دراسات إسلامية
بقلم: د. حسين عبد الغني سمرة (*)
ثالثًا. عصمة النبي صلى الله عليه وسلم من الشيطان:
لقد حفظ الله تعالى عباده المخلصين من كيد إبليس وجنوده، فلا سبيل له عليهم، قال – جل جلاله-: ﴿إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطٰنٌ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلاً﴾ (الإسراء65) وقد اعترف إبليس بعجزه عن الكيد لهم، فحكى عنه رب العزة قوله: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ (ص 82-83).
ولا شك أن أنبياء الله ورسله – عليهم السلام – وعلى رأسهم خاتمهم صلى الله عليه وسلم على قمة عباد الله المخلصين، الذين عصمهم رب العزة من كيد إبليس وجنوده. وحول عصمة النبي صلى الله عليه وسلم من الشيطان يقول القاضي عياض في كتابه «الشفا»: «واعلم أن الأمة مجمعة على عصمة النبي صلى الله عليه وسلم من الشيطان وكفايته منه، لا يصيبه في جسمه بأي نوع من أنواع الأذى – كالجنون والإغماء – ولا على خاطره بالوساوس»(4).
وقد دل على المفهوم السابق القرآن الكريم والسنة المطهرة.
أما القرآن الكريم: فقد ورد فيه تعرُّض الشيطان لبعض الأنبياء عليهم السلام في أجسامهم ببعض الأذى، وعلى خاطرهم بالوسوسة، مع عصمة الله جل جلاله لهم بعدم تمكن الشيطان من إغوائهم، أو إلحاق ضرر بهم يضر بالدين. قال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِيَ الشَّيْطٰنُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾ (ص 41). وقال جل جلاله: ﴿فَأَزَلَّهُـمَا الشَّيْطٰنُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾ (البقرة:36). وقال تعالى: ﴿قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰنِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ﴾ (القصص:15)، وقال الله – جل جلاله-: ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطٰنِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (فصلت:36).
وليس في هذه الآيات الكريمات ونحوها ما يتعارض مع قوله تعالى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطٰنٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ (الحجر:42).
أما السنة المطهرة: فقد ورد فيها ما يؤكد ما ورد في القرآن من تعرض الشياطين لرسول الله صلى الله عليه وسلم في غير موطن؛ رغبة في إطفاء نوره، وإماتة نفسه، وإدخال شغل عليه، ولكن كانت عصمة الله – جل جلاله – حائلة دون تمكُّن الشياطين من إغوائه أو إلحاق ضرر به.
ومن هذه الأحاديث التي تدل على ما سبق، ما يأتي:
* عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلا وقد وُكِّل به قَرِينه(5) من الجن»، قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: «وإياي، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير»(6).
وقوله «فأسلم»برفع بالميم وفتحها، روايتان مشهورتان، فمن رفع قال: معناه: أَسْلَمُ أنا من شره وفتنته، ومَنْ فَتَحَ قال: إن القرين أَسْلَمَ من الإسلام، وصار مؤمنًا لا يأمرني إلا بخير.
وصحَّح الخطابي وغيره رواية الرفع، ورجَّح القاضي عياض والنووي والزرقاني الفتح؛ لأنه ظاهر الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم: «فلا يأمرني إلا بخير».
* وعن أبي هريرة رضي الله عنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن عفريتًا من الجن جعل يَفْتِك(7) عليّ البارحة ليقطع علي الصلاة، وإن الله أمكنني منه فَذَعَتُّه(8)، فلقد هممت أن أربطه إلى جنب سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا تنظرون إليه أجمعون، أو كلكم، ثم ذكرت قول أخي سليمان: ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِى إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ﴾ (ص:35)، فَرَدَّه الله – جل جلاله- خاسئًا»(9)(10).
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه: قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعناه يقول: «أعوذ بالله منك»، ثم قال: «ألعنك بلعنة الله» ثلاثًا. وبسط يده كأنه يتناول شيئًا، فلما فرغ من الصلاة قلنا: يا رسول الله! قد سمعناك تقول في الصلاة شيئًا لم نسمعك تقوله قبل ذلك، ورأيناك بسطت يدك، قال: «إن عدو الله – إبليس – جاء بشهاب(11) من نار، ليجعله في وجهي، فقلت: أعوذ بالله منك ثلاث مرات. ثم قلت: ألعنك بلعنة الله التامة، فلم يستأخر، ثلاث مرات، ثم أردت أخذه، والله! لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقًا يلعب به ولدان أهل المدينة»(12).
