دراسات إسلامية

بقلم :    الأستاذ صلاح عبد الستار محمد الشهاوي (*)

          بداية الاستهلال قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ (فاطر: 6).

       الشيطان هو الكائن الذي ابتدأت به صورة الشر مع أبي البشرية آدم عليه السلام، الشيطان فرد من العالم الذي يسميه القرآن الكريم (الجن) والتسمية كانت موجودة قبل الإسلام لدي العرب كما سيذكر لاحقاً. وعالم الجن يُفهم بإزاء عالمين آخرين هما (الملائكة) و(الإنس) هذه العوالم الثلاثة يجمعها أنها مخلوقة لله تعالى وأنها مدبرة بأمره، وأن لها أهدفاً محددة من قبل خالقها، وتفترق في طبيعتها وشيء من وظائفها.

       فالملائكة كائنات روحانية تمارس عبودية متواصلة لربها، ويقوم بعض الملائكة بتدبير الكون وفق أمر الله وقضائه، ومقرها في السماء وقد تنزل منها إلى الأرض، ومع تجردها من الأصل عن المادة إلا أن الله أعطاها القدرة على التشكلات المادية. وللملائكة علاقات وطيدة بالإنسان من حين بداية تشكل وجوده وأثناء حياته وخلال موته وفى حياته البرزخية والأخروية. ومن مهمات الملائكة تجاه الإنسان دعوته للحق والخير وتزيينه له وتثبيت قلبه عليه.

       أما الإنسان فهو كائن خلقه الله لمهمة تختلف عن الملائكة، هي الخلافة في الأرض والعبادة المتناسبة مع الخلافة، فلئن كانت عبادة الملائكة طبيعة مرتبطة بوجودهم: ﴿لاَ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ (التحريم:6). فإن قيمة العبادة الإنسانية انطلاقها من الاختيار الحر لهذا الكائن بين خيارين متاحين أمامه، لقد أعطى الله الإنسان حرية الاختيار بين طريقي الخير والشر، الفضيلة والرزيلة، وأمده بمؤهلات الاختيار السليم وهي العقل بفطرته التدينية و القيمية، وبالوحي الهادي، ثم حمَّله مسؤولية هذه الحرية بهذه المؤهلات أمامه. وتيسيراً للإنسان في القيام بخلافته خلقه الله من مادة هذه الأرض التي يمارس فيها خلافته، ومهمته هي أن يعمر هذا الكون الذي يعيش فيه بتسخيره حضارياً (مادياً وإنسانياً) وفق منهج الله الذي رسخ أصوله في عقله، وأرسل به رسلاً من الناس أنفسهم لتحقيق الأهداف التي حددها الوحي، وهي أهداف إنسانية أي أنها مصالح خاصة للإنسان نفسه في حاضره الدنيوي ومستقبله الأخروي.

       أما الجن فهو نوع من المخلوقات التي خلقت قبل وجود الإنسان: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ﴾ (الحجر:26-27).

       والجن وإن كان عالماً سفلياً لا علوياً كالملائكة إلا انه عالم روحاني غيبي بالنسبة للإنسان لا يستطيع رؤيته في خلقه الأصلي وأن كان هو يري الإنسان: ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ﴾ (الأعراف:27). لكنه يستطيع أن يتشكل بصور مادية من البشر أو من الحيوانات والحشرات ونحوها.

       والجن كالأنس من حيث امتلاكهم الحرية في فعل الخير أو الشر وفي الغرائز الذاتية كالشهوة الجنسية والأنانية كالعجب والغرور وحب التملك والضعف الطبيعي، فكما أن: ﴿وَخُلِقَ الإنْسَانُ ضَعِيفًا﴾  (النساء:28). فإن: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ (النساء 76). وبناء على تلك الحرية لم يكن الجن صنفاً واحداً كالملائكة العابدين وإنما كالإنس، منهم الصالحون الأخيار ومنهم الفاسقون الفجار والكفار.

