دراسات إسلامية

بقلم:     الأستاذ/ سيد محبوب الرضوي الديوبندي رحمه الله

(المتوفى 1399هـ / 1979م)

ترجمة وتعليق: محمد عارف جميل القاسمي المباركفوري(*)

مساعدات سخية من فرنسا وجنوب إفريقية لـ«دارالعلوم»:

       تناقصت التبرعات والمساعدات لـ«دار العلوم» في عام 1339هـ من داخل البلاد، إلا أن هذا النقص تداركه المساعدات السخية من الدول الأخرى أمثال «فرنسا»، و«جنوب إفريقية» و«رنكون»، وكانت المساعدات التي تلقتها «دارالعلوم» من «فرنسا» أول تبرع، وآخره لصالحها.

عام1340هـ ، وترشيح رئيس الجامعة لولاية الإفتاء في «حيدرآباد»:

       في مفتتح عام 1340هـ تلقت «دارالعلوم» برقية من السكريتر العام في إمارة «حيدر آباد»، دكن برقيةً تفيد مايلي: «لقد رشح سيادةُ الأمير الشيخَ الحافظ محمد أحمد (1279-1347هـ/1862-1928م)– رئيس «دارالعلوم/ديوبند» لمنصب الإفتاء في المحكمة العليا (High Court) في «حيدرآباد» مقابل ألف روبية شهرية».

       ولم تكن علاقة الشيخ محمد أحمد– رئيس «دارالعلوم»- الوطيدة بها، واشتغاله في شؤونها تسمح له بالانصراف إلى غيرها إلا أن العرى الوثيقة بين «دارالعلوم»، وبين «حيدرآباد» كان يشق معها التغاضي عن طلب «حيدرآباد» و الإعراض عنه، فتوصل القائمون على الجماعة إلى ضرورة تلبية هذا الطلب وعدم رده. فاستصحب الشيخُ محمد أحمد – رئيس «دارالعلوم»- الشيخَ حبيب الرحمن(ت 1348هـ/ 1929م) في9/ربيع الأول وغادرا «ديوبند»، واجتمع الشيخ بـ«نظام الدكن» في 14/ربيع الأول، وذكر له خدمته لـ«دارالعلوم» وانصرافه وشغفه بها، فقال «النظام»: «لايخفى علي أن ما تقوم به من الأعمال جليلةٌ، فلو أنك رفضت طلبي لشغل هذا المنصب عندي لما شق علي؛ ولكن حدثتني نفسي أنك لابد أن تحقق رغبتي، ولايشق عليك أن تواصل خدمة «دارالعلوم» وأنت هنا في «حيدرآباد»(1).

       واستهدف «النظام» بهذا الترشيح لمنصب الإفتاء أن يقوم الشيخ بإدخال التعديلات والإصلاحات التعليمية الإدارية  في مدرسته المعروفة بـ«المدرسة النظامية»، فوكل إليه رئاسة المدرسة أيضاً، وأصدر فرمانا ساميا يخص ضرورةَ النظر في أوضاعاها التي تمر بها، وتقديم اقتراحات تجلب له الرقي والتطور. وسرعان ما وافق «النظام» على الاقتراحات التي قدمها الشيخ أحمد– رئيس «دار العلوم»-.

       واستمر الشيخ أحمد على صلةٍ وطيدة مع «دارالعلوم» زمن نزوله في «حيدرآباد». واخترع منصب جديد أطلق عليه «الرئيس العام»، وتم توليته إياه حين توصلوا إلى إيفاده إلى «حيدرآباد». ووكل إلى الشيخ حبيب الرحمن -نائب رئيس الجامعة – رئاسة الجامعة. فكان الشيخ أحمد يقضي في الأمور الهامة الأساسية وهو في «دكن»، ويساهم بشكل مستمر في خدمات «دارالعلوم» كتابةً ومشاورةً.

