دراسات إسلامية
بقلم : صلاح عبد الستار محمد الشهاوي
التقويم كلمة عربية، تعني: تعديل الاعوجاج وتنظيمه وإعادته إلى مجراه وتشكيله وتنسيقه وترتيبه، والتقويم: الجداول التي تحسب الزمن وتقسمه إلى سنوات وشهور وأسابيع وأيام وساعات ودقائق. وأساس التقويم هو التاريخ؛ والتاريخ هو المراحل المتتابعة للحياة والتأريخ هو الوسيلة لتسجيل أحداث تلك المراحل وللتقويم مكانة مهمّة بين العلوم والحوادث التي تتعلق بالتاريخ تحدد الأعياد والأيام المهمة والدورة السنوية دائماً بمساعدة التقاويم.(1)
والتقويم- هو الزمن الفلكي- وهو عبارة عن تعاقب الليل والنهار- وتآليف الأيام والشهور والسنين من مجموعهما- والزمن الفلكي هو التقويم المعتمد في حياتنا وعليه التأريخ وتسجيل الحوادث. وهو معيار – إلي حد ما- مأمون؛ لأن هذه الوحدات – الليل والنهار (اليوم) والشهور والسنين – مريحة وقابلة للتطبيق بالنسبة لترتيب الحوادث إلي جانب قدرة الإنسان العقلية على إدراكها انطلاقاً من الإحساس بالحاضر الذي يمسى ماضيًا ويصبح مستقبلاً قال: دريد بن ألصمه:
صبـور على رَزْء المَصَائب حافظ
من اليوم أَدْبار الأحَاديْث في غَد
وبذلك تدرك الأحوال الثلاث التي تغدو: اليوم والأمس والغد. يقول: زهير بن أبى سلمى:
وأعلَمْ ما في اليوم والأمس قَبْلَه
ولكنّني عن عِلْم ما في غَد عَمِ
وينطلق الزمن بعدها في حل وترحال- كر و فر- حلقات تأخذ بعضها برقاب بعض لا تنفد مشكلة الدهر:
هل الدهر إلا اليوم أو أمس أو غد
كذاك الزمان بيننا يَـتَردَّد
يرذ علينا ليلــة بعد يومها فلا
نحن ما نبقى ولا الدّهر ينفد(2)
والتأريخ ليس مجرّد وسيلة لحساب الأيام والشهور والسنين وتسكين الأحداث فقط؛ وإنما هو رمز هويّة الأمم، وذاكرة حضارتها، وصندوق ذكرياتها.. وإن أمة تتخلى عن مُقَوِّم من مقوماتها لهي أمة كالشجرة العجوز التي تسّاقط أوراقها ورقة تلوَ الأخرى حتى يأتي الحطّاب ليكتب نهايتها… ومن هنا وجدنا كل أمة من أمم الأرض حريصةً على أن يكون لها تقويمها الخاص الذي تعتزّ به وينتسب إليها وينطبع بطابعها ويتأثر بعقائدها وروح حضارتها؛ لذلك كان أول شيء فعلته تلك الشجرة الملعونة التي غُرِسَتْ في قلب عالمنا العربي لتوطيد كيانها الغاصب هو أن أحيت لغتها العبرية وتأريخها اليهودي اللذين كانا قد ماتا ودفنا في مقابر الزمن… وكان علماء الدين وسدنة العقائد من كل أمة هم القائمين على التقويم وحساباته وتحديد مواقيت أعياده ومناسباته وبداياته شهوره وأطوالها وبيان طبيعة السنين وأحوالها من حيث البسط والكبس وغيرهما؛ ولذلك وجدنا رهبان الرومان قائمين على تقويمهم، وسدنة نار المجوس مسئولين عن تقويمهم، وكبار حاخامات السنهدرين من اليهود يختصون بتقويمهم، والبابا جريجوري الثالث عشر على رأس لجنة تصحيح تقويم النصارى، وثاني الخلفاء الراشدين «عمر بن الخطاب» (رضي الله عنه) يعزف عن تقاويم الأمم المجاورة، ويؤسس لأمة الإسلام تقويمها الخاص بها، مستبعدًا العمل بجميع التقاويم الوثنية المعروفة في عصره، متمسكًا بالعمل بالتقويم القمري (الهجري) الذي حافظ على نقائه عبر الدهور وعصور الجاهلية، فلم يتلوث كما هو حال التقاويم الأخرى التي خلعت أسماء آلهتها الوثنية على أسماء شهورها وأيامها… والسر في نقاء التقويم الهجري القمري أنه تقويم رباني سماوي كوني قديم قدم البشرية، ليس من ابتداع أحد من الفلكيين، وليس للفلكيين من سلطان على أسماء الشهور العربية القمرية ولا على عددها أو تسلسلها أو أطوالها، ولا على طبيعة سنتها من حيث البسط والكبس، ولا على عدد السنوات الكبيسة أو البسيطة في الدورة القمرية.. فكل ذلك يتم بحركة كونية ربانية، رسم خطاها ربنا جل شأنه بقوله: «هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»[يونس: 5].. والضمير في قدره يعود على القمر، فهو الذي اختاره ربُّنا جلّ شأنه للتأريخ والتقويم، وليس هذا فحسب؛ بل حدّد أيضًا عدد الشهور بقوله: «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ…»[التوبة: 36].
