كلمة العدد
في حادث من الحوادث، وقع منذ سنوات مضت عدد من اليهود صرعى تفجيرات استشهادية، فماذا كان قد حدث، سجل التاريخ أنه ما إن سقطت مجموعة من اليهود في التفجيرات الاستشهادية في كل من القدس وعسقلان في الفترة ما بين 25/فبراير و 9/مارس 1996م، حتى قامت قيامة العالم كله، وأسرع كبار قادة العالم إلى «شرم الشيخ» بجمهورية مصر العربية، واحتشدت فيها على جناح الهواء – بالإضافة إلى إسرائيل وسلطة الحكم الذاتي الفلسطينية المزعومة – 13 دولة عربية و12 دولة أجنبية؛ من بينها أربع دول من خمس دول صاحبة المقاعد الدائمة في مجلس الأمن. ولم تحضر هذا المؤتمر سوريا ولبنان من بين الدول العربية ذات الصلة المباشرة بالقضية الفلسطينية الإسرائيلية؛ لأنهما كانتا قد طرحتا التشاور مسبقًا حول المؤتمر وأهدافه؛ ولكن الأطراف المتحكمة في الأمر وعلى رأسها أمريكا لم تعر اهتماماً لطروحاتهما.
حصيلة هذه الانفجارات الاستشهادية لم تكن إلا 60 يهودياً فقط، ولكنها أقضت مضاجع قادة العالم، وتحمسوا يهرولون لعقد مؤتمر لتخطيط الحملة الفعالة ضد «الإرهاب الفلسطيني العربي» وكأن الساعة قائمة غدًا إذا لم يحسم الأمر في ظرف ساعات معدودات.
الفلسطينيون العزل المسحوقون على يد العدو المهين على مدى الاحتلال عندما يقذفون حصيات أو أحجارًا أو يقومون بعمليات استشهادية صغيرة يهرع العالم كله – الذي تقوده أمريكا بدون جدارة واستحقاق وبصورة غير شرعية – ليواجه هذا «الإرهاب المدمر المروع» بكل مالديه من إمكانات.
أما إسرائيل التي ظلت تفعل الأفاعيل وتمارس أبشع أنواع الجرائم والتعذيب مع الفلسطينيين والعرب الآخرين منذ تواجدها غير الشرعي في أرض فلسطين، فإن قادة العالم لم يتجرأوا ليصفوا فعلاتها السيئة «إرهابًا» ويطالبوا العالم لمكافحة هذا الإرهاب.
لماذا لم يسم العالم المذابح الإرهابية التي ظلت تقيمها إسرائيل لحصد أرواح الفلسطينيين، والتي ذهبت بأرواح نصف عرب فلسطين «إرهابا»؟!
قتلت إسرائيل بشكل جماعي آلاف الفلسطينيين في «صبرا وشاتيلا» وفي «قبية» و«دير ياسين» و«السموع» و«كفر قاسم» و«الحرم الإبراهيمي» ولكن القادة لم يتحركوا لاتخاذ أية إجراءات ضد «الإرهاب» الذي قامت – ولاتزال تقوم – به دولة غير شرعية أقيمت لتذليل العرب المسلمين في داخل العالم العربي.
لماذا أتيح لإسرائيل أن تمد بذراعيها إلى أي مكان في العالم العربي؟ وتدخل بجيوشها ومعداتها وأسلحتها وطائراتها أية دولة عربية؟ ففي الماضي قصفت المفاعل النووي العراقي، وشردت عناصر المقاومة الفلسطينية في لبنان، وقصفت المواقع الفلسطينية في تونس بعدما جعلتها تغادر لبنان، وقامت بتصفية «أبوجهاد» أحد أبرز وجوه الكفاح الفلسطيني في فلسطين المحتلة، وطاردت السيد ياسر عرفات وحاولت اغتياله واغتيال زملائه مرات وكرات باعتبارهم – في الماضي عندما لم يكن قد وقع ياسر عرفات معاهدة السلام معها – رموز «الإرهاب الفلسطيني». وأخيرًا قتلته بالتسميم كما أثبتت المصادر الموثوق بها.
