتاباً يحمل على العجلة إلى الباب. فأعجبه ذلك وعدَّه من مفاخر أيامه. فلما نظر فيه ازداد إعجابه به. ثم بعث أولاده إلى مجلس محمد – رحمه الله – ليسمعوا منه هذا الكتاب.
ومن الطريف في نقل الكتاب وروايته: أن إسماعيل بن توبة القزويني – مؤدب أولاد الخليفة – كان يحضر معهم ليحفظهم كالرقيب، فسمع الكتاب، ثم اتفق أن لم يبقَ من الرواة إلا إسماعيل بن توبة وأبو سليمان الجوزجاني، فهما رويا… عنه هذا الكتاب شرح السير الكبير(4).
وقد أثنى على هذا الكتاب كل الباحثين المهتمين بالعلاقات الدولية في الإسلام، ووجدوا فيه علماً غزيراً، وأسلوباً ممتعاً، وفقهاً أصيلاً، فقال الدكتور نجيب أرمنازي في كتاب (الشرع الدولي في الإسلام) (ص45): (هو كتاب غزير المادة، جم الفوائد، قد استوعب أصول هذا العلم، واستقصى غرائب مسائله، ولم يقتصر فيه على ما ذهب إليه أعلام المذهب الحنفي، بل أورد كثيراً من مذاهب الآخرين وناقش أصحابها في حججهم. وطريق محمد في الترجيح في هذا الكتاب هو أنه نظر فيما اختلف فيه أهل العراق وأهل الشام وأهل الحجاز، فرجح ما اتفق عليه فريقان، فأخذ به دون ما تفرد به فريق واحد، وهذا خلاف ما هو ظاهر المذهب في الترجيح عند الحنفية).
وتحدث الدكتور محمد الدسوقي في أطروحته (الإمام محمد بن الحسن الشيباني وأثره في الفقه الإسلامي) فقال: «وأما كتاب «السير الكبير» فهو عمل فريد في بابه، لم يؤلف فقيه غير الإمام محمد مثله في موضوعه، سواء الذين تقدموا عليه أو تأخروا عنه. وليس معنى هذا أن الإمام محمداً اخترع كتابه اختراعاً، فالمعروف أن بعض الفقهاء الذين تتلمذ لهم محمد تحدثوا عن السير، كالإمام أبى حنيفة و الأوزاعي وأبي يوسف، ولكن كل ما جاء عن هؤلاء الأئمة في هذا الموضوع كان يدور في نطاق محدود من القضايا، وكان أشبه بالمحاولات الأولى بالنسبة للبحث الشامل المفصل الذي كتبه الإمام محمد، فاستحق أن يكون – عن جدارة – رائد التفكير في القانون الدولي في العالم كله. لقد استقى الإمام محمد مادة كتابه من الآثار والأخبار من علماء عصره فقهاء ومحدثين، وكانت هذه المادة الأساس الذي أقام عليه محمد عمله المبتكر الرائع الذي يشهد له بغزارة العلم وعمق التفكير، وشمول النظرة، ودقة التفصيل والتبويب والتفريع».
وهذا كله يعلي من شأن هذا الكتاب وقيمته، فهو بحق أول كتاب في القانون الدولي العام و الخاص في العالم كله، وهذا يضع تاج فخار على هامة الإمام محمد، ويجعله رائد القانون الدولي، قبل أن يتفطن علماء القانون الوضعي إلى أهمية هذا الفرع من القانون والكتابة فيه، مما جعلهم يلتقون على إنشاء جمعية دولية باسم (جمعية الشيباني للقانون الدولي) في (غوتنجن) بألمانيا، وقد انتُخب لرئاستها آنذاك (1955م) الفقيه المصري الدكتور عبد الحميد بدوي، وتهدف هذه الجمعية إلى التعريف بالشيباني و إظهار آرائه ونشر مؤلفاته المتعلقة بأحكام القانون الدولي الإسلامي. ثم أعاد تنظيم هذه الجمعية المستشرق العراقي الصليبي مجيد خدوري، الذي أخرج كتاب (السير الكبير) في طبعة جديدة، وهو مأخوذ من كتاب (الأصل) للإمام محمد، وهو يختلف عن كتاب (السير الكبير) الذي وضعه مستقلاً بهذا الاسم وشرحه السرخسي، وهذا يسلمنا إلى بيان شروح وطبعات الكتاب واللغات التي نقل إليها.
