دراسات
إسلامية
رمضان في
التاريخ
اللغوي
بقلم
: خلف أحمد
محمود أبو
زيد(*)
شهر رمضان، الذي اختصه الخالق عز وجل بالتصريح باسمه، في كتابه العزيز إعلاناً لعظيم قدره، وفضله، ولو حاولنا تتبع كلمة «رمضان» في لغتنا العربية، نجد أن شهر رمضان، قد عرف منذ زمان بعيد يضرب في أعماق التاريخ، بجذور عميقة، وأصول راسخة، فما هو تاريخ هذا اللفظ، ومتى عرف رمضان بهذا الاسم، هذا ما سوف نتناوله عبر هذه السطور.
أسماء
الأشهر
القمرية:
وقبل
أن نتعرف على
التاريخ
اللغوي لكلمة «رمضان»
نلقي الضوء
على الأشهر
القمرية، وهي
الأشهر العربية،
التي تبدأ من
أول ظهور
الهلال للبصر
بالعشيات، بعد
غروب الشمس،
وأخرها رؤيته
بالعشيات
ثانيًا،
فلذلك قدموا
الليل على
النهار،
فإنهم يعدون
الشهر من عشية
الليلة، التي
يرون فيها الهلال،
فيجعلون تلك
الليلة مع
نهار صبيحتها
يومًا
واحدًا، هو
أول الشهر
عندهم، وكذلك
يتلونه بباقي
الأيام إلى
آخر الشهر،
وعندما نبحث
في كتب اللغة،
نجد أن الشهور
العربية، قد
مرت تسميتها
بمرحلتين،
المرحلة
الأولى، وهي
التي وضعت
فيها العرب
العاربة،
اسماء
الشهور، في أزمان
سحيقة في
الجاهلية
الأولى، وهذه
المرحلة قد
أصبحت أسماء
الألفاظ التي
وضعت فيها غير
مستعملة،
بظهور
المرحلة
الأخرى،
والمرحلة الثانية،
وهي المرحلة
التي وضعت
فيها العرب المستعربة،
اسماء الشهور
قبل الإسلام،
حيث سميت سائر
الشهور
العربية
بأسمائها
المعروفة بها
الآن، وقيل إن
أول من وضع
أسماء شهور هذه
المرحلة
إبراهيم
وإسماعيل
عليهما السلام،
حيث توارثته
العرب عنهما،
وقيل إن أول
من سماها بهذه
الأسماء «كلاب
بن مرة»
وهو الجد
الخامس للنبي ﷺ،
وذلك قبل
الإسلام
بمائتي عام،
وقد جعلوا فيها
خمسة أشهر تدل
أسماؤها على
الفصول،
وأربعة أشهر
حرم، وثلاثة
للدلالة عن
مناسبات تحدث فيها،
وقد عللوا هذه
التسميات
بأنّها مُستقاة
من ظروف
حالاتهم
الاجتماعية
والجويّة
التي مرّت بهم
مع ابتداء هذه
الشهود حيث وضعوا
التسمية
فأسموها
بالأزمنة
التي وقعت فيها،
فمثلاً «المحرم»
سموه محرماً
لأنهم أغاروا
فيه فلم
ينجحوا، فحرموا
الحروب
والغارات
فيه، فسموه
بذلك، وسموا «صفرًا»
لصفر بيوتهم
ومدنهم، أي
لخلوها منهم
في هذا الشهر،
عند خروجهم إلى
الغارات، أو
لأنهم كانوا
يغيرون على
الصفرية بوزن
قمرية، وهي
بلاد وأسواق
كانت تقام باليمن،
وكانوا
يمتازون فيها
ومن تخلف عنها
هلك جوعًا،
وفي ذلك يقول
النابغة
الذبياني.
إني
نهيت بني
ذبيان عن أفق
وعن
تـرفهم في كل
أصفار
وأيضًا
شهر «رجب»
الذي سمي
بذلك، لأنه
كان يرجب فيه
في الجاهلية،
أي يعظم، وسمي
«رجب»
لترك القتال
فيه، كما أنهم
ساعة سموا «ربيعًا
الأول»
و«الآخر»
كان الزمن
متفقًا مع
وجود الربيع،
وعندما سموا «جمادى
الأولى»
و «جمادى
الأخرى»،
كان الماء
يجمد في هذه الأيام،
وهكذا، فإنهم
لاحظوا
الأوصاف في
الشهور ساعة
التسمية، ثم
دار الزمن
العربي الخاص
والمحدد
بالشهور
القمرية في
الزمن العام للشمس،
فجاءت هذه
الشهور في
صيف، وجاءت في
خريف، وجاءت
في شتاء. على
نحو مانراه
الآن.
تسمية
رمضان عند
العرب
العاربة:
بداية
نؤكد على أن
شهر «رمضان»
قد عرف بعدة
أسماء، وأن
هذه التسمية
قد مرت بمرحلتين،
المرحلة
الأولى وهي
المرحلة التي
وضع خلالها
العرب
العاربة،
أسماء الشهور
العربية في
عصورها
الأولى؛ حيث
عرف شهر «رمضان»
في هذه
المرحلة بعدة
أسماء، فقد
سموه «ناتقًا»
و«ناطلا»
و«زاهرًا»
ولكل كلمة من
هذه الكلمات
معنى عند
العرب
العاربة، ظل يلازمها
منذ عصورهم
الأولى، أي
منذ وضعهم لها،
والآن نتعرف
على المعنى
اللغوي لهذه
الأسماء،
فرمضان سمي
بـ«ناتق»،
لأنه كان
ينتقهم أي
يزعجهم
أضجارًا
بشدته عليهم،
وقيل سمي «رمضان»
ناتقًا لكثرة
الأموال التي
كانت تجبيها
العرب فيه،
أما تسمية
«ناطلاً» فمن
معاني «النطل»
ما يرفع من
نقيع الزبيب
بعد السلاف –
والناطل –
الجرعة من
الماء واللبن
والنبيذ
والخمر –
ويظل الخمر –
عصرها والنطل
بكسر النون –
خثارة
الشراب،
والنطلة
بضمها –
الجرعة وما
أخرجته من فم
السقاء بيدك،
وأما تسميته
بـ«زاهر» فقد
قيل فيها: إنه
سمي بهذا –
لأن هلاله كان
يوافق مجيئه
وقت ازدهار
النبات عندهم
في البادية.
رمضان
عند العرب
المستعربة:
وهي
المرحلة
الثانية،
التي وضع فيها
العرب المستعربة
أسماء
الشهور،
وتبدأ هذه
المرحلة عصرها
بأولاد
إسماعيل بن
الخليل
إبراهيم عليهما
السلام،
وفيها أخذ شهر
رمضان هذا
الاسم
المعروف به الآن،
وصار إسمًا له
وعلمًا
عليـه،
معروفًا به
على سائر
الأزمان،
ومنذ وضع له
هذا الاسم لم
تتعدد
أسماؤه، ولم
يأخذ اسمًا
غيره، طوال العصر
الجاهلي
الثاني قبل
الإسلام، ولو
تتبعنا
التسمية لشهر
رمضان في كتب
اللغة، فمن اللغويين
من جعلها
مشتقة من «الرمض»
وهو شدة الحر،
ومنهم من قال
إنها مشتقة من
«الرمضاء»
كحمراء، وعلى
ذلك قول
الشاعر:
المستجير
بعمرو عند
كربته
كالمستجير
من الرمض
بالنار
ومنهم
من قال «رمضان»مصدر
«رَمَضَ»
إذا اخترق من
الرمضاء،
فأضيف إليه
الشهر، وجُعِلَ
علمًا ومنع من
الصرف، وفي
الغربيين، هو
مأخوذ من «رَمَضَ
الصائمُ يرمض»
إذا حر جوفه،
من شدة العطش،
للتعريف
والألف والنون،
وهناك من قال
إنه مأخوذ من «رمضت
النصل أرمضه
رمضًا»
إذا وقفته بين
حجرين ليرق،
سمي بذلك
لأنهم كانوا
يرمضون
أسلحتهم فيه،
أي يرققونها
ليحاربوا بها
في شوال –
قبل دخول
الأشهر
الحرم، وقيل
سمي بذلك،
لأنه
شهر مشقة،
حيث كان
الصيام
معروفًا عند
العرب قبل
الإسلام،
وقيل من «رمضت
في المكان»
يعني احتبست؛
لأن الصائم
يحتبس عما نهي
عنه، وقيل سمي
بذلك
لارتماضهم من
حر الجوع
والعطش، وقال
بعضهم إنه سمي
بذلك، لأنه أتي
وقت التسمية
حيث بدأ الحر
ورمضت الأرض،
وفي اللغة «رمض
الإنسان»
أي حر جوفه من
شدة العطش، و«الرمضاء»
أي الرمل
الحار،
وعندما يقال «رمضت
الماشية»
أي أن الحر
أصاب خفها،
فلم تعد تقوي
أن تضع رجلها
على الأرض،
ونلحظ من كل
هذه
الأشتقاقات اللغوية
لكلمة «رمضان»
أنها تدل على
الحرارة
والقيظ، مما
يؤكد على أن
وقت التسمية
لشهر «رمضان»
كانت وقت حر
وقيظ، وجوع
وعطش.
أسماء
رمضان في
الإسلام:
وهناك
تعليلات أخرى
ترجع إلى ما
بعد ظهور الإسلام،
وفرض صيام هذا
الشهر في
المدينة، أرض
الهجرة من
السنة
الثانية
للهجرة؛ حيث
نزل جبريل
عليه السلام،
من عند الله
عز وجل، إلى
رسوله الكريم بقوله
تعالى: ﴿يَا
أَيُّهَا
الَّذِيْنَ
آمَنُوا
كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الصِّيَامُ
كَمَا كُتِبَ
عَلَى الَّذِيْنَ
مِنْ
قَبْلِكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾
(سورة البقرة:184)
ومن هذه
التعليلات –
أنه «يرمض
الذنوب»،
أي يحرقها بالأعمال
الصالحة،
فسمي بذلك «رمضان»
وفي الحديث
الشريف «من
صام رمضان
إيمانًا
واحتسابًا
غفـر له ما تقدم
من ذنبه»
ومنها أنه سمي
بذلك، لأن
القلوب
تأخــذها فيـه
من حرارة
الموعظة
والتفكر في
أمــر الآخــرة،
كما يأخذ
الرمل
والحجارة من
حر الشمس.
وقد
تعددت أسماء «رمضان»
وتشعبت في
الإسلام
تبعًا لما
تحدثه فريضة
الصوم في نفس
المسلم من
جمال ونقار
وصفاء روحي، حتى
بلغت هذه
الأسماء ستين
اسماً عدا «رمضان»
نذكر منها «شهر
الله»
و «شهر
الآلاء»
و«شهر
النجاة»
و«شهر
القرآن»
من حيث إنه
الشهر الذي
أنزل فيه
القرآن إنما جاء
منهج هداية
للقيم،
والصوم
امتناع عن
الأقتيات،
فمنزلة الشهر
الكريم أنه
يربي البدن،
ويربي النفس
فناسب أن يوجد
التشريع في
تربية البدن،
وتربية القيم
من الزمن الذي
جاء فيه
القرآن بالقيم
و«شهر
النجاة»
و«شهر
المواساة»
و«شهر
الرضوان»
و«شهر
الغفران»
و«شهر
إغاثة
اللهفان»
و«شهر
التوسعة على
الضيفان»
وشهر «تفتح
فيه أبواب
الجنان ويصفد
فيه كل شيطان»
و«شهر
الأمان»
و«شهر الصبر»
ففي الحديث
«صم شهر
الصبر»، و«شهر
الصدق» و«شهر
الصراحة»
و«شهر
الصلاة» و«شهر
الصرم»
و«الصرم» في
اللغة، القطع
البائن
والهجران،
يقال رجل صارم
اي ماضي في كل
أمر جلد ماضي
شجاع، وكذا
الصوم يقطع
على صاحبه كل
صلة، ويصرف
عنه كل وسيلة
إلى غير مرضاة
الله بقوة
وشجاعة وحمية
إيمانية،
و«شهر الصمت»
وهو إطالة
السكوت
والتأمل،
«وشهر الصلة»
و«شهر الصمود»
ذلك أن العبد
يصوم في شدة
الحر وشدة البرد،
يصمد ويثبت
وذلك ليوم
شديد حره يوم
القيامة،
و«شهر
الصعود» أي
الارتقاء إلى
علو، وصعد
المكان، أي
ارتقى
مشرفًا، وفي
الصوم ارتقاء
بالنفس عن
الشهوات،
و«شهر
الصفاء» وهو
نقيض الكدر،
وهو الخلوص من
الشوب، و«شهر
الصحة» وهو كل
شأنه سلامة
البدن والجسم
والنفس والتواضع
الاجتماعي،
و«شهر الصفح»
وأصله من الأعراض
بصفحة الوجه،
والصفوح في
صفة الله تعالى
هو العفو عن
ذنوب العباد.
و«شهر الصلح»
وهو اسم من
المصالحة وهي
المسالمة بعد
المنازعة،
ومأخوذ من
الصلاح، وهو
الإستقامة
والتوفيق،
وأصلحت بين
القوم وفقت
بينهم، و«شهر
الصون» من حيث
أن الصوم صون
مادي صيانة
للبطن، وصيانة
للفرج، كما
أنه صون معنوي
عن المعاصي
والذنوب، كما
أنه صون من
الشيطان.
وفي
النهاية
نقول، هذه
إطلالة على
التاريخ اللغوي
لكلمة «رمضان»
رأينا من
خلالها، أن
ساعة التسمية
له بهذا الإسم،
أن الوقت كان
حارًا، وكأن
الخالق عز وجل
حينما هيأ
للعقول
البشرية
الواضعة للألفاظ،
أن يضعوا لهذا
الشهر ذلك
الإسم دليلاً
على المشقة
التي تعرى
الصائم في شهر
رمضان.
* *
*
المصادر:
* رمضان
في الفكر
الديني، د/
محمد فتحي فرج
بيومي، سلسلة
دراسات
إسلامية،
العدد 123.
* أسماء
الشهور
العربية بين
الجاهلية
وصدر الإسلام،
د/ أحمد عارف
حجازي، المجلة
العربية،
إصدار علمي
محكم، العدد
الأول.
* أوائل
الشهورالهجرية
فلكيًا لعام
1417هجرية، الهيئة
المصرية
العامة
للمساحة.
* رمضان
في اللغة،
الأستاذ/ سيف
النصر عبد
العزيز مجلي،
مجلة منبر
الإسلام، عدد
رمضان 1394هجرية،
أكتوبر عام 1974م.
* شهر
رمضان
وعلاقته بحرف
الصاد، د/
مصطفى أبو
سليمان
الندوي، مجلة
الوعي
الإسلامي،
العدد 481.
* *
*
مجلة
الداعي
الشهرية
الصادرة عن
دار العلوم
ديوبند ،
رمضان – شوال 1434
هـ = يوليو - سبتمبر
2013م ، العدد : 9-10 ،
السنة : 37
(*) جمهورية
مصر العربية – محافظة
سوهاج – مدينة
ناصر «شارع
المملوك» منزل رقم 5.
البريد
الالكتروني ka abozed 1969@yahoo.com