دراسات إسلامية

بقلم:  محمد شريف راشد (*)

       4- وهب بن منبه: بن كامل بن سيج بن ذي كبار  قاضي صنعاء، ت 110هـ.

       قال الذهبي –  في سير أعلام النبلاء: 8/112 – 126 –  هو الإمام، العلامة، الأخباري، القصصي، أبوعبد الله الأبناوي، اليماني، الذماري، الصنعاني.

       أخو همام بن منبه، ومعقل بن منبه، وغيلان بن منبه.  ولد في زمن عثمان – رضي الله عنه –  سنة أربع وثلاثين، و رحل، وحج.

       و أخذ عن: ابن عباس، و أبي هريرة  إن صح،  و أبي سعيد، و النعمان بن بشير، و جابر، و ابن عمر، و عبدالله بن عمرو بن العاص – على خلاف فيه – و طاووس. حتى إنه ينزل ويروي عن: عمرو بن دينار، و أخيه؛ همام، و عمرو بن شعيب.

أصله من هراة:

       قال أحمد بن محمد بن الأزهر: سمعت مسلمة بن همام بن مسلمة بن همام يذكر عن آبائه: أن هماما، و وهبا، و عبد الله، و معقلا، ومسلمة بنو منبه أصلهم من خراسان، من هراة،  فمنبه من أهل هراة، خرج أيام كسرى، و كسرى أخرجه من هراة، ثم إنه أسلم على عهد النبي –صلى الله عليه وسلم- فحسن إسلامه.

       و مسكنهم باليمن، وكان وهب بن منبه يختلف إلى هراة، و يتفقد أمر هراة.

       قال أحمد: كان من أبناء فارس، له شرف.

       قال: وكل من كان من أهل اليمن له ( ذي ) هو شريف، يقال: فلان له (ذي)، وفلان لا ( ذي ) له.

       قال العجلي: تابعي، ثقة، كان على قضاء صنعاء. وقال أبو زرعة والنسائي: ثقة.

بشارة في شأنه:

       عن عبادة بن الصامت:سمع النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: سيكون في أمتي رجلان؛ أحدهما يقال له: وهب، يؤتيه الله الحكم إلخ.

كرامة:

       و عن كثير: أنه سار مع وهب، فباتوا بصعدة عند رجل، فخرجت بنت الرجل، فرأت مصباحا، فاطلع صاحب المنزل، فنظر إليه صافا قدميه في ضياء كأنه بياض الشمس، فقال الرجل: رأيتك الليلة في هيئة، و أخبره، فقال: اُكتم ما رأيت.

عبادته:

       قال المثنى بن الصباح:لبث وهب بن منبه أربعين سنة لم يسب شيئا فيه الروح، و لبث عشرين سنة لم يجعل بين العشاء و الصبح وضوءا.

       عن عبد الصمد بن معقل، قال: صحبت عمي وهبا أشهرا يصلي الغداة بوضوء العشاء.

       عن مسلم الزنجي  قال: لبث وهب بن منبه أربعين سنة لا يرقد على فراش، و عشرين سنة لم يجعل بين العتمة و الصبح وضوءا.

       وروى: عبد الرزاق بن همام، عن أبيه، قال: رأيت وهبا إذا قام في الوتر، قال: لك الحمد السرمد حمدا لا يحصيه العدد، و لا يقطعه الأبد، كما ينبغي لك أن تحمد، و كما أنت له أهل، و كما هو لك علينا حق.

علمه:

       و روايته (للمسند) قليلة، و إنما غزارة علمه في الإسرائيليات، و من صحائف أهل الكتاب.

       قال وهب: لقد قرأت ثلاثين كتابا نزلت على ثلاثين نبيا.

حلمه:

       وروى: عبد المنعم بن إدريس، عن أبيه، قال: كان وهب يحفظ كلامه كل يوم، فإن سلم أفطر، و إلا طوى.

قال الجعد بن درهم: ما كلمت عالما قط إلا غضب، وحل حبوته غير وهب.

قصة غضبه:

       عن سماك بن الفضل قال: كنا عند عروة بن محمد الأمير، و إلى جنبه وهب، فجاء قوم، فشكوا عاملهم، و ذكروا منه شيئا قبيحا، فتناول وهب عصا كانت في يد عروة، فضرب بها رأس العامل حتى سال الدم.