وفي الحاضر حَوَّلت غزة جحيمًا لا تطاق بكل نوع من العمليات غير الإنسانية، وشردت سكان القدس الشرقية الفلسطينيين بإكراه واحتلت أراضيهم وخطت خطوات واسعة نحو تهويد القدس وتداهم المسجد الأقصى من حين لآخر بقواتها.
بعدما كان أعطى مؤتمر «شرم الشيخ» إشارة خضراء لتصنع إسرائيل ما تشاء مع العرب والفلسطينيين – إذا وقفوا بشكل من الأشكال حجر عثرة في طريق تحقيق جميع أحلامها – قصفت القرى الجنوبية في لبنان وبالتحديد في الفترة ما بين 11 و 27/أبريل 1996م، وحاصرتها بحرًا وبرًّا وجوًّا، وجوعت أهلها، ونسفت منشآتها، وأجبرت مئآت الآلاف من سكانها إلى مغادرتها، ودمرت البنية التحتية الحياتية والاقتصادية في ذلك البلد العربي الذي تحتل هي – إسرائيل – منذ 14 عامًا شريطاً كبيرًا – خمس عشرة بالمائة – من أراضيه في غير شرعية وعلى مرأى ومسمع من العالم كله.
ولم تكتف إسرائيل بذلك وحده، بل تجرأت – وهي مدللة لدى أمريكا والغرب أو هي في الأصل كما يقول بعض الصحفيين العرب ولاية أمريكية إضافية منفلتة بسبب الجغرابيا فقط من عقد الولايات المتحدة الأمريكية – على القصف العشوائي لبلدة «قانا» في جنوبي لبنان حيث يوجد مقر لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، فاستهدفت المقر وجميع السكان المدنيين المحيطين به، فسقط منهم 103 قتيلاً وأكثر من ثلاث مائة جريح.
وأجرت الأمم المتحدة – محاولة فاشلة منها على الإبقاء على بعض الماء في وجهها – تحقيقًا تدين فيه إسرائيل بصوت خافت للغاية أنها إنما استهدفت المقر والسكان الآمنين عن تعمد، فنهضت أمريكا وإسرائيل على الفور ونفتا التعمد، وقالتا إن الكارثة – التي وصفتاها بـ«الحادث» – إنما وقعت عن خطأ ودونما تعمد!!
يتساءل الإنسان في عجب: لماذا أعطيت إسرائيل هذا الامتياز القاضي بأن تمارس أي نوع من الجرائم والاعتداءات مع أي فرد أو دولة دون أن تقابل بأي ردع يذكر؟!
منذ أن وجدت هي بشكل دولة في فلسطين لاتزال تمارس خرق كل قانون دولي وإقليمي داخليًّا وخارجيًّا، بالاضافة إلى ممارستها لسياسات التجويع والترويع والحصار والتشريد والمطاردة والتعذيب والتدمير والنسف والقتل العشوائي؛ ولكنها – كما يقول صحفي عربي –تبدو بخلاف أية دولة وجهة أخرى معفاة سلفًا من تبعة أي ذنب يصدر عنها أو أية جريمة ترتكبها إزاء القانون الدولي.
ثم يأتي خلط الأوراق دائماً بشكل مجحف، فيعتبر الطرف المحتل الإسرائيلي الغشوم مظلوماً والطرف العائش تحت الاحتلال وهو الإنسان الفلسطيني مذنباً ظالماً بل «إرهابيًّا»!
إن إسرائيل بإجماع جميع الخبراء السياسيين والعارفين بالشؤون الدولية الحياديين اللاانحيازيين هي التي اخترعت وطورت ومارست الإرهاب لأول مرة في تاريخ الدول والحكومات والأمم والأقوام بشكل مخطط دقيق، واعتمدت عليه كسلاح أمضى في تحقيق مطامعها التوسعية وإذلال الإنسان العربي وإقامة دولتها الموسعة «من النيل إلى الفرات» كما هو مكتوب في اللافتة المثبتة في قاعة البرلمان الإسرائيلي.
