الفكر الإسلامي
بقلم : الشيخ الجليل المربي الكبير العلامة أشرف علي التهانوي
المعروف بـ Kحكيم الأمةJ المتوفى 1362هـ / 1943م
تعريب : أبو أسامة نور
عاقبة رفض الدين
أيها السادة ! عندما يرفض الإنسان الدين يرفضه العقل . يظن الناس أن العذارى من الفتيات أشدّ حاجة إلى الرعاية من الفتيات المتزوجات . وهذه الفكرةُ مُتَلَقَّاةٌ من الهندوس ؛ حيث يرون أن الفتاة العذراء إذا مسّها أحد بسوء ، فإن ذلك يدعو إلى فضيحة أكثر وعار أكبر . أمّا الفتاة المتزوجة ، إذا صدر منها شيء من الفواحش ، فإن ذلك لا يسبب فضيحةً مثلها ؛ لأنها متزوجة ، فكل شيء مكروه يرجع إلى زوجها .
وهذه الفكرة نابعة من الجهل ، ولو أَعْمَلَ أحد عقَله لَعَلِمَ أنّ المتزوجة أشدّ حاجة إلى الرعاية من العذراء البكر ، والسرُّ في ذلك أن البكر أكثرحياءً من المتزوجة بشكل طبيعيّ ، فهي لديها حاجز طبيعي، فلا حاجة لها إلى رعاية أكثر . أمّا المتزوجة فتعود أقل حياءً من البكر ، وتعود متفتحةً ، فتفقد الحاجزَ الطبيعي ، فهي بأمسّ حاجة إلى رعاية أشدّ لصيانة حرمتها ، على أن البكر إلى جانب الحاجز الطبيعي تتمتع بمخافة قوية من الفضيحة ، أما المتزوجة فتعود لاتخاف منها مثلها ؛ لأنّ البكر لاساتر لها تتستّربه ، أما المتزوجة فلديها ساتر في شكل الزوج قد تتستر به في ارتكاب الفاحشة ؛ لأن تصرفاتها كلّها تُعْزَى إلى زوجها ؛ فالمتزوجة قد يكون لديها ميل أقوى إلى الفاحشة ، فهي أشدّ حاجة إلى الرعاية ؛ ولكن الناس عكسوا الفهم والعمل .
صيانة الحرمة
والسببُ في ذلك أن الناس اليوم لايبالون بصيانة الحرمات والأعراض ، وإنّما يبالون بأن لا تنالهم فضيحة ولا يمسّهم عار ؛ فالبكر بما أن فيها فضيحة أشد ، لكونها لا تقدر على أن تحتمي بساتر؛ فهم يعتنون برعايتها . أما المتزوجة فبما أنها تتمتع بساتر ، فهي مأمونة نسبيًّا من الفضيحة ؛ وبناءً على ذلك لايبالي الوالدان لدى توديع بنتهما إلى بيت زوجها بما إذا كان الوقت مناسبًا أو غير مناسب ، فهما يودّعانها مع الموكب الذي جاء به الزوج ، وكأنهما يظنّان أن مسؤولية صيانتها قد انتهت بمجرد تزويجها .
فتلك هي المفاسد التي من أجلها ينهى العلماء عن الاهتمام بالموكب . وقد كنتُ أشارك الموكب عندما كنت غير راشد لا أتبيّن المفاسد . أما الآن فأرى أن هذا التقليد وغيره حرام مطلقًا ، ومن شاء فليقرأ كتابي «إصلاح الرسوم» . ومن أجل ما أنهى عن العمل بهذه التقاليد قال لي قرويّ : قد تسامعتُ بأن مسائلك شديدة جدًّا . قلت: ينبغي أن تكون المسألة مبنية على الاحتياط ، والمسائل التي أطرحها لا تكون شديـــدة في الواقع ، غير أن الله عز وجل قد ألهم قلمي مفاسد بعض الأمور ، الأمر الذي لم يتعرض له غيري ، فعاد الناس يتهمونني بالتشدّد .
صيانة العروس
على كل ، فإذا كان الموكب غرضه ، صيانة العروس ، فلماذا يتفرق لدى العودة ، حتى إن الحمّالين – لمحفة العروس – يبقون منفردين بالعروس. ولو قال أحد : إن العريس يكون مع عروسه ، قلت : إن العريس وحده لايقدر على دفع السوء عن العروس إذا نالها ، لكونه وحده ، ولكونه ضعيفًا حديث السنّ . فتقليد الموكب لا داعي له ، فيجب تركه .
لايجوز لأهل الزوج بعد موته أن يظنوا أن لهم حقًّا في عقد نكاحها مع رجل آخر
جرت عادة سيئة لدى بعض طوائف المسلمين أن أهل الزوج يرون أن لهم حقًّا بعد موته في تزويج الأرملة ، أي لا يمتلكها أبواها ، وإنما يتحكم فيها إخوان الزوج المتوفى ووالده ، حتى تعود لا تملك حقَّ تقرير مصيرها ، فلا يتاح لها أن تتزوج من تشاء ولا يملك أبواها حقَّ تزويجها . وإنما يزوّجها أهل الزوج من الإخوان والوالدين من يشاؤون . مثلاً : إذا شاء والد الزوج المتوفى أن يزوجها ابنه الأصغر ، وأراد والدها أن يزوجها رجلاً آخر، فلا يملك الخيارَ في هذه القضية إلاّ والدُ الزوج ، حتى إنّ أهلَ الزوج يمنعونها من الخروج من منزلهم . وقد سمعتُ أن امرأةً زَوَّجَتْ عروسًا متوفّى عنها زوجُها طفلاً . والمؤسف أن الغباء الذي كان من مزايا المرأة أصبح اليوم من مزايا الرجل أيضًا ؛ فالرجال كذلك لايبالون بمدى الشناعة التي يرتكبونها فيما يتعلق بالشريعة ، فضلاً عن النساء اللاتي هن ناقصات عقل ودين . قد نصّ القرآن الكريم على أنه لايجوز اعتبار المرأة ملكاً بالمعنى الذي يتداوله اليوم المسلمون ، فقال تعالى :
«يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا لاَيَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثـُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَ لا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوْا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيْنَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوْفِ فإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسىٰ أَنْ تَكْرَهُوْا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيْهِ خَيْرًا كَثِيرًا» (النساء/19).