       فعند بداية خلق الإنس وإيجاد آدم أبي البشرية كان أحد الجن يعيش مع الملائكة بحكم تماثله معهم في الروحية وبحكم تفوقه في العبادة، فلما أمرت الملائكة بالسجود لآدم طاعة لله واستشعاراً لكرامة هذا الكائن الجديد، كان هذا الجني مشمولاً بالأمر مع الملائكة، لكنه أساء التقدير وانفعل بغروره بنفسه وشعوره بالتعالي على هذا المخلوق الجديد الذي سيشاركه عمران العالم الأرضي، فرفض السجود لآدم شاذاً عن الملائكة معلناً أن رفضه لهذا الكائن وحربه له سيتواصل مع وجودهما: ﴿فَسَجَدَ الْـمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ﴾ (الحجر30،31). هذا الجني هو الذي سمي بـ(إبليس) أي اليائس من رحمة الله و بـ(الشيطان) أي البعيد عن الخير، والمتمرد والعاتي.

       منذ ذلك الوقت – رَفضه السجود لآدم – بدأت بين الشيطان والإنسان علاقة بغض وعداء مستمرين، إذ أنه بعد هذه المعصية التي تَحدد بها مصيره وهو الشقاء الأبدي قرر أن يسوق معه هذا الإنسان نحو مصيره بما يستطيع من قدرات، وطلب من الله أن يُعمره إلى نهاية الدنيا، وأعطاه الله ذلك فأعلن عن مشروعه الإفسادي لبني الإنسان: ﴿قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين﴾ (الأنعام 16 : 17).

* و للشيطان أسماء وألقاب في التاريخ الإنساني:

       ففي الديانة المصرية القديمة كان اسمه «ست» أو «ستان» لاحظ هنا أنهما قريبا الشبه بلفظ «شيطان». ولا حظ أيضاً أن المصريين يطلقون في اللغة العامية كلمة «ست» على أي امرأة! وفي الهندية القديمة «راكشاس والبيشاش» وفي الفارسية «أهرمن» وفي اليونانية «زيوس» وفي اللغة الإنجليزية «satan».

       أما في التوراة الشيطان «إله» يتآمر مع النبي يعقوب ليسرقا المواشي من الناس. كما أن هذا الإله في لحظة غضب يقرر أن يبيد شعبًا بأكمله لولا تدخل موسى في الوقت المناسب إذ أمر ربه بالرجوع عما نوى ويكف شره عن بني إسرائيل فيصرخ فيه بقوله كما جاء في التوراة «ارجع عن حمو غضبك واندم على الشر بشعبك فندم الرب على الشر الذي قال إنه يفعله بشعبه» بهذا الأسلوب يتطاول اليهود على الله – سبحانه وتعالى – فالإله عندهم كالشيطان شرير وحقود وعنصري يكره جميع الأمم التي خلقها ما عدا الشعب المختار!

       ودور الشيطان في اليهودية دور عامل مستغنى عنه، لأنه شبيه بغيره، دور «النكرة» الذي ينوب عنه كل نكرة مثله، إذ ليس بين الشيطان والمُلك طريق مفترق ولا عمل منقسم، وليس بين الإله الذي يعبدونه والإله الذي يعبده سواهم خلاف في الرضى والغضب ولا في النعمة والنقمة غير الخلاف بين النظراء في السلطان. 

       وتتفق القصة اليهودية مع المسيحية في أن الحية هي التي أغرت حواء بالأكل من الشجرة وليس الشيطان، وأن حواء هي السبب في إخراج آدم من الجنة بسبب أكلها من الشجرة ثم بعد ذلك أعطت زوجها آدم. جاء في العهد القديم (التوراة) سفر التكوين في الإصحاح الثالث: «قالت الحية للمرأة لن تموتا بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تتفتح أعينكما وتكونا كالله عارفين بالخير والشر فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون وأن الشجرة شهية للنظر فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضًا».

