كلمة العدد
الاستفتاء الذي أجراه النظام المصري الموقت يومي الثلاثاء والأربعاء: 14-15/يناير 2014م (12-13/ربيع الأول 1435هـ بالتقويم الهندي) وقد أُعْلِنَت نتائجه رسميًّا في مساء 18/يناير الموافق 16/ربيع الأول. وذلك برئاسة رئيسه الموقت المدعو بـ«عدلي منصور» وقيادة المدعو «عبد الفتاح السيسي» وزير الدفاع وقائد الانقلاب ضد حكومة الرئيس المصري الشرعي الدكتور «محمد مرسي» الذي كان أول رئيس منتخب من قبل الشعب من خلال أول انتخابات عامة نزيهة في تاريخ مصر، أجراه بشأن الدستور الشاذّ الطامس لهوية مصر الإسلامية والعربية؛ كان استفتاءً يذرّ الرمّاد في العيون، ومُورِست من خلاله المحاولة لخداع الرأي العام، حتى اعتبرته صحيفة «التيليغراف» البريطانية وصمة عار على جبين الديمقراطية. وصَرَّحت الصحيفة أن الغرض الأساسي من هذا الاستفتاء هو تعزيز القبضة الخانقة بالفعل لقوات الجيش وقوات الأمن في النظام السياسي المصري، وهذا الاستفتاء لايمكن أن يُطْلَق عليه «استفتاء ديمقراطي»؛ فهناك الالآف من المُلْصَقَات تحثّ المصريين على التصويت بـ«نعم» لصالح الدستور الذي صاغه النظام الحالي الموقت المشار إليه؛ ولكني – يقول كاتب التقرير في الصحيفة عن الاستفتاء – في زيارتي إلى القاهرة الأسبوع الماضي لم أشاهد لافتة واحدة تحثّ على التصويت بـ«لا» أي ضدّ الدستور المصوغ من قبل النظام. وهذا هو السبب الذي حدا بـ«هيومن رايتس ووتش» أن تصدر تقريرًا مقلقًا للغاية في هذا الصدد. وفي هذه الأثناء – ولا يزال الكلام للصحيفة – جرى ويجري اعتقال نشطاء ضدّ الدستور وتُوَجَّهُ لهم تهمة «محاولة قلب نظام الحكم».
وقد ذكرت «التايمز» البريطانية أن النظام قد هدّد الصحفيين الأجانب قائلاً: «لا تُشَوِّهُوا صورتنا»؛ فقد كتب الصحفي «بيل ترو» من القاهرة للصحيفة: حذّرت الحكومة المصرية الصحفيين الأجانب، وقالت لهم: إنها تراقب كل من يحاول تشويه البلاد. وطالبتهم بنشر «صورة إيجابية في الخارج» وقالت الهيئة المصرية العامة للاستعلامات (SIS) إن عشرات من مراكز الإعلام في مصر والخارج ترصد التقارير السلبيّة ضد مصر.
في ظلّ مثل هذا التهديد الصارخ وحاملاً العصيّ والكُرْبَاج ضدّ المعارضين ومستخدمًا البنادق والعقاب الصارم والاعتقال العشوائي لجميع الناشطين ضد الدستور المزعوم عقد النظام هذا الاستفتاء الذي شارك فيه فقط نحو 20 مليون مصري من مجموع 52 مليوناً من المصريين المؤهلين للتصويت من إجمالي عدد السكان البالغ عددهم 80 مليونًا. وعلى ذلك فصوّت في الاستفتاء 38٪ فقط من المؤهلين للتصويت، وقاطعه 62٪ منهم؛ ولكن النظام يباهي أنه فاز بأصوات 98.1٪. وذلك لأن المعارضين لم يساهموا ألبتة في التصويت، وكل الذين صَوَّتُوا كانوا موالين للدستور المزعوم.
ولذلك قالت «التيليغراف» البريطانية: مصر تعيد عقارب الساعة إلى الوراء بالاستفتاء المدعوم من الجيش؛ حيث إنه بالاستفتاء الثالث منذ الإطاحة بـ«حسني مبارك» تعود مصر للحكم العسكري تحت ستار من صناديق الاقتراع، على حين إن الانقسام يعمّ البلادَ، وبعض مراكز الاقتراع كانت فارغة بالفعل منذ الصباح، بسبب المقاطعة من قبل جماعة الإخوان المسلمين وتحالف دعم الشرعية.