ولكي نتأكد من ذلك لابد أن نعرف أولاً ما هو «الإرهاب»؟
يعرف الإرهاب بأنه هو استخدام لوسائل تهدف إلى خلق جو من الرعب في جماعة اجتماعية، أو في سكان في مكان ما من أجل تغيير سلوك هذه الجماعة، والتي لم تجد الوسائل الأخرى في تغيير سلوكها(1).
ويدخل في نطاق هذا التعريف إرهاب الدولة وإرهاب الجماعات معاً، ومن المؤسف أن الكتاب والصحفيين والساسة والقادة لأغراضهم المشبوهة إنما يركزون فقط على إرهاب الجماعات والأفراد ولا يتعرضون لإرهاب الدولة، فهناك دول كثيرة مارست ولاتزال تمارس أبشع أنواع الإرهاب مع شعبها وغيره من بني البشر، وعلى رأس جميع الدول على وجه الأرض هي إسرائيل.
فقد صنف الدكتور مايكل نيكلسون (M.Nichelson) إرهاب الدولة في حالات أربع كما يلي:
1- محاولة الدولة السيطرة على المواطنين عن طريق الإرهاب.
2- استخدام الإرهاب في إطار السياسات الاستعمارية.
3- استخدام الإرهاب في الحروب.
4- استخدام الإرهاب كبديل للحرب.
وقد مارست إسرائيل هذه الصور الأربع كلها للإرهاب ضد العرب الفلسطينيين، وقد قام الدكتور مأمون فندي – أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج تاون، بواشنطن – بتحليل هذه العناصر وتطبيقها على إسرائيل، فقال:
«تلك – الحالات الأربع – حالات يمكن أن نراقب من خلالها السلوك الإسرائيلي وسياساته في طريقة تعامله مع الفلسطينيين تحت الاحتلال، فكل الممارسات الإسرائيلية تقع تحت طائلة التصنيف الثاني، وهو استخدام الإرهاب كوسيلة للسيطرة على المواطنين الأصليين في المستعمرات، ويمكن إثبات ذلك من خلال قراءة محايدة لعدد المسجونين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية وطريقة معاملتهم التي تتمثل في التعذيب الذي تؤكده كل يوم تقارير منظمات حقوق الإنسان العالمية كذلك تشير إلى ممارسات إسرائيل المتمثلة في العقاب الجماعي للفلسطينيين عن طريق إغلاق المناطق السكانية وفرض حظر التجول وغيره. ومن الوسائل الأخرى المستخدمة كما رأينا أخيرًا هدم المنازل الخاصة بأي فلسطيني، حتى ولو كان الذنب هو أن صاحب البيت قد تحدث مع فلسطيني آخر له صلة بالحركة الإسلامية في فلسطين. وأخيرًا لا آخرًا في السياسة الإسرائيلية المتمثلة في الاغتيالات السياسية، مثل اغتيال «فتحي الشقاقي» و«يحيى عياش». والرسالة الموجهة من إسرائيل هنا لكل الفلسطينيين هي أن يد إسرائيل ستطولهم سواء كانوا خارج الحدود أو داخلها. وتلك الرسالة الهدف منها بث الرعب في قلوب كل الفلسطينيين وأي إنسان له مواقف غير مؤيدة لكل سياسات إسرائيل.
«ويمكن للقارئ أن يضيف الأدلة التي تؤكد ممارسات إسرائيل واستخدامها للإرهاب في حالات الحرب 1948، و1967، و1973، و 1982 في لبنان، أو استخدامها للإرهاب كبديل عن الحرب»(2).
