كلمة المحرر

          يهلّ علينا العام الهجريّ الجديد والجسم الإسلامي ينزفه الدمُ كالسابق من مواضع لا تُحْصٰى، فيحتار المعالج المواسي من أين يبدأ وإِلامَ ينتهى!.

       قتل وتشريد في منطقة .. واستعباد واستعمار توسّعي بغيض في أخرى .. ونفي وجلاء، وتعذيب وأسر في ثالثة.. وإذلال وإهانة واغتصاب جماعيّ في رابعة.. وسجن ومحاكمات طويلة و اتهامات عريضة بالتطرف والإرهابيّة في خامسة.. وملاحقة ومطاردة من قبل العلمانيين والملاحدة أو الفجرة والكفرة للإسلاميين في سادسة.. وتناحر وتقاتل لا يكادان ينتهيان بين أبناء العقيدة وأشقّاء المصير في سابعة.. وصراع حضاريّ ثقافي فكريّ عقديّ بعيد المدى محكم التخطيط يُمْنَى به الشعبُ المسلم في ثامنة.. وجميعُ هذه الآلام والمصائب المريرة قد اجتمعت في تاسعة وعاشرة و…

       كثرة الآلام والآهات، وتتابع الأنّات والبكاءات، وتواصل الجروح والكلوم، جعلت العالم يرى أنّ ذلك هو الحالة العاديّة التي بغيرها لا يمكن أن نعيش: فلا يثير ذلك انتباهاً من كثير من الأمم ولا سيّما التي تتربّص بنا الدوائر، ومن الّتي لا تتربّص؟!.

       إنّ العام الهجريّ الجديد يُهلّ علينا ليذكّرنا تذكيرًا قويًّا بمركزنا في الحياة، ومكانتنا بين الأمم والأقوام، ودورنا في الأرض ووظيفتنا في الكون؛ حيث ابْتُعِثْنَا لنرفض جميع أشكال الذلّ والخنوع، والخضوع والركوع؛ ولنتبوّأ مكانتنا في قمة العزّ وعلياء الكرامة وأن نكون في التكافل والتعاضد، والتعاون والتضامن، والتآخي والتراحم، كجسم واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى؛ ولنُخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ومن ضيق الدنيا إلى سعتها و من جور الأديان إلى عدل الإسلام.

       ما أعظم المسؤوليّة، وما أبهظها، وما أشرفها! ولكن ما أكثر تبعاتها ومقتضياتها؟!.

       متى سنعود إلى مستوى مسؤوليّتنا، ومستوى عزّنا وكرامتنا، المستوى الذي رضيه لنا ربّ العرش، وكان قد علا بنا إليه نبينا الأعظم سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فتنازلنا عنه بسلوكنا.

       إنّ مناسبة الهجرة تأتي لتنادينا دائماً:

       أيّها المسلمون هلمّوا إلى مكانتكم، هلمّوا إلى مستوى الدور الملقى على عواتقكم في هذه الدنيا!

[التحرير]

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم  ديوبند ، محرم – صفر 1433 هـ = ديسمبر 2011م ، يناير 2012م ، العدد : 1-2 ، السنة : 36

Related Posts