فانظر كيف كافحت الشريعة الإسلامية هذا التقليد ، والتقييدُ بـ «كُرْهًا» واقعي وليس احترازيًّا؛ لأن النساء كن لا يرضين بمثل هذا الإرث الذي كانوا يتعاطونه . وإن رضين بذلك ، فإنه لايجوز امتلاك الحرة بحال .
وقد يُزوجون المرأة دون أن يسألوها عن رأيها في ذلك . فقد زوّجوا أرملة في بلدة «نَانَوْتَهْ» وأرادوا أن يودّعوها إلى بيت زوجها في مدينة «ديوبند» وكانت تكره أن تُوَدَّع ، فأرغموها على الرحيل مع الموكب على كره منها ، وقالوا للزوج وأهله : عليكم أن ترضوها عندما تصل بيتكم . وقد زوّجوا امرأة وهي في العدّة ، وعندما زجرتُهم على هذا التصرف الخاطئ . قالوا : ما زوّجناها بنية الزواج . وإنما أردنا أن نقيم حولها نوعًا من السياج، حتى لا تتزوّج رجلاً تشاؤه هي بدون تشاور منّا ؛ لكنهم لم يعيدوا النكاح بعد العدّة . وذلك وأمثاله هي التي تسبب لنا البلايا الكثيرة ، فيشكون الطاعون ، والكوارث والنوازل . ولماذا لاتنزل البلايا إذا أقدموا على ارتكاب الحرام محتمين بالحلال ؟ . على كل فأهل الزوج اتخذوا الأرملة ملكاً لهم ، حتى يجعلون والديها لا دخل لهما في شأنها ، على حين أن الوالدين لهما الحق الواضح فيما بعد حق الله ورسوله .
تقليد وضع العروس في العزلة
بينما البنت تتصرف طوال العام كيف ما تشاء، تعود بمجرد دنو أجل تزويجها لا يُتَاحُ لها أن تطلب بنفسها حتى جرعة من الماء ، فإن هي صنعت ذلك يرتفع الضجيح من كل جانب : قد بلغت الوقاحةُ مداها ، كيف تجرأت على أن تطلب بنفسها الماء . إن هذه المصيبة تنزل عليها قبل أن يتم زواجها بمدة كافية ؛ فهم يضعونها في «محجر صحيّ» أو «عزلة إلزاميّة» في حجرة لا يتداخلها الهواء والضوء ، ويفرضون عليها السكوت المطبق ، حتى تعود محتاجه إلى غيرها في قضاء حوائجها البشرية ، فلا هي تلبى بنفسها حاجتها إلى البول والغائط ، ولا يقتصر الأمر على الزهد في قضاء الحوائج الدنيوية ، وإنما يتعداها إلى الحوائج الدينيّة، فهي لا تصلى خلال هذه المدة ؛ لأنها غير مسموح لها بطلب الماء بنفسها للوضوء ، والبناتُ والنساء حولها لايبالين بصلاتهن ، فكيف بصلاة غيرهن . وقد بلغت الصلاة من الأهمية في الإسلام أنها لا تسقط حتى وقت الموت ؛ فقد جاء في كتب الفقه أن رجلاً إذا ركب سفينة ، وتخرقت ، وكادت تغرق ، وحانت الصلاة ، فعليه أن ينوي الصلاة ويدخلها خلال غوصه في الماء ، فلا عليه غرق أو نجا . ولكن العروس خلال هذه العزلة الإلزامية لاتؤدّي صلاة ، وإنما تقضيها إذا أرادت وكانت مواظبة على الصلاة . فهل تجوز هذه التقاليد المنطوية على هذه المنكرات ، كلاّ ! وبصرف النظر عن الدين ، إن العقل لايسيغ تحويل حيوان شريف جمادًا لايتحرك ولا يأكل ولا يشرب ، بمجرد الفكرة الخاطئة : أنها إذا بقيت متعودة على الأكل، فإنها ستتناول الطعام في بيت زوجها ، فتحتاج إلى الغائط، وذلك يكون مخلاًّ بحيائها ، حتى شوهد في أمكنة عديدة أن العروس مرضت لاجتنابها الطعام. ولاحول ولا قوة إلاّ بالله . إن من يزهد في الدين يزهد فيه العقل والفهم . على كل فإن التقاليد المتبعة في الزواج اليوم كلّها ضد الدين وضد العقل معًا ، ولا يمكنني أن أعدّدها وأحصيها .
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ربيع الأول – ربيع الثاني 1426هـ = أبريل – يونيو 2005م ، العـدد : 4–3 ، السنـة : 29.