وإذا كانت أمريكا والدول الأجنبية وغيرها لها مصالحها من وراء تأييد إسرائيل، ومحاربة المقاومة الإسلامية في كل مكان عموماً وفيما يتعلق بإسرائيل خصوصا باسم «الإرهاب» و«الأصولية الإسلامية» و«التطرف الديني» فما الذي كان قد حمل قادتنا العرب إلى التجمع بالسرعة الضوئية في مؤتمر شرم الشيخ لوضع خطط عاجلة مضافة إل الخطط السابقة لمواجهة «الإرهاب العربي الإسلامي».
وصدق د. مأمون فندي حينما قال:
«إن التشابه في وسائل المواجهة والتعذيب والقتل لمعارضي السياسات الخاصة بتلك الدول هو القاسم المشترك بين بعض القادة العرب وإسرائيل»(3).
وكان قد لخص المفكر الإسلامي والنائب في البرلمان اللبناني «فتحي يكن» رحمه الله الأهداف القريبة والبعيدة التي دفعت الولايات المتحدة الأمريكية ومن ورائها قوى الضغط الصهيونية، إلى عقد مؤتمر «شرم الشيخ» في 14 مفردة كالتالي:
1- رفع الروح المعنوية لدى اليهود، وإسرائيل خصوصًا، بعد أن انهارت إثر العمليات الاستشهادية المتعاقبة.
2- صياغة شرعية إقليمية ودولية لعمليات أمنية وعسكرية قمعية تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها إضافة إلى إسرائيل لمواجهة وتصفية القوى المناهضة للسلام الإسرائيلي والتطبيع الصهيوني.
3- الضغط باتجاه سوريا ولبنان خصوصًا من أجل دفعهما لتوقيع معاهدة صلح مع الكيان الصهيوني، وبالمصطلح المطروح: إنقاذ المسار التفاوضي من الانهيار.
4- اقتناص شرعية إقليمية ودولية – غير مباشرة – لضرب الحركة الإسلامية عموماً تحت شعار مزيف ومكذوب عنوانه «مكافحة الأصولية والإرهاب» و«صناعة السلام».
5- تدشين المشروع الصهيوني المعروف بـ«الشرق أوسطية» من خلال ظروف واعتبارات متعددة استغلتها الإدارة الأمريكية وإسرائيل، ولتكريس الأمر الواقع. وهذا يعني إضفاء الشرعية على انضمام إسرائيل إلى (الأسرة العربية) و(البيت العربي الإسلامي).
6- محاولة عزل وتطويق وخنق بعض الدول العربية الرافضة حتى هذه الساعة للمشروع الصهيوني، وفرض حصار اقتصادي وأمني وعسكري عليها، والعمل على تهميش دورها وقرارها إقليميًّا ودوليًّا، فضلاً عن محاولة زعزعة أمنها الداخلي بشكل أو بآخر.
7- دعم الأنظمة المنصاعة للقرار الأمريكي والمشروع الصهيوني اقتصاديًّا وأمنيًّا وعسكريًّا، ومساعدتها وتحريضها لضرب القوى الإسلامية سواء منها «المعتدلة» أو «المتشددة».
8- تشكيل «منظومة استخباراتية» شرق أوسطية ودولية لتبادل المعلومات والقيام بعمليات مشتركة ضد التيار الإسلامي عموماً وتحت ستار إحلال السلام ومكافحة الإرهاب.
9- وضع خطة متكاملة تهدف إلى إعاقة تقديم الإسلاميين إلى المواقع التنفيذية الإجرائية، كما حصل في تركيا، وكما يمكن أن يحصل ويتكرر في كل مكان.
10- خنق الساحة الإسلامية ماديًّا واقتصاديًّا بقطع الموارد المالية الخيرية وإفشال أو مصادرة الموارد التثميرية وتضييق الخناق عل المؤسسات الخيرية والإنسانية الإسلامية عموماً.