رفع الرواتب وبعض التعديلات:

       كما أسلفنا أن مستوى الرواتب في «دارالعلوم/ ديوبند» ظل خافضًا وبسيطًا. وأن أساتذتها والعاملين فيها جعلوا نصب أعينهم رضوان الله تعالى فيما يقومون به من خدمات دون أن يجعلوا الأجور والرواتب أكبر همهم، إلا أنه يعز غض الطرف عن الحاجات البشرية وألح الغلاء الفاحش الذي أفرزته الحرب العامة وتداعياتها – التي استمرت في أعقابها- على «دارالعلوم» برفع الرواتب فأخذته «دارالعلوم» بعين الاعتبار، ورفعت راتب الرئيس العام – الذي كان يتقاضى ثمانين روبية شهرية – بمعدل أربعين روبية، كما رفعت راتب رئيس هيئة التدريس – الذي كان يتقاضى سبعين روبية شهرية– بمعدل ثلاثين روبية. وقِس عليه رواتب غيرهم من المدرسين والموظفين كل بحسب درجته الوظيفية.

       وسجل المجلس الاستشاري في خصوص رفع الرواتب في «دارالعلوم» في قرارها ما يلي: «ما أشار إليه رئيس الجامعة فيما يخص رواتب الأساتذة والموظفين جاء في حينه، فالأسباب التي أبداها في كتابه مما يدعو إلى رفع الرواتب لايمنع شيء المجلسَ عن الإجابة إليها إذا ما أمنعنا النظر في الأوضاع التي نمر بها. ويشهد العالم كله ارتفاعاً ملحوظًا في الأجور في جميع القطاعات والفئات، فيحق لأساتذة «دارالعلوم» وموظيفها رفع رواتبهم.

       والمجلس الاستشاري إذ يتقدم بالشكر الجزيل لهم يعترف بإيثارهم وإخلاصهم، حيث آثروا خدمة «دارالعلوم/ ديوبند» ابتغاءً لمرضاة الله تعالى، وإيمانًا بأنها فريضة دينية وقومية- على التوظف في غيرها من المؤسسات رغم ما عرض عليهم من الرواتب أضعافا مضاعفة، ويخص المجلس بالذكر ما عُرِفَ به الشيخ أنور شاه الكشميري(1292-1352هـ/1875-1933م) – رئيس هيئة التدريس- من إيثاره لخدمة «دارالعلوم» على غيرها من الجهات التعليمية والتربوية رغم عرض الجهات الأخرى عليه أضعافاً مضاعفة من الراتب الذي يتقاضاه من «دارالعلوم». كما يجب على المجلس الاستشاري خاصةً، وعلى أنصار «دارالعلوم»؛ بل على المسلمين جميعاً أن يتقدموا بالشكرالجزيل للشيخ الكشميري على هذا الموقف النبيل.

       وقدم رئيس «دارالعلوم» إلى المجلس مذكرته مرفقةً بقائمة تضم جميع موظفيها دون أن تحتوي هذه القائمة على اسم رئيسها ونائب رئيسها، وهذا إن دل على شيء؛ فإنما يدل على نوع من الإيثارالذي هوشعارهما ودثارهما من القديم، مع أنك إذا قلبت النظر في أنحاء «دارالعلوم» ومختلف مرافقها تبين لك  أن ما تشهده «دارالعلوم» من الرقي والتطور ماليًا وإداريًا، يرجع فضله إلى جهودهما المضنية، وهي ثمرة من ثمار مساعيهم الحثيثة. فيتعذر إيفاء حقهما من الجزاء، والمجلس الاستشاري عاجز عن تحديد أجرهما على ذلك، إلا أنه يرى من التقصير الذي لايُقَرُّ، ومن نكران الجميل أن يهمل أمرهما ولايحدد لهم زيادات في الرواتب، ونظرًا إلى ذلك يوصي المجلس بزيادة رواتبهما بجانب رواتب الموظفين الذين تضمهم هذه القائمة»(2).