ذكر بعض مَن كتب عن الإمام محمد بن الحسن أن (السير الكبير) توجد منه نسخ خطية في مكتبات إستانبول في تركيا. ولكن المعروف أنه لا يوجد مستقلا، وإنما توجد نسخ له ممزوجة مع شروحه، ومن ذلك: شرح الإمام محمد بن أحمد السرخسي (المتوفى سنة 495هـ) ، وهذا الشرح له نسخ كثيرة في برلين وفيينا وليدن وباريس وفي مكتبات تركيا: عاشر أفندي، وعاطف أفندي، ونور عثمانية… وقد ذكر أماكن وجوده فيها المستشرق بروكلمان في كتابه (تاريخ الأدب العربي)(5) من الترجمة العربية. وقد طبع هذا الشرح في حيدر آباد في الهند عام (1936م) ويقع في أربع مجلدات. كما نشرته جامعة الدول العربية (معهد المخطوطات) بالقاهرة ما بين عامي (1971-1972م) بتحقيق صلاح الدين المنجد للأجزاء الثلاثة الأولى، ثم أكمل بتحقيق الجزئين الرابع والخامس، فاكتمل في خمسة أجزاء ضخمة، ثم صُورت عنها طبعة جديدة. وقامت جامعة القاهرة بإخراج طبعة أخرى محققة له، عام (1958م)، فصدر عن مطبعتها الجزء الأول فقط وقد كتب التمهيد والتعليقات الشيخ محمد أبو زهرة وحقق النصوص ووضع فهارسه مصطفى زيد، ولم يكتمل هذا المشروع للجامعة.
وللسير الكبير شرح آخر بعنوان (التيسير على السير الكبير) بقلم محمد المنيب العينتابي، ومنه نسخة خطية بمكتبة عارف حكمة بالمدينة النبوية. وقد ترجم شرح السرخسي وأصله إلى لغات أخرى، فقام الشيخ محمد المنيب العينتابي بترجمته إلى اللغة التركية في عهد السلطان محمود خان العثماني؛ ليكون مصدراً من مصادر معرفة أحكام الجهاد في الإسلام، وليسهل على قواد الجيش والمجاهدين في الدولة معرفة هذه الأحكام في الدولة العثمانية. وصدرت هذه الترجمة عام (1241هـ) في إستانبول، وتقع في مجلدين اثنين. وترجمته منظمة اليونسكو إلى اللغة الفرنسية، ونقل إليها جزءاً منه المستشرق (دي كررواي) ونشره في جريدة آسية، في الأعوام (1851، 1852، 1853م).
وقد لا يساعدنا المقام على أن نعرض بالتفصيل لكل أبواب الكتاب بأجزائه الخمسة، ولا تقديم دراسة وافية عنها، فحسبنا أن نشير إلى عدد أبواب كل جزء وأهم محتوياته، لعل ذلك يكون عاملاً يدفع إلى الاهتمام بهذا الكتاب النفيس، الذي لا يغني في التعريف به كتابة مقال في مجلة، مهما يكن الجهد و الاستيعاب. يضم الجزء الأول من الكتاب خمسين باباً تنتظم (562) مسألة، تقع بعد المقدمة في (370) صفحة، يليها فهارس للأحاديث والأعلام والأماكن والاستدراكات والتصويبات.
ومن الأبواب التي يشتمل عليها هذا الجزء: فضيلة الرباط في سبيل الله، الإمارة ووصايا الأمراء، مبعث السرايا، الرأيات والألوية، القتال في الأشهر الحرم، السلاح والفروسية، الحرب وكيف يعبأ لها، من أسلم في دار الحرب، أموال المعاهدين، الجهاد مع الأمراء، الخُمس والصدقة، ما يجب من طاعة ولي الأمر وما لا يجب، قتال النساء مع الرجال وشهودهن الحرب، سجدة الشكر وصلاة الخوف، الأمان وفيه بحوث كثيرة.