11- تهميش دور الكيانات العربية والإسلامية الرسمية تدريجيًّا وصولاً إلى إلغائها، كجامعة الدول العربية، ومؤتمرات القمة العربية، ومجلس التعاون الخليجي، ومجلس الدفاع العربي المشترك، الخ، لتحل محلها المؤسسات الشرق أوسطية العبرية العربية.
12- إعاقة المد الاسلامي الحضاري، الذي شق طريقه عبر العالم كبديل.
13- تفعيل دور التطبيع الصهيوني العربي، وبخاصة التعليمي والإعلامي والاقتصادي، لنخر البنية والشخصية العربية والإسلامية من عمودها الفقري.
14- توظيف كل ذلك من قبل الرئيس الأمريكي في المعركة الانتخابية الرئاسية القريبة، وتوظيفه كذلك في المعركة الانتخابية التي سيخوضها رئيس وزراء الكيان الصهيوني شيمون بيريز(4).
وأعود إلى سجل الإرهاب الإسرائيلي لأقول:
يقضي الإنسان من عجبه حينما يقرأ سجل إسرائيل الحافل بالإرهاب، ويجد العالم بجانبه لاينهض ليقول ولو مرة واحدة بملء فيه: لا للإرهاب الإسرائيلي! بل مقابل ذلك يجد العالم يظل يباركها ويدللها ويمسح ظهرها وذنبها ويقبل جبينها.
يتأمل في ذلك كله ويتساءل مدهوشاً: لماذا تعود إسرائيل بعد ممارستها لكل موقف أبشع للإرهاب معصومة بريئة من كل ذنب كيوم ولدتها أمها؟. يتساءل دون أن يجد لذلك جواباً.
نعم، قد يجد بعض الإجابة عن ذلك عندما يقرأ مقتطفات ساخنة من المذكرات الشخصية لاسحاق رابين، تحدث فيها عن عمله سفيرًا للدولة العبرية في واشنطن في الفترة ما بين 1968م و1973م؛ حيث يقول فيها:
«الولايات المتحدة دولة انتخابات، وكتعبير صحيح للديمقراطية.. يجري انتخاب الرئيس لمدة أربع سنوات، وعضو الكونغرس لمدة عامين.. أما مجلس الشيوخ فيتم انتخاب ثلث أعضائه مرة كل عامين، وجميع هؤلاء بحاجة للأصوات والأموال والتأييد، ولايشكل اليهود في أمريكا أكثر من 5ر3٪ من مجموع السكان؛ لكنهم يتمتعون بنفوذ كبير؛ لأنهم مندمجون في الحياة السياسية، ونسبة اشتراكهم في الانتخابات مرتفعة للغاية، ويتولون رئاسة الصناديق التي تقدم التبرعات للمرشحين في الانتخابات، لهذا تتمتع الأصوات اليهودية بأهمية حاسمة في معظم الولايات».
ويخيف قائلاً:
«… لقد أقمنا مع قادة الإدارة الأمريكية علاقات شخصية، وضعنا بواسطتها احتياجات إسرائيل الأساسية على مائدة القرارات في الإدارة الأمريكية»!!(5)
إننا مع إدانتنا للإرهاب نؤكد أن إرهاب الجماعات المظلومة المسحوقة المغصوبة الحق، المعذبة في عقر دارها وخارج ديارها، الملاحقة في كل مكان بالإرهاب الحكومي المنظم – وعلى رأس الإرهابات الحكومية الإرهاب الإسرائيلي – قد لايرجى أن يتوقف ما لم تمتنع دولة إسرائيل عن ممارستها للإرهاب وما لم تمتنع دول العالم عن تأييدها ودعمها وتمويلها وتسليحها وإعطائها الشرعية للإرهاب الإسرائيلي الذي لايزال يزداد بيضًا وتفريخاً.
