دراسات إسلامية

 

قضايا معاصرة في تدريس اللغات الأجنبية والعربية في الجامعات الهندية

(2/2)

بقلم: د. عبيد الرحمن طيب(*)

 

 

وكذلك جرى الحديث أنه كم طالبا ينبغي أن يكون في الفصل؟ فهل هنا عدد محدد أم يمكن أن يتكون الصف من أي عدد كان؟ وفي زماننا هذا شوهدت رغبة كبيرة  في جميع شرائح المجتمع في التعليم وفي بلدنا كالهند حيث تشح الموارد وتقل البنى التحتية والتسهيلات التعليمية ازداد عدد الطلبة في فصل واحد فقد يكون 30/طالبا وطالبة حتى 45 و60 طالبا وطالبة في فصل واحد. وقد يختلف الأمر من مادة إلى أخرى مثلا يمكن أن يكون عدد الطلبة أكثر لا بأس به في فصل مادة التاريخ وعلم الاجتماع والسياسة والاقتصاد؛ ولكن في مواد اللغات هل يجوز أن يكون العدد نفسه؟ لاحظنا في طريقة الجيش التي وضعها وجربها الخبراء الأمريكيون لتعليم أفراد الجيش اللغات الأجنبية أن العدد يكون محددا. وكذلك في طريقة Suggestopedia  يكون عدد الطلبة 12/طالبا وطالبة. ومن خلال تجاربي لتدريس اللغة العربية أرى أنه ينبغي أن يكون عدد الطلبة 15 فحسب، ولا يجوز أن يتجاوز عددهم أكثر من 20/ طالبا وطالبة على أية حال، حيث لايمكن الأستاذ أن يبذل عنايته للكل ويعطي وقتا في حصة أمدها 50 أو 60 دقيقة، فيحرم الطالب أقلَ عناية الأستاذ والتدريب على التحدث والقراءة. وفي مواد اللغات لايمكن الأستاذ أن يلقي محاضرة يستمع إليها الطلبة ويلتقطون منها النقاط الهامة.

     خلال دراسات مكثفة حول اللغة والبنية اللغوية وتدريس اللغة ناقش اللغويون والخبراء قضية «الكلمة» فما هي الكلمات أكثر ترددا. وبتعبير آخر ما هي أكثر الكلمات التي يستخدمها المرء في التحدث بلغة أو كم من كلمة يحتاج إليها للتحدث بلغة؟ وقدّم بالمر  (Palmer)بحوثا قيمة في هذا الصدد وجاء هو وزملاؤه بكتب عدة بعد تعداد الكلمات الأكثر استخداما في الإنكليزية. وفي هذا الصدد كتابThe Teacher’s Word Book لـ Thorndike وكتاب The Scientific Study of and Teaching of Languages  لبالمر  (Palmer) تعتبر من الكتب الأولية حول الموضوع والتي أفضت إلى نتائج هامة حيث إنها أثارت أسئلة عديدة عن المقررات والمواد والمحتويات. وبناءً على تلك الدراسات أعيد النظر في المقررات الدراسية وبالتالي المواد أو المحتويات حيث أعدت الكتب بناءً على نتائج هذه البحوث وكذلك نشأت عنها قضايا ثقافية واجتماعية ونفسانية تتعلق بالتعليم والتعلم.

