كلمة المحرر
إسرائيل: الدولة الصهيونية لاتكتفي بمحاصرة غزة وتحويلها سجنًا كبيرًا مزودًا بكل آليّات التعذيب، وزرع كل شبر من أشبار أرض فلسطين بالمستوطنات رغم كل صيحات نفاق تُطْلِقها أمريكا والدول الغربية وصيحات استغاثة يطلقها العرب والمسلمون، ولاتكتفي بتقتيل الفلسطينيين وتشريدهم، وإنما هي ماضية دونما توقف ومتحدّيةً العالمَ كلَّه في تهويد مدينة القدس وجلاء أصحاب الدار بالقوة، وفي تنفيذ مشروع هدم المسجد الأقصى، وقبل ذلك بتقسيمه بين المسجد الإسلامي والكنيس اليهوديّ.
وكلُّ ذلك من الأمور التي ليست بخافية على العالم؛ لأن إسرائيل لاتصنع شيئًا في الخفاء وإنما تصنع بشكل علنيّ وفي تحدّ سافر وراكلةً كلَّ الدعوات والنداءات والقرارات الأمميّة. وهي لتنفيذ مشاريعها الخبيثة لاتنتظر الوقتَ، ولا تلاحظ الفرصة، ولا تراعي الذمة والوعد والعهد؛ لأنها لم تُوْجَدْ لذلك أو لأيّ من ذلك؛ لأنّها وحدها التي لاتخاف قوة على وجه الأرض؛ لأنها فوق جميع القوى التي جعلتها فوقها، واعتبرت الجنس اليهودي أعلى الأجناس البشريّة، وعدّت تعذيب اليهود بيد «هتلر» الألمانيّ جواز مرور على جميع الحدود القانونيّة العالميّة والأعراف الدوليّة، وأنّها من أجل ذلك يجوز لها أن تنتقم من العرب والمسلمين وأن تشرد وتقتل الفلسطينيين – دون أن تنتقم من الألمان أو الغرب – أن تسكن أرضهم وديارهم وتقيم فيها دولتها بطريقة غير شرعيّة بكل المقاييس .
قراءةُ تاريخ الصهاينة في أرض فلسطين تُؤَكِّد أنّها ماضية منذ اليوم الأول في اغتصاب الأرض وانتهاك العرض وتقتيل الإنسان الفلسطيني وتهويد كل شيء من المقدسات الإسلامية، وأمريكا والدول الغربية ماضية كذلك في دعمها الماديّ والمعنويّ، عن طريق المساعدة العسكريّة والأسلحة الفتاكة والمساعدة النقديّة، والتأييد الصوتي في المحافل الدولية، والسماح لها بإنتاج أسلحة متطورة فتاكة بما فيها الأسلحة النوويّة.
أما الفلسطينيون فلا نصيب لهم إلاّ جرّهم إلى مسلسلات عقد معاهدات السلام مع الصهاينة، والمحادثات السلاميّة المملة التي لاتخدم إلاّ المصالح الصهيونية وتضرّ الفلسطينيين من كل الوجوه. و تُكَرِّس وتُرَسِّخ وتُؤَكِّد استعبادهم بشكل أكثر وأقوى من ذي قبل.
والسؤال: لماذا ظلّت كفّةُ الصهاينة راجحةً وكفَّةُ المسلمين والفلسطينيين طائشة؛ والجواب: لضعف المسلمين، وقوة الغرب، وارتياح المسلمين إلى ضعفهم، ورضاهم بالعبوديّة للغرب، وكراهيتهم لليقظة وفقدهم للغيرة، وتجردهم من روح النخوة، وبالمقابل: لاستثمار الغرب لضعف المسلمين، وإقناعهم للمسلمين بالسبات العميق، واتخاذهم عملاء منهم، رضوا بأن يكونوا عبيدًا لهم مقابل ثمن بخس دراهم معدودة، وكراسي حكم اعْتَلَوْهَا حينًا من الدهر، ثم أنزلتهم أمريكا والغرب منها في ذلّ ليس بعده ذلّ، ثم فرضت عليهم الذل، وأعلنت هذا الذل عبر وسائل الإعلام، ثم أعدمت كثيرًا منهم شنقًا، وجعلتهم نكالاً لمن بين يديهم، واتخذت منهم «نماذج ماثلة» وشهّرت بهم حتى يعتبر القادة والساسة المسلمون الذين هم على قيد الحياة، ولايتجرؤوا على مخالفة أمريكا والغرب، بل يظلّوا رهن إشارتها طوالَ حياتهم، حتى ينالوا نصيبهم من «العلف الأخضر» دون أن ينالهم «مكروه».
الوقت لم يفتِ المسلمين بعدُ،إذا عادوا إلى الرشد، وصَحَّحُوا النيّة، وعقدوا العزم ليستيقظوا من النوم، وينفضوا عن العيون جميع آثار السبات، ويأخذوا بأسباب القوة، ويُعِدّوا ما يستطيعون من القوة المرهبة لأعداء الله، ويُخطّطوا للحصول على أسلحة متطورة يرهبون بها عدوّ الله وعدوّهم، ويعملوا في ذلك بالحكمة والرويّة والتعقّل، ولا يتظاهروا بالحماس أكثر من اللازم، ولايتضاخموا أكثر من الواقع.
هنا سيتغيّر الميزان، وينفتح الطريق نحو استعادة فلسطين، والانتصار على الصهاينة.
إن الطريق إلى القدس لايمرّ بالمحادثات وعقد المسالمات، وإنما يمرّ بالتضحية بعد الإعداد اللازم.
[التحرير]
(تحريرًا في الساعة 11 من صباح يوم السبت : 18/محرم1432هـ = 25/ ديسمبر 2010م)
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، محرم – صفر 1432 هـ = ديسمبر 2010م – يناير 2011م ، العدد :1-2 ، السنة : 35