الفكر
الإسلامي
كمال
خِلقة سيدنا
محمد عليه
الصلاة
والسلام وجماله
بقلم: د. رشيد
كهوس (*)
إن
الحديث عن
جمال سيد
الوجود سيدنا
محمد صلى الله
عليه وسلم
وكماله يأخذ
بمجامع
القلوب وتشرئب
إليه أعناق
المحبين
وعشاق
المعالي، وتهتز
القلوب
المُحبة بذكره،
وتعطر
الأرواح
بسيرته،
فسيرته
وشمائله
وخصاله
وصفاته
كالبدر يسري
بضوئه؛ متعة
للسامرين
ودليلاً
للحائرين؛ بل
هي شمس أشرقت
على الأرض
بنورها
الوهاج
فيتلألؤ
وجهها ضياء ونوراً؛
وعمت بنورها
الكون كله.
1- كمال
الجمال
النبوي
والخِلقة
الشريفة:
لقد
منح الله نبيه
محمدا صلى
الله عليه
وسلم الكمال
البشري في كل
صفاته
الخَلقية
والخُلقية،
فوهبه من الصفات
المعنوية
أقومها
وأعدلها، ومن
الصفات الحسية
أحسنها
وأجملها.
فهو
صلى الله عليه
وسلم أجمل
الأنبياء على
الإطلاق، وإن
كان يوسف عليه
السلام وهبه
الله حظا
وافرا من
الحسن والملاحة
والجمال
لدرجة أن
النسوة لم
يتمالكن أنفسهن
حين شاهدن
حسنه،
«فَلَمَّا
رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ
وَقَطَّعْنَ
أَيْدِيَهُنَّ
وَقُلْنَ
حَاشَ لله مَا
هَذَا
بَشَرًا إِنْ هَذَا
إِلَّا
مَلَكٌ
كَرِيمٌ»
[يوسف:31].
أما
سيدنا محمد
صلى الله عليه
وسلم فتميز
بصفات جسمية
لا يشاركه
فيها أحد،
صفات كلها
جمال وكمال وبهاء،
جمع الله له
بين شجاعة
القلب وقوة
البدن، وكمال
الجسم، وحسن
المظهر...
خلقت
مبرأ من كل
عيب
كأنك
قد خلقت كما
تشاء
فهو
أكمل الناس
وإن لم يكن من
الملائكة فهو
أعلى من
الملائكة،
وأليق بحمل
رسالة خالدة،
وأجدر بها من
خلق الله
أجمعين.
فهو
الذي تم معناه
وصورته
ثم
اصطفـاه
حبيبا بارئ
النسم
منزه
عن شريك في
محاسنــه
فجوهر
الحسن فيه غير
منقسم
قال
الإمام
القرطبي – رحمه الله-:
«لم يظهر لنا
تمام حسنه؛
لأنه لو ظهر
لنا تمام حسنه
لما أطاقت
أعيننا رؤيته
صلى الله عليه
وسلم».
هذا وقد
استفاضت
الأحاديث
النبوية
الشريفة والآثار
المروية التي
تدل على كمال
خلقته الشريفة
وجمال صورته،
ولذلك كان من
تمام الإيمان
به عليه
الصلاة
والسلام
الإيمان بأن
الله سبحانه
وتعالى قد جعل
بدنه الشريف
على وجه لم
يظهر قبله ولا
بعده خلق آدمي
مثله.