وتقول صحيفة «دير شبيجل» الألمانية إن كل من يطالب بالديمقراطية يُزَجُّ به في السجن بمن فيهم القوى العلمانية والنشطاء الذين شاركوا في ثورة يناير 2011م، تمامًا كما كان الحال في عهد «مبارك» وقد عاد الإعلام المُوَجَّهُ الموالي للنظام للعب دوره من جديد، وتمّ حظر وتكميم كل الأفواه المعارضة سواء في الصحف أو الفضائيات، وتم التضييق على المراسلين الأجانب؛ حيث يقبع خمسة صحفيين تابعين لقناة الجزيرة، أحدهم بريطاني الجنسية، خلف القضبان بتهم تتعلق بالاتصال بالإرهابيين.
وبالمناسبة أشارت صحيفة «ديرشبيجل» المذكورة إلى أنه رغم الدعاوي العريضة من قبل النظام الحالي الموقت بات الاقتصاد المصري على حافة الانهيار رغم ما وعدت به كل من السعودية والكويت والإمارات من دعم مصر بـ 15 مليار دولار؛ حيث إن هذا الدعم السخي هو الآخر ليس كافيًا لتجاوز خطر الانهيار الاقتصادي؛ لأن النمو الاقتصادي في البلاد انخفض إلى 7.2٪، وأن معدلات البطالة ارتفعت من 8.4٪ إلى 13.2% بينما تراجع المخزون النقدي منذ الثورة إلى النصف تقريبًا.
لماذا أعمل النظام المصري الحالي كل نوع من التهديد والقهر والخداع قبل وخلال إجراء الاستفتاء لصالح الدستور الذي صاغته لجنة الخمسين التي شكلها لصياغته؟. الإجابة بكلمة واحدة: لأن الدستور جاء طامسًا تمامًا للهوية الإسلامية العربية لمصر العربية الإسلامية وجاء مواليًا لجميع الذين يتنكرون للإسلام من العلمانيين والليبراليين واليساريين، ونافعًا كل النفع المسيحيين الذين ظلوا يتقلبون على أحر من الجمر خلال حكومة «مرسي» التي كانوا يعدّونها عدوًّا لها لدودًا دونما دليل لمجرد أنها كانت إسلامية التوجّه وإنسانيّة التفكير ينصف مع الكل إلاّ مع الفاسدين المفسدين.
ولذلك قال المفكر الإسلامي المعروف الدكتور محمد عمارة بعد دراسته لمحتويات الدستور: إن الدستور الجديد يُعَسْكِرُ الدولة ويمحو الهوية الإسلامية، وإن أخطر ما في التعديلات:
1 – إضفاء الشرعية الدستورية على انقلاب 30/يونيو – الذي قام به «عبد الفتاح السيسي» ضد حكومة «مرسي» – 2 – حذفوا النصّ على أن مصر جزء من الأمة الإسلامية مع الأمة العربية. 3 – حذفوا النص على الشورى مع الديمقراطية. 4 – حذفوا أخذ رأي هيئة كبار العلماء في الشؤون المتعلقة بالشريعة الإسلامية. 5 – حذفوا التفسير الذي وضعه الأزهر لمبادئ الشريعة الإسلامية. 6 – ضيقوا نطاق تلك المبادئ، وحصروها فيما انتهت إليه المحكمة الدستورية العليا. 7 – حذفوا المادة التي كانت تحظر الإساءة أو التعريض بالرسل والأنبياء كافة. 8 – حذفوا المادة التي كانت تنص على تعريب العلوم والمعارف والتعليم. 9- حذفوا المادة التي كانت تدعو إلى إنشاء المفوضية الوطنية لمكافحة الفساد. 10- نصّوا على تجريم إقامة الأحزاب على أساس ديني. 11- الدستور الجديد يُكَرِّس لسيطرة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالنصّ على أنه هو الذي يختار وزير الدفاع. 12- توسّعوا على نحو مفرط في محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري.
وأنهى الدكتور محمد عمارة تعليقه على الدستور الجديد الذي دوّنه السيسي وزمرته العلمانية المتنكرة للإسلام، قائلاً: هذه هي أخطر ما في التعديلات التي تناولت إلغاء الهوية الإسلامية لمصر وعسكرة الدولة.