ولا يعرف بالضبط المكان أو الزمان الذي وضع فيه أول تقويم إلا أننا نجد أنه استخدم في كل بلد تقويم مختلف في فترات زمنية مختلفة وكانت هناك تقاويم خاصّة بالمصريين القدامى واليونانيين والرومان و السومريين والصينيين والهنود والأتراك. تستند معظم هذه التقاويم على حركة الشمس والقمر كما كان هناك تقاويم نظمت على أساس الحوادث الطبيعية؛ لأن العادة أن تتخذ حادثة مهمة – بداية للتاريخ(3).
فقد كان قدماء المصريين يحسبون بدءَ أيام السنة عند فيضان نهر النيل وظلوا على هذه الحال مدة أربعة آلاف سنة حتى وضعوا تقويماً زمنيًا باسم تقويم توت العظيم حيث اعتبروا بدء السنة في يوم الاعتدال الخريفي (21 سبتمبر) وقسموها إلى 12 شهرًا وقسموا الشهر إلى 30 يوماً فيصبح مجموع أيام السنة 360 يوماً وقد أضافوا إلى كل سنة خمسة أيام لا تحتسب ضمن أي شهر بل أضيفت إلى أخرها ليصبح عدد أيام الستة 365 يوماً واعتبروا اليوم 10 ساعات والساعة 100 دقيقةً والدقيقة 100 ثانيةً وقد تمّ وضع هذا التقويم حوالي عام 3000 قبل الميلاد .(4)
ثم جاء الكلدانيون فيما بعد فقسّموا اليوم إلى 24 ساعة والساعة إلى 60 دقيقةً والدقيقة إلى60 ثانيةً وكانت أيام الشهور عندهم تتراوح بين 29 إلى 30 يوماً وعدد أيام السنة حوالي 354 يوماً.
ويعود الفضل في نشأة التقويم الميلادي إلى «يوليوس قيصر» حيث طلب من أحد المنجمين اليونانيين ويدعى «سوزين» أن يصنع تقويماً شمسيًا فوضعه مقتصرًا على حساب حركة دوران الأرض حول الشمس وحدّد عدد أيام السنة ب – 365 يوماً – يضاف إليها يوم كل أربع سنوات وتسمّى تلك السنة بالسنة الكبيسة وجعل«سوزين» بدء السنة في أول يناير.
ولما جاء البابا – جريجوري الثالث عشر – عام 1582 وضع تقويماً مُعَدَّلاً عن تقويم يوليوس قيصر وهو التقويم نفسه الذي نستخدمه اليوم ويتبع هذا التقويم التقسيم السابق نفسه لتقويم يوليوس قيصر الذي يحتسب يوماً إضافياً كل أربع سنوات في السنة الكبيسة على أن يتم حذف هذا اليوم من السنة التي تأتي في أخر كل مائة عام مما يقبل منها القسمة على 400 من اجل تلافي بعض العيوب والتعقيد الذي ظهر في التقويم السابق وهكذا فان سنة 800 ميلادية مثلاً ليست كبيسة ومثلها سنة 1200 و 1600 و2000 أيضاً .
وقد سمي يوم السبت بالإنجليزية Saturday أي يوم زحل أما الأحد فهو Sunday يوم الشمس والاثنين هو يوم القمر Monday والثلاثاء Tuesday يوم مارس اله الحرب والأربعاء Wednesday يوم عطارد والخميس Thursday يوم المشتري والجمعة Friday يوم الزهرة .