       وجاء في إنجيل متّى، الإصحاح الخامس والعشرين 41:1 «استعان الشيطان بالحية لدخول الجنة فقد حاول الاحتيال على جميع الحيوانات فخاب سعيه فبدأ بالطاووس الذي كان رآه مرة على أبواب الجنة ووعده بأن يذكر له ثلاث كلمات تعصمه من الموت إذا سمح له بالدخول، ولكن الطاووس أبى، وروى ما وقع للحية التي أباحت لإبليس بأن يجلس بين فكيها ودخلت به الجنة وكان إبليس وثيق الصلة بحواء فراح عندئذ يتحدث إليها من فم الحية وأنبأها بثمرة الشجرة التي تضمن لها الخلود فيما رواه ملك من الملائكة. فلما مضت حواء إلى الشجرة ظهر لها إبليس في صورة ملك، فكان له ما هو معروف مشهور وطرد إبليس وآدم وحواء من الجنة وحلت عليهم اللعنة».

       وشخصية الشيطان في الدين المسيحي أكثر وضوحًا من الديانة اليهودية فهو فيها رمز للشر والفساد، ففي إنجيل لوقا، الإصحاح الرابع، هذه الفقرة التي وردت عما جرى لعيسى من إبليس في زعمهم «ثم أصعده إبليس إلى جبل عال. وأراه جميع الممالك المسكونة لحظة من الزمان وقال له إبليس: لك أعطي هذا السلطان كله ومجدها. لأنه قد دُفع إلي وأنا أعطيه لمن أريد فإن سجدت أمامي يكن لك الجميع. فأجابه يسوع: اذهب يا شيطان، إنه مكتوب: للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد». على أنه لم يتحدث النصارى عن الشيطان بوضوح (نوعا ما) إلا في إنجيل «برنابا» الذي لا تعترف به الكنسية!

       وعلى هذا فدور الشيطان في المسيحية، دور الشرير في قصة الخلق كله ،إذ كان قوام الخليقة سجالا فبين الخطيئة والكفارة أو الغفران، فلولا غواية الشيطان لم يسقط آدم، ولولا سقوط آدم لم تكن به ولا بذريته حاجة إلى الخلاص من طريق الفداء.

* أما صورة الشيطان (إبليس) في التراث الإسلامي:

       فنجدها أكثر وضوحًا في معنى الاسم. فهو إبليس من الأصل «بلس» لأنه أبلس من رحمة الله وقد سمي أيضًا الشيطان، وعدو الله، والعدو، والشيطان ليس اسم علم.

       وفي القاموس المحيط «إبليس مأخوذ من أبلس أي يئس وتحيز» وفي المصباح المنير «أبلس من رحمة الله أي يئس ومنه سمي إبليس. ووزن إبليس -إفعيل – اشتق من الإبلاس وهو اليأس من رحمة الله، قال علماء اللغة: لا نظير له بين الأسماء فشبه بالأسماء الأعجمية. ومنهم من جعله اسمًا أعجميًا غير مشتق ومن أسمائه أيضًا: الحارث والحكم وكنيته أبو مرة. والشيطان اسم يطلق على إبليس وذريته وأعوانه وهو اسم يدل على التمرد ومأخوذ من شطن أي البعد عن الخير أو مأخوذ من شاط يشيط إذا هلك».

       ورد اسم إبليس في القرآن الكريم في 11 آية، كما ورد اسم الشيطان في القرآن الكريم في 56 آية.

       وقد ورد اسم الشيطان الأكبر في القرآن الكريم بإسمين (الشيطان) و(إبليس) ونحن نرى كيف أظهر القرآن الكريم عداوة وحقد الشيطان لبني البشر من خلال البداية الأولى أي الخلق وكيف أخذت هذه العداوة شكل الصراع المستمر بطول الحياة ولم يقف عند حد آدم وإنما انتقل إلى بنيه وليس معنى هذا أن الإسلام يقر بوراثة الخطيئة وإنما يدعو إلى الحذر من الوقوع في الخطيئة من خلال وسوسة إبليس وأعطى لنا قصة آدم كبداية لنا في الصراع مع الشر ولهذا تحدثت آيات القرآن عن الصراع وملامحه.