وبما أنّ هذا الدستور بمحتوياته ومواده وبنوده الإجمالية تتعارض مع تعاليم الإسلام، وتمهد السبيل إلى التحرر من القيم والأخلاق، وإلى الشذوذ والانحراف بأنواعه، وإلى الفساد والافساد بصنوفه، وإلى خدمة مصالح الأعداء وعلى رأسهم الصليبية والصهيونية ودولتها غير الشرعية في فلسطين، فاستبشرت به الدولة الصهيونية، فهذا هو المستشرق الصهيوني «أرئيل بن شلومو» يقول عن الدستور المصري الجديد الذي أعدّه الانقلابيون: «إنه يحقق مصلحة إسرائيل وأمريكا ويضمن قمع الإسلاميين» وقال في مقال له نشره يوم الإربعاء: 4/ديسمبر 2013م (29/محرم 1435هـ) بموقع «دي بوست» الإسرائيلي: «إن الدستور المصري الجديد الذي أعدّه الانقلابيون يضمن قمع الإسلاميين» وشدّد على أن دستور العسكر والعلمانيين يحقق المصالح الأمريكية والإسرائيلية؛ لأنه تضمن اتّباع سياسة القبضة الحديدية تجاه الحركات الإسلامية التي كان وجودها في دوائر صنع القرار خلال حكم الرئيس «مرسي» يضمن تواصل تأجيج جذوة الصراع، ويهدّد المصالح الإسرائيلية والغربية في المنطقة. وفي الوقت نفسه قالت صحيفة «جيروزاليم بوست» الصهيونية: إن الدستور الجديد سيجعل وزير الدفاع الفريق أول «عبد الفتاح السيسي» يُرَسِّخ قبضة النظام الجديد على السلطة، والإطاحة بجميع أطياف المعارضة السياسية، والقضاء على جذور جماعة الإخوان المسلمين، وسيُقَدِّم مبررًا قويًّا لحملة الجيش المستمرة على الإخوان والجماعات الإسلامية الأخرى المعارضة للنظام الحالي. ولفتت الصحيفة إلى أنه بالنسبة لـ«إسرائيل» والغرب يبدو أن الدستور الجديد يناسب بشكل جيد مصالحهم ضد الإسلاميين. وسبق هذا تأكيدُ الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية أن حكومة الانقلاب في مصر أسهمت كثيرًا في تعزيز «الأمن القومي الإسرائيلي» من خلال حربها على الحركات الإسلامية داخل مصر، وتشديدها الخناق على حركات المقاومة في قطاع «غزة». وهو ما ذكره المعلق العسكري الصهيوني «رون بن يشاي» نقلاً عن «التقدير الاستراتيجي حول الأوضاع الإستراتيجية لإسرائيل خلال عام 2014م»الذي قدمته الأجهزة الاستخبارية لمجلس الوزراء الصهيوني المصغر لشؤون الأمن في الاجتماع الذي عقده في مقر جهاز «الموساد» مؤخرًا.
ومن ثم فليس هناك ما يثير الاستغراب لدى الأمة الإسلامية في العالم إذا اطلعت على أن الجيش المصري بقيادة المدعو «الفريق أول عبد الفتاح السيسي» قائد الانقلاب ضدّ حكومة «مرسي» طلبت من إسرائيل بالتعاون معه لإسقاط «حماس»؛ فقد كتب الباحث الصهيوني «إيهودا إيعاري» دراسة في موقع «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» الموالي للوبي الصهيوني في أمريكا يوم 17/يناير 2014م تحت عنوان «المثلث الجديد: مصر، إسرائيل، حماس» The new triangle of Egypt, Israel. Hamas زعم فيها أن هناك مثلثًا أو تحالفًا مصريًّا إسرائيليًّا لإسقاط «حماس» والتعامل مع «غزة» من قبل الجيش المصري على أنها «عدوّ»!. وقال: «إن السلطات المصرية طلبت بشكل متكرر من «إسرائيل»خلق أفكار جديدة لزيادة وتيرة الضغط غير العسكري على «حماس». كما أن السلطات العسكرية المصرية حثت الإعلام المحلي على الالتزام بحملة عنيفة ضد «حماس» خلال الأيام الماضية. والعديد من الضباط البارزين، الذين لم يُكْشفْ بعدُ عن هوياتهم، طالبوا بضربة مباشرة على «غزة» أو بحملة لقلب سكان «القطاع» على الحكومة التي – كما زعموا – لا تحظى بشعبية.