ويقع الجزء الثاني في (818) صفحة يليها فهارس متنوعة كالتي سبقت الإشارة إليها، وهو يضم الأبواب من (51-90) وتشتمل على المسائل من (563- 1466)، وفيه تتمة أبواب الأمان المتنوعة الشاملة لشروط الأمان وأركانه ومن يعقده، والحديث عن الرسل (السفراء) والمستأمنين والحكم في أهل الحرب، ثم أبواب الأنفال، مما كان خالصاً للرسول –صلى الله عليه وسلم-، والنفل في دار الحرب، وما يبطل فيه النفل وما لا يبطل، والسلب والنفل لأهل الذمة والعبيد، والاستثناء فيه، وغير ذلك مما يتصل بهذه المباحث المهمة في سياسة المسلمين الحربية.
وأما الجزء الثالث فيقع في (315) صفحة ويتضمن الأبواب (91-113)، وفيه تتمة أبواب الأنفال والسهمان للخيل وغيرها في دار الإسلام و دارالحرب، ودخول المسلمين دار الحرب، والغنيمة، وكيفية قسمة الغنيمة وبيان من يستحقها، وقسمة الخمس والغنائم.. الخ.
ويبحث الجزء الرابع في الأبواب (114-159) بمسائل كثيرة متنوعة، داخل الأبواب عن: الأسارى والحكم فيهم، والتجار الذين يدخلون دار الحرب، وما جاء في الخيانة في الغنيمة، والسبايا والنفقة عليهم والعدة، وهدية أهل الحرب ، وما يكون إحرازاً للغنيمة وما لا يكون، ثم ما يصيبه الأسراء والذين أسلموا من دار الحرب، والمستأمنين يأخذون أموال أهل الحرب، وما يحرزه المشركون ويظهرون عليه من أموال المسلمين، والفداء، والاستعانة بأهل الشرك، وما يكره إدخاله دار الحرب وما لا يكره، وما يكره قتله من أهل الحرب وما لا يكره وكيفية سياسة الحرب بما فيها من قواعد إسلامية رائعة… الخ. وينتهي هذا السفر النفيس بالجزء الخامس الذي يقع في حوالي (650) صفحة تضم الأبواب (160-218) وفيها المسائل من (3361-4572) وهو يتضمن أبواباً مهمة مثل: أبواب الموادعة، نكاح أهل الحرب، إثبات النسب من أهل الحرب ومن السبايا، الحدود في دار الحرب، ما يجب من النصرة للمستأمنين وأهل الذمة، معاملة المسلم المستأمن مع أهل الحرب في دار الحرب، مواريث القتلى، باب الأسير والمفقود، باب المرتد في دار الحرب وما يتعلق بالمرتدين من أحكام مختلفة، العين (الجاسوس)، ما يختلف أهل الحرب وأهل الذمة في الشهادتين والوصايا، من أسلم على شيء فهو له، الحبيس في سبيل الله، الوصية بالمال في سبيل الله، باب العشور في أهل الحرب، باب الجزية، الخمس من المعدن والركاز يصاب في دار الحرب، ما يصدق فيه المسلم على إسلام الكافر، الدعاء إلى الإسلام، باب الاستبراء، خروج العبد بأمان من دارالحرب، العبد يعتق بالإسلام أو لا يعتق؟.