       قال ابن عباس: كان اسم إبليس قبل أن يرتكب المعصية: عزازيل، وكان من سكان الأرض، ومن أشد الملائكة اجتهاداً وأكثرهم علماً وكان من حي يقال لهم الجن وكان يسوس ما بين السماء والأرض، أما الحسن البصري فينفي انتماء إبليس للملائكة، لم يكن من الملائكة طرفة عين وإنه لأصل الجن كما أن آدم أصل البشر.

       وابن حوشب يقول: كان إبليس من الجن الذين طردتهم الملائكة فأسره بعضهم وذهب به إلى السماء، وبعد حدث ما حدث في قصته مع آدم – كما نعلم – هبط إبليس من الملأ الأعلى فنزل إلى الأرض حقيراً ذليلاً مذؤوماً مدحوراً متوعّداً بالنار هو ومن اتبعه من الجن والإنس، إلا أنه مع ذلك جاهد كل الجهد على إضلال بني آدم بكل طريق وبكل مرصد، وإبليس – لعنه الله – حتى الآن مُنظَر إلى يوم القيامة بنص القرآن ﴿فإنك من المنظرين﴾ (الحجر:37، ص:80) وله عرش على وجه البحر ويبعث سراياه يلقون بين الناس الشر والفتن كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «عرش إبليس في البحر يبعث سراياه كل يوم يفتنون الناس فأعظمهم عنده منزلة أعظمه فتنة للناس».

       ومازال تاريخ «الشيطان الأكبر» – إبليس ممتداً في الحياة الدنيا وقد تسلط على آدم أبي البشر ومات آدم وقد حذر بنيه من وسوسته فهل نستمع لهذه النصيحة ونعمل بها؟!.

       ولا نخـاف من شــره لأن الله – عز وجل – تكفل بعصمة من آمن به وصدق رسله واتبع شرعه – كما قال تعالى:

       ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلا﴾ (الاسراء:65)

       أما قصة إغواء حواء لآدم وإخراجه من الجنة بسبب أكلها من الشجرة ثم إيعازها لآدم بالأكل منها فإن القرآن الكريم ينفي استقلال حواء بالتهمة كما جاء في اليهودية والمسيحية، وبيان ذلك أن الآيات التي حوت القصة لم يذكر فيها اسم حواء مطلقًا، كما لم يذكر في غيرها من آيات القرآن الكريم وإنما ذكرت باسم «زوج آدم» وإن إغواء الشيطان لم يكن لها وحدها بل كان الإغواء حسبما ورد في القرآن إما لآدم وزوجه وإما لآدم نفسه. قال تعالى: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُـمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾ (البقرة: 36،35). و: فَوَسْوَسَ لَهُـمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ﴾ (الأعراف:20). هكذا يورد القرآن صراحة أن إغواء الشيطان لم يكن لحواء وحدها ولا لحواء أولًا، بل الأكثر من ذلك أن يورد القرآن ذكر وسوسة الشيطان لآدم وحده كما في سورة طه: ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى﴾ (طه:120). وهذا ينافي ما جاء في التوراة والإنجيل.

       وعلى هذا فإن غواية الشيطان لا تخلق الخطيئة ولا تعفى منها، وشوكة الشيطان لا تحمى أحداً ولا هو يسخرها لحماية أحد، ولأنه لا ذنب يرثه أحد من أبيه، أو يورثه لبنيه في الإسلام، فحدود التبعات واضحة حيث يعمل الشيطان وحيث لا يعمل، فهو لا يحمل عن شريك من شركائه تبعة وزر من أوزاره، ولا يداري حماقة الغافل الذي ينقاد إليه.

       واسم الشيطان – بالألف واللام- هو أشهر هذه الأسماء لأنه ورد في كتب الديانات الثلاث،ودخل في تعبيرات اللغات الأوربية المتداولة بلفظه المنقول عن اللغات العربية القديمة فيتحدث الغربيون اليوم عن الفكرة الشيطانية أو عن العمل الشيطاني ويفهمون من عباراتهم معنى لا يلتبس على القائل ولا على المتكلم، ومعني الصفة الشيطانية عندهم مرادف للصفة الجهنمية التي تنطوي على الخبث والدهاء وحب الاذي والتمتع بالإيذاء كأنه مُنفس لطبيعة صاحبها يفرج عنه ويسره أن يلمح آثاره وهو مستتر وراءه.

       والخطأ الشائع أن كلمة «الشيطان» هذه عبرية بمعني الضد أو العدو، ومن أسباب هذا الخطأ، قولهم أن اللغة العبرية لغة اليهود وأن ديانة موسي عليه السلام سابقة للمسيحية والإسلام، والصواب، إن اليهود لم يصفوا الشيطان إلاّ بعد هجرتهم إلي بابل بالعراق، وليست طريق بابل موصدة دون الأمم السامية غير اليهود، وان كلمة الشيطان أصيلة في اللغة العربية قديمة فيها، أقدم من نظائرها في اللغة البابلية، لأن اللغة العربية قد اشتملت عل كل جذر يمكن أن يتفرع منه لفظ الشيطان، على أي احتمال وعلى كل تقدير.

       ففيها مادة شط وشاط وشوط وشطن. وفى هذه المواد معاني البعد والضلال والتلهب والاحتراق، وهي تستوعب أصول المعاني التي تفهم من كلمة الشيطان جميعاً، فالشطط من الغلو الذي يدخل في أخص عناصر «الشيطنه» والشط بمعنى الجانب المقابل قد تلحظ في مقابلة الخير بالشر من جانب الشيطان. وشاط بمعني احترق وتلف، وأشاطه بمعنى أهلكه وأتلفه، وانطلق شوطا اى ابتعد واندفع في مجراه، وشطن أي ابتعد فهو شيطان على صيغة فيعال.

       وقد كان العرب يسمون الثعبان الكبير بالشيطان، ويقال في بعض التفسيرات أن هذا المعنى هو المقصود من «طلعها كأنه رءوس الشياطين» وذكر الشُراح اليهود المتأخرون أن الشيطان تمثل لأدم في صورة الحية حين أغراه بأكل الثمرة المحرمة ، ولم تنقطع العلاقة بين الحية والشيطان،  ويؤخذ من سفر أيوب عليه السلام – وهو عربي باتفاق المؤرخين – أن الشيطان كان معروفاً بين العرب من ذلك العهد الذي كان سابقاً لعهد خروج بني إسرائيل من مصر، ويؤخذ من تاريخ الأدب العربي في الجاهلية أن العرب قد عرفوا الشيطان في أدواره الفنية والأدبية مع السحرة والشعراء، فليس هو مجرد معرب نقلوه من لغة أخرى ولم يزيدوا على وضعه في موضعه في موضعه من المأثورات العبرية. 

       وأشهر أسماء الشيطان في اللغة العربية هو «إبليس» فالمتكلم العربي يفهم من وصف إنسان من الناس بأنه «إبليس» كل ما يريده القائل من هذه الصفة، فهي دالة في كلام الخاصة والعامة على الدس والفتنة والدهاء والسعي بالفساد، ولم تحمل كلمة واحدة من دلالتها اللغوية أكثر مما حملته هذه الكلمة مستعارا من صفات إبليس في العقيدة الإسلامية.

       وشخصية إبليس تتوقف علي الدلالة التي تستفيدها من مادة «الإبلاس» أي فقد الرجاء. فإن ضياع الأمل ألزم صفات إبليس على ألسنة الخاصة والعامة، وليس أشهر من المثل الذي يضرب بأمل إبليس في الجنة مرادفاً لمعنى الأمل الضائع كل الضياع، وقد فرق هذا المعنى بين كلمة إبليس وكلمة الشيطان في ملامح الشخصية، فهذا قد ضيع الحق وهذا قد ضيع الرجاء. ونعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

والله الموفق

*  *  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم  ديوبند ، شعبان 1434 هـ = يونيو – يوليو 2013م ، العدد : 8 ، السنة : 37


(*)         مصر – طنطا – دمشيت.

           هاتف محمول : 0109356970(002)

           salahalsheehawy@yahoo.com

Related Posts