دراسات إسلامية
بقلم: الشيخ نورالحق الرحماني القاسمي
الإمارة الشرعية لولايات بيهار وأريسه وجهاركهند فلواري شريف، بتنه، الهند.
هو عالم الهند الكبير والفقيه البارع الشهير، صاحب التصانيف الكثيرة «الشيخ عبد الصمد الرحماني» – رحمه الله.
هو خير مثال لعلماء السلف في الزهد والعبادة والورع والتقوى والتواضع والحلم والرسوخ في العلم وإنكار الذات. كان من أبرز تلاميذ مؤسس الإمارة الشرعية الشيخ أبي المحاسن «محمد سجاد» ومن المتخرجين على يد العالم الرباني الكبير الشيخ «محمد علي المونجيري» – رحمه الله – مؤسس ندوة العلماء بلكناؤ في التزكية والإحسان، تعبر شخصيته من العلماء والمفكرين والفقهاء البارزين الذين قاموا بخدمات رائعة في مجال العلم والدين والفقه والإفتاء، وأسهموا في إثراء المكتبة الإسلامية ببدائع مؤلفاتهم وهو عميق الفهم للإسلام وله قدرة فائقة في التعبير والبيان.
ولد فضيلته في قصة «باره» في حيّ «بازيد فور» بمديرية «بتنه» بولاية «بيهار» الهند في عام 1300هـ في بيت علم ومجد ودين، وتلقى الدراسة الابتدائية في بيته ثم تلمذ على الشيخ الطبيب محمد صديق الذي كان يعالج المرضٰى في «باره» وقرأ عليه اللغة العربية والنحو والصرف، ثم سافر إلى مدينة «كانفور» والتحق بمدرسة «جامع العلوم» ومكث بها مدةً لابأس بها، ثم سافر إلى مدينة «إله آباد» والتحق بالمدرسة «السبحانية» التي كان يدرس بها العلامة الفقيه والمفكر الإسلامي أبوالمحاسن «محمد سجاد» – رحمه الله – الذي تم على يده تأسيس الإمارة الشرعية فيما بعد، وتلقى الدراسة العليا في العلوم الدينية فيها، ثم سافر إلى «غورغشتي» بمدينة «بشاور» في دولة باكستان لدراسة المعقولات والمنطق، وبعد ما أكمل دراسة العلوم الدينية الظاهرة اتصل بالعالم الرباني الكبير والعلامة الشهير الشيخ «محمد علي» المونجيري – رحمه الله – مؤسس ندوة العلماء ولازمه مدةً طويلةً في زاويته الرحمانية واشتغل بالرياضة والمجاهدة وتزكية القلب وإصلاح الباطن، وترقى في الإنابة إلى الله والاتصال به تعالى والاطّراح على عتبته وساهم مع مربيه في مواجهة القاديانية ورد كيدها وأباطيلها؛ حيث كانت تلك المنطقة مركزًا لنشاطها ودعوتها المضللة، وألف كتبًا عديدةً في الرد على هذه الفتنة العمياء وعلى الحركات الهدامة الأخرى كالمسيحية و«آريا سماج» الهندوسيّة وله مؤلفات نافعة عديدة ضد هذه الحركات المعادية للإسلام والمسلمين.
وبعد ما توفى الشيخ محمد علي المونجيري رحمه الله في عام 1345هـ انتقل إلى منظمة الإمارة الشريعة، التي كان أسسها أستاذه الكبير الشيخ «أبوالمحاسن محمد سجاد» – رحمه الله – قبل ستة أعوام على دعوة منه، وجُعِلَ مشرفاً أعلى للمكتب الرئيسي للإمارة الشرعية، ونذر حياته للنهوض بهذه المنظمة ال«إسلامية الفريدة في الهند، وأعد بحوثًا ومقالات ومؤلفات ونشرات عديدةً للتعريف بهذه المنظمة الشرعية المثالية، وقام بجولات ورحلات واسعة في جميع مناطق ولايتي «بيهار» و«أريسه» وأنشأ فروعًا كثيرةً «لتنظيم الإمارة» وانتخب «نقيبًا» في كل حيّ وقرية للاتصال بين مختلف المدن والقرى وبين منظمة الإمارة الشرعية، ورتب نظامًا لحل قضايا المسلمين ومشاكلهم ونزاعاتهم في ضوء الشريعة الإسلامية وعن طريق «دار القضاء» التابعة للإمارة الشرعية، وكان كالساعد الأيمن لأستاذه مؤسس الإمارة الشرعية في جميع أعماله الدينية والإصلاحية والسياسية.