وإذا أردنا أن نوجز ما في الكتاب باختصار شديد، نقول: إنه يضع أسس العلاقات الدولية في حال السلم والحرب، فيبين معنى السير والجهاد، وأهمية الجهاد وغايته، ويحدد علاقة أهل الذمة بالمسلمين ، وما يخصهم من أحكام، وينظم حالة السلم، ويضع أسس التنظيم والعلاقات في حال الحرب مبيناً مشروعية الجهاد، وإقليم الدولة ومدى سريان النصوص القانونية فيها من حيث الزمان والمكان،وسياسة الحرب في الإسلام وتحديد المقاتلين، وبدء الدعوة للحربيين قبل الحرب، وما يتبع ذلك من آثارفي الأموال والأشخاص، كما يحدد العلاقة مع المحايدين، وينظم حال الحياد، ويفصل أحكام المعاهدات والصلح و المستأمنين… وغير ذلك مما يبحثه اليوم علماء القانون الدولي.
ويضيق بنا المقام لو أردنا أن نذكر نماذج مما كتبه الإمام محمد بن الحسن في هذا الموضوع، وما علق عليه وشرحه شمس الأئمة السرخسي، كما أن ذلك لا يغنينا عن الرجوع إلى هذا الكتاب القيم الممتع لدراسته دراسة متأنية جادة، للاطلاع على أثر نفيس من أقدم ما كُتب في الفقه الإسلامي بعامة وفي فقه المعاملات أو العلاقات الدولية بخاصة، لبيان مدى ما بذل أسلافنا – رحمهم الله -من جهد بالغ في بيان أحكام هذه الشريعة التي جعلها الله – تعالى – منهجاً لحياتنا، وسبباً لعزتنا ومكانتنا. ومع أن بعض المهتمين بنشر الثقافة الإسلامية وكتب السلف بذلوا جهودا طيبة في نشر كثير من الكنوز الفقهية، إلا أن المجال لا يزال متسعاً لبذل جهود أكثر، وخاصة في مجال إخراج تراث الإمام محمد بعامة، وكتابه «السير الكبير» بخاصة، وما أجدر هذا الكتاب أن ينشر نشرة ثانية تضيف إلى ما فيه من تحقيق ومقابلة للنصوص تخريجاً للأحاديث والآثار الكثيرة التي استشهد بها المصنف والشارح – رحمهما الله – وعمل فهارس موضوعية تساعد على الإفادة من الكتاب.
* * *
أهم المراجع التي ترجمت للإمام محمد ودرست كتابه:
– الآثار، لمحمد بن الحسن الشيباني، ومعه الإيثار برجال الآثار للحافظ ابن حجر العسقلاني، (طبع كراتشي).
– أخبار أبي حنيفة وأصحابه للصيمري (مصورة عن طبعة الهند).
– الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء، لابن عبد البر (بيروت).
– بلوغ الأماني في سير الإمام محمد بن الحسن الشيباني (طبع مصر).
– تاريخ الأدب العربي، لبروكلمان. (دار المعارف).
– تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي. (بيروت).
– الجامع الصغير للإمام محمد مع النافع الكبير، للكنوي (طبع باكستان).
– الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية، للقرشي (طبع الحلبي بمصر).
– شرح السير الكبير للسرخسي (طبعة جامعة القاهرة، وطبعة معهد المخطوطات).
– الشرع الدولي في الإسلام، للدكتور نجيب أرمنازي. (طبعة دمشق).
– طبقات ابن سعد (دار صادر).
– المبسوط للسرخسي (مصورة عن الطبعة الأولى المصرية).
– المحبَّر، لابن حبيب (بيروت، مصورة عن طبعة الهند).
– محمد بن الحسن الشيباني وأثره في الفقه الإسلامي للدكتور محمد الدسوقي (طبع قطر).
– مناقب أبي حنيفة وصاحبيه، للإمام الذهبي، نشر لجنة إحياء المعارف النعمانية (طبع القاهرة).
– منهج الإسلام في الحرب والسلام، عثمان جمعة ضميرية (دار الأرقم، الكويت).
– الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، للدكتور محمد حميد الله.
* * *
الهوامش:
(1) الطبقات:1/283.
(2) المبسوط10/2.
(3) شرح السير الكبير: 1/3.
(4) شرح السير الكبير: 1/3-4.
(5) 3/ 255.
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، محرم – صفر 1437 هـ = أكتوبر – ديسمبر 2015م ، العدد : 1- 2 ، السنة : 40