كلمة المحرر
يعيش الفلسطينيون أنواعاً من المعاناة واحدةً تلو أخرى، ويمارس الاحتلال الإسرائيلي عليهم جميع أشكال العدوان، وانتهاك الحقوق الفلسطينية الشرعية القانونية التي لايمكن التنازل عنها ولا المساومة عليها، وقتل الشبان الفلسطينيين و رجالهم ونسائهم وشيوخهم وأطفالهم دون أن يفرق بين أحد منهم أو تأخذه رأفة بهؤلاء الأبرياء الذين لاناقة لهم و لاجمل فيما يتوسل به الاحتلال إلى الهجوم عليهم.
والاعتداءات الإسرائيلية ليست حديث الساعة؛ فإن هذا المسلسل بدأ منذ عام 1967م دون أن يتوقف ليومنا هذا. ولعل أبرز هذه الاعتداءات إحراق المسجد الأقصى في عام 1969م، أو المحاولات المتكررة لاقتحامه وإطلاق النارعلى المصلين أو حتى محاولة نسفه في القرن الماضي، أو الحفريات أسفله.
وقد حدث منع المصلين المسلمين من المسجد الأقصى عدة مرات في الأيام الأخيرة في الوقت الذي تُبارك إسرائيل وتحرس و تحمي اقتحام المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى المبارك. وبلغت الوقاحة اليوم بحكومة الاحتلال الإسرائيلي كل مبلغ حتى قامت بمنع المسلمين من دخول المسجد الأقصى منعاً باتاً ثم تراجعت عن قرارها أمام ضغوط رأي العالم الإسلامي الذي قابل هذا القرارالوقح بالاستنكار الشديد الذي تَمَثَّل في تصريحات قادة العالم الإسلامي والأمة الإسلامية واستدعاء الأردن سفيرها من إسرائيل.
والمفلت للنظر في هذا الصدد أنها كانت هناك خطوطٌ حمرٌ تلتزم إسرائيل الوقوفَ عندها ومنها: المسجد الأقصى وقبة الصخرة،وكل ما وجد داخل سور الحرم. وتم فرض الحظر على دخول المستوطنين إلى هذه المنطقة. وكلما حاول الاحتلال اختراق الخطوط الحمر هذه أدى ذلك إلى اشتعال نار في الساحتين العربية والعالمية فضلاً عن المدينة المحتلة أو فلسطين التاريخية. فيسعى الاحتلال إلى التخلص منه – عقب كل انتهاك يمارسه- بشتى الحيل زعماً منه أنه حدث طبيعي فردي لا على مستوى الحكومة. ولكن منع المصلين من المسجد الأقصى هذه المرة – الذي جاء بعد أن دهس شبان فلسطينيون بعض الشرطة و الجنود بسياراتهم كردة فعل على الاعتداءات الإسرائيلية – يمثل في الواقع إعلان حربٍ دينية على كل الأمة العربية والإسلامية، في إشارة إلى تدرج إسرائيل في خطوات تهيئة الرأي العام والظروف لتقسيم المسجد الأقصى المبارك زمانيًا تمهيدًا لتقسيمه مكانيًا وبناء هيكلهم المزعوم. ويعلن وزراء في حكومة الاحتلال – على مرأى ومسمع من العالم كلها – بناءَ الهيكل المزعوم في مكان قبة الصخرة، كما يدرس البرلمان الإسرائيلي قراراً يمنح المستوطنين حقاً يعادل حقوق المسلمين في العبادة في المسجد الأقصى في حين أنهم يدخلونه زواراً ولايُسمح لهم بالعبادة فيه حالياً.
وكل ذلك إن دل على شيء؛ فإنه يدل على أن الاحتلال قد أمِنَ ردةَ فعل الأنظمة العربية والعالم الإسلامي فتعمد تجاوز جميع الخطوط الحمراء وارتكاب الانتهاكات والاعتداءات الوقحة دون خوف من العواقب الوخيمة أو تبعات قد يتحملها.
نعم، يمر المسجد الأقصى اليوم بمرحلة جدّ خطيرة، تستدعي قدراً كبيراً من اليقظة وتحركاً عاجلاً لحمايته وإنقاذه. يتعرض المسجد الأقصى لحملة شرشة خطيرة على المستوي الرسمي وعلى المستوى الشعبي من قبل يهود متطرفين حملةٍ غير مسبوقة؛ ولكن ردود الفعل العربية والإسلامية وردة فعل المجتمع الدولي ربما لم تصل إلى المستوى المطلوب منها في الماضي و الحاضر، وإلا ما كان للاحتلال أن يتجرأ على مثل هذه الاعتداءات العنصرية الإجرامية. أ لم يأن للمجتمع الإسلامي والدولي أن يتحركا بجدية للتحذير من تصاعد حدة وزيادة عدد المقتحمين للمسجد الأقصى المبارك من قبل الاحتلال الإسرائيلي وأذرعه ومنظماته المختلفة و للحيلولة دون الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية الاستفزازية؛ فإن المقدسات تبقى مقدسات مهما حاول الاحتلال إحكام قبضتها العدوانية وتشديد إجراءاتها القمعية. [التحرير]
(تحريرًا في الساعة التاسعة من ليلة يوم الأحد: 13/محرم الحرام 1436هـ = 7/نوفمبر 2014م)
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ربيع الأول 1436 هـ = يناير 2015م ، العدد : 3 ، السنة : 39