الفكرالإسلامي

بقلم: الأستاذ محمد ساجد القاسمي(*)

       لما خلق الله هذا الكون جعل له سننًا وقوانين تحكمه، وهي موجودة ما دامت الأرض باقية، فماهي القوانين؟ وفي أيِّ شيء هي؟ إنها قوانين في كلِّ شيء .. في الطبيعة … في السلوك البشري… في الأرض… إذا أرادت أمة أن تقود هذه الأرض فعليها أن تستعمل هذه القوانين… لأنَّها أصل من أصول الحياة عليها.

       لوأنَّ أحدًا أراد أن يصعد فوق قِمَّة جبل وأراد أن يطير، يقال له: هناك قانون الجاذبيَّة…ستقع وتتكسَّر… يأتي المريض إلى الطبيب فيصف له الدواء، ويقول له: خذ هذا الدواء، ستتحسَّنُ صحتك وتزُول علَّتك بعد ثلاثة أسابيع، فهل الطبيب شخص خارق للعادة؟ طبعًا لا، لكن الطبيب يعرف قوانين الطب.

       وهناك أيضًا قانون السلوك الاجتماعي… من أخذ به يقود… فما هوالقانون؟ هوقانون التغيير: تغيير الله ما بالأفراد والأمم عقِب تغييرهم ما بأنفسهم.

 فهذا قانون مطَّرد، و سُنَّة نافذة في حياة الأفراد والأمم، فإن كان فرد أو أمَّة يريد نجاحًا أو غِنىً أو عِزَّة أو تقدُّمًا فليُغيِّرأحواله و واقع حياته.

       وقد بيَّن الله عزوجلَّ سُنَّته هذه في موضعين من القرآن، فقال:

       ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ﴾ [الرعد/11]

       يُوضِّح الله تعالى في هذه الآية: أنَّ للعبد ملائكة يتعاقبون عليه، حَرَس بالليل وحَرَس بالنهار، يحفظونه من الأسواء والحادثات، كما يتعاقب ملائكة آخرون لحفظ الأعمال من خير أو شرّ، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، فاثنان عن اليمين و[عن] الشمال يكتبان الأعمال، صاحب اليمين يكتب الحسنات، وصاحب الشمال يكتب السيئات، وملكان آخران يحفظانه ويحرسانه، واحد من ورائه وآخر من قدامه، فهو بين أربعة أملاك بالنهار، وأربعة آخرين بالليل بدلا حافظان وكاتبان، كما جاء في الصحيح: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، فيصعد إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بكم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يُصلُّون، وتركناهم وهم يُصلُّون» (تفسير سورة الرعد،لابن كثير ملخصًا ص:250)

       فالله عزوجل جعل لكل إنسان حفظة من ملائكته، يكتبون عليه كلَّ حركة وسكنة، وكلَّ شاردة وواردة، وداخلة وخالجة، فإذا غيَّروا مشاعرهم وأحوالهم وواقع حياتهم غيَّر الله لهم من نعمة وبؤس، وعزَّة وذلَّة، ومكانة ومهانة. فمشيئة الله وإرادته تترتَّب على تغييرهم وتصرُّفهم، فهذا مبدأ مهمَّ وسنَّة جارية في أحوال البشر، فإن كانوا يريدون أن يخرجوا ممَّا هم فيه من ذُلّ ومهانة، أو انحطاط وتخلُّف، وفقر وبؤس فعليهم أن يُغيِّروا واقع حياتهم، فيعامل الله معهم حسب مايشاءون.