الحقيقة أن الشعب العربي ولاسيما الفلسطيني قد تبرم عبر هذا التاريخ الطويل من الشطارة الإسرائيلية، ومن استخذاء العقل الغربي أمامها، ومن الظاهرة الكريهة المتكررة، هي عربدة إسرائيل وعنجهيتها واستعلاؤها ودوسها لجميع الأعراف وخرقها لجميع القوانين والقرارات الدولية، وتجرؤها على قتل الإنسان العربي وتجويعه وتعذيبه وتشريده وعلى ممارسة الإرهاب الأبشع معه المتمثلة في الوقت نفسه في محاولة الغرب وأمريكا لالتماس الأعذار لمحو كل ظل للاعتراض الدولي على أي ممارسة إجرامية تقوم بها إسرائيل في الأراضي العربية المحتلة وفي أماكن أخرى تمتد إليها يدها العدوانية، والمتمثلة أيضًا في تصيّد أية حصاة متواضعة يرمي بها فرد أو مجموعة من الفلسطينيين والشباب العربي إلى إسرائيل، لإيجاد مبررات لتدعيم ترسانة إسرائيل بمزيد من الأسلحة الفتاكة ولتمويل خزانتها بمزيد من المساعدات الضخمة الأمريكية والأوربية ولإعطائها مزيدًا من الصلاحيات لإنزال أبشع أنواع العقاب على الإنسان العربي واستعباده وتطويقه لإيجاد «شرق أوسط» مزعوم تذوب فيه كرامة العربي المسلم إن لم يرض بإسرائيل «إخوة أشقاء» له حتى يتسنّى لها بشكل دائم إدماغ الخناجر في ظهره وعن كثب وبشكل مجد فتستطيع إشباع طبيعتها الصهيونية وحقدها اليهودي من الذين طاردوهم يوماً من يثرب والجزيرة العربية تحت راية نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم!!
إننا نحن الصحفيين الإسلاميين في الهند المتابعين لتطورات الصراع العربي الإسرائيلي لحظة بلحظة ومنذ اليوم الأول وحتى كتابة هذه السطور، والمطلعين على المستجدات كلها في الساحة العربية، وعلى أوضاع العالم كله، نود أن نصارح أن جميع العمليات – التي تُصَنَّف إرهابية – التي يقوم بها فرد أو جماعة أو دولة في العالم العربي خصوصًا وفي أجزاء العالم عمومًا، مردها بشكل أو بآخر إلى إرهاب إسرائيل المتواصل؛ وإذا كان قادة العالم ولاسيّما قادة أمريكا مخلصين في مساعي مكافحة الإرهاب فعليهم أن يبدأوا بإسرائيل أولاً، أن يبدأوا بالجذور دون الفروع، وبالأسباب دون النتائج.
إن اليوم الذي تعود فيه إسرائيل لتعيش كالإنسان، وتعايش كالإنسان، وتتعامل كالإنسان، وترى إلى جنس البشر ولاسيما العرب على أنهم أيضًا من أبناء آدم، ستنحل فيه جميع العقد والمشكلات، والأزمات بشكل عفوي. أما بدون ذلك فإن جميع عمليات تمليك إسرائيل على العرب واستعباد العرب ستذهب هباءً منثورًا بإذن الله العلي القدير اليوم أو غدًا وليس الغد ببعيد.
نور عالم خليل الأميني
nooralamamini@gmail.com
* * *
الهوامش:
مايكل نيكلسون في مقالة الأكاديمي عن «مشكلة المفاهيم لدراسة إرهاب الدولة» M. NICHELSON, GOVERNMENT VIOLENCE (CONNECGCUT): GREENWOOD PRESS, 1986 P. 31. (المجتمع الكويتية).
«الشق الثاني للإرهاب»: (مأمون فندي) المجتمع الكويتية، العدد1196.
المصدر نفسه.
«ماذا بعد مؤتمر شرم الشيخ؟»: فتحى يكن، المجتمع العدد 1196.
«الإرهاب صناعة إسرائيلية»: الأستاذ فهد السلمان، الرياض اليومية، العدد 10126.
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، جمادى الأولى 1435 هـ = مارس 2014م ، العدد : 5 ، السنة : 38