وكان شهر مارس هو بداية السنة عند اليونانيين القدماء وقد وضع«رومولوس» للأشهر أسماؤها فسمي مارس بهذا الاسم نسبةً للإله – مارس- إما أبريل فيعني الشهر الثاني، أما مايو فكان مخصصًا- لمايا – أم عطارد ويونيو للإله – يونوي- أما شهر يوليو فقد احتكره «يوليوس قيصر» لنفسه أما أغسطس فسمي بهذا الاسم نسبةً إلى الإمبراطور – أغسطس- ابن أخت يوليوس قيصر أما سبتمبر فمعناه الشهر السابع نسبةً إلى ترتيبه بين أشهر السنة وكذلك بالنسبة إلى أكتوبر ونوفمبر وديسمبر فتعني الثامن فالتاسع فالعاشر، أما شهر يناير فسُمِّيَ بهذا الاسم نسبةً إلى الإله Janus جانوس وفبراير شهر التطهير(5).
* تقاويم جزيرة العرب قبل الإسلام :
كان العرب قبل الإسلام كما كانوا في العصور التاريخية الأولى يتذكرون السنوات باسم الأحداث المهمة وعليه فقد قبلوا بناء الكعبة بداية للتاريخ وجاءت الأحداث تترى فأرخوا بها.
فأرخوا بوفاة كعب بن لؤي، وهي قبل عام الغدر بـ520 سنةً، وأرخوا بعام الغدر وهو قبل عام الفيل بـ110 سنوات (عام الغدر هو الذي نهب فيه بنو يربوع هدايا ملوك حمير إلي الكعبة ووثب الناس علي بعضهم في موسم الحج)، وأرخوا بعام الفيل وفيه وُلِدَ الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأرخوا بعام الفجار وهو بعد الفيل بخمسة عشر عامًا، وأرخوا بإعادة بناء الكعبة وكان عمر الرسول خمسة وثلاثين عامًا .
واستمرت هذه الحالة بعد انتشار الإسلام بفترة فأطلقوا على السنة التي أُذِنَ فيها للرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة من «مكة» إلى «المدينة» (سنة الأمر) وبالسنة التي حجّ فيها الرسول – صلى الله عليه وسلم – حجة الوداع ( سنة الوداع )(6).
وبذلك لم يكن هناك تقويم مُحَدَّدٌ للعرب في الجاهلية ويعتقد أنه كانت لكل قبيلة سنوات خاصة بها تسميها بأهم أحداثها فهناك قبائل عاصرت انهيار سد مأرب في اليمن (نحو 120 ق .م) فكانت تؤرخ بذلك العام وهناك قبائل أرخت بعام الفيل (570 م) وهو العام المشهور الذي غزا فيه أبرهه الحبشي الكعبة ومن أشهر القبائل التي أرخت بهذا الحدث قريش التي وقع في أرضها الحدث. إلا أن الشيء الملاحظ عند قبائل العرب أنها اتخذت الأشهر القمرية في تعاملها وقد وضعت لها أسماء تحمل دلالة معينه كدلالة على المناخ السائد وقت التسمية ودلالةً أخرى على أشهر العبادة وهناك دلالة على أشهر خاصة بالحرب والسلم أما أسماء الأشهر الحالية لدينا فقد جاءت من العرب المستعربة وقيل أن الذي سماها هو «كلاب بن مرة» وقد جاءت هذه الأسماء على هذا النحو:
– المحرم – الشهر الوحيد الذي جاء معرفاً بالألف واللام، وهي حقيقية تلفت نظرنا على أن تسمية «المحرم» كانت في البداية صفةً للشهر قبل أن تصبح بكثرة التداول علماً عليه واسماً له، فالنبي صلى الله عليه وسلم يشير غليه باعتباره «شهر الله المحرم» وكان أهل الجاهلية يسمونه «صفر الأول» ويليه «صفر الآخر» المعروف الآن بـ«صفر».
وكلاهما – أى صفر الأول والآخر – كان منسوباً إلى الفصل الذي كان يوافقه، وهو فصل الخريف، وكان العرب يعدونه أحد الربيعين؛ لأنهم ينتجعون فيه مرابع البوادي، طلباً للماء والكلأ، يقول – النابغة الذبياني:
لقد نهيت بني ذبيان عن أقر
وعن تَربُّعِهم في كُلّ أصْفَار
(أقر: واد من أودية غطفان، حرمه «النعمان بن المنذر» ولهذا يشير «النابغة» إلي أنه نهي قومه عن تربعه بالخروج إليه والرعي فيه في شهري صفر.