     وساق الحديث عن الكلمات المترددة الأكثر في لغة إلى إعادة النظر في المقررات والمحتويات الدراسية. فكيف ينبغي أن تكون المقررات الدراسية في برنامج اللغة لمختلف المراحل؟ وقد رد على هذا السؤال الخبراء بأنه يجب أولاً تدريس الاستماع وتعويد الطلبة عليه؛ لكي يعرف الطلبة الأصوات ويتمكنوا من التمييز بين مختلف الأصوات التي تمثلها الحروف والكلمات في اللغة المستهدفة. ثم يبدأ قراءة الأبجدية لتلك اللغة والكلام إلى جانب تعلم القواعد النحوية والصرفية ليتمكن الطالب من بناء قاعدة لغوية من الكلمات والتعابير والقواعد وحينئذ يطالب أن يبدأ بالتحدث بتلك اللغة شيئا فشئا ويتدرب عليها حتى يتعود على استخدامها في كل الأحوال والظروف. وما المواد التي يجب أن تدرس في مختلف المراحل؟ وفي هذا الصدد تفيد الخبرات بأنه يجب أن تدرس اللغة أولاً شفويا ومواد تتألف من الحوارات. وكذلك من أبسط المحتويات بشكل القصص والحكايات والفكاهات على لسان الحيوانات والطيور. وذلك في السنة الأولى والسنة الثانية وأما السنة الثالثة فينبغي إدخال بعض المواد من الأدب ولِتَكُن سهلة بسيطة ممتعة ليست بصعبة معقدة مملة. وكذلك يجب مراعاة التدريج في تعليمها.

     فأما بالنسبة للمواد الدراسية ونوعيتها فكما ذكرت آنفا أنه يجب أن تكون بشكل القصص والحكايات والفكاهات، وكذلك ذات طبيعة عالمية حيث ذكرت فيها الحقائق الإنسانية والخبرات والعبر البشرية قاطبة لا تخص بمكان أو زمان أو شعب وأمة دون أخرى. وعلى سبيل المثال يمكن اختيار هذه الدروس من القراءة الراشدة (الجزء الأول) للأستاذ صبري لطلبة البكالوريوس في السنة الثانية: الزهرة، كلبي، الثور، الحريق، كتاب، الساعة، الزمن، الطائر، الصبي والفيل، عيادة المريض، الأسد والفأر، مولد سعاد، يوم العطلة، الطريق، الطفل والنحلة، الراعي والذئب، والملح ، الثعلب والعنز، إطلاق الطيور، ترنيمة الأم للصبي في المساء، الببغاء،  اللبن،  التماس العذر، ولد نجيب، السفر، الشر بالشر، فصل الربيع،  حلاوة الكسب، لاتحتقر شيئا، اللعب.

     أما بقية الدروس من هذا الكتاب فلا تلائم مستوى الطلبة للمرحلة الثانية لبرنامج اللغة (السنة الثانية للبكالوريوس) لسبب أو آخر  وعلى سبيل المثال هذه الدروس: المذياع، الشباك، المطر (المحتوى ليس بجيد)،  النخلة (ممكن أن يكون في مكانه الأنبج)، الذهاب إلى جزيرة الروضة، مصر العزيزة (ممكن أن يكون الهند العزيزة)، صيد السمك،  والملح، الثعلب والعنز،  القطن، الحصان، الآثار القديمة (المصرية ممكن الهندية في مكانها)، بلاد الشواطئ (هي تتعلق بمصر)، الحداد، القمح، الدجاجة وأفراخها، عبدالله والعصفور، الفأر، النحلة، الكلاب وفائدتها، الطائر والبنات، عيد وفاء النيل، الكرم، النوء، العنزان، محطة سكة الحديد، تاريخ الكرسي، العين، (x). فمحتويات هذه الدروس لا تلائم مع طبائع ومستويات طلاب اللغة للسنة الثانية للبكالوريوس. وأما الطلبة من خريجي المدارس الدينية فلا بأس بأن يقرأوها.

     وكذلك يجب إضفاء لمسات محلية على المواد الدراسية؛ لكي يدرسها الطالب على سبيل المثال فيشعر بأنها هي حكايته وقصته وتتعلق بحياته وبيئته وليست بشيء عن عالَم آخر وليست عن أقوام مصرية وروسية وفرنسية. كما تكون سهلة للفهم والاستيعاب بمجرد إشارة إلى الاسم.  وكما ينبغي أن تكون المواد ذات طبيعة عالمية و أذكر على سبيل المثال قصة مساعدة المضطر، قصة الجود والسخاء، قصة الذكاء والفهم وما إلى ذلك، والتي تنطبق على كل الأحوال والظروف وكل الأزمنة والأمكنة وتشجع الطلبة على فعل الخير.