وبعد وفاة استاذه الشيخ أبي المحاسن محمد سجاد رحمه الله، جعله أميرُ الشريعة الثاني الشيخ «محي الدين» – رحمه الله – نائبَ الأمير للإمارة الشرعية بمرسومه الخاص، وذلك في 8/ربيع الثاني 1363هـ، وظل يشغل هذا المنصب الجليل عن جدارة وأهلية ويعمل لصالح الإسلام والأمة الإسلامية لحين وفاته يوم 10/ربيع الثاني 1393هـ، المصادف 14/مايو 1973م، وصُلِّي عليه في جمع حاشد في الجامعة الرحمانية بمونجير، ودفن بمقبرة الزاوية الرحمانية بمدينة مونجير.
وكان الشيخ «عبد الصمد الرحماني» – رحمه الله – صاحب التصانيف الكثيرة المفيدة؛ حيث بلغ عدد مؤلفاته نيفًا وستين في علوم إسلامية مختلفة وبالأخص منها في الفقه الإسلامي، حيث كان له باع طويل في هذا المجال بين علماء عصره، نشأت فكرة إنشاء نظام الإمارة الشرعية والقضاء الشرعي في الهند في ذهن المفكر الإسلامي أبي المحاسن محمد سجاد رحمه الله؛ ولكنه لم يستطع أن يقيد فكره بالكتابة في صورة كتب، وقام بهذه العملية العظيمة تلميذه النابغ وخلفه الرشيد وساعده الأيمن الشيخ عبد الصمد الرحماني – رحمه الله – الذي كان رفيقه في هذه الحركة وفي جميع الأعمال الخيرية والإصلاحية والسياسية، وظل مسؤولاً عن دار الإفتاء للإمارة الشرعية، وكتب ألوفًا من الفتاوى حول مسائل فقهية مهمة، نُشِر بعض منها في المجلد الثاني والثالث من فتاوى الإمارة الشرعية، ووضع كتبًا أساسيةً حول مسألة الإمارة الشرعية، منها الهند ومسألة الإمارة بالأردية، وكتاب العشر والزكاة، وتاريخ الإمارة، وكتاب آداب القضاء، وكتاب الفسخ والتفريق وما إلى ذلك من البحوث والمقالات في مختلف الجرائد والمجلات، ونُشِرت في صورة كتيبات أيضًا، وفي آخر حياته ألف كتابًا ضخمًا في السيرة النبوية باسم «آفتاب عالم» (شمس العالم) وهذه الكتب كلها فريدة في موضوعها، وكذلك له كتاب مهم في «النسخ في القرآن» باسم «قرآن محكم» وكتاب «مكانة المرأة في الإسلام»، وقام بتلخيص «الإتقان في علوم القرآن للسيوطي»، وهو يُدَرَّس في بعض المدارس الإسلامية بالهند، وكذلك له كتاب مفيد باسم «تيسير القرآن» وهو أيضًا يُدَرَّس في بعض المدارس الإسلامية في شبه القارة الهندية، وقد بلغ من عمره ثمانين عامًا قضاها في خدمة العلم والدين، وكان عضوًا للمجلس الاستشاري لجامعة دارالعلوم/ ديوبند – رحمه الله – رحمةً واسعةً.
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، ربیع الثانی 1435هـ = فبرایر 2014م ، العدد : 4 ، السنة : 38