هذا، وقد أكّد الباحث الصهيوني المذكور أن «مثلث مصر، إسرائيل، حماس» سيترك أثره الكبير على المشهد الفلسطيني مستقبلاً. وقد ساق الباحث الصهيوني المشار إليه معلومات ذات أهمية قصوى في دراسته، من بينها: 1- الجيش المصري ينظر حاليًّا لنظام «حماس» بالمجموع في غزة كعدو تجب محاربته وإسقاطه. 2- مصر اتهمت عنصرين من «كتائب عز الدين القسام» – الذراع العسكرية لحماس – بالإشراف على التدريبات المزعومة التي نفتها «حماس» وطلبت على ذلك أدلة من النظام المصري. وهما رائد العطار قائد الكتيبة الجنوبية في «رفح» وأيمن نوفل القائد السابق للكتيبة الوسطى. 3- السلطات المصرية تشجع الإعلام المحلي على القيام بحملة عنيفة مناهضة لـ«حماس». 4- السلطات المصرية طلبت بشكل متكرر من «إسرائيل» خلق أفكار جديدة لزيادة وتيرة الضغط غير العسكري على «حماس» لكن الدولتين لم تصلا بعد لإسترتيجية مشتركة في تلك الجبهة؛ ولكن القادة العسكريين في مصر يعتقدون أن تدمير القوة السياسيّة للإخوان المسلمين في مصر يتطلب التخلص من شقيقة الجماعة في «غزة» وهي «حماس» التي يرونها الذراع العسكرية للإخوان المسلمين في مصر والقوة التي تتكامل بها. 5- إسرائيل لديها مصالح واضحة في نجاح الحملة المصرية؛ لأن إرهابيي «سيناء» – كما تزعم إسرائيل – يهاجمون أهدافًا إسرائيلية عبر الحدود بتفجيرات انتحارية وهجوم صاروخي وكمائن. 6- إن مستوى التنسيق وتبادل المعلومات بين مصر و«إسرائيل» هو الأعلى حاليًّا منذ زمن طويل؛ حيث يتواصل القادة الكبار من البلدين على نحو يومي.
ومن قبل ومنذ البداية وحتى في ظل أوضاع غير مستقرة تشهدها مصر ظل النظام الانقلابي الحالي يدعم في مصر إلحاد العلمانية وشذوذها، والدستورُ الجديد الذي أقرّه مؤخرًا، سيعزز هذا التوجه على نحو خطير؛ لأن الدستور بتوجهه الإجمالي إنما يعمد إلى تجريد هذه البلاد الإسلامية العربية من عروبتها وإسلاميتها ودينها وقيمها، وقد أكد الانقلابيون بمواقفهم أنهم يسرّهم أن ينمو في البلاد الشواذ واللواد والسحاق وأن تطّرد الإساءة إلى الأنبياء والرسل الكرام وإلى الإسلام والأديان عامة؛ حيث شجعوا عددًا من الأدباء والكتاب المتحررين المسيئين حتى إلى الذات الإلهية بجوائز غالية، وسمحوا لعقد «اليوم العالمي لخلع الحجاب» والتظاهر بالسفور والفجور، وإطلاق أعمال سينمائية تنشر الشذوذ والعهر باسم الفن، وقد قام «الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب» المزعوم بمنح جائزة «نجيب محفوظ» للشاعر العراقي «سعدي يوسف» صاحب القصيدة المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ولأم المؤمنين «عائشة» رضي الله عنها والسخرية من زواجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بنت سبع سنين.
وبما أن الدستور الجديد ألغى المواد التي تحمي الأديان والرسل وتمنع من التعدي عليهم بالسبّ والقذف، فإن النظام الحالي أطلق سراح أولئك الذين حكمت المحاكم بالزج بهم في السجون؛ لأنهم كانوا قد أساؤوا إلى الإسلام أو إلى الذات الإلهية. وعلى رأسهم «كرم صابر إبراهيم» المحامي وعضو اتحاد الكتاب الذي سبق أن حكمت عليه محكمة «بني سويف» بالسجن لمدى 5 سنوات عام 2011م بتهمة ازدراء الأديان وإهانة الذات الإلهية في مجموعة أدبية رخيصة أصدرها بعنوان «أين الله؟!» بعدما دافعت عنه 46 منظمة حقوقية علمانية.
كما أن النظام الحالي قرّر تثقيف الأطفال والمراهقين جنسيًّا، وتعليمهم منهج ممارسة الجنس الآمن، متبعًا إملاءات الأمم المتحدة المناهضة للإسلام وللقيم الدينية لدى الأديان كلها.
ولا غرو إذا فرحت «إسرائيل» بهذه الخطوات المصرية الحالية كلها، فقد أفادت الأنباء أنها احتفت بفيلم الشذوذ المصري بعنوان «أسرار عائلية» كما صرّحت بذلك صحيفة «بديعوت أحرنوت» الإسرائيلية. ليراجع للتفصيل «المجتمع» الشقيقة ولاسيما عددا: 21/12/2013م و 22/1/ 2014م.
(تحريرًا في الساعة 5 من مساء يوم الثلاثاء: 26/ربيع الأول 1435هـ = 28/يناير 2014م)
نور عالم خليل الأميني
nooralamamini@gmail.com
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، ربیع الثانی 1435هـ = فبرایر 2014م ، العدد : 4 ، السنة : 38