       فضحك عروة، و استلقى، و قال: يعيب علينا وهب الغضب و هو يغضب!

       قال: وما لي لا أغضب و قد غضب الذي خلق الأحلام، يقول تعالى: ﴿فَلَمَّا آسَفُوْنَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾ (الزخرف:55).

ضرر منصب القضاء:

       عن عبد الصمد بن معقل: قيل لوهب: إنك يا أبا عبد الله كنت ترى الرؤيا، فتحدثنا بها، فتكون حقا!

       قال: هيهات، ذهب ذلك عني منذ وليت القضاء.

الدراهم:

       وعن وهب: الدراهم خواتيم الله في الأرض، فمن ذهب بخاتم الله، قضيت حاجته.

القدر:

       ابن عيينة: عن عمرو بن دينار، قال:

       عن أبي سنان، قال:اجتمع وهب  وعطاء الخراساني، فقال له عطاء: يا أبا عبد الله، ما هذا الذي فشا عنك في القدر؟ فقال: ما تكلمت في القدر بشيء،  و لا أعرف هذا، قرأت نيفا و تسعين كتابا من كتب الله، منها سبعون ظاهرة في الكنائس، و منها عشرون لا يعلمها إلا القليل، فوجدت فيها كلها: أن من وكل إلى نفسه شيئا من المشيئة، فقد كفر.

علم العلماء و دراهم أهل الدنيا:

       عن أبي سنان قال: سمعت وهبا يقول لعطاء الخراساني: كان العلماء قبلنا قد استغنوا بعلمهم عن دنيا غيرهم، فكانوا لا يلتفتون إليها، وكان أهل الدنيا يبذلون دنياهم في علمهم، فأصبح أهل العلم يبذلون لأهل الدنيا علمهم، رغبة في دنياهم، و أصبح أهل الدنيا قد زهدوا في علمهم لما رأوا من سوء موضعه عندهم.

قرين سوء:

       و عنه  قال: احفظوا عني ثلاثا: إياكم و هوى متبعا، و قرين سوء، و إعجاب المرء بنفسه.

المراء و الجدل:

       وعنه: دع المراء و الجدل، فإنه لن يعجز أحد رجلين: رجل هو أعلم منك، فكيف تعادي وتجادل من هو أعلم منك؟! و رجل أنت أعلم منه، فكيف تعادي و تجادل من أنت أعلم منه و لا يطيعك؟!

صفات المؤمن:

       وعنه قال: العلم خليل المؤمن، و الحلم وزيره، و العقل دليله، و العمل قيمه، و الصبر أمير جنوده، و الرفق أبوه، و اللين أخوه.

       عن وهب: المؤمن ينظر ليعلم، و يتكلم ليفهم، و يسكت ليسلم، و يخلو ليغنم. الإيمان عريان، و لباسه التقوى، وزينته الحياء، و ماله الفقه. ثلاث من كن فيه أصاب البر: السخاء، و الصبر على الأذى، وطيب الكلام.

مخالطة الناس:

       أبو اليمان: عن عباس بن يزيد، قال: جاء رجل إلى وهب بن منبه، فقال: قد حدثت نفسي أن لا أخالط الناس. قال: لا تفعل، إنه لا بد لك من الناس، و لا بد لهم منك، و لهم إليك حوائج، و لك نحوها، لكن كن فيهم أصم  سميعا، أعمى  بصيرا، سكوتا  نطوقا.

استكثار الإخوان:

       قال وهب بن منبه: استكثر من الإخوان ما استطعت، فإن استغنيت عنهم، لم يضروك، و إن احتجت إليهم، نفعوك.

فقه المادحين:

       و عنه: إذا سمعت من يمدحك بما ليس فيك، فلا تأمنه أن يذمك بما ليس فيك.

الجزع على المصيبة:

       وعن وهب: أن عيسى – عليه السلام- قال للحواريين: أشدكم جزعا على المصيبة، أشدكم حبا للدنيا.

مثل حصول العلم بلا عمل:

       و عنه: قرأت في بعض الكتب: ابن آدم! لا خير لك في أن تعلم ما لم تعلم ولم تعمل بما علمت، فإن مثل ذلك كرجل احتطب حطبا، فحزم حزمة، فذهب يحملها، فعجز عنها، فضم إليها أخرى.

الإتيان إلى السلطان:

       عن وهب بن منبه، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: من سكن البادية، جفا؛ ومن اتبع الصيد، غفل؛ ومن أتى السلطان، افتتن.