عام 42-1341هـ، ونشاطات «دارالعلوم» الدعوية ضد حركة «التحويل إلى الهندوسية» (Shuddhi) وحركة «الاندماج» (Sangthan):

       تصدرت حركةُ «التحويل إلى الهندوسية» (Shuddhi)، و«الاندماج» (Sangthan) قائمةَ أبرز أحداث عام 42-1341هـ مما أثار القلق والأسى وصرف انتباه «دارالعلوم» إليه عن الأوضاع الداخلية. وهذه القصة المؤسفة من تاريخ الهند تعكس حركةً مدروسةً قامت بها «آريه سماج»(3) تهدف إلى تحويل المسلمين الأغرار الجهلة إلى الهندوسية. وكانت هذه الحركة مبعث عجب وحيرة بالنظر إلى الوضع السياسي، وتكاتف الهندوس والمسلمين واجتماعهم على رصيف واحدٍ مما كان سائدا آنذاك. ولمعرفة خبايا زواياه هذه الحركة يجب الرجوع إلى خلفيتها.

       حَدَا تكاتفُ حركة الخلافة وحزب المؤتمر الهندي وتعاضدهما ومشاركتهما في العمل لصالح البلاد في22-21-1920م بالمسلمين والهندوس إلى توحيد صفوفهما واجتماعهما على رصيف واحدٍ فتأكدت صلة بعضهم ببعض واستحكمت بصورة خلقت تناغمًا وانسجامًا بين أصحاب الديانتين، وشهدت ظاهرة اعتبار الهندوس المسلمين أنجاساً يجب توقيهم تقهقرًا ملموسًا، وأصبح الهندوس لايمانعون تناول المآكل والمشارب التي يعرضها عليهم المسلمون، الأمر الذي تعذر معه قيام الحكومة البريطانية في الهند، واستشعر الإنجليز خطورة الوضع، فأعملوا حيلتهم القديمة في تفريق الشعب الهندي والنيل من وحدة المسلمين والهندوس والتي أصاب – وللأسف – المقتل. وذلك أنه استدعى نائب الملك البريطاني في الهند (Viceroy) عام1922م «سوامي شردهانندا»(4) – أحد أبرز قيادات حركة «عدم التعاون اللاعنفي» مع الإنجليز، وكان حينئذ في السجن، وتحدث معه في سرية للغاية، وظل ما جرى بينهما طي الكتمان، وتم إطلاق سراحه، فما إن طلع «سوامي شردها نندا» من السجن حتى نشطَ في تحويل المسلمين إلى الهندوسية. هذا في جانب وفي جانب آخر أنشأ الدكتور «مونجي» (Dr. Munji) وحدةً هندوسيةً بحتةً(6). واسترعت صحيفة «كيسري» الصادرة في «لاهور» الأنظار إلى النجاح في تحويل أربع مئة ألف نسمة من المسلمين الملكانيين في «آغرا» إلى الهندوسية، واتخذت هذه الحركة من «آغرا» و«مثرا» و«إيته» و«إتاوه»، و«كانفور» و«غورغاؤن» و«مين فوري» وغيرها من المديريات مراكز هامة لها.