وبديهيّ أن الصفرين اكتسبا اسمهما من وقوعهما – آنذاك- في فصل الخريف، حيث تَصفُر أوراق الشجر، وتَصفُر الديار، أي تخلو من ساكنيها لخروجهم في طلب الماء والكلأ، وحيث تصفر الرياح – تحدث صوتاً – قرب نهاية الشهرين، إيذاناً بمقدم الشتاء. وقيل أنه سُمِّيَ بذلك؛ لأن العرب كانوا يغيرون على بلاد يقال لها الصفرية. أما المحرم نفقد اكتسب هذه الصفة – التي أصبحت إسماً – تمييزاً له عن صفر الآخر، من يوم تحريم العرب له لما جعلوه راساً لسنتهم بدلاً من –رجب- الذي كانوا يبدأون السنة به، بعد الصفرين – المحرم ، صفر- يأتي الربيعان – شهرا – ربيع الأول وربيع الآخر – والملاحظ أن العرب كانوا يقولون صفر وجمادي وشعبان ورمضان.. الخ، بينما كانوا يلتزمون صيغة – شهر ربيع- الأول أو الآخر، وذلك تمييزًا لكل من الشهرين عن فصل الربيع، الذي لم يكن للشهرين أية علاقة به، وإنما اكتسبا إسمهما من – الإرتباع – أي – الإقامة- في الديار، في الربع والمربع، ومنه قولهم: يربعون. أي يقيمون في ربعهم ن أو مرابعهم، طلباً للدفء بسبب البرد الشديد الذي يحل بعد العودة من – النجعة – في الخريف.
ولما كان البرد يتواصل بعد الربيعين في شهري – جمادي- الأولي والآخرة، عند وضع الأسماء، الذي نلاحظ أن العرب التزموا تأنيثها دائماً، ويصفونهما بـ(الأولي والآخرة) علي خلاف باقي الشهور المذكرة دائماً ، وهي تسمية تأخذنا إلى اسم المرة من الفعل – جمد- حيث تجمد حبات الندي في ليال الشهر شديدة البرد، وتصبح واحدتها – جمادي- وفي موسم هذا البرد الذي اتفق وقت التسمية، يكون هناك فرق كبير بين درجات الحرارة في النهار والليل، ذلك الفرق الذي يجعل الليل كثير الندي ن ويجعل حبات البرد تجمد على أغصان وفروع النباتات، وتأتي جمادي أيضاً نسبةً إلي الجمد أي الشح والبخل، إذ إن الشتاء في جزيرة العرب كثيراً ما يبخل بأمطاره – برغم اشتداد البرودة – في هذين الشهرين-. يقول – أحجية بن الحلاج- :
إذا جمادى منعت قطرها زان جنابي عطن مغضف
أى أن النخيل الراسخ في الماء المُحَمَّل بالبسر يزين دياره وأن منعت- جمادى – قطرها ، والنخل يكون على هذه الصورة مع نهاية مارس( آذار) الذي وافق هذا الوقت أثناء التسمية.(7)
بنهاية – جمادي الآخرة- يكون نصف السنة – 6أشهر- قد انقضي، ليبدأ النصف الآخر علي نحو يشبه بداية النصف الأول ، الذي بدا بمصادفة أحد الإعتدالين (الخريف)، والنصف الآخر يبدأ بمصادفة (بالربيع) فيبدأ – برجب – و رجب اكتسب اسمه من – ترجيب – النخل أي دعمه وإسناده وتقويمه بما يمنع وقوعه لكثرة ما يحمل من الجريد والطلع. أما تحريم الشهر فهو إما لأنه كان يأتي في أول السنة – قبل أن يصبح المحرم أولها – وإما لأنه كان بداية الربيع ، وقت التسمية، حيث تجود الأرض بثمرها بعد طول قحط، وهي مناسبة تستحق الاحتفال، وقبل هذا تستحق الاستثمار، بالتفرغ للجمع وللحصاد والتخزين، ذلك التفرغ الذي يضمنه تحريم القتال في هذا الشهر.
لهذا كان الناس يكفون فيه عن القتال وكانت قبيلة مضر من أكثر الناس تعظيماً لذلك الشهر فقيل رجب مضر وكان يطلق عليه الفرد لمجيئه منفردًا عن الأشهر الحرم الأخرى ذو القعدة، وذو الحجة ومحرم ويطلق عليها السرد. وفي رجب كان العرب يجتمعون في البوادي طلباً للكلأ والثمر، حتى إذا انتهي وأذن الحر،بالمجيء، «تشعبوا» عائدين إلي ديارهم، في شهر – شعبان- الذي يصادف طلوع نجم – الثريا- إيذاناً بإقبال الحر واشتداده. وشهر شعبان: سُمِّيَ بذلك نتيجة تشعب (تفرق) القبائل فيه، ويلي ذلك شهر رمضان: وهو من الرمضاء أي شدة الحر لوقوعه في شهر حار جداً .
