كلمة المحرر

 

 

 

 

كلُّ ثورة ضدَّ أيِّ دكتاتورٍ على أكتاف الاستعمار الأمريكي الغربي لم ولن تنفعنا

 

 

 

 

     ما يحدث اليوم من الثورات المُتَّصِلة في ديارنا العربيّة ضدَّ حكوماتها الدكتاتورية، كان جديرًا وسيظلّ بالإشادة والتحبيذ إذا نجح بنحو تلقائي، وبمجهود شعبِيّ، ولمصلحة شعبية، وبقوة داخلية وطنية، ولمصلحة وطنية خالصة. أمّا إذا تَفَجَّرت الثورات على إثارة أجنبية، ونجحت بمساع أجنبية، وقَطَعَتِ الطريقَ كلَّه بتدخل أجنبيّ سافر مكشوف أو مخفيّ مستور، فإنّها غيرُ مُبَارَكة، لايمكن أن تأتي بحاصل إيجابي مثمر بَنَّاءَ يخدم مصالح وطنية أو شعبيّة. بل إنّ كل ثورة آتية على أكتاف قوة أو قوى أجنبية ضدّ أيّ دكتاتور من الدكتاتوريين منّا، ستكون أضرَّ على البلاد والعباد من الدكتاتور الذي تفجّرت ضدّه.

     إنّ صدام حسين لم يكن أضرَّ على العراق من الاحتلال الأمريكي الغربي الذي كان كالحالقة؛ حيث أزال كلَّ خير فيه العراق وخَرَّبَه عن آخره، ولايزال وسيظل يعاني ويلاته لأمد بعيد لايعلم نهايته إلاّ الله تعالى، والذي أحلّ الحكومةَ الشيعيّةَ الطائفيّة محلَّ الحكومة السنيّة، وفرّق الشعب، ويكاد يوزّع البلاد بين دويلات متناحرة للأبد.

     وإنّ الطالبان كانوا أحسنَ بكل المقاييس لأفغانستان وشعبها من الاحتلال الأمريكيّ الغربيّ الذي جرَّد ولايزال أفغانستان من كلّ خير، وعانى ولايزال الشعب الأفغاني المسلم من جرائه الويلات التي لا أوّل لها ولا آخر.

     وإن باكستان كانت أحسن حالاً من كلِّ الوجوه قبلَ التدخل الأمريكيّ العسكريّ الذي زَرَعَ الفتنة العَمْيَاءَ في كل شبر من أشبارها التي تحصد وستظل باكستانُ منها الحصادَ المُرَّ الذي لايعلم مداه إلاّ الله.

     إن «ليبيا» التي تَدَخَّلَ اليوم فيها التحالفُ الغربيُّ العسكريُّ بقيادة أمريكا والصهيونية العالميّة بحجّة إنقاذ الشعب من الاعتداءات القذافيّة الوطنية الداخلية لن تحصد منه سوى الويل؛ والثبور؛ والحرب الأهليّة؛ والصراع القَبْلِي؛ والتناحر الشعبيّ الداخلي؛ والنهب الأجنبي العشوائي لخيرات البلاد وعلى رأسها النفط الذي ظلّ يسيل له لعابُ الغرب الصليبيّ؛ والاحتلال الغربي الطويل الأمد، المُمْتَصّ لخيرات البلاد الماديّة والمعنويّة، التاريخية والثقافية، والحضارية والدينية، امتصاصَ الإسفنج لكلّ شيء مائع.

     أيُّ خير يا تُرَىٰ في الديموقراطيّة المُحَلَّة محلَّ الدكتاتوريّة، التي يفرضها علينا الأجنبيُّ الصهيونيُّ الصليبيُّ الذي يَتَرَبَّص بنا كلَّ وقت الدوائرَ، ولم يُرِدْ لنا خيرًا قَطُّ، وإنّما كَالَ لنا الصَّاعَ صَاعَيْن، ولم يُعْطِنا في الظاهر شيئًا تافهًا، إلاّ ليأخذ منّا أشياءَ لا تُقَوَّم ولا تُعَدُّ ولا تُحْصَىٰ.