       وفي مثل هذه الأوضاع الحرجة قامت «دارالعلوم» بما يجب أن تقوم به مؤسسة دينية. فبدأت –قبل أن تتخذ إجراءات وخطوات كفيلة بالردع عن ذلك والمنع منه– بما يمليه عليها المثل العليا من نداء المؤتمر الهندي الوطني إلى الحيلولة دون هذه النشاطات العدوانية الرامية إلى خلق الفجوة بين المسلمين والهندوس، وإلقاء العداوة والبغضاء بينهم بشكلٍ سريعٍ باستغلال نفوذه وتأثيره الشامل العام. وجاء في نص الاقتراح الذي قدمته «دارالعلوم» إلى المؤتمر الهندي القومي مايلي: «إن مجلس «دارالعلوم» هذا يهيب – بكل التأكيد- بـ«لجنة المؤتمر لعموم الهند» إلى أن يضع في بالها الأوضاع الحرجة التي تمربها البلادُ، وتحولَ دون الإجراءات التعسفية التي تحولت إلى حربٍ مدروسة، والتي تثير الشحناء والبغضاء في قلوب المسلمين والهندوس بعضهم تجاه بعض، وأن يردّ الدعاة الضالعين في إثارة الحرب الدينية بشتى صورها وألوانها على أعقابهم، ضماناً لتطهير وتأمين الجو السياسي في البلاد، الذي يزداد – وللأسف – سوءًا مع مرور الأيام. وأما الدعوة الدينية التي تقوم على متطلبات التسامح الديني العالمي وبأسلوب منطقي فلايسع جماعةً أن تمنع مثيلتها منها».

       واقترحت «دارالعلوم» فيما يخص حركة «الاندماج» (Sangthan) مايلي: «بما أن حركة الاندماج في الهندوسية (Sangthan) أخذتها بعض أوساطها – بحق أو غير حق – على أنها جهاز قوي و ركن شديد وُضِعَ لمواجهة المسلمين، ويهدف إلى دفع الهندوس إلى التناحر مع المسلمين ومعارضتهم بقوة، الأمر الذي نال من أمن البلاد وسلمها نيلًا عظيمًا، وعليه يقترح المجلس على لجنة المؤتمرالوطني أن تشدد لـ«المجلس الهندوسي العالمي» (Hindu Mahasabha) على ضرورة إدراك الأوضاع الخطيرة التي تمر بها بلادنا في هذه الأيام، ويعلق نشاطات حركة «الاندماج» (Sangthan) الحالية التي لايؤمَنُ معها التعرضُ لأخطار وأضرار جسيمة مستمرة. فإذا ما استتبَّت الأوضاع وعادت المياه إلى مجاريها فبالإمكان أن تُطالَب لجنةُ المؤتمر الهندي باتخاذ إجراءت وخطوات تضمن تنامي القوى الجسدية للفئتين: الهندوس والمسلمين، مما يعود عليهما بالحفاظ على قواهما الجسدية من أن تتدهور، مما يُشاهد في معظم أعضاء الفريقين بنسب متفاوتة. وذلك لتستغل البلاد خدماتِ أبنائها أمثالِهم بأوسع ما أمكن، وليأمن كرام الناس على أعراضهم وأموالهم ودياناتهم غائلةَ العابثين بها».

       أ ليس من سوء حظ البلاد حينئذ أن ذهب نداء «دارالعلوم» إلى المصالحة ولمِّ شعث الشعب الهندي أدراجَ الرياح. وتتابعت الأنباء إلى «دارالعلوم» عبر الكتب الموجهة إليها، وعبر الصحف والجرائد تفيد تصاعد النشاطات الطائفية المتطرفة التي تشنها «آريه سماج»، وارتداد المسلمين عن دينهم، فأرسلت «دارالعلوم» مجموعةً من الدعاة إلى المنطقة المستهدفة. وأفاد التقرير المقدم من هذه المجموعة بأن حركة «آريه سماج» حركة منظمة مدروسة وموسعة تتطلب تفادي أضرارها و القضاء عليها دعاةً آخرين بشكل عاجلٍ. فزار المنطقة وفودمكونة من أساتذة «دارالعلوم» وطلابها زياراتٍ متعددة و متواصلة. واتخذت – دارالعلوم- من مدينة «آغرا» مقرًا لمكتب علماء «دارالعلوم»، ونقطة انطلاق للنشاطاتهم بإشراف من الشيخ ميرك شاه(6)- من أساتذتها-، فقام الشيخ بمسح ميداني للمناطق المتضررة المصابة بهذه العاصفة الهوجاء فلم يَدَعْ واحدةً إلا أرسل إليها من الدعاة ما يغطي حاجتها، وردَّ التائهين إلى دينهم. وتمخضت هذه الجهود المضنية التي بذلها الدعاة المسلمون- ولله الحمد- عن توبة كثير من المرتدين وعودتهم إلى الإسلام من جديد، علماً بأن المناطق التي كانت نشاطات «آرية سماج» فيها على أشدها كان أهلها المسلمون جهلةً أغرارًا لايفهمون من معنى الإسلام كثيرًا، ولايميزون بين الدين والتين، فكانوا فريسةً سائغة لأعداء الإسلام. وقام الدعاة المسلمون المنتمون إلى «دارالعلوم» بالتذكير والنصح والدعوة إلى الله تعالى وتعريف «راجبوت» (Rajput)(7) بالإسلام، وهيأوا لهم فرص التعليم الديني، ونشروا شبكة من الكتاتيب الإسلامية في مختلف المناطق، وقاموا بالمناظرات مع دعاة «آريه سماج»، وانتصر فيها دعاة «دارالعلوم» انتصارًا كاسحًا.