طوبى لمن شغله عيبه عن عيب أخيه:

       عن جعفر بن برقان: قال وهب: طوبى لمن شغله عيبه عن عيب أخيه، طوبى لمن تواضع لله من غير مسكنة، طوبى لمن تصدق من مال جمعه من غير معصية، طوبى لأهل الضر و أهل المسكنة، طوبى لمن جالس أهل العلم و الحلم، طوبى لمن اقتدى بأهل العلم و الحلم و الخشية، طوبى لمن وسعته السنة فلم يُعِدها إلى بدعة.

وصف الأحمق:

       عن وهب: الأحمق إذا تكلم  فضحه حمقه، و إذا سكت فضحه عيبه، وإذا عمل أفسد، و إذا ترك أضاع، لا علمه يعينه، و لا علم غيره ينفعه، تود أمه أنها ثكلته، و امرأته لو عدمته، و يتمنى جاره منه الوحدة، و يجد جليسه منه الوحشة.

نصحه للحروري:

       عن داود بن قيس  قال: كان لي صديق يقال له: أبو شمر ذو خولان، فخرجت من صنعاء أريد قريته، فلما دنوت منها، وجدت كتابا مختوما إلى أبي شمر، فجئته، فوجدته مهموما حزينا، فسألته عن ذلك، فقال: قدم رسول من صنعاء، فذكر أن أصدقاء لي كتبوا لي كتابا، فضيعه الرسول. قلت: فهذا الكتاب. فقال: الحمد لله. ففضه، فقرأه، فقلت: أقرئنيه. فقال: إني لأستحدث سنك. قلت: فما فيه؟ قال: ضرب الرقاب. قلت: لعله كتبه إليك ناس حرورية في زكاة مالك. قال: من أين تعرفهم؟

       قلت: إني وأصحابا لي نجالس وهب بن منبه، فيقول لنا: احذروا أيها الأحداث الأغمار هؤلاء الحروراء، لا يدخلونكم في رأيهم المخالف، فإنهم عرة لهذه الأمة. فدفع إلي الكتاب، فقرأته، فإذا فيه: سلام عليك، فإنا نحمد إليك الله و نوصيك بتقواه،  فإن دين الله رشد وهدى، و إن دين الله طاعة الله، و مخالفة من خالف سنة نبيه، فإذا جاءك كتابنا، فانظر أن تؤدي – إن شاء الله – ما افترض الله عليك من حقه، تستحق بذلك ولاية الله، و ولاية أوليائه، والسلام.

       قلت له: فإني أنهاك عنهم.

       قال: فكيف أتبع قولك، و أترك قول من هو أقدم منك؟!

       قلت: فتحب أن أدخلك على وهب حتى تسمع قوله؟ قال: نعم.

       فنزلنا إلى صنعاء، فأدخلته على وهب – ومسعود بن عوف والٍ على اليمن من قبل عروة بن محمد – فوجدنا عند وهب نفرا. فقال لي بعض النفر: من هذا الشيخ؟ قلت: له حاجة. فقام القوم، فقال وهب: ما حاجتك يا ذا خولان؟ فهرج، وجبن، فقال لي وهب: عبر عنه.

       قلت: إنه من أهل القرآن والصلاح، والله أعلم بسريرته، فأخبرني: أنه عرض له نفر من أهل حروراء، فقالوا له: زكاتك التي تؤديها إلى الأمراء لا تجزئ عنك، لأنهم لا يضعونها في مواضعها، فأدها إلينا، و رأيت يا أبا عبد الله أن كلامك أشفى له من كلامي. فقال: يا ذا خولان، أتريد أن تكون بعد الكبر حروريا، تشهد على من هو خير منك بالضلالة؟! فماذا أنت قائل لله غدا حين يقفك الله ومن شهدت عليه؟ فالله يشهد له بالإيمان، وأنت تشهد عليه بالكفر، و الله يشهد له بالهدى، و أنت تشهد عليه بالضلالة، فأين تقع إذا خالف رأيك أمر الله؟ و شهادتك شهادة الله؟  أخبرني يا ذا خولان، ماذا يقولون لك؟ فتكلم عند ذلك، و قال لوهب: إنهم يأمرونني أن لا أتصدق إلا على من يرى رأيهم، ولا أستغفر إلا له.