       وأوضح عزَّوجلَّ في موضع آخر منه، فقال:

       ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ٍ* كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ﴾ [الأنفال/54]

       يُخبرالله تعالى في هذه الآية عن تمام عدله، وقسطه في حكمه، بأنَّه تعالى لا يُغيِّر نعمة أنعمها على أحد إلا بسبب ذنب ارتكبه، كما صنع بآل فرعون وأمثالهم حين كذَّبُوا بآياته، فأهلكهم بسبب ذنوبهم، وسلبهم تلك النِّعم التي أسداها إليهم من جنَّات وعيون، وزروع وكنوز ومقام كريم، ونعمة كانوا فيها فاكهين، وما ظلمهم الله في ذلك، بل كانوا هم الظالمين. (تفسير سورة الأنفال لابن كثير، ص: 184)

       في هاتين الآيتين نلحظ تغييرين: تغيير من قبل أنفسنا، وتغيير من قبل الله، فأي التغييرين سبق؟ تغييرنا لأنفسنا طبعا…فإصلاح الفرد ذاته والأمة أحوالهاحتمًا سوف يتبعه إصلاح المجتمع وانقلاب في الحياة، ومن هذا المنطق يجب أن يُغيِّر الفردُ نفسه وسلوكه وتصرُّفه حتى يساهم في إصلاح المجتمع.

       هذا وإنَّ الأمة الإسلامية تعيش واقعًا مريرًا، خاصة منذ المئة سنة الأخيرة، مصائب كثيرة: أشدُّها الابتعادُ عن الله سبحانه وتعالى، بالإضافة إلى الانهيار الخلقي والقيمي، والتخلف التكنولوجي والعلمي، فما كانت نتائج هذه المصائب؟ لقد جعلت كثيرًا من شباب الأمة وأفرادها يعانون من أمراض اجتماعية من الاكتئاب، والإحباط واليأس، ويفقدون ثقتهم بأنفسهم. وأصبح الغرب بالنسبة إليهم مصدر الوحي والإلهام، ومثلاً أعلى في كل شيء حتى في الأكل والشرب، وأصبحوا يشعر ون بالضعف.

       فما علاج هذه الأمراض والأدواء؟ وكيف الخروج من هذه المحنة؟ وما الحل لهذه المشكلات؟

       إن الدواء الناجع لهذه الأمراض والأدواء، والمخرج من هذه المحنة، والحلَّ الوحيد لهذه المشكلات هوقانون التغيير- الذي ذكرناه آنفًا- وتنفيذه في حياة الأفراد والأمة.

       إذا غيَّروا ما بأنفسهم يغير الله لهم أحوالهم و واقع حياتهم.

       إن سُنَّة التغيير كالسنن الإلهية الأخرى التي تعمل عمَلها ويسري مفعولُها في مختلف ميادين الحياة.

       فلنغيِّر ما بأنفسنا، وسنرى أنَّ الله تعالى سيُغيِّر لنا وجه الأرض.

       يقول كثير من الناس: لماذا لا ننتصر؟ ولماذا صارت أحوالُنا كذلك؟ أقول لن ننتصر، لأنَّ هناك قانونًا مثل قانون الجاذبية غائب من حياتنا. فما لم نستخدمه لن ننتصر وسنتكسَّر كما هي الأمة الإسلامية الآن. فما إن نستخدم هذا القانون حتى يُغيِّر الله تعالى بنا الأرض وما عليها، فالقوانين أسباب نتعامل معها، فنحصل على نتائج.

       وهذا القانون هو الذي نفَّذه رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة، فقادوا الأمة، وكانوا في ظلمة أكثر بكثير ممَّا نحن فيه، فقاد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الأمة23 سنة، خلال هذه المدة القصيرة غيَّر بها وجه الأرض، لماذا؟ لأنَّهم نفَّذُوا هذا القانون.

       فهل الأمة الإسلامية تأخذ بهذا القانون وتُنفِّذه في حياتها؟

*  *  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم  ديوبند ، ذوالحجة 1435 هـ = أكتوبر 2014م ، العدد : 12 ، السنة : 38


(*)   أستاذ قسم الأدب العربي بالجامعة الإسلامية: دارالعلوم ديوبند (الهند)

      sajidqasmideoband@gmail.com

Related Posts