       وتفيد الأنباء التي وردت من هذه المناطق من حينٍ لآخر بأن دعاة الإسلام تعرضوا– في فاتحة أمرهم – لأنواع من الأذى لماانطوى عليه قلوب سكان المنطقة الملكانيين من الغلظة والجفاء، وسوء الأخلاق. وحين وصل الدعاة إلى قرية يقال لها «تسي» أبى الملكانيون أن يؤووهم في قريتهم، وكانوا يسخرون منهم حين يتوضؤون، ويرمونهم بالأحجارحين يطلبون منهم الماء، إلا أن الدعاة ما ضعفوا وما استكانوا، وثابروا وصبروا على اعتداءاتهم وإذايتهم واتخذوا من بعض المساجد مركزاً ينطلقون منه ويدعون الناس إلى دين الله تعالى لمدة من الزمان، وعِيل صبرُهم ولم يجدوا بصيصاً من الأمل في النجاح وضاقوا ذرعًا وهموا بالعودة منها إذ رأى بعضهم في المنام النبي صلى الله عليه وسلم مقبلاً على مكافحة فتنة الردة وعلى شفتيه ابتسامة، فنفخت هذه البشارةُ في قلوبهم روح الثبات والعزيمة من جديد، إذ شهدت مواقف الملكانيين تغيرًا جذريا بأمر من الله تعالى، وتحولت اعتداءاتهم وإذايتهم راحةً ونعيماً.

       ومما لاشك فيه أن مؤسسات ولجانًا إسلامية أخرى أدلت بدلوها في هذه النشاطات الدعوية بجانب «دارالعلوم» أكثر فأكثر، ولاتقل جهود ومناشط «جمعية علماء الهند» أهميةً في هذا الصدد، حتى ذهبت الجمعية إلى تدشين مكتب لها في مدينة «آغرا»، فارتأت «دارالعلوم»– حفاظًا على الهوية الجماعية– أن تضم مكتبها إلى مكتب الجمعية وفعلاً تم تنفيذ هذه الفكرة اعتبارًا من ربيع الأول عام 1342هـ، إلا أن معظم الشعب الهندي المسلم والصحف الصادرة حينئذ قابلت خدمات «دارالعلوم/ديوبند» بالاعتراف والإشادة التي تشير إلى أنها- مساعي «دارالعلوم»- فاقت جميع الجهود المبذولة في هذه السبيل سعةً وتنسيقاً و وقعةً وتأثيرًا. فقالت صحيفة «سياست» في عددها الصادر في 27/يونيو عام 1923م: «وأما الحفاظ على الدين والرد على أعدائه، فإن «دارالعلوم» أساتذتها ودعاتها والقائمين عليها أكثر من في أرض الهند حظاً ونصيبًا في ذلك، وعلى سبيل المثال إذا ما أمعنت النظر في الجهود اللامتناهية المناوئة للإسلام والتي بذلتها «آريه سماج» لتَبَيَّنَ لك – كالشمس في رائعة النهار-أن أبرز من تصدى لهذه المخططات العدوانية المعادية للإسلام هو المدرسة العالية في «ديوبند» لا غير. ويحق لنا أن نقول: إن الفضل في انتشار الدين الإسلامي والعلوم العربية من التفسير والحديث والفقه في الهند يرجع فضله – بعد فضل الله تعالى – إلى «دارالعلوم/ديوبند».