     بهذا الصدد يقول إس كريشنا مورثي (S. Krishna Moorthy ) في إحدى مقالاته بعنوان: «إدخال الأدب في كورسات اللغة الأجنبية» فمتى ينبغي تدريس طلبة اللغة الأدب؟

     «الإجابة على هذا السؤال يعني التعرض لمشكلة كبيرة؛ إذ أن تعلم اللغة يختلف تماما من فئة إلى أخرى وحتى من شخص إلى آخر. فأخذًا للحيطة، لايجوز إدخال الأدب حتى في أبسط أشكاله إلا في السنة الثانية لتعليم اللغة وعلى أية أحوال ليست في السنة الأولى والتي يجب أن تكرس كاملة على إتقان بنى اللغة البسيطة والكلمات الأساسية. ومن السنة الثالثة فصاعدا يمكن إدخال الآداب الأكثر صعبا خطوة خطوة».

     وقضية أخرى هنا تتعلق بحضارة وثقافة تلك اللغة؛ إذ أن اللغة تعتبر وعاءً للثقافة وتمثل حضارة قوم وأمة وتنشأ فيها وتترعرع فيها ولا يمكن فهم مدلول الكلام خارجا عن نطاق تلك الحضارة والثقافة. فهي من المواد الضرورية؛ إذ أنها تساعد الطلبة في فهم مدلولات الكلمات والتعابير بطريقة أحسن وقد يخطئون في فهمها بدون معرفة حضارتها وثقافتها. وفي هذا الصدد يرى الخبراء أن دراسة الحضارة ليست بضرورية لفهم مدلول الكلام بصحة فحسب بل لابد منها لتقييم وتقدير آداب وحضارات الأمم والشعوب تقدير أحسن فهي تشكل جزءًا لايتجزأ من برنامج اللغة.

     لاحظ مالينوسكي وهو يستخدم رسما توضيحيا لكلام تفوه به ناطق اللغة في جزر تروبريند الذي كان يتحدث عن رحلة بالزورق وتفوق زورقه، أنه لا يمكن إدراك كامل لمثل هذه التفوهات في لغة بدائية إلا أن توضع في إطارها الحضاري و تربط بالأوضاع التي حصل فيها. وأنه ناقش وجهة نظره هذه بكل براعة: إن اللغة بصورة رئيسية تتأصل في حقيقة الحضارة، والحياة القبلية وتقاليد قوم، ... ولا يمكن توضيحها بدون المراجعة المتواصلة إلى هذه السياقات الأوسع للتفوه الشفوي. والتفوه إنما يصبح مفهوما عندما يوضع في سياق الوضع، ... ولايمكن تجاهل الوضع الذي تتفوه فيه الكلمات بأنه غير مرتبط بالتعبير اللغوي.

     ودراسة أي لغة ينطق بها قوم يعيشون في ظروف تختلف عما نحن فيها ويملكون حضارة مختلفة يجب القيام بها في التنسيق بدراسة حضارتهم وبيئتهم».

     وبدأ تدريس الحضارة كجزء لبرنامج اللغة في ألمانيا ليتمكن الطلبة من تقدير الحضارة الألمانية أحسن تقدير ويعتبروها خير حضارة في العالم وأطلق عليها اسم: Kulturkunde

     في نظرية تدريس اللغة الألمانية تم تطوير تدريس الحضارة كجزء لبرامج اللغة بصورة قوية  بعد الحرب العالمية الأولى. وصورة قصوى عن (Kulturekunde) دراسة الحضارة الألمانية  خلال فترة الحرب الداخلية كانت تلائم تماما مع روح عهد «هتلر». وعالجت دراسة الحضارة الألمانية في فصول اللغة الأجنبية خصيصا كأداة  لتطوير تقدير أحسن للحضارة الألمانية.