وهكذا كانت عصمة المولى – جل جلاله – لرسوله صلى الله عليه وسلم من الشياطين، حتى مرض وفاته الذي لدَّه(13) فيه بعضُ الحارين عنده بغير إذنه، ولما سألهم صلى الله عليه وسلم عن ذلك قالوا: خشينا أن يكون بك ذات الجنب، فبين لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذات الجنب من الشيطان، وهو معصوم منه قائلاً: «إنها من الشيطان، ولم يكن الله – جل جلاله – ليسلطه علي»(14).
وإذا كانت عصمة النبي صلى الله عليه وسلم من الجن بهذا الشكل وهذه الدرجة، فكيف يتلقى عنه القرآن؟! بل إن الجن أنفسهم ليتعجّبون مما نزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، يقول – جل جلاله-: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾ (الجن:1-2)، ويدعون قومهم للإيمان به، يقول -جل جلاله-: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ الأحقاف: 29-31)، فكيف يُوْحُوْن إلى محمد صلى الله عليه وسلم القرآن ثم يتعجبون منه ويأمرون قومهم بأن يجيبوا محمدًا صلى الله عليه وسلم (15)؟!
رابعًا: تفريق هؤلاء الطاعنين بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين غيره من الأنبياء عليهم السلام في شأن الوحي:
إننا نتوجه إلى مثيري الشبهة بالتساؤلات الآتية: لماذا تفرّقون في أمر الوحي بين محمد صلى الله عليه وسلم وبين أخويه موسى وعيسى – علهيما السلام – ؟ وكيف ترفضون الوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم وتقبلون ما هو دون الوحي من إلهامات تزعمون أنها حصلت لِقدِّيسيكم، وفيها من الأقوال والأخبار ما لا تقبله العقول؟!.
إنما حدث ذلك بسبب أحقاد هؤلاء الدفينة، وعداوتهم المتوارثة، وعدم رغبتهم في اتباع الحق الذي أتاهم به خاتم النبيين، وإمام المرسلين المصطفى صلى الله عليه وسلم، ورغبتهم في اتباع الهوى الذين زينته لهم نفوسهم الأمارة بالسوء(16).
ومن قديم كان الادعاء الذي حكاه الله – جل جلاله – بقوله: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ﴾ الأنعام: 91)، ورد عليهم الله – جل جلاله – بقوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتٰبَ الَّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ﴾ (الأنعام:91).
فكأن الله يقول: كيف يستكثرون الوحي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع أنه قد حصل بالفعل؛ كالوحي إلى موسى – عليه السلام – بالتوراة وإلى عيسى -عليه السلام – بالإنجيل(17)، فكيف يؤمنون بنسبة التوراة والإنجيل إلى الله، وينكرون كلامه في القرآن، مع العلم بأن القرآن هو الصدق، كل الصدق في كل ما جاء به من عقيدة وشريعة وقصص(18)، وهو كتاب تكفَّل الله تعالى بحفظه من التحريف والتبديل منذ أن أنزله، على خلاف التوراة والإنجيل اللذين يجدون فيهما التحريف والتبديل واختلاف الروايات، ومن هنا رُفِعَت الثقة التاريخية والقداسة الدينية عن أخبارهما وتشريعاتهما(19).
وينكر د. محمد أبو شهبة على المفترين تناقضهم وتفريقهم بين الأنبياء، ويوضح لهم أن التشكيك في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم هو تشكيك في نبوة كل الأنبياء، يقول: «ثم ما رأي هؤلاء الطاعنين – وفيهم من ينتمى إلى بعض الأديان – في أنهم لا ينالون من نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم وحده، وإنما ينالون من جميع أنبياء الله ورسله الذين كانت لهم كتب وصحف أوحِيَ بها من عند الله – جل جلاله-!! فهل تطيب نفوسهم أن يخرِّبوا بيوتهم قبل أن يخربوا بيوت غيرهم؟!! وما رأيهم فيما جاء في كتب العهد القديم والجديد من إيحاءات ونبوات؟! وهل يقولون في وحي نبي الله موسى وعيسى – عليهما السلام – ما يقولون في وحي خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم»(20)؟!