وبعده شهر شوال : الذي اشتق اسمه من – لشول- أي الارتفاع ففيه ترتفع الحرارة، وفيه يرفع العرب متاعهم مرتحلين لشهود الحج وأسواقهم المشهورة، ومنه قولهم – شالت نعامتهم – أي ارتحلت جماعتهم بسرعة.
شهر ذي القعدة: ينسب الى – قعد- ( الركوع وثني الركب) وهي هيئة لا تكون إلا عند العبادة، ما يعني أن الشهر اكتسب إسمه من بداية توافد العرب إلى «مكة» للحج، وقعودهم أي ركوعهم مع ثني الركب، أما البيت الحرام – الكعبة- وكذلك لقعود العرب فيه عن القتال لأنه من الأشهر الحرم.
وأخيراً – ذو الحجة – الشهر الثاني عشر، والذي كان عرب الجنوب في اليمن يسمونه – ذو حجتين- والذي اكتسب اسمه من قيام العرب بأداء مناسك الحج فيه، وهو الشهر الذي كانت تقصد العرب فيه الكعبة للحج(8).
أما العرب العاربة فقد كانت تُسُمِّي هذه الأشهر بأسماء أخرى هي: المؤتر ( يقابل المحرم ) وناجر، وخوان، وبصان، وختم، وزياد، والأصم، وعادل، وناتق، ووغل، وهواغ، وبرك .
كما وضع العرب أسماء لأيام الأسبوع كما يلي : الأحد (أول يوم) وأهون وجبارد ودبار ومؤنس وعروبة وشيار بدلاً من السبت(9).
كذلك استخدمت بعض القبائل العربية التقويم الشمسي بشهور قمرية محاولة بذلك المحافظة على ثبات الشهور حسب الأحوال الموسمية للطقس فقد كانوا يرغبون في تثبت وقت الحج والتجارة ليأتي في وقت يلائمهم وبشكل ثابت كل عام. ولما لم يكن ذلك ممكناً نتيجة اختلاف السنة الشمسية عن القمرية (يوجد فرق 11 يوماً بين التقويم الشمسي والتقويم القمري) ولأن ذلك يؤدي إلى خلط مواسم الزراعة والبيع والشراء والأشهر الحرم فقد اعتاد العرب قبل الإسلام أن يضيفوا شهرًا فارغاً مرة كل ثلاث سنوات وتكوين سنه بثلاثة عشر شهرًا كما لجوءا إلى ما يسمى بال- نسئ -وهو تأخير الشهور إلى أوقاتها وذلك جلباً لمصالحهم وأهوائهم ولما جاء الإسلام لاحقًا حرم هذه العادة(10).
كما قسم العرب أيام السنة حسب التقويم القمري ولغرض السهولة فقد قلبوا الأشهر الفردية ذات أيام زوجيه والأشهر الزوجية ذات أيام فرديةً وبذلك فقد اعتبر شهر محرم (30) يوماً وشهر صفر (29) يوماً وربيع الأول (30) يوماً. . . . وهكذا(11).
* * *
المراجع : –
1- د/ أورخان سيفي يوجه ترك: تاريخ التقاويم وبدايات السنين مجلة المنهل شعبان 1408هـ ص116
2- د/محمد كشاش: تفسير إشكالية الإحساس بالزمن –رؤية في ضوء الشعر العربي –الليل معيارا- مجلة الأحمديه العدد21 أكتوبر 2005 ص372
3- عبد الرؤف حسن خليل :أعادة كتابة تاريخ وحضارات الأمم مجلة المنهل شعبان رمضان 1421هـً30
4- د/ أورخان سيفي ترك :مصدر سابق ص 116
5- المصدر السابق ص 116
6- نصرة سليمان أبو زيد : نظرات في التقاويم عبر العصور مجلة الفيصل العدد 276 ص 52.
7- محمد القدوسي : أسماء الشهور العربية ، أسئلة وأسرار . مجلة دبي الثقافية العدد 55 ديسمبر 2009 ص 104.
8- د/ إحسان هنيدي: من تقاويم الشعوب مجلة الفيصل العدد 215 ص81.
9- د/ أورخان سيفي يوجه ترك :مصدر سابق ص 123
10- المصدر السابق ص 122
11- المصدر السابق ص 123.
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، ذوالحجة 1431 هـ = نوفمبر- ديسمبر 2010م ، العدد :12 ، السنة : 34