     وقد اعتبر الخبراء دراسة الحضارة جزءا لايتجزأ من برنامج اللغة فيقولون:

     «الأعمال الرائدة حول نظرية تدريس اللغة خلال العقود العدة الماضية (على سبيل المثال لادو، بروكس، ريفرس وتشاتين) كلها بدأت بكل قوة أن الفهم الحضاري والمقارنات بين الحضارات هي أجزاء لازمة لتدريس اللغة».

     وتشرب أصحاب النظريات بصورة كافية من أفكار سابير ووورف بأن يعترفوا بالعلاقة الوثيقة بين اللغة والحضارة حيث قالا: إن اللغة والحضارة متلازمتان غير قابلتين للفصل(بروكس). «اللغة لايمكن فصلها كاملا من الحضارة التي هي متأصلة بصورة عميقة (ريفرس)».

     والسؤال المهم هنا: متى أو في أي مرحلة ينبغي أن تدرس الحضارة والثقافة في برنامج اللغة؟ ويقول سانكر باسو -أحد كبار أساتذة اللغة الروسية بكلية اللغات، جامعة جواهرلال نهرو بدهلي الجديدة،  في إحدى مقالاته بعنوان «دور دراسة الثقافة والحضارة الروسية في تدريس الأدب الروسي»-:

     «برأينا ينبغي أن تسبق دراسة حضارة وثقافة الاتحاد السوفيتي دراسة الأدب السوفيتي والروسي، لأنها تسهل فهم دراسة الأدب الروسي بشكل كبير. وبرنامج تمهيدي لثقافة وحضارة الاتحاد السوفيتي ينبغي أن يشمل الجغرافية والحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والتاريخية لروسيا بدءاً من العصور القديمة حتى العصر الحديث».

     ونفس الأمر ينطبق على تعليم اللغة العربية في الجامعات الهندية، ويجب تدريس الحضارة والثقافة العربية في المرحلة الأولى لبرنامج اللغة .

     من أهداف تعلم اللغة تحقيق مقدرة في اللغة المستهدفة تمكن المتعلم من فهم تلك اللغة واستخدامها تحدثا وكتابة، وكذلك المعرفة الواضحة لتلك اللغة والحضارة التي نشأت في أحضانها، وبالتالي تقدير قيمها وتقاليدها ونقلها وتعميمها إلى ماوراء تلك اللغة. وتحقيق مثل هذه الأهداف والغايات لايمكن من مجرد تعلم قراءة الأبجدية لتلك اللغة؛ بل اتخاذ كل السبل والوسائل المساعدة في تعلمها تعلما يخدم تلك الأغراض ومثل هذه المقدرة اللغوية إنما تحصل بالمحاكاة والتدريب والممارسة والتعود. ويُقال: إن اللغة هي في الأصل محاكاة للناطقين بها حتى أن بعض الخبراء رفضوا تعلم القواعد وشددوا على المحاكاة. وثانيا للتدريب والممارسة تستخدم في الإنكليزية كلمتان لهذا الغرض. ألا وهما Drill التدريب المتواصل على مختلف أساليب/تراكيب لغوية والممارسة Practice (الممارسة)، وهو أن يمارس المتعلم هذه اللغة في التحدث والكتابة كمن يمارس مهنة أو حرفة. والمرحلة الثالثة هي التعود Habit formation  وهو أن المرء بعد أن عاش لفترة من الزمن بين أهل اللغة وتعلم فيها تلك اللغة حيث جمع لديه كلمات وتعابير اللغة أو تعلم في أرض بعيدة من موطن تلك اللغة حيث بنى لنفسه قاعدة لغوية أساسية من الكلمات والتعابير والقواعد ثم يتدرب على مختلف الأساليب والتعابير ويمارسها في حياته اليومية حتى تتأصل تلك اللغة وتعابيرها في تفكيره اللاوعي، وتجري الكلمات والتعابير على لسانه تلقائيا مثل من يتعلم قيادة السيارة، فأولاً يتعلم الأصول والضوابط لها ثم يتدرب ويتمرس ويستمر في ممارسة القيادة حتى تصبح عادة له فهو بعد فترة من الزمن يقود السيارة وكل أعضائه تعمل حسب ما يرام بدون تفكير متعمد. والهدف المنشود من تعلم اللغة هي أن يتمكن المتعلم من التحدث بها والكتابة فيها تلقائيا. وبالنسبة للمحاكاة يرى «فندلاي» الخبير اللغوي الكبير أن تعلم اللغة عبارة عن عملية المحاكاة:

     «وبوجهة نظر «فندلاي» تعلم لغة في علم النفس عمل محاكاة؛ إذ على المتعلم أن يحاكي سلوك المواطن الأصلي بعناية شعورية و ممارسته مرة بعد أخرى، ويزين نفسه بكثير من العادات الجديدة، كلها تعارض اتجاه عاداته المحلية».

     وكذلك التدريب المتواصل على أنماط وأساليب اللغة يمكن المتعلم من استخدام اللغة شيئا فشيئا ويكتب «إسترن»:

     «نظرًا لعدد كبير من العادات الجديدة التي يجب أن تجعل تلقائية طالما أمكن، تعلم لغة ثانية بنجاح يتطللب إنفاق قدر كبير من الوقت، وأكبر جزء منه يجب أن ينفق في التدريب الأسلوبي المتواصل. وإنما الخطوة الإصلاحية المقترحة هي أنه لاينبغي لأساتذة اللغة تجاهل أهمية إجراء التدريب في انسجام مع مبادئ التعلم».

     والتعود على استخدام اللغة هي منتهى تعلم اللغة ولذا اعتبرتها الخبيرة اللغوية والإخصائية في علم النفس أن تعلم اللغة الأجنبية هي التعود على استخدامها وتقول:

     «تعلم اللغة الأجنبية هي في الحقيقة عملية ميكانيكية لتكوين العادة».

     فالمتعلم يدرب على مختلف أساليب اللغة تدريبا مكثفا حتى تترسخ التراكيب اللغوية في ذهنه، ويستمر في ممارسة الكلام بتلك اللغة وتصبح اللغة من عادته؛ بل تبدأ تجري في شرايين جسمه وخلايا مخه مثل الدم الجاري فهو يفهم الكلام في تلك اللغة، ويفكر فيها ويتخيل بها وينقل مايدور برأسه على القرطاس بريشة قلمه بدون أدنى صعوبة. وصح المثل Practice makes a man perfect  (الممارسة تجعل المرء متقناً/ مثالياً) فهذا الكلام يصح في تعلم اللغات أيضا. وعندئذ يوفق المرء لتحقيق المقدرة اللغوية. وهذا ما قاله العالم التربوي الكبير واللغوي الفذ «ابن خلدون»: «وإنما تحصل هذه الملكة بالممارسة والاعتياد والتكرير لكلام العرب».

     فتعلم لغة أجنبية أو أخرى يعني تحقيق مقدرة لغوية تمكن المتعلم من استخدامها في الأحوال والظروف وهذا ما يحصل إما بمعايشة أهل اللغة والتعلم منهم أو تعلم اللغة بوسائل شتى والتدريب المتواصل وممارستها والتعود عليها حتى يتمكن المتعلم من استخدامها تلقائيا.

     واقع اللغة العربية في العالم العربي: قطعت اللغة العربية أشواطا بعيدة في العصر الحديث وواكبت ركب الزمن في كل الميادين، فالطرق الحديثة التي تتبع في الدول المتقدمة لتعليم اللغات الأجنبية طورت وطبقت في العالم العربي وكذلك أجريت تعديلات محمودة على المقررات والمواد الدراسية واتخذت كل السبل والوسائل من استخدام مختبر اللغة والمسجلات السمعية والبصرية والقروص السمعية والبصرية إلى إعداد الكتب الدراسية خصيصا لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها؛ بل أنشئت مراكز ومؤسسات ومعاهد وكليات وجامعات لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها وتعمل ليل نهار لتوفير كل التسهيلات لمن يرغب في تعلمها. وهذا أمر يستحق الإشادة و التقدير. ونذكر فيما يلي بعض مراكز ومؤسسات لتعليم اللغة العربية وكذلك بعض الكتب على سبيل المثال لا الحصر.