إذن فما يُقال تأييدًا لوحي عيسى عليه السلام أو موسى يصح أن يقال تأييدًا لوحي محمد صلى الله عليه وسلم… أما الأمر الذي يجب أن ينكره البحث العلمي – بهذا التحديد – فهو أن يُنَاقَشَ نوع من الوحي ويُتشكك فيه باسم العلم، ثم يُصان نوع آخر على أنه بديهي التسليم، وبعيد عن مجال الجدل العقلي النظري أو العلم التجريبي!! فقضية الوحي إذن قضية عامة مشتركة، تشمل جميع الأنبياء – عليهم السلام-: ﴿كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا﴾ (آل عمران:7)(21).
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس ببدع من الرسل في باب الوحي، فقد أوحي إليه كما أوحي إليهم، وصدق الحق إذ يقول: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمٰعِيلَ وَإِسْحٰقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا﴾ (النساء:163). وقال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَآئِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ (الشورى:51)(22).
ثم إذا علمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءت البشارة به في كتبهم – التوراة والإنجيل – فإنه أيضًا جاء في كتبهم أنه يُوحى إليه، وأنه لا يتكلم من نفسه، إنه النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يتكلم إلا بالوحي… كما تنص التوراة: «وأجعلُ كلامي في فمه، فيكلِّمهم بكل ما أوصيه به. ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه» (التثنية 18: 18، 19)، فهو لا يتكلم من نفسه، ولكن يتكلم بما يُوحِي إليه ربه.
كما يخبر المسيح عيسى – عليه السلام – عن هذه الحقيقة بقوله: «وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق؛ لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به» (يوحنا13: 16).
وإذا كان هذا ثابتًا في كتبهم لا يُمارَى فيه؛ فإن صفة الوحي إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، توافق صفة الوحي إلى من تقدمه من النبيين: ﴿كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (الشورى:3)(23). فلا شك أن هذا مثل ذاك، لذا كان قول ورقة بن نوفل لمحمد صلى الله عليه وسلم: «هذا الناموس الذي أُنزل على موسى»(24). وإذا كان ذلك كذلك فلماذا هذا التحيُّز بقولهم باتصال النبي صلى الله عليه وسلم بالجن وتلقيه عنها؟! فهذا ما لا يقبله عقل ولا يتوافق مع منهجية البحث.
إن القرآن تحدَّى العرب والعجم، والإنس والجن، أن يأتوا بمثله أو بسورة من مثله، وكان القرآن – ولا يزال – معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولِمَ الشك في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وقد لبث في قومه – من قبل ذلك – أربعين عامًا؟ فلم يحدثهم بنبوة ولا برسالة! ذلك أن هذا الأمر إنما يرجع إلى مشيئة الله فحسب، يقول الله جل جلاله: ﴿قُل لَّوْ شَآءَ اللهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَآ أَدْرَﯨـٰكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ (يونس:16).
وقد عُرِف النبي صلى الله عليه وسلم في قومه قبل البعثة بالصادق الأمين، وقد لقبه قومه بذلك لأنهم لم يعهدوا عليه كذبًا قط، بل كانوا يعرفونه بالصدق والأمانة، ورجاحة العقل، فلِمَ الشك في أمره مع أنه تجرد من كل أمر دنيوي(25)؟
وكان الوحي في غار حراء من أشد ما لقيه النبي صلى الله عليه وسلم في تلقي الوحي، وجبريل عليه السلام ليس ملكاً عاديًّا، بل هو الروح، كما أن القرآن روح، فتجتمع الحياة الحقة منهما، وإذا كانت الحياة تسري في الجسد الميت عندما ينفخ فيه الروح، فما ظنك بروح يُلقن النبي صلى الله عليه وسلم روحًا، وجبريل عليه السلام هو الأمين الذي يتسم بأمانة الأداء، فلا يُبَدِّلُ مما يؤديه حرفًا زيادة ولا نقصًا.
وقد جاءت الآيات في القرآن في وصف كيفية إنزال جبريل عليه السلام بالقرآن، يقول جل جلاله: ﴿نَزَلَ بِهِ الرَّوحُ الْأَمِينُ﴾ (الشعراء:193). ويضاف إلى هذا أن قلب النبي صلى الله عليه وسلم قد نُزِع منه حظ الشيطان، وتم إعداده إلهيًّا. فلا مجال في ذلك لتواجد الشياطين أو وسوستها للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم في تلقي ألفاظ القرآن الكريم(26).