       فقال: صدقت، هذه محنتهم الكاذبة، فأما قولهم في الصدقة:

       فإنه قد بلغني أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ذكر أن امرأة من أهل اليمن دخلت النار في هرة ربطتها، أفإنسان ممن يعبد الله يوحده ولا يشرك به أحب إلى الله أن يطعمه من جوع أو هرة؟! و الله يقول: ﴿ويُطْعِمُوْنَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّه مِسْكِيْنًا وَيَتِيْمًا وَأَسِيْرا﴾ (الإنسان: 8) الآيات.

       وأما قولهم: لا يستغفر إلا لمن يرى رأيهم، أهم خير أم الملائكة، و الله يقول: ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِـمَن فِي الْأَرْضِ﴾ (الشورى:5)، فوالله ما فعلت الملائكة ذلك حتى أمروا به: ﴿لاَ يَسْبِقُونَه بِالقَوْل وَهُمْ بِأَمْرِه يَعْمَلُونَ﴾ (الأنبياء:27) وجاء ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ (غافر:7).

       يا ذا خولان، إني قد أدركت صدر الإسلام، فوالله ما كانت الخوارج جماعة قط، إلا فرقها الله على شر حالاتهم، و ما أظهر أحد منهم قوله، إلا ضرب الله عنقه، و لو مكن الله لهم من رأيهم، لفسدت الأرض، و قطعت السبل والحج، ولعاد أمر الإسلام جاهلية، وإذا لقام جماعة كل منهم يدعو إلى نفسه الخلافة، مع كل واحد منهم أكثر من عشرة آلاف، يقاتل بعضهم بعضا، و يشهد بعضهم على بعض بالكفر، حتى يصبح المؤمن خائفا على نفسه و دينه و دمه و أهله و ماله، لا يدري مع من يكون، قال تعالى: ﴿وَلَوْلا دَفْعُ الله النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرْضُ﴾ (البقرة:251)، و قال: ﴿إنَّا لننصُر رُسُلَنَا وَالَّذِيْنَ آمنُوا﴾ (غافر:51)، فلو كانوا مؤمنين لنصروا، و قال: ﴿وإنَّ جُنْدَنَا لَهُم الغٰلِبُونَ﴾ (الصافات:173).

       ألا يسعك يا ذا خولان من أهل القبلة ما وسع نوحا من عبدة الأصنام، إذ قال له قومه: ﴿أَنُؤمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأرذَلُوْنَ﴾ (الشعراء: 111).

       فقال ذو خولان: فما تأمرني؟ قال: انظر زكاتك، فأدها إلى من ولاه الله أمر هذه الأمة، وجمعهم عليه، فإن الملك من الله وحده و بيده، يؤتيه من يشاء، فإذا أديتها إلى والي الأمر، برئت منها، و إن كان فضل، فصل به أرحامك و مواليك و جيرانك و الضيف. فقال: أشهد أني نزلت عن رأي الحرورية.

محنته:

       وعن وهب، قال: احتمال الذل خير من انتصار يزيد صاحبه قمأة. و قد امتحن وهب، و حبس، و ضرب: عن صالح بن طريف قال: لما قدم يوسف بن عمر العراق، بكيت، و قلت: هذا الذي ضرب وهب بن منبه حتى قتله.

       يعني: لما ولي إمرة اليمن، ثم نقله الخليفة هشام إلى إمرة العراق، و كان جبارا، عنيدا، مهيبا، كان سماطه بالعراق – فيما حكى المدائني – كل يوم خمس مئة مائدة، أبعد الموائد وأقربها سواء في الجودة، ثم إنه عزل عن العراق ثم ضربت عنقه – ولله الحمد – في سنة سبع وعشرين ومئة.

       في الصحيحين حديث واحد لوهب بن منبه: عن عمرو، عن ابن منبه، عن أخيه: سمعت أبا هريرة يقول: ليس أحد أكثر حديثا عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- مني، إلا عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب، و كنت لا أكتب.

وفاته:

       مات سنة عشر ومئة (1).

*  *  *


(*)             طالب قسم التخصص في الحديث/جامعة العلوم الإسلامية بنوري تاون/ كراتشي.

(1)             سير أعلام النبلاء:8 / 112 – 126.

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، محرم – صفر 1437 هـ = أكتوبر – ديسمبر 2015م ، العدد : 1- 2 ، السنة : 40

Related Posts