       وتقول صحيفة «زميندار» في عددها الصادرة في 24/يونيو 1923م في «لاهور»: نحن في غنى عن التنويه بما تقوم به «دارالعلوم» من خدمات جليلة غالية في مكافحة فتنة الردة؛ فإن أساتذتها وطلابها ناشطون مكبون على تحقيق هذا الهدف السامي. ومن الحقائق الجلية الواضحة أن المدرسة الحق هي التي تحوض المعركة حين الحاجة إليه».

*  *  *

الهوامش:

(1)  والجدير بالذكر أن إمارة «حيدرآباد» كانت بها– في عهدها السابق- دارالقضاء قائمةً على مبادئ الشريعة الإسلامية، تُعرض عليها الشؤون الشرعية في المملكة المحروسة، فتصدر فيها أحكامها. كما كان بها منصب للإفتاء بصفة رسمية، وفي المحكمة العليا وظيفةُ «رئيس المفتين»، التي تصدر الفتاوى في خصوص قضايا القتل والقصاص. وكان قضاء المحكمة العليا و أمرها بالإعدام قائماً على فتوى المفتي. وهذه الوظيفة كانت تشبه منصب «قاضي القضاة» إلا أنها كانت تحتل ميزةً ومكانةً عاليةً بصفتها وظيفةً شرعيةً بحتةً.

(2)  تقارير عن دورة المجلس الاستشاري المنعقدة في ربيع الأول عام 1340هـ.  

(3)  «آريه سماج» (Aryasamaj): مذهب هندوسي جديد  يدعو إلى الإصلاح في الديانة الهندوسية، شقه أحد قساوسة الهندوس يدعى «مول شنكر» (Moolshankar) ويعرف بـ«سوامي ديانند سرسوتي» (SvamiDayanandasorasvati) (…-1824م= …-1883م) راجع:http://en.wikipedia.org/wiki/Main_Page. 

(4)  «شردها نندا» (Savamishardhanand) (1856-1926م): ولد في «جالندهر» في الهند، وتوفي في دهلي عن عمر يناهز 70 عامًا، أحد الدعاة المثقفين في حركة «آريه سماج» من أتباع «ديانند سرسوتي»، لعب دورًا أساسيًا في حركة «الاندماج» (Sangthan) وحركة «التحويل إلى الهندوسية» (Shuddhi) عام 1920م. للاستزادة من ترجمته. راجع:http://en.wikipedia.org/wiki/Main_Page.

(5)  راجع: «روشن مستقبل» (المستقبل الباهر) ص379،ط: الرابعة.  

(6)  الشيخ ميرك شاه: من أصل كشميري تخرج في «دارالعلوم» عام 1336هـ، وتنقل مدرسًا في مدارس عدة في «دربنغه» و «مرادآباد»، وعُيِّنَ مدرساً في «دارالعلوم» عام1341هـ، ثم تحول إلى «لاهور» عام 1344هـ .للاستزادة من  ترجمته راجع: تاريخ دارالعلوم /ديوبند 2/133.

(7)  راجبوت: أصل الكلمة معناها: أبناء الملوك، وهم جماعة من الهندوس، تضاربت الآراء في أصلهم. راجع: http://ur.wikipedia.org/wiki/

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، رمضان – شوال 1436 هـ = يونيو – أغسطس 2015م ، العدد : 9-10 ، السنة : 39


(*)    أستاذ التفسير واللغة العربية وآدابها بالجامعة.

Related Posts