     1- معهد اللغة العربية - الجامعة الإسلامية، بالمملكة العربية السعودية. 2-معهد اللغة العربية - جامعة الإمام محمد بن سعود بالمملكة العربية السعودية. 3-معهد اللغة العربية - جامعة الملك سعود الرياض، المملكة العربية السعودية. 4-مركز تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، المملكة العربية السعودية. 5-برنامج معهد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها(بلغات متعددة)، المملكة العربية السعودية. 6-معهد الخرطوم الدولي للغة العربية. 7-معهد جامعة إفريقيا العالمية الخرطوم. 8-المعهد الدولي لتعليم اللغة العربية - الجامعة الأردنية. 9-معهد تعليم اللغة العربية - فاس المغرب. 10-موقع معهد القاهرة لعلوم اللغة العربية. 11-موقع الأكاديمية العربية، القاهرة. 12-موقع العربية الميسَّرة، القاهرة. 13-البوابة الخضراء لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها. 14-المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة: من اهتماماتها تعليم العربية للناطقين بغيرها.

     وقد بذلت الدول العربية جهودا مشكورة في وضع المقررات الدراسية لطلاب اللغة العربية من الناطقين بها وغير الناطقين بها. فقدأنشأت المملكة العربية السعودية كلية تخص بتدريس اللغة العربية في جامعة الملك سعود باسم كلية اللغة العربية لغير الناطقين بها وأعدت مجموعة من الأساتذة كتبا كثيرة ومسجلات سمعية وبصرية خصيصا لتعليم الأجانب اللغة العربية. ومنها «سلسة تعليم اللغة العربية» وهي تتضمن أربع كتب متسلسلة وقروصا شفوية وسمعية، فالكتاب الأول يحتوى على «التعبير، كراسة تدريبات الخط، معجم كلمات المستوى الأول، كتاب الصور، دروس من القرآن ، دليل المعلم». وهكذا بقية الكتب من هذه السلسلة. وأعـدها نخبة من الأساتذة بمعهد تعليم اللغة العربية بالرياض التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية تحت إشراف وزارة التعليم العالي بالمملكة العربية السعودية. وكذلك العربية لغير الناطقين بها في سبعة أجزاء وبأسلوب حديث.

     ومنها «هيا نتكلم العربية Let’s Speak Arabic في ثلاثة أجزاء، أعدها مجموعة من الأساتذة: البروفيسور إي صالح، الدكتور مختار تي حسين و ناصيف إم عبدالعزيز وهي باللغتين العربية والإنكليزية ونشرها مكتبة التوبة، الرياض، 1428هـ  2008م

     كما أعدت جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، طرابلس الجماهيرية العربية الشعبية الاشتراكية العظمى، العديد من الكتب لتعليم اللغة العربية وخاصة لغير الناطقين بها ومنها:

     1- اللغة العربية لغير الناطقين بها: ألفه وراجعه: أ. عبداللطيف الشويرف، أ. رجب الهادي ضياف، د. محمد خليفة الأسود، د. مسعود عبدالله الوازي، أ. نوري علي شرينه، الناشر: جمعية الدعوة ، الطبعة الثانية، 1428ميلادية.

     2- التعبير ومبادئ قواعد اللغة (للمرحلة الأولى): ألفه: أ. محمد عبدالله مخيون، علي أحمد نعيم، عبدالحميد محمود جاد، (مراجعة: جمعه سعد الغرياني، الفيتوري محمد عمر، إبراهيم أحمد الخليجي) الطبعة الثانية، جمادي الآخرة 1407هـ من وفاة الرسول الله صلى الله عليه وسلم. الناشر: دار الكتب الوطنية بنغازي، الجماهيرية العربية الشعبية الاشتراكية العظمى.

     3- النحو والصرف (للمرحلة الثالثة)، أعده: د/ سالم محمد مرشان، سعد حسين مقبول، (مراجعة : جمعه سعد الغرياني، إبراهيم أحمد الخليجي، الفيتوري محمد عمر) الطبعة الثانية صفر 1407هـ من وفاة الرسول الله صلى الله عليه وسلم،  الناشر: جمعية الدعوة الإسلامية العالمية،طرابلس، ليبيا.

     4- القراءة والكتابة (المرحلة الأولى) (الجزء الأول)، تأليف: سعد حسين عمر مقبول، عبدالمجيد محمد زكرى، (مراجعة: جمعه سعد الغرياني، الفيتوري محمد عمر، إبراهيم أحمد الخليجي، أعده: جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، طرابلس، ليبيا،الطبعة الثالثة -1999م، الناشر: دارالكتب الوطنية بنغازي- الجماهيرية العربية الليبيبة الشعبية الاشتراكية العظمى.

     5- المرشد في قواعد اللغة العربية: الدكتور نبيل خليل أبوحلتم، الناشر: دار أسامة للنشروالتوزيع، الأردن عمان، ص.ب 141781، عام الطباعة 2001م.

     6-  تحديث قواعد اللغة العربية، جميل طرطبيل، الناشر: دار النمير للطباعة والنشر والتوزيع، سورية دمشق، شارع مسلم البارودي الطبعة الأولى 2007م.

     وفي الهند تدرس اللغة العربية في حوالي ثلاثين جامعة ومئات كليات جامعية منتشرة في كافة أرجاء الهند من كشمير إلى «تريناثا بورام» ومن «بنغال الغربية» إلى سواحل مومباي. أما المدارس الدينية فعلى اختلاف مستوياتها تنتشر في كافة البلاد خاصة شمال الهند، وتقدم خدمات جليلة في مجال تعليم اللغة العربية، ولايسعني المجال أن أذكرها وأعددها. و أقصر كلامي على الكليات والأقسام في الجامعات الحكومية التي تبذل جهودا مشكورة في سبيل تعليم اللغة العربية. وينتقي ويعد أساتذها موادها لطلاب اللغة العربية؛ ولكن المقررات السائدة في جامعاتنا في حاجة ماسة إلى إعادة النظر وكذلك المحتويات لتواكب ركب الزمن كما فعل إخواننا العرب في العالم العربي لتحديث طرق وأساليب تدريس اللغة، وإعداد المواد التعليمية حسب متطلبات العصر الحاضر. وأذكر على سبيل المثال أن في بعض أقسام الجامعات الهندية تدرس القراءة الواضحة (الجزء الأول) للشيخ وحيدالزمان الكيرانوي في دورة خاصة للمبتدئين منذ أكثر من عشرين سنة. ومن مزايا هذا الكتاب أنه تم إعداده وترتيبه نظرا للمبتدئ ومتطلباته ولم يستعمل المؤلف صيغ التثنية والجمع من البداية إلى النهاية كما سجل التمارين للمتعلم في نهاية كل درس. كما لا يبدو في المقررات الدراسية لبعض الجامعات مراعاة أحوال الطلبة الجدد الذين يأتون من المدارس العصرية وعلى سبيل المثال في السنة الثانية للبكالوريوس أقترح تدريس 25 صفحة من كتاب «الأيام» للناقد العربي الكبير الدكتور طه حسين والطلبة لايعرفون قراءة الكتب العامة مثل دروس اللغة أو المطالعة العربية أو القراءة الرشيدة وغيرها. بينما توجد هنا كتب حديثة ملونة جذابة أعدت في العالم العربي وليس علينا إلا أن نختار مما أعده العالم العربي من الكتب والمواد التدريسية وندخلها في مقرراتنا الدراسية بعد إضفاء لمسات محلية عليها ونستفيد منها حسب ما تفي بأغراضنا وتلبي احتياجاتنا.

     والخلاصة هي أن البشر يريد تعلم أكثر من لغة ووجدت طرق وأساليب كثيرة نافعة لتعليم اللغة وعلى مدرس اللغة أن يتعرف على هذه كلها ويسلك مسلكا انتقائيا وينتفع من الجميع. وتعلم اللغة يعني تطوير المهارات الأربع: الاستماع والتحدث والقراءة والكتابة، ويكتمل التعلم إذا تَمَّت مراعاة كل منها وتنمية كل منها على السواء؛ إذ تعزز بعضها البعض والقواعد تساعد وتعزز عملية التعلم وبناء قاعدة لغوية؛ ولكن ليست هي الهدف والغاية بل الوسيلة. والإلمام بحضارة اللغة المستهدفة أمر لا مناص منه؛ إذ اللغة لايمكن اكتسابها وإدراكها منفصلة عن حضارتها. وليست هناك سن محددة لتعلم لغة؛ بل يمكن كلَّ أحد أن يتعلم ما يشاء في أي مرحلة من مراحل عمره إلا أن الاكتساب اللغوي يحصل بصورة أحسن في الصغر ويصعب في الكبر. وعملية التعلم عبارة عن المتعلم والمعلم والمقررات الدراسية التي تشمل كافة المواد التدريسية والتسهيلات اللازمة فهي تحدد غاية التعلم وتهدي إلى طريق الصواب. وتعلم لغة يعني بناء قاعدة لغوية  تمكن المتعلم من استخدامها وذلك يحصل بالمعايشة مع أهل اللغة وبالمحاكاة والتدريب والممارسة حتى يتعود المتعلم على استعمالها في كل الأحوال والظروف.

*  *  *

المصادر والمراجع:

1-      الحموري، د/ محمود عبدالفتاح والغامدي ، يوسف،: طرائق التدريس العام وتطبيقاتها التربوية، دارابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الدمام، طريق الملك فهد،  الطبعة الأولى 1428هـ -2007م

2-      وافي ، د/ علي عبدالواحد : نشأة اللغة عند الانسان والطفل،: (الناشر) نهضة مصرللطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة مصر. (2003م)

3-      الندوي، محمد إقبال حسين، : مناهج الدراسات العربية في الهند، مركز الدراسات العربية ، المعهد المركزي للغة الإنجليزية واللغات الأجنبية، بحيدرآباد -500007(الهند)

4-      ابن خلدون : المقدمة، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، لبنان. (عام الطباعة لم يذكر)

5-      Jack C. Richards and Theodore S. Rodgers,: Approches and Methods in Language Teaching, published by Cambridge University Press Cambridge ,New York. (seventh printing 1991)

6-      C. J. Brumfit & K Johnson, : The Communicative Approach to Language Teaching, published by English language Book Society/ Oxford University Press, Oxford (1979).

7-      Jack C. Richards,: The Context of Language Teaching , published by the Press Syndicate of the University of Cambridge, Cambridge. (fourth printing 1991).

8-      H. Douglas Brown, : Principles of Language Learning and Teaching , published by Prentice Hall, Inc., Englewood Cliffs, New Jersey 07632

9-      H.H. Stern: Fundamental Concepts Of Language Teaching, Oxford University Press, Walton Street, Oxford OX2 6DP, printed in Great Britain by Spottiswoode ballantyne Ltd (Second impression 1984)

10-    Palmer. Harold E.,:The Priniciples of Language Study , Oxford University Press, London,1969.

11-    Y.C. Bhatnagar: The Current Issues in Foreign Language Teaching in India; published by Ajanta Publications (India), Jawahar Nagar, Delhi-110007, 1983.

*  *  *



(*)    أستاذ مساعد في مركز الدراسات العربية والإفريقية، كلية اللغات، جامعة جواهر لال نهرو، دهلي الجديدة.  ubaidtayyeb@gmail.com

 

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم  ديوبند ، جمادى الأولى 1436 هـ = فبراير - مارس 2015م ، العدد : 5 ، السنة : 39