أخرج
الإمام الترمذي
– رحمه
الله- عن هند
بن أبي هالة
رضي الله عنه
أنه قال، وكان
وصافا للنبي
صلى الله عليه
وسلم: «كان
رسول الله صلى
الله عليه
وسلم فخما
مفخما،
يتلألأ وجهه
تلألؤ القمر
ليلة البدر،
أطول من
المربوع،
وأقصر من
المشذب، عظيم
الهامة رجل
الشعر، إن
انفرقت
عقيقته فرقها،
وإلا فلا،
يجاوز شعره
شحمة أذنيه
إذا هو وفره،
أزهر اللون،
واسع الجبين،
أزج الحواجب
سوابغ في غير
قرن؛ بينهما
عرق يدرّه
الغضب، أقنى
العرنين، له
نور يعلوه
يحسبه من لم
يتأمله أشم،
كث اللحية سهل
الخدين، ضليع
الفم، مفلج
الأسنان دقيق
المسربة، كأن
عنقه جيد دمية
في صفاء
الفضة، معتدل
الخلق، بادن
متماسك سواء
البطن
والصدر، عريض
الصدر بعيد ما
بين المنكبين
ضخم
الكراديس،
أنور
المتجرد،
موصول ما بين
اللبة،
والسرة بشعر
يجري كالخط،
عري الثديين
والبطن مما
سوى ذلك أشعر
الذراعين والمنكبين
والصدر، طويل
الزندين، رحب
الراحة، شثن
الكفين
والقدمين
سائل
الأطراف،
خمصان الأخمصين،
مسيح القدمين
ينبو عنهما
الماء، إذا زال
زال قلعا يخطو
تكفيا، ويمشي
هونا، ذريع المشية،
إذا مشى كأنما
ينحط من صبب،
وإذا التفت
التفت جميعا،
خافض الطرف،
نظره إلى
الأرض أطول من
نظره إلى
السماء، جل
نظره
الملاحظة، يسوق
أصحابه ويبدر
من لقيه
بالسلام».
«الشمائل المحمدية
للترمذي».
وفي
وصف الفاروق
عمر رضي الله
عنه كما أخرج
ابن عساكر:
«كان رسول
الله صلى الله
عليه وسلم أبيض
اللون مشربا
حمرة، أدعج
العينين، كث
اللحية، ذا
وفرة، دقيق
المسربة كأن
عنقه إبريق فضة،
كان يجري له
شعر من لبته
إلى سرته
كالقضيب، لم
يكن في جسده
شعر غيره، شثن
الأصابع، شثن
الكفين
والقدمين، إذا
التفت التفت
جميعا، وإذا
مشى كأنما
يتقلع عن صخر،
وكأنما ينحط
من صبب، إذا
جاء مع القوم
غمرهم، كأن
ريح عرقه
المسك، بأبي
وأمي لم أر قبله
ولا بعده
مثله». اهـ.
وفي
وصف الإمام
علي كرم الله
وجهه كما أخرج
الإمام
الترمذي:«لم
يكن رسول الله
بالطويل
الممغط ولا
بالقصير
المتردد،
وكان ربعة من
القوم، ولم
يكن بالجعد
القطط ولا
بالسبط،كان
جعدا رجلا،
ولم يكن
بالمطهم، ولا
بالمكلثم،
وكان في وجهه
تدوير أبيض
مشرب، أدعج
العينين،
أهدب
الأشفار، جليل
المشاش
والكتد أجرد
ضخم الرأس،
ضخم الكراديس،
طويل
المسربة، شثن
الكفين
والقدمين وإذا
مشى انقلع
كأنما ينحط من
صبب، وإذا
التفت التفت
معا، بين
كتفيه خاتم
النبوة وهو
خاتم النبيين».اهـ.
وتصفه
أم معبد
الخزاعية حين
مر بها من مكة
إلى المدينة
مهاجرا فتقول:
«رَأَيْتُ
رَجُلا
ظَاهِرَ
الْوَضَاءَةِ،
أَبْلَجَ
الْوَجْهِ،
لَمْ
تَعِبْهُ
نُحْلَةٌ، وَلَمْ
تُزْرِ بِهِ
صُقْلَةٌ،
وَسِيمٌ قَسِيمٌ،
فِي عَيْنِهِ
دَعَجٌ،
وَفِي
أَشْفَارِهِ
وَطَفٌ،
وَفِي
صَوْتِهِ
صَهَلٌ،
وَفِي عُنُقِهِ
سَطَعٌ،
وَفِي
لِحْيَتِهِ
كَثَاثَةٌ،
أَزَجُّ أَقْرَنُ،
إِنْ صَمَتَ
فَعَلَيْهِ
الْوَقَارُ،
وَإِنْ
تَكَلَّمَ
سَمَا
وَعَلاهُ
الْبَهَاءُ،
أَجْمَلُ
النَّاسِ
وَأبْهَاهُ
مِنْ بَعِيدٍ
وَأَجْلاهُ
وَأَحْسَنُهُ
مِنْ قَرِيبٍ،
حُلْوُ
المَنْطِقِ،
فَصْلٌ لا نَزْرٌ
وَلا هَذَرٌ،
كَأَنَّ
مَنْطِقَهُ
خَرَزَاتُ
نَظْمٍ يَتَحَدَّرْنَ،
رَبْعَةٌ لا
بَأْسَ مِنْ
طُولٍ، وَلا
تَقْتَحِمُهُ
عَيْنٌ مِنْ
قِصَرٍ، غُصْنٌ
بَيْنَ
غُصْنَيْنِ،
فَهُوَ
أَنْضَرُ الثَّلاثَةِ
مَنْظَرًا،
وَأَحْسَنُهُمْ
قَدْرًا،
لَهُ
رُفَقَاءُ
يَحُفُّونَ
بِهِ، إنْ
قَالَ:
أَنْصَتُوا
لِقَوْلِهِ،
وَإِنْ
أَمَرَ
تَبَادَرُوا
لأَمْرِهِ،
مَحْشُودٌ
مَحْفُودٌ،
لا عَابِسٌ
وَلا
مُفَنَّدٌ
قَالَ أَبُو
مَعْبَدٍ:
هُوَ وَاللهِ
صَاحِبُ
قُرَيْشٍ
الَّذِي ذُكِرَ
لَنَا مِنْ
أَمْرِهِ مَا
ذُكِرَ بِمَكَّةَ،
وَلَقَدْ
هَمَمْتُ
أَنْ
أَصْحَبَهُ،
وَلأَفْعَلَنَّ
إِنْ
وَجَدْتُ
إِلَى ذَلِكَ
سَبِيلا».
«أخرجه
الطبراني».
وأخرج
الإمامان
البخاري
ومسلم – رحمهما الله-
عن أنس رضي
الله عنه قال:
«كان رسول
الله صلى الله
عليه وسلم
أزهر اللون
كأن عرقه
اللؤلؤ، إذا
مشى تكفأ، وما
مسست ديباجة
ولا حريرا
ألين من كف
رسول الله صلى
الله عليه وسلم
ولا شممت مسكا
ولا عنبرة أطيب
من رائحته».
وأخرج
الديلمي – رحمه الله-
عن أم
المؤمنين
عائشة رضي
الله عنها
قالت: «استعرت
من حفصة بنت
رواحة إبرة
كنت أخيط بها
ثوب رسول الله
صلى الله عليه
وسلم فسقطت
مني الإبرة
فطلبتها فلم
أقدر عليها،
فدخل رسول
الله صلى الله
عليه وسلم
فتبينت الإبرة
بشعاع نور
وجهه فضحكت،
فقال: يا
حميراء لم
ضحكت، فقلت:كان
كيت
وكيت.فنادى
بأعلى صوته:
يا عائشة الويل
ثم الويل لمن
حرم النظر إلى
هذا الوجه، ما
من مؤمن ولا
كافر إلا
ويشتهي أن
ينظر إلى وجهي
«أخرجه ابن
عساكر».
2- مزية
الجمال
النبوي:
فهو
صلى الله عليه
وسلم أعطي
الحسن كله
والجمال كله،
متوج بميزتين
عظيمتين:
أولهما:
الهيبة
الجلالية؛
قال الإمام
علي المرتضى
رضي الله عنه
عن سيدنا محمد
صلى الله عليه
وسلم: «من رآه
بديهة هابه».
وقال غيره:
«كان النبي
صلى الله عليه
وسلم أوقر
الناس في
مجلسه». ودخل
عليه رجل
فأصابته من
هيبته رعدة.
فقال له: «هون
عليك» «رواه
البخاري
ووصله ابن
ماجه».
روى
الإمام
الترمذي عن
أنس رضي الله
عنه «أن رسول
الله صلى الله
عليه وسلم كان
يخرج على أصحابه
من المهاجرين
والأنصار وهم
جلوس، فيهم أبو
بكر وعمر، فلا
يرفع أحد منهم
إليه بصره إلا
أبو بكر وعمر.
فإنهما كانا
ينظران إليه
وينظر إليهما
ويبتسمان
إليه ويبتسم
لهما».
وروى
أسامة بن شريك
رضي الله عنه
قال: «أتيت النبي
صلى الله عليه
وسلم وأصحابه
حوله كأنما على
رؤوسهم
الطير».
وفي
صفته «إذا
تكلم أطرق
جلساؤه كأنما
على رؤوسهم
الطير».. قال
عمرو بن العاص
رضي الله عنه: «وما
كان أحد أحب
إلي من رسول
الله صلى الله
عليه وسلم ولا
أجل في عيني
منه، وما كنت
أطيق أن أملأ
عيني منه
إجلالا له،
ولو سئلت أن
أصفه ما أطقت
لأني لم أكن
أملأ عيني
منه» [صحيح
مسلم، كتاب الإيمان،
باب الإسلام
يهدم ما قبله].
ولذلك
لم يفتتن به
من يراه، كما
افتتن نسوة المدينة
بنبي الله
يوسف الصديق
عليه السلام، فمن
رأى سيدنا
رسول الله صلى
الله عليه
وسلم هابه،
للهيبة
الجلالية
المضافة على
جماله، وكان
أصحابه
الكرام رضي
الله عنهم لا
يستطيعون
إثبات النظر
في وجهه
الشريف لقوة
مهابته ومزيد
وقاره.
لواحي
زليخــا لــو
رأين جبيــنه
لآثرن
بالقطع
القلوب على
الأيدي
ولله
در الإمام
القرطبي – رحمه الله-
القائل: «لم
يظهر لناتمام
حسنه – صلى
الله عليه
وسلم، لأنه لو
ظهر لنا تمام
حسنه لما
أطاقت أعيننا
رؤيته صلى
الله عليه
وسلم» (انظر:
المواهب
اللدنية
للقسطلاني، 2/5).
وثانيهما:
النور
الضيائي؛ وهذه
النورانية
أصيلة فيه صلى
الله عليه
وسلم وهي أول
ما خلق الله
تعالى من
الأنوار في
الأكوان، كما
جاء في حديث
جابر رضي الله
عنه: «أول ما
خلق الله نور
نبيك يا جابر»
[رواه عبد
الرزاق
الصنعاني]،
وإن كان هذا
الحديث فيه
نظر عند أهل
الحديث، فإن
نورانية
سيدنا محمد صلى
الله عليه
وسلم وأولية
خلقها لا
تحتاج إلى
دليل، فنوره
صلى الله عليه
وسلم ظاهر
ووجوده باهر...
وهذه الحقائق
هي أدلة في حد
ذاتها، وصدق
رب العزة حيث
يقول في هذا
النور الأزلي
الخالد: «قَدْ
جَاءَكُمْ
مِنَ اللهِ
نُورٌ وَكِتَابٌ
مُبِينٌ»[المائدة:
15]. قال المفسرون:
«المراد
بالنور هو
سيدنا محمد
صلى الله عليه
وسلم» «كذا في
تفسير الطبري
وابن أبي حاتم».
وكذلك
رأت أمه آمنة
نورا خرج معه
عند ولادته أضاءت
له قصور
الشام. وفي
حديث
الطبراني:
«ورأينا كأن
النور يخرج من
فيه».
وما
جاء عن ابن
عباس رضي الله
عنهما قال:
«إذا تكلم رئي
كالنور يخرج
من بين
ثناياه». جاء
في وصف ابن
أبي هالة عند
الترمذي «له
نور يعلوه».
(*)
أستاذ بكلية
أصول الدين بـ«تطوان»
جامعة
القرويين،
المغرب.
مجلة
الداعي
الشهرية
الصادرة عن
دار العلوم
ديوبند ،
ربيع الأول 1436
هـ = يناير 2015م ،
العدد : 3 ،
السنة : 39