ويجدر بنا الآن أن نتوجه إلى مثيري هذه الشبهة بهذه الأسئلة: لماذا لم يُعَلِّم أحد الشياطين أحدًا من العرب قرآنًا مثل هذا؟! ولماذا خص محمدًا دون من عداه مع أنه أُمِّيٌّ؟ أليس من الحكمة أن يختار هذا الشيطان أو الجان رجلاً متعلمًا، أو يتنزل على من عُرف باتصاله بالجن والكهانة، أو حتى أرباب الفصاحة من الشعراء؛ إذ كانوا يقولون إن اتصالهم بالجن؟!
* اين كان هذا الشيطان منذ أن كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعبد قبل أن ينزل عليه الوحي، ولماذا تأخر هذه الفترة ثم خرج فجأة بمثل هذا الأمر الخطير الذي غير مجرى حياة البشر؟!
* إنكار نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم والتشكيك في مصدر الوحي إليه، إنما هو تشكيك في نبوة أنبياء الله جميعهم من قبله؛ وذلك أن من يشكك في مصدر الوحي المحمدي يفرق بين أنبياء الله، فكيف يؤمنون بالوحي إلى موسى وعيسى – عليهما السلام – ، ولا يؤمنون بالوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم؟!
(للمزيد انظر: موسوعة بيان الإسلام، نشر نهضة مصر، وموقع: بيان الإسلام: الرد على الافتراءات والشبهات).
(*) رئيس قسم الشريعة بكلية دار العلوم – جامعة القاهرة.
(4) الشفا بتعريف حقوق المصطفى، القاضي عياض، دارالكتب العلمية، بيروت، د. ت، ج2، ص 117.
(5) القَرِين: المصاحب.
(6) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب تحريش الشيطان وبعث سراياه لفتنة الناس (7286).
(7) يَفتِك: يأخذه على غفلة وخديعة.
(8) ذَعَتَ: خَنَق.
(9) الخاسئ: المطرود.
(10) أخرجه البخاري في صحيحه، أبواب المساجد، باب الأسير أو الغريم يربط في المسجد (449)، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد، باب جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة والتعوُّذ منه (1237)، واللفظ له.
(11) الشِّهاب: الشُّعلة الساطعة من النار.
(12) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد، باب جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة والتعوذ منه (1239).
(13) لَدَّ المريضَ: جعل لسانه في جانب فمه ووضع له الدواء في الجانب الآخر.
(14) إسناده حسن: أخرجه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، حديث السيدة عائشة رضي الله عنها (26389)، والحاكم في مستدركه، كتاب الطب (8235)، وحسن إسناده الأرنؤوط في تعليقه على مسند أحمد.
(15) رد شبهات حول عصمة النبي ﷺ في ضوء الكتاب والسنة، د. عماد الشربيني، دار الصحيفة، القاهرة، د1، 1424هـ/2003م، ص 70: 74.
(16) عصمة الأنبياء والرد على الشبه الموجهة إليهم، د. أبو النور الجديدي، مرجع سابق، ص39.
(17) المصطفون الأخيار، الشيخ عطية صقر، دار مايو الوطنية، القاهرة، 1997م، ص 124، 125.
(18) المرجع السابق، ص 12.
(19) المرجع السابق، ص 25.
(20) السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة، د. محمد محمد أبو شهبة، دارالقلم، دمشق، د8، 1427هـ/2006م، ج1، ص278.
(21) مفتريات المستشرقين وعملائهم على الإسلام، د. إسماعيل علي محمد، دار النيل، مصر، د1، 1421هـ/2000م، ص 71.
(22) المرجع السابق، ص 279.
(23) وإنك لعلى خُلق عظيم، صفي الرحمن المباركفوري، شركة كندة، القاهرة، ط1، 1427هـ/2006م، ج1، ص 327.
(24) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التعبير، باب أول ما بدئ به رسول الله ﷺ من الوحي الرؤيا (6581)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بدء الوحي إلى رسول الله (422).
(25) دلائل النبوة ومعجزات الرسول، د. عبد الحليم محمود، دارالإنسان، القاهرة، ط2، 1404هـ/1984م، ص 344.
(26) تلقي النبي ﷺ ألفاظ القرآن الكريم، عبد السلام المجيدي، مرجع سابق، ص 82، 83 بتصرف.
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، شعبان 1435 هـ = يونيو 2014م ، العدد : 8 ، السنة : 38