     إن الثُّوَّار الذين يَفْرَحُون اليوم باستدعاء التحالف الغربيّ الأمريكيّ الصهيونيّ الصليبيّ إلى ديارهم ويرقصون ويطلقون الصراخات والهتافات من أعماق حناجرهم، ويُسْكِرُهم سقوطُ دكتاتور من دكتاتوريّيهم، ويَطْرَبُون لحدِّ أنّهم لا يتمالكون أنفسَهم، سيعضّون بنانَ الندم عاجلاً، وسيبكون دماءً لا دموعًا، ولايجدون من يرثى لحالهم، ويُغِيثهم من الفتنة التي تحيط بهم.

     لقد قلتُ بالأمس عندما كان الاستعمارُ الأمريكيُّ الغربيُّ يستعدّ للانقضاض على العراق: إن صدام حسين مهما كان فاسقًا فاسدًا، مفسدًا مستبدًا، دكتاتورًا ضاريًا بدماء الشعب، مدمرًا للبلاد، فإنّه منّا نحن العرب والمسلمين، فلا يجوز أن ينهض أحد غيرُنا ليحاسبه ويؤاخذه ويعاقبه، وإنما المحاسبة والمعاقبة هي حقّنا نحن المسلمين العرب.

     فكذلك نقول اليوم: مهما كان كل من القذافي أو مبارك أو زين العابدين أو علي عبد الله صالح أو بشار الأسد أو عاهل البحرين أو...، قد بلغ من الفساد نهايتَه، والفسق غايتَه، ومن الدكتاتورية مداها، ومن تدمير البلاد والشعب الحدَّ الذي لاحدَّ بعده؛ فإنّه منّا نحن العرب والمسلمين، فلن يجوز أن يؤاخذه إلاّ أهلُه: شعبُه ومُواطِنُوه وأبناءُ بلده وقومه المسلمون والعرب، ولا يجوز أبدًا أن يُقْحِم الاستعمارُ الأمريكيُّ الغربيُّ الصهيونيُّ الصليبيُّ نفسَه في شؤوننا على كره كامل منّا، ويقول: سنؤاخذه ونعاقبه. من الذي خَوَّل له هذه الصلاحيّة؟ لماذا نَصَبَ نفسَه شرطيَّ العالم على كره من العالم؟.

     أفهل يسمح لنا هذا الاستعمارُ البغيضُ بأن نتدخّل نحن المسلمين في شأن من شؤونه الداخليّة؟ لا، أبدًا. إنّه لن يسمح لنا بأن نرمي طوبًا صغيرًا في حوض من حياضه الراكدة الآسنة. وفعلاً يُلاَحِقُنا في عقر دارنا منذ سنوات طويلة بحجة أن بعضًا منّا هَجَمَ على مبنى من مبانيه، وقتل ويقتل مئات الآلاف من نفوسنا، وعَذَّبَ ويعذّب مئات الآلاف من شبابنا، وخرَّب ويخرّب كثيرًا من بلادنا، ونهب وينهب كثيرًا من خيراتنا. على حين إنّ هذا الهجوم كان وهميًّا، قام به أبناؤه الصهاينة متكاتفين مع أبنائهم الصليبيين، لإيجاد مُبَرِّرٍ شيطانيّ لتدميرنا نحن العرب والمسلمين.

     إنّ كل ثورة ضدّ أي دكتاتور منًّا، على أكتاف الاستعمار الأمريكيّ الغربيّ الصهيـونيّ الصليبيّ لم ولن تنفعنا، وإنما تضرّنا بنحو لا يُقَدَّر ولايقبل الحصرَ، ويُحْرِقُنا عن آخرنا، ويُدَمِّرنا من قمة الرأس إلى أخمص القـدم. وإنما تنفعنا الثـورة الشعبيّة الداخلية البريئة الوطنية الهادفة البناءة التي تُرَافِقها سلامةُ القصد، وحسنُ النية، ونزاهةُ الطويَّة، المضنونُ بها على غير أهلها من الغرب المتكبر والشرق المتنكر وعملائهما الخبثاء.       [التحرير]

 

(تحريرًا في الساعة 10:30 من صباح يوم الإثنين : 22/ربيع الثاني1432هـ الموافق 28/مارس 2011م)

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، جمادي الثانية 1432هـ = مايو 2011م ، العدد